هوية التشيع / الصفحات: ٦١ – ٨٠
ب ـ إنّ الفرس لا يكوَّنون إلا جزءاً قليلاً من ناحية الكم الشيعي فالتشيع منتشر عند العرب والهنود والترك والأفغان والكرد والصينيين والتبتيين والخ ويشكل الفرس جزءاً من الشيعة ليس كما يصوره البعض عن سوء فهم أو سوء نية.
ج ـ إنّ بذرة التشيع نشأت في مهد العرب في الجزيرة العربية وإنّ الرواد الأوائل للتشيع يشكلون مؤشراً واضحاً في ذلك، وما كان من غير العرب في الرواد الأوائل من الشيعة عدى واحداً هو سلمان المحمدي كما سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وكان فارساً. وقد ذكرنا الطبقة الأولى من الشيعة الذين تتوزع وشائجهم على مختلف البطون والقبائل العربية، وأنت إذا تتبعت الطبقة الثانية والثالثة من الشيعة فسوف تجدهم عرباً في الأعم الأغلب ولا اُريد الإِطالة في هذا المورد
الفصل الثاني
أقوال الباحثين في فارسية التشيع
إنّ نسبة التشيع الى الفارسية نشأت في عصور متأخرة ولأسباب وظروف سياسية خاصة أهمها: أنّ الفرس لما كانوا ولأسباب سنشرحها غير مرغوبين من قبل العرب ولما كان الشيعة فئة معارضة للحكم طيلة العهود الثلاثة الصدر الأول والأموي والعباسي، وكوجه من وجوه محاصرة التشيع أرادوا رمي التشيع بما هو مكروه عند العرب وهذه الدعوى هي واحدة من مجموعة دعاوى سترد علينا ولا تتعدى هذا الهدف بل هي جزء من المخطط. أما الأسباب التي أدت إلى النفرة بين القوميتين العربية والفارسية فهي:١ـ أنّ الفرس ما كانوا يفرقون بين الإِسلام والعروبة وحيث أنّ الإِسلام قضى على دولتهم واجتاحهم فإنّهم بعد إسلامهم كانوا ينزعون لا سترداد مجدهم باُسلوبين أحدهما سليم إيجابي والآخر سلبي حتى إذا جاء دور الأمويين استعان الحكام بهم لتنظيم شؤون الدولة نظراً لخلفيتهم الحضارية وللإِستعانة بهم أحياناً لدعم جناح مقابل جناح، ولا ستيلاء جماعة منهم على مناصب هامة في العهدين مما مكنهم من فرض نفوذهم كل ذلك أدى إلى احتكاك شديد بين العرب والفرس، إذ رأى العرب أنهم حملة الإِسلام والسبب في هداية الاُمم وهم العمد الذي قام الإِسلام عليه فلماذا يزاحمهم غيرهم، ويقدم عليهم ويلمع نجمه ويحتل مناصب كبيرة، ورأى الفرس أنّهم أبناء حضارة عريقة وأنّهم أكثر علماً ودراية بسياسة العرب وإدارة شؤون الحكم فلماذا يقدم عليهم من لا يملك هذه
٣ـ لعب الإِستعمار دوراً بارزاً فيما خلقه من النفخ بالأبواق التي يحسن صنعها وذلك لتحقيق مصالحه عن طريق فتح أمثال هذه الفجوات واختلاف خصائص للجنسين زعم أنّها تصطدم مع بعضها وآراء لا تتلاقى وتأثر بهذه الآراء فريق من هؤلاء وفريق من هؤلاء ممن عاش على موائد المستشرقين ولم يتفطن إلى أهدافهم وغرّته الصبغة العلمية الظاهرية في أمثال هذه المزاعم فنسج على منوال هؤلاء وكان صدى لهم وسلاحاً بأيدي هؤلاء لضرب أبناء دينه ولهدم عقيدته حتى خلقت من ذلك تركة كبيرة تحتاج إلى جهد كبير لإِزالة هذا التراكم.
