الرئيسية / من / طرائف الحكم / الثورة الحسينية: خصائص ومرتكزات‏

الثورة الحسينية: خصائص ومرتكزات‏

الثورة الحسينية:

خصائص ومرتكزات‏

بقلم- اية اللّه الإمام الخامنئي

بسم الله الرحمن الرحيم‏

إنّ‏َ عطر الجهاد والمعرفة والشهادة يفوح اليوم كالسابق وهو متزيّن بزينة الإسلام وعشّاق الحسين والمخلصين للإسلام والثورة.

إنّ إسم الحسين بن علي عليه السلام لإسمٌ عجيب، فلو ألقيتم نظرة عاطفية لوجدتم أنّ‏َ ميزة اسم ذلك الإمام بين المسلمين العارفين هي جذب القلوب إليه.

ومن لا يتمتّع بهذه الحالة، في الحقيقة هو محروم من معرفة الإمام الحسين عليه السلام، ومن جهة ثانية هناك الكثير من غير شيعة ال البيت‏عليهم السلام تذرف دموعهم وتتقلّب قلوبهم بذكر اسم الحسين عليه السلام، فقد جعل الباري تعالى في اسم الإمام الحسين عليه السلام تأثيراً بحيث لو ذُكر اسمه لسيطرت حالة من المعنوية على الأفئدة والأرواح وهذا هو المعنى العاطفي لذلك الوجود وتلك الذات المقدّسة، مثلما كانت هكذا عند أهل البصيرة منذ البداية، فقد كانت لهذا الوجود العزيز خصوصية منفردة وكان موضع حبّ وعشق في بيت النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم وأمير المؤمنين عليه السلام كما يفهم من الروايات والسِّيرِ والأخبار والتاريخ، واليوم هو كذلك.

ومن ناحية المعارف أيضاً، فقد كانت تلك الشخصية وكان ذلك الاسم الشريف مشيراً إلى ذلك المسمّى العظيم الشأن هكذا، فإنّ أهمّ وأسمى المعارف كامنة في أقوال هذا الإمام.

ومن الناحية التاريخية أيضاً، فإنّ هذا الاسم وهذه الخصوصية والشخصية هو مقطع تاريخي وكتاب مستقلّ، طبعاً ليس تاريخاً مبسّطاً وسرداً للأحداث، بل تفسير وبيان للتاريخ ودروس في الحقائق التاريخية.

والعِبرة في قضية الإمام الحسين عليه السلام هي عندما يتأمّل الإنسان في تاريخ المجتمع الإسلامي، ذلك المجتمع الذي كان يرأسه شخص غير عادي كرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، هذا النبي الذي كان يتمتّع بقدرة تفوق إدراك البشر، والمرتبط بالوحي الأزلي والحكمة الفريدة اللامتناهية، والمجتمع الذي حَكَمَه بعد ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام، حيث أصبحت المدينة والكوفة مركَزَي هذه الحكومة العظيمة، فما الذي حدث بعد ذلك؟ وأيَّة جرثومة دخلت بدن هذا المجتمع حتى قُتِل الحسين بن علي عليه السلام في ذلك المجتمع وبين هؤلاء الناس وبتلك الصورة بعد مضي نصف قرن على وفاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم وعشرين سنة على شهادة أمير المؤمنين عليه السلام؟ فما الذي حدث، وكيف؟! وما حدث ليس بحقّ ابن مجهول، بل بحقّ من كان يحتضنه النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم في الصغر، ويُصعده معه على المنبر ويخطب في الناس، بحقّ من قال في حقّه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: »حسينٌ منّي وأنا من حسين« هكذا كانت العلاقة وثيقة بين الأب والابن، ذلك الابن الذي كان ركناً من أركان حكومة أمير المؤمنين عليه السلام في الحرب والصلح والسياسة، وكان كالشمس الساطعة.

إنّ‏َ العامل الرئيس في وقوع هذه القضيّة هو استشراء حبّ الدنيا والفساد والفحشاء بحيث سُلبتْ الغيرة الدينية والشعور بالمسؤولية الإيمانية، فإنّنا عندما نؤكّد على قضيّة الفساد والفحشاء، والجهاد والنهي عن المنكر وأمثال هذه الأمور، فإنّ أحد أسبابها الرئيسية هو تسبّبها في تخدير المجتمع، فالمدينة المنوّرة التي كانت القاعدة الأولى لتأسيس الحكومة الإسلامية تحوّلت بعد فترة قصيرة إلى مركز لأفضل الموسيقيين والمغنّين وأشهر الراقصات، بحيث عندما كان يُراد دعوة أفضل المغنّين إلى بلاط الشام، كانوا يبعثون على أفضل المغنّين والعازفين في المدينة. وهذا التجاسر لم يحدث بعد مائة أو مائتي عام، إنما حدث في زمان استشهاد بضعة فاطمة الزهراءعليها السلام وقرّة عين الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، بل حتى قبل ذلك، أي في زمن معاوية، ولهذا أصبحت المدينة مركزاً للفساد والفحشاء، ووقع أبناء الشخصيات والأعيان حتّى بعض شباب بني هاشم في الفساد والفحشاء أيضاً، وقد أدرك رجال الحكومة الفاسدة ما يجب فعله ووضع البنان عليه والترويج له، وهذه البلية لم تنفرد بها المدينة فقط، بل وقعت فيها مناطق أخرى.

