[صلة المسلمين بعيد الغدير]
إنّ الذي يتجلّى للباحث حول تلك الصفة أمران:
الاوّل:
أنّه ليس صلة هذا العيد بالشيعة فحسب، وإن كانت لهم به علاقة خاصّة، وإنّما اشترك معهم في التعيّد به غيرهم من فرق المسلمين:
فقد عدّه البيروني في الاثار الباقية في القرون الخالية: 334: ممّا استعمله أهل الاسلام من الاعياد.
وفي مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي: 53: يوم غدير خمّ، ذكره (أمير المؤمنين) في شعره(1) ، وصار ذلك اليوم عيداً
____________
(1) وهو قوله (عليه السلام):
محمد النبيّ أخي وصنوي وحمزة سيد الشهداء عمّي
وجعفر الذي يضحي ويمسي يطير مع الملائكة ابن أُمي
وبنت محمد سكني وعرسي منوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها فأيّكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الاسلام طرّاً على ما كان من فهمي وعلمي
فأوجبت لي ولايته عليكم رسول الله يوم غدير خمّ
فويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويل لمن يلقى الاله غداً بظلمي
ذكر هذه الابيات العلامة الاميني في كتابه الغدير 2: 25-30، وذكر من رواها من أعلام العامة: الحافظ البيهقي المتوفى 458 هـ، وأبو الحجاج يوسف بن محمد المالكي المتوفى حدود 605 في كتابه ألف باء 1: 39، وأبو الحسين الحافظ زيد بن الحسن الكندي الحنفي المتوفى 613 في كتابه المجتنى: 39، وياقوت الحموي في معجم الادباء 5: 266، ومحمد بن طلحة الشافعي المتوفى 652 في مطالب السؤول: 11، وسبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 في تذكرة خواص الامة: 62، وابن أبي الحديد المتوفى 658 في شرح نهج البلاغة 2: 377،… إلى ستة وعشرين نفر ممن رواها من أعلام العامة.
الصفحة 15
وموسماً، لكونه كان وقتاً نصّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه المنزلة العليَّة، وشرَّفه بها دون الناس كلِّهم.
وقال ص 56: وكلّ معنى أمكن إثباته ممّا دلَّ عليه لفظ المولى لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد جعله لعليٍّ، وهي مرتبةٌ ساميةٌ، ومنزلةٌ سامقةٌ، ودرجة عليَّةٌ، ومكانةٌ رفيعةٌ، خصّصه بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لاوليائه. انتهى.
تفيدنا هذه الكلمة اشتراك المسلمين قاطبة في التعيّد بذلك اليوم، سواء رجع الضمير في (أوليائه) إلى النبيِّ أو الوصيِّ صلّى الله عليهما وآلهما.
أمّا على الاوَّل: فواضح.
وأمّا على الثاني: فكلّ المسلمين يوالون أمير المؤمنين عليّاً شرع، سواء في ذلك من يواليه بما هو خليفة الرسول بلا فصل،
الصفحة 16
ومن يراه رابع الخلفاء، فلن تجد في المسلمين من ينصب له العداء، إلاّ شذّاذ من الخوارج مرقوا عن الدين الحنيف.
وتقرئنا كتب التاريخ دروساً من هذا العيد، وتَسالُم الاُمَّة الاسلاميَّة عليه في الشرق والغرب، واعتناء المصريِّين والمغاربة والعراقيِّين بشأنه في القرون المتقادمة، وكونه عندهم يوماً مشهوداً للصلاة والدعاء والخطبة وإنشاد الشعر على ما فُصِّل في المعاجم.
ويظهر من غير مورد من الوفيات لا بن خلكان التسالم على تسمية هذا اليوم عيداً:
ففي ترجمة المستعلي ابن المستنصر 1: 60: فبويع في يوم عيد غدير خمّ، وهو الثامن عشر من ذي الحجَّة سنة 487(1) .