إنّ أسباب الكره استغلت لينتزع منها كما ذكرت سبباً من الأسباب التي تبغض التشيع وتنفر النفوس منه. ولذلك لا نرى هذه التهمة عند أوائل السنة وأسلافهم فيما قدّموه من قوائم الأسباب التي ينعت بها التشيع لأنّ أسبابها لم تكن قائمة آنذاك.
ومن الغريب أنّ الألسن السليطة التي تشتم الشيعة هي ألسنة السنة الفرس كما سيرد ذلك قريباً.
إنّ أصحاب الغرض الأصلي في الضرب على هذا الوتر كثيرون ومن أكثرهم حماساً في ذلك المستشرقون وتلاميذهم حيث يستهدف المستشرقون مصالح لا تخفى ويضرب تلاميذهم على نفس الطبول ولمختلف الغايات والأهداف وبالإِضافة إلى من يهتز على هذا الإِيقاع وإليك آراء بعضهم:
١ ـ المستشرق دوزي:
لقد قرر المستشرق دوزي أنّ أصل المذهب الشيعي نزعة فارسية وذلك لأنّ العرب تدين بالحرية والفرس تدين بالملك والوراثة ولا يعرفون معنى الإِنتخاب ولما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قد انتقل إلى الرفيق الأعلى ولم يترك ولداً فعليّ أولى بالخلافة من بعده(١).
٢ ـ المستشرق فان فلوتن:
ذهب هذا المستشرق إلى نفس الرأي في كتابه اسيادة العربية ولكنّه رجح أخذ الشيعة من آراء اليهود أكثر من أخذهم من رأي الفرس ومبادئهم(٢).
٣ ـ المستشرق براون:
قال إنّه لم تعتنق نظرية الحق الإِلهي بقوة كما اعتنقت في فارس ولمح إلى أخذ الشيعة منهم(٣).
٤ ـ المستشرق ولهوزن:
إنّ هذا المستشرق أشار إلى فارسية قسم كبير من الشيعة ضمناً حيث ذكر أنّ أكثر من نصف سكان الكوفة من الموالي ولما كان معظمهم شيعة فقسم كبير منهم من الفرس(٤).
٥ ـ المستشرق بروكلمان:
الذي يقول وحزب الشيعة الذي أصبح فيما بعد ملتقى جميع النزعات المناوئة للعرب واليوم لا يزال ضريح الحسين في كربلا أقدس محجة عند الشيعة وبخاصة الفرس الذين مابرحوا يعتبرون الثواء الأخير في جواره غاية مايطمعون
(٣) فجر الإِسلام ص١١١.
(٤) فجر الإِسلام ص٩٢.
١ ـ تصوير الزحف الذي جاء من خراسان للقضاء على الدولة الاُموية بأنّه زحف دوافعه قومية وليست دوافع اجتماعية أو إنسانية وقد اجتمعت فيه أكثر من قومية واحدة وبذلك يطمس الهدف الإِجتماعي الذي كان من وراء تلك الحملة.
٢ ـ أنّ العنصر الرئيسي في الحملة والفاعل هم الفرس وبذلك تكون الحملة إنتقامية تستهدف إعادة مجد الفرس الذي قضى عليه العرب، وبذلك يطمس الدور الرئيسي الذي قام به العرب في الحملة وتولوا فيه القيادة.
٣ ـ أنّ الفكر الشيعي زحف بزحف هؤلاء وانتصر في العهد العباسي؛ إنّ كل هذه الاُمور غير مسلم بها ولم تقم على واقع بل هي تغطية في محاولة مكشوفة.