ومن هنا تظهر أهمية التمسّك بالدين والتقوى والمعنوية والورع والعفة.

العامل الاخر الذي أدى إلى وقوع هذا الأمر هو إعراض وعدم اهتمام اتباع الحقّ الذين كانوا يشكّلون الأركان الحقيقيّة للولاية والتشيّع بمصير العالم الإسلامي، فقد تظاهر البعض بالحماس والثورة فترة، فضايقهم الحكّام، كقضيّة الهجوم على المدينة في عهد يزيد، حيث ثار هؤلاء ضدّ يزيد، فبعث إليهم رجلاً ظالماً قام بمقتلة عظيمة، فتركت هذه الجماعة كل شي‏ء جانباً ونسيت القضية، وهذه الجماعة لم تشمل كلّ أهل المدينة، وكانت الخلافات قائمة بينها، فافتقدوا إلى الوحدة والتنظيم والارتباط الكامل بين الأفراد، أي عملوا خلافاً للتعاليم الإسلامية تماماً، وكانت النتيجة أن هاجمهم العدو بكل شراسة، فتراجع هؤلاء في أول خطوة. وهذه نقطة مهمة؛ لأن من البديهي أن تتقاتل جبهتا الحقّ والباطل وتوجهان الضربات إلى بعضهما البعض، فكما أنّ جبهة الحقّ توجّه الضربات إلى الباطل، كذلك الباطل يوجّه الضربات إلى جبهة الحقّ، وتظهر النتيجة عندما تتعب إحدى الجبهتين، فالجبهة التي تتعب أسرع تنهزم.

إنّ رمز استمرار تعاليم الأنبياء منذ البداية حتّى النهاية هو كلمة التوحيد والفضائل والقيم الدينية التي كرّروها، وقد مُلئت الدنيا بهذه التعاليم اليوم، وأينما تلقون أبصاركم تجدون تعاليم الأنبياء رغم القمع الذي واجهه الأنبياء فقد اذوا موسى كثيراً، وطاردوا عيسى بن مريم وضيّقوا عليه، لكن رغم كلّ ذلك بقيت تعاليمهم إلى يومنا هذا، والسرّ الرئيسي هو عدم تقهقر الأنبياء، وهزيمة أحدهم لم تسبّب تراجع الاخر عن محاربة الباطل، فقد تلقّى جميع الأنبياء في حياتهم الضربات من الأعداء، لكن كانت نتيجة عمل هذه المجموعة  الذين إمّا أن قُتِّلوا أو حُرِّقوا أو سُجنوا أو قُطِّعوا بالمناشير وهم أحياء، أو عُذِّبوا من قِبَل المتسلِّطين  أنّ العالم يعيش اليوم تحت ظلّ تعاليم الأنبياءعليهم السلام وتعاليمهم مطروحة أينما تذهبون، وكلّ الأخلاق الحسنة والمسمّيات الجميلة كالعدالة والصلح و… سببها تعاليم الأنبياء، والسرّ في ذلك هو عدم شعورهم بالتعب وعدم تقهقرهم.

لكن هذه القاعدة كانت مفقودة في عهد الإمام الحسين عليه السلام وفي ذلك المقطع من تاريخ الإسلام الذي وقعت فيه الكثير من الفجائع؛ وذلك لعدم وجود ارتباط وعلاقة بينهم، وشعورهم بالهزيمة والتعب سريعاً، وإخلائهم الساحة ليتقدم العدو.

لقد استُغِلَّت هذه التجربة مرة واحدة بشكل صحيح وتحقق فيها النصر المطلق، ألا وهي الثورة الإسلامية في عصرنا، لقد خلق الباري تعالى إمامنا العظيم بشكل لم تكن تلك الشخصية تشعر بالتعب والهزيمة، ولم يكن للفشل أثر على روحه أبداً، بل كان يحاول التقدم حتى في أصعب الظروف، فقد رأيتم عن قرب طوال الأعوام الثمانية من الحرب أن الذي لم يقرر الانسحاب في أصعب الظروف هو شخص الإمام قدس سره، فكان صامداً كالجبل الراسخ، والإنسان يجاهد بسهولة لو كان وراءه جبل راسخ كالإمام، وقد كان الإمام هكذا في مرحلة الكفاح أيضاً، فاستمر في الكفاح رغم الكثير من الهزائم والصِعاب والتعذيب والضغوط والنفي وكِبر السن، حيث لم يكن الإمام شاباً عندما دخل ساحة الكفاح، بل كان يبلغ ثلاثة وستين عاماً عندما بدأ، وأتذكر في خطاباته عام 1341ه.ش (1962م( حيث كان يقول: لماذا ومِمّ‏َ أخاف؟ فإن قتلوني فعمري 63 وسأموت وأنا في عمر النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم وأمير المؤمنين عليه السلام، فأية سعادة أعظم من هذه؟ هكذا كان منطقه.

شاهد أيضاً

اليمن – رمز الشرف والتضامن العربي مع غزة فتحي الذاري

  ان الحشد المليوني للشعب اليمني بكافة قواه الفاعلة والاصطفاف الرشيد بقيادة السيد القائد عبدالملك ...