بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة على عبده المصطفى محمد وآله الطاهرين وخيار صحابته أجمعين.
أشرنا في مقدمة كتاب ” العلم والحكمة في الكتاب والسنة ” إلى أن استكمال المباحث المعروضة فيه يستدعي الرجوع إلى كتاب ” العقل والجهل في الكتاب والسنة “. وها هو الكتاب الخامس من هذه السلسلة يصدر – بعون الله – من بعد صدور الكتاب الأول بفترة وجيزة.
يقدم هذا الكتاب، من خلال استقرائه للآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، إثارات جديدة في حقل نظرية المعرفة منسقة على نحو بارع، آملين أن يتبوأ مكانته اللائقة لدى أرباب العلم والحكمة.
تجدر الإشارة إلى أن القسم الأول من الكتاب أنجز بفضل التعاون الذي أبداه سماحة الشيخ رضا برنجكار، فيما أنجز القسم الثاني منه بفضل معاضدة سماحة الشيخ عبد الهادي المسعودي. وأود هنا أن أعبر عن أسمى آيات الشكر والثناء لهذين الأخوين العزيزين، ولجميع الإخوة الذين ساهموا في تخريج النصوص وتنقيحها، أو كانت لهم أي مساهمة أخرى لإخراج هذا الكتاب على أبدع صورة، وأسأل الله المزيد من التوفيق لخدمة تراث أهل البيت (عليهم السلام)، وأدعو لهم بحسن المثوبة.
وفي الختام نذكر موجزا لأسلوبنا في التحقيق:
– حاولنا جمع كافة الروايات المتعلقة بالموضوع من المصادر الروائية الشيعية والسنية وذلك بالاستعانة بجهاز الحاسوب، ثم استلال أشملها وأوثقها وأقدمها مصدرا.
– حاولنا اجتناب تكرار الروايات إلا في الحالات التالية:
أ – إذا كان هنالك تفاوت ملموس بين النصوص مع تعدد المروي عنه.
ب – عند وجود نقطة مهمة كامنة في تفاوت الألفاظ والمصطلحات.
(١٥)
ج – إذا كان هنالك تفاوت في الألفاظ بين النصوص الشيعية والسنية.
د – إذا كان نص الرواية متعلق ببابين بشرط أن لا يزيد على سطر واحد.
– في حالة وجود نصوص أحدها منقول عن النبي (صلى الله عليه وآله)، والآخر عن الأئمة (عليهم السلام)، فحينئذ نورد حديث النبي (صلى الله عليه وآله) في المتن، وروايات سائر المعصومين (عليهم السلام) في الهامش.
– بعد ذكر آيات الباب، نذكر الروايات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) على التوالي، ابتداء من الرسول (صلى الله عليه وآله) وانتهاء بالإمام القائم (عج)، إلا أن تكون هناك رواية مفسرة لآيات الباب، فهي تقدم على سائر الروايات. كما أن في بعض الحالات يؤدي تناسق الروايات إلى عدم رعاية الترتيب المذكور.
– يأتي في بداية الرواية اسم المعصوم فحسب، إلا إذا كان الراوي ناقلا لفعل المعصوم، أو كان هناك سؤال وجواب، أو يكون الراوي قد أورد في المتن قولا لا يدخل ضمن كلام المروي عنه.
– يأتي ذكر مصادر متعددة للروايات في الهامش ويرتب وفقا لدرجة اعتباره.
– عند توفر المصادر الأولية، ينقل الحديث منها مباشرة، ويذكر ” بحار الأنوار ” و ” كنز العمال ” في نهاية المصادر باعتبارهما مصدرين جامعين للأحاديث.
– بعد ذكر المصادر قد تأتي أحيانا إحالة إلى مصادر أخرى أشير إليها بعبارة:
” وراجع “، هذا فيما إذا كان النص المنقول يختلف اختلافا فاحشا عن النص المحال إليه.
– قد تأتي أحيانا إحالات إلى أبواب أخرى من هذا الكتاب، عند وجود الارتباط بينها.
– يمثل مدخل الكتاب والإستنتاجات الواردة في بعض الفصول والأبواب، رؤية شاملة لروايات ذلك الكتاب أو ذلك الباب، وأحيانا تذليلا لما قد يكتنف بعض الأحاديث من غموض.