تعقيب على الأقوال
أما الزعم الأول:
فيبطله أن القادة الذين قادوا الحملة إنّما قادوها لتخليص الناس من جور الاُمويين وبإمكان أي قارئ أن يستبين الحقيقة باستقراء أحوال الحكم الاُموي الذي سايره الجور والظلم من أيامه الاُولى حتى سقط أيام مروان بن محمد آخر حكام الاُمويين ومن الخطأ أن نورد شاهداً أو شاهدين للتدليل على ذلك محاولة إضاح الظلم والجور فإن كل أيامهم كانت مليئة بالظلم والجور وإنّي لاُحيل القارئ إلى تتبع التاريخ من أيام معاوية الأول حتى نهاية الدولة وفي كتب كل المسلمين لا الشيعة وحدهم فربما يقال إنّ الشيعة خصوم الاُمويين وهم يحقدون عليهم وهذه كتب الطبري وابن الأثير وابن كثير وابن خلدون وما شئت فخذ لترى إلى أين وصلت الحالة حتى بلغ الأمر حداً يوجزه أحد الشعراء بقوله:
منكم وفيكم وإليكم وبكم * ما لو شرحناه فضحنا الكتبا
وأما الزعم الثاني:
فيبطله أنّ قادة الحملة ووجوهها هم العرب وقد أفاض في ذلك الجاحظ برسالته المسماة مناقب الأتراك، وقد ذكر من قادة الحملة، قحطبة بن شبيب الطائي، وسليمان بن كثير الخزاعي، ومالك بن الهيثم الخزاعي، وخالد بن إبراهيم الذهلي، ولاهز بن طريف المزني، وموسى بن كعب المزني، والقاسم ابن مجاشع المزني، كما نص المؤرخون على أسماء القبائل العربية التي كانت مقيمة في خراسان والتي كونت الزحف في معظمه وهم خزاعة وتميم، وطي، وربيعة، ومزينة وغيرها من القبائل العربية وللتوسع في معرفة أسماء القادة والقبائل العربية التي جاءت في الحملة للقضاء على الحكم الاُموي يراجع كتاب ابن الفوطي مؤرخ العراق لمحمد رضا الشبيبي فقد توسع في إيراد النصوص التاريخية من
وأما الزعم الثالث:
وهو انتشار الفكر الشيعي عن طريق الموالي وتعاظم نفوذهم وامتداده تبعاً لذلك فيكذبه أنّ هذا المضمون بجملته غير صحيح فقد نكب الفرس أيام العباسيين وضرب نفوذهم أكثر من مرة، ومن أمثلة ذلك القضاء على أبي مسلم وأتباعه أيام المنصور والقضاء على البرامكة أيام الرشيد، والقضاء على آل سهل أيام المأمون وهكذا، يبقى أنّ الموالي لمعوا في ميادين اُخرى فذلك صحيح بالجملة، وتصور نفوذ الفرس إنما هو من أيام السفاح حتى أيام المأمون وهي كما ترى لا تثبت للفرس والموالي نفوذاً خارج دائرة العباسيين وإنّما ضمن دائرتهم بحيث يستطيعون احتواءهم في أي وقت. أما الفترة التي تبدأ من عصر المتوكل حتى نهاية الحكم العباسي فإنّ الحكم العباسي ضعف نفوذه حتى انقض عليه حكام الأطراف. ولا يعني ذلك استشراء نفوذ الفرس فقط بل هو شأن الكيان الضعيف الذي ينهشه كل طامع. إنّ العوامل التي أدت إلى ضعف الحكم العباسي أشبعها الباحثون بالتفصيل.
إنّ التصوير نفوذ الفرس بالشكل الذي أورده بعضهم ونفوذ الموالي مبالغ فيه غاية المبالغة فإذا كانت الشعوبية قد وجدت أيام العباسيين فإنّها امتداد لنزعة الشعوبية منذ أيام الأمويين وإذا كان للفرس نفوذ فلم يصل إلى الحد الذي ينتزع نفوذ العرب، بل كان ذلك النفوذ ملحوضاً من قبل الدولة ومسموحاً به لأهداف كثيرة استهدفها العباسيون من السماح بذلك ـ.
يقول فلهوزن عن نفوذ الفرس في العصر العباسي: أما أنّ النفوذ الفارسي كان هو الراجح فهو أمر غير مؤكد(١).