وقال في ترجمة المستنصر بالله العبيدي 2: 223: وتوفّي ليلة الخميس لاثنتي عشر ليلة بقيت من ذي الحجَّة سنة سبع وثمانين وأربعمائة رحمه الله تعالى. قلت: وهذه الليلة هي ليلة عيد الغدير، أعني ليلة الثامن عشر من ذي الحجَّة، وهو غدير خُمّ ـ بضم الخاء وتشديد الميم ـ ورأيت جماعة كثيرة يسألون عن هذه الليلة متى كانت من ذي الحجَّة، وهذا المكان بين مكّة والمدينة، وفيه غدير ماء ويقال: إنّه غيضة هناك، ولمّا رجع النبي (صلى الله عليه وسلم) من مكّة شرَّفها الله تعالى عام حجَّة الوداع ووصل إلى هذا المكان وآخى عليّ بن أبي
____________
(1) وفيات الاعلام 1: 180 رقم 74، ط دار صادر.
الصفحة 17
طالب (رضي الله عنه) قال: «عليُّ مني كهارون من موسى، اللهمَّ وال مَن والاه، وعاد من عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله»، وللشيعة به تعلّق كبير. وقال الحازمي: وهو واد بين مكّة والمدينة عند الجحفة [به ]غدير عنده خطب النبيُّ (صلى الله عليه وسلم)، وهذا الوادي موصوفٌ بكثرة الوخامة وشدَّة الحرّ. انتهى(1) .
وهذا الذي يذكره ابن خلكان من كبر تعلّق الشيعة بهذا اليوم هو الذي يعنيه المسعودي في التنبيه والاشراف: 221 بعد ذكر حديث الغدير بقوله: ووُلد عليٍّ (رضي الله عنه) وشيعته يعظمون هذا اليوم.
ونحوه الثعالبي في ثمار القلوب ـ بعد أن عدَّ ليلة الغدير من الليالي المضافات المشهورة عند الاُمَّة ـ بقوله ص511: وهي الليلة التي خطب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في غدها بغدير خمّ على أقتاب الابل، فقال في خطبته: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله»، فالشيعة يعظِّمون هذه الليلة ويُحيونها قياماً. انتهى(2) .
وذلك [لـ] اعتقاهم وقوع النصِّ على الخلافة بلا فصل فيه، وهم وإن انفردوا عن غيرهم بهذه العقيدة، لكنّهم لم يبرحوا مشاطرين مع الاُمة التي لم تزل ليلة الغدير عندهم من الليالي
____________
(1) المصدر السابق 5: 230-231 رقم 728.
(2) ثمار القلوب في المضاف والمنسوب: 636 رقم 1068.
الصفحة 18
المضافة المشهورة، وليست شهرة هذه الاضافة إلاّ لاعتقاد خطر عظيم، وفضيلة بارزة في صبيحتها، ذلك الذي جعله يوماً مشهوداً أو عيداً مباركاً.
ومن جرّاء هذا الاعتقاد في فضيلة يوم الغدير وليلته وقع التشبيه بهما في الحسن والبهجة.
قال تميم بن المعزّ صاحب الديار المصريَّة المتوفّى 374 من قصيدة له ذكرها الباخرزي في دمية القصر: 38:
تروح علينا بأحداقها حِسانٌ حكتهنَّ من نشرِ هنَّهْ
نواعمُ لا يستطعن النهوض إذا قمن من ثِقل أردافِهنَّهْ
حَسُنَّ كحُسن ليالي الغدير وجئنَ ببهجة أيّامهنَّهْ(1)
ومّما يدل على ذلك: التهنئة لامير المؤمنين (عليه السلام) من الشيخين وأمهات المؤمنين وغيرهم من الصحابة بأمر من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما ستقف على ذلك مفصَّلاً إن شاء الله، والتهنئة من خواصّ الاعياد والافراح.
شاهد أيضاً
في رحاب عيد الغير الاغر – شعراء الغدير في القرن التاسع
الحافظ البرسي الحلي هو الشمس؟ أم نور الضريح يلوح؟ * هو المسك؟ أم طيب الوصي ...