– النقطة الأكثر أهمية هي أننا حاولنا جهد الإمكان إعطاء نوع من التوثيق لصدور الحديث عن المعصوم، عن طريق دعم مضمون أحاديث كل باب بالقرائن العقلية والنقلية.
محمد الريشهري 8 صفر الخير 1419
(١٦)
المدخل التفكير والتعقل عماد الاسلام، وركيزته الأساسية في العقائد والأخلاق والسلوك، فهذه الشريعة السماوية لا تبيح للإنسان تصديق ما لا يراه العقل صحيحا، ولا التحلي بما يستهجنه العقل من السجايا، ولا الإتيان بما يستقبحه العقل من الأعمال.
وانطلاقا من هذه الرؤية جاءت الخطابات القرآنية وأحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) وأحاديث أهل بيته (عليهم السلام) زاخرة بالمفردات الداعية إلى التفكير والتعقل: كالتفكر والتذكر والتدبر والتعقل والتعلم والتفقه والذكر واللب والنهى، وجعلت هذه المحاور مدارا، وأكدت عليها في توجهاتها أكثر من أي شئ آخر، حيث تكررت في القرآن الكريم كلمة العلم ومشتقاتها 779 مرة، وكلمة الذكر 274 مرة، والعقل 49 مرة، والفقه 20 مرة، والفكر 18 مرة، واللب 16 مرة، والتدبر 4 مرات.
يرى الاسلام أن العقل أساس الانسان، ومعيار لقيمته ودرجات كماله، وملاك لتثمين قيمة الأعمال، وميزان للجزاء، وحجة الله الباطنية (1).
العقل أثمن منحة إلهية وهبت للإنسان، وهو أول قاعدة للإسلام، وأهم ركائز الحياة، وأجمل حلية يتحلى بها الانسان (2).
(1 – 2) راجع ص 49 / قيمة العقل.
(١٧)
العقل أثمن ثروة، وأفضل صديق ومرشد، وأحسن معاقل أهل الإيمان (1).
يرى الاسلام أن العلم بحاجة إلى العقل، لأن العلم بلا عقل مضرة، ومن زاد علمه على عقله كان وبالا عليه (2).
وخلاصة القول هي أن الاسلام يرى أن السبيل الوحيد للتكامل المادي والمعنوي، وإعمار الحياة الدنيا والآخرة، والوصول إلى مجتمع إنساني أفضل، وتحقيق الغاية السامية للإنسانية، يكمن في التفكير السليم الصائب، وكل المآسي والنكبات التي منيت بها البشرية جاءت كنتيجة للجهل وعدم تسخير طاقة الفكر.
ولهذا يعترف أصحاب العقائد الباطلة يوم القيامة عند الحساب بأسباب ما حل بهم من البلاء، قائلين: * (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير * فاعترفوا بذم نبهم فسحقا لأصحاب السعير) * (3).
العقل في اللغة:
أصل العقل في اللغة بمعنى المنع والحجر والنهي والحبس، كعقل البعير بالعقال لمنعه من الحركة، ولدى الانسان قوة تسمى بالعقل، وهي التي تصونه من الجهل وتحميه من الإنزلاق فكرا وعملا. ولهذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ” العقل عقال من الجهل ” (4).
العقل في النصوص الإسلامية:
قال المحدث الكبير الشيخ الحر العاملي رضوان الله تعالى عليه، في نهاية باب ” وجوب طاعة العقل ومخالفة الجهل ” حول معاني العقل ما يلي: ” العقل يطلق في كلام العلماء على معان كثيرة (5)، وبالتتبع يعلم أنه يطلق في الأحاديث على معان
(١ – ٢) راجع ص ٤٩ / قيمة العقل.
(٣) الملك: ١٠ و ١١.
(٤) راجع ص ٩٦ / ٢٧٧.
(٥) راجع كتاب نهاية الحكمة، مؤسسة النشر الإسلامي: ٣٠٥، ٣٠٨، كشف المراد: ٢٣٤، ٢٤٥، بحار الأنوار: ١ / 99 – 101.
(١٨)