أما الشق الثاني من هذا الزعم وهو تنفس التشيع أيام العباسيين فهو غير صحيح بل العكس هو الصحيح فإنّ العباسيين أولعوا بدم الشيعة وأئمتهم
١ ـ الدكتور أحمد أمين:
يذهب الدكتور أحمد أمين إلى استيلاء الفكر الفارسي على التشيع برغم قدم التشيع على دخول الفرس فيه وذلك لأنّ أكثر الشيعة فرس ـ على زعمه ـ فغلبت نزعاتهم على التشيع وصبغته بالفارسية ولنستمع إلى قوله حرفياً:
(والذي أرى كما يدلنا التاريخ أنّ التشيع لعليٍّ بدأ قبل دخول الفرس في الإِسلام ولكن بمعنى ساذج ولكنّ هذا التشيع أخذ صبغة جديدة بدخول العناصر الاُخرى في الإِسلام وحيث أنّ أكبر عنصر دخل الإِسلام الفرس فلهم أكبر الأثر بالتشيع(١).
ويقول في مورد آخر: فنظرة الشيعة في عليٍّ وأبنائه هي نظرة آبائهم الأولين من الملوك الساسانيين، وثنوية الفرس كانوا منبعاً يستقي منه الرافضة في الإِسلام فحرك ذلك المعتزلة لدفع حجج الرافضة(٢).
إنّي أطلب من القارئ هنا التأمل في هذه اللهجة الحادة التي يفح منها الشرر والنار حتى يعرف مدى موضوعية أحمد أمين ونظرائه، وقد دأب أحمد أمين على اجترار هذه الفكرة وترتيب الآثار عليها كما يظهر ذلك واضحاً في كل
٢ ـ محمد أبو زهرة:
يذهب الشيخ محمد أبو زهرة إلى نفس رأي أحمد أمين ويضيف له: إنّ أكثر الشيعة الأوائل فرس ولنستمع إلى ما يقوله في هذا الموضوع وهو يستعرض آراء المستشرقين ويعقب عليها قال: وفي الحق أنا نعتقد أنّ الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك ووراثته ويزكي هذا أنّ أكثر أهل فارس إلى الآن من الشيعة وأنّ الشيعة الأولين كانوا من أهل فارس(١) ورحم الله أبا الطيّب المتنبي إذ يقول:
وأبو زهرة مورد انطباق هذا البيت، إنّه يقول إنّ الشيعة الأولين كانوا من أهل فارس وأنا أطلب من كل قارئ أن يستخرج لي من الشيعة الأولين خمسة من الفرس وأنا متأكد سلفاً أنّهم لا يجدون هذا العدد، فهل تبقى بعد ذلك قيمة لأقوال مثل أبي زهرة وكم لأبي زهرة من أقوال لا تعرف التحقيق وعلى كل حال لقد لقي الرجل ربه وأسأل الله تعالى له العفو.
٣ ـ أحمد عطية الله:
وهذا الرجل ممن نسج على منوال المستشرقين بنسبة التشيع للفارسية فهو يرى أنّ الأفكار الشيعية تأثرت بالفارسية عن طريق عبدالله بن سبأ الذي نقل للتشيع أكثر من رافد فكري ومن هذه الروافد: الفارسية فقد قال بالحرف الواحد:
وإنّ ابن السوداء انتقل إلى المدينة وبث فيها أقوالاً وآراء منافية لروح الإِسلام نابعة من يهوديته، ومن معتقدات فارسية كانت شايعة في اليمن وبرز في
أسباب دُخول الفُرس للتشيع
في نظر السُّنّة
١ ـ الأمر الأول:
إصهار الحسين إلى الفرس لأنّه تزوج ابنة يزدجرد وهو أحد الملوك الساسانيين واسمها شاه زنان فولدت له عليَّ بن الحسين الذي اجتمعت في الخواص الوراثية للأكاسرة وخواص الإِمامة من آبائه كما يقول أبو الأسود الدؤلي:
وفي ذلك تقول سميرة الليثي معقبة على رأي أرنولد توينبي في انتشار الإِسلام بين الفرس:
الذي أدى إلى انتشار الإِسلام هو زواج الحسين من شاهبانو إحدى بنات يزدرجرد وقد رأى الفرس في أولاد شاهبانو والحسين وارثين لملوكهم الأقدمين(١) فزواج الحسين على رأي هؤلاء أحد العوامل التي أدت إلى انتشار التشيع لأهل البيت عند الفرس.
٢ ـ الأمر الثاني:
التقارب في الآراء بين الشيعة والفرس ومن تلك موضوع الحق الإِلهي فكل
وكذلك يذهب إلى هذا الرأي أحمد أمين وجملة من المستشرقين ذكرهم هو من الذاهبين لهذا الرأي، وقد أفاض في شرح هذا المعنى في كتابه فجر الإِسلام معززاً رأيه بآراء المستشرقين(٢).
٣ ـ الأمر الثالث:
إرادة هدم الإِسلام عن طريق الدخول في المذهب الشيعي التستر بحب أهل البيت ثم نقل أفكارهم الهدامة للإسلام كالقول بالوصية والرجعة والمهدي وغير ذلك. وفي ذلك يقول أحمد أمين: الحق أنّ التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإِسلام لعداوة أو حقد ومن كان يريد إخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته كل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستاراً(٣) وأرجو ملاحظة نغمة استعداء
(٣) فجر الإِسلام نفس الصحيفة ٢٧٦.
١ ـ الرد على الاُمور الثلاثة.
٢ ـ تحديد هوية التشيع عرقياً.
٣ ـ تحديد هوية التشيع فكرياً.
٤ ـ تحديد هوية السنة من نفس المنطلق والعلل التي أخذ بها كتاب السنة.
وسنبحث هذة الاُمور.
الإجابة على أسباب دخول الفرس للتشيّع
١ ـ الأمر الأول:
إصهار الحسين عليه السلام إلى الفرس.
إنّ من القواعد المسلم بها أنّ حكم الأمثال فيها يجوز أو لا يجوز واحد، وبناءاً على هذا فإنّ العلة التي ذكرها هؤلاء الكتاب في اعتناق التشيع من قبل الفرس وهي إصهار الحسين عليه السلام للفرس موجودة عند عبدالله بن عمر بن الخطاب، وعند محمد بن أبي بكر، فقد ذكر الزمخشري في ربيع الأبرار وغيره من المؤرخين، أنّ الصحابة لما جاؤا بسبي فارس في خلافة الخليفة الثاني كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد فباعوا السبايا وأمر الخليفة ببيع بنات يزدجرد فقال الإِمام عليّ إنّ بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهنّ فقال الخليفة كيف الطريق إلى العمل معهنّ فقال: يقوَّمن ومهما بلغ ثمنهنّ قام به من يختارهنّ فقوِّمن فأخذهنَّ عليٌّ فدفع واحدة لعبدالله بن عمر واُخرى لولده الحسين واُخرى لمحمد بن أبي بكر، فأولد عبدالله بن عمر ولده سالماً، وأولد الحسين زين العابدين وأولد محمد ولده القاسم فهؤلاء أولاد خالة واُمهاتهم بنات يزدجرد(١). وهنا نسأل إذا كانت العلة في دخول الفرس للتشيع هي مصاهرة الحسين للفرس فلماذا لا تطّرد هذه العلة فيتسنن الفرس لإصهار عبدالله بن عمر لهم ومحمد بن أبي بكر كذلك؟ وكل من
٢ ـ الأمر الثاني:
التقارب في الآراء بين الشيعة والفرس. وأن كلاً منهما يقول بنظرية الحق الإِلهي، ويقول بالوراثة ولا يعرف الإِنتخاب، وفي هذا الأمر شيئان الأول الإِتحاد في الآراء الذي يسبب الدخول للتشيع وهذا الأمر لا يقول به من يحترم عقله فمتى كان مجرد الإِشتراك في رأي دافعاً للإِتحاد بالعقيدة، إنّ كل باحث يعلم أنّ كل اُمة أو جماعة لا تخلو من الإِتحاد مع بعض الاُمم الاُخرى، في رأي من الآراء أو مسألة من المسائل ومع ذلك فلا يقوم ذلك سبباً للإندماج ولنعد لأحمد أمين نفسه ونلزمه بنتائج رأيه إذا وجد السبب فإنه يقول عند بحثه لمسألة الجبر والإِختيار:
إنّ مسألة الجبر والإِختيار تكلم فيها قبل المسلمين فلاسفة اليونان ونقلها السريانيون عنهم وتكلم فيها الزرادشتيون كما بحث فيها النصارى ثم المسلمون(٢).
وقد توزع هؤلاء بين القول بالجبر والقول بالاختيار، وبناءاً على منطق أحمد أمين فإن المسلمين نصارى لأنّهم اتحدوا مع النصارى في شق من الرأي، وإلا فما هو مبرر أحمد أمين في اعتباره الشيعة فرساً لأنّهم اتحدوا مع الفرس بالقول ينظرية الحق الإِلهي.؟
وعلى العموم إن هذه المحاورة وأمثالها توضح رأي الشيعة في موضوع
(٣) انظر صحيح البخاري ٥/١٣٧، انظر طبقات ابن سعد ٤/٦١، وانظر النهاية لابن الأثير ٥/٢٤٦ في مادة هجر.
وفي هذا المعنى يقول أحد الشعراء:
لكن أبا بكر أصاب ولم * يهجر وقد أوصى إلى عمر
لأنّ كلاً منهما كانت وصيته في مرض الموت.
٣ ـ الأمر الثالث وهو دخول الفرس في الإِسلام إرادة هدمه ثم لتحقيق مأربهم ونقل نظريات أسلافهم وهو ادعاء طريف ولا بد من الوقوف قليلاً حوله فنقول:
أولاً:
إنّ مؤلفات هؤلاء القوم في الدفاع عن الإِسلام ومساجدهم ومؤسساتهم الدينية وجهادهم في سبيل الله كل ذلك يشكل شواهد قائمة على كذب هذه الدعوى.
وثانياً:
لا بد من سؤال لهؤلاء القائلين بهذا القول في أنّ إرادة الإِلحاد والهدم عند الفرس هل هي مختصة بالفرس الذين اختاروا الإِسلام ودخلوا في التشيع أم أنّها عند كل الفرس من كل من كان من السنة منهم أو من الشيعة، ولابد أن تكون الإِجابة بالعموم لأن إرادة الإِلحاد جاءت من كونهم فرساً لا من أمر آخر وإذا كانت كذلك فلماذا انصبت الحملات على الفرس الشيعة فقط دون الفرس السنة.
وقد يقول قائل إن ذلك انتقل للفرس من الشيعة وهنا ينتقل الكلام إلى عقائد الشيعة وقد ذكرنا أنّ مصدر عقائدهم الكتاب والسنة فلا سبيل لرميهم بما ينافي الكتاب والسنة هذا إذا كان هؤلاء يبحثون عن الحقيقة ـ وهم أبعد الناس عنها ـ ولو لم يكونوا بعيدين عن الإرادة الخيرة لما بضّعوا شلو الاُمة وفرقوها شيعاً ولخجلوا من المفارقات في أقوالهم لأننا سنوقفك عن قريب على أنّ تاريخ وفقه وعقائد أهل السنة أبطاله الفرس أنفسهم ونحن لا نرى بذلك أي عيب أو غضاضة ما دمنا نعلم أننا كلنا من مصدر واحد وما دام قرآننا يصرح آناء الليل وأطراف النهار بشعار الوحدة وتوحيد المصدر! بقوله تعالى: (ألم نخلقكم من ماء مهين) ٢٠/المرسلات.
ثالثاً:
إنّ المسائل التي أوردها القوم واعتبروها مما يهدم الدين ورموا بها