هوية التشيع / الصفحات: ١٢١ – ١٤٠
فقد ذكر الرازي في كتابه اعتقادات فرق المسلمين: أنّ من فرق الشيعة فرقة الكاملية وقال عنها ما يلي بالحرف الواحد:
وهم يزعمون أنّ الصحابة كلهم كفروا إذ فوضوا الأمر إلى أبي بكر، وكفر عليّ حيث لم يحارب أبا بكر، إنّ هؤلاء الأشخاص الذين لم يبين الرازي موقعهم ولا عددهم هم فرقة في نظره وكل مضمونهم الفكري هذه الكلمات الأربعة، ثم انّهم يكفرون الإِمام علياً وهم مع ذلك شيعة في نظر الرازي، هل سمعت بالأكوس عريض اللحية، إنّه هؤلاء هل رأيت هذا التناقض شيعي يتشيع لعليٍّ وهو بكفّر علياً، هل رأيت الخصومة كيف تنسي الإِنسان حتى البدهيات، وأي إنسان إنّه الرازي صاحب العقلية الكبيرة ومع ذلك يصل إلى حد هذا الإِسقاف اللهم إنا نعوذ بك الخذلان فراجع ما كتبه الرازي عن هذه الفرقة ونظائرها وقف بنفسك على هذا التناقض(١).
٢ـ النقطة الثانية:
إنّ بعض ما يسميه كتاب الفرق بأنّه فرقة قد لا يتجاوز فرداً واحداً له رأي شاذ، وقد لا يتجاوز عدد أفراد الفرقة على أحسن الفروض عشرة أفراد، وقد يكونون منقرضين لا يوجد لهم أثر إلا في مخيلة البعض أو في وريقات من كتب
٣ ـ النقطة الثالثة:
يتحتم على كل كاتب إذا أراد أن يكون لرأيه وزن أن يشعر بمسؤولية الكلمة لما يترتب على الكلمة من آثار ولوازم ها خطرها وفعلها في المجتمع، فلا بد حين الكتابة من أن يعتمد على مصادر الفئة نفسها التي يكتب عنها على أن يكون ذلك المصدر أو الكتاب من الكتب المعتبرة عند الفئة والمتسالم عليها أنّها تمثل الفئة وتشكل محصل آرائهم وجماع مذهبهم كالصحاح عند السنة والصحاح عند الشيعة فيما تسالموا عليه من رواياتها واعترفوا بصحته لا كل مايرد فيها فإنّ في كتب الصحاح عند الفرقين ما لا يعترف به(١). كل ذلك مع اعتقاد الموضوعية والبحث عن الحقيقة، فضلاً عن أن يكتب الباحث عن فرقة ويكون مصدره في البحث عنها من مؤلفات خصومها، وليت الخصوم الذين يستند إليهم ممن يعرف بالصدق والإِستقامة ولكنّهم يستندون إلى أقوال من عرف بالموضع والإِفتعال وعدم التحرج فيرسلون رأيه إرسال المسلمات ويرتبون على كلامه كل الوازم لتلك الكلمات. وهذا وضع من شأنه أن يسقط كل أمثال هذه الكتب عن الإِعتبار فمتى كان الكذب والوضع مصدراً عن أحوال الناس والله تعالى نهانا عن تصديق الفاسقين.
٤ ـ النقطة الرابعة:
أن يكون الكتاب الذي يؤخذ مصدراً من الكتب ذات الإِختصاص بموضوعه فلا يمكن أخذ رأي فقهيّ لبعض الفرق من كتاب أدب أو قصص ولا تؤخذ عقيدة فئة من ديوان شعر كما رأينا البعض يفعله فإنّ لكل فرع من فروع المعرفة كتباً تختص به فينبغي الرجوع إليها إذا كنا نتوخى الدقة فيما نكتب وإلا فإنّ ما نكتبه سوف لا يوصف بالعملية.
إنّ الملاحظ أنّ كتب الأدب عندنا تحفل بالآراء العقائدية والفقهية ويتخذها كثير من الكتاب مصدراً عما يكتبه من عقائد وأحكام الفرق، ولست اُريد أن أقول إن جميع كتب الأدب عندنا لا يعتمد عليها كلا، وإنّما المقصود أنّ الكتب ذات الإِختصاص تكون ألصق بموضوعها وأكثر إحاطة وبذلك توفر مصدراً موثوقاً.
٥ ـ النقطة الخامسة:
إنّ معالجات كتاب الفرق فيما يقومون به من تقييم للفرق هي معالجات غير علمية وذلك لأن المفروض أن تكون العقائد والأحكام عند الفرق مصدرها واحداً من مصادر التشريع المعترف بها والتي تقرها الشريعة كالكتاب والسنة والإِجماع وغيرها. فإذا ذهب الشيعة مثلاً إلى نظرية التعيين في الخلافة وأوردوا دليلاً من الكتاب أو السنة فينبغي النظر إلى دليلهم فإذا كان الدليل مستوفياً لشروط الصحة فيها وإلا نوقش الدليل علمياً. لا أن يقال: إنّ الفرس يرون لملوكهم حقاً إلهياً بالحكم وبما أنّ الشيعة يقولون بالنص لا الشورى فهم قد أخذوا ذلك من الفرس إنّ مثل هذا المنطق لا يصدر عن عقلية ناضجة فمتى كان مجرد الإِلتقاء مع الآخرين بنظرية معناه الأخذ منهم. إنّ الإِسلام مثلاً يذهب إلى التأميم في حالات معينة إذا توقفت المصلحة العامة على ذلك والشوعية تذهب إلى التأميم فهل معنى ذلك أنّ الإِسلام شيوعي أو الشيوعية إسلام لأنّها التفت مع الإِسلام في موضوع معين. إنّي أطلب من قارئ الكتاب أن يعود إلى كتب الفرق فإذا وجد
قال الشعبي اُحذرك الأهواء المضلة: شرّها الرافضة فإنّها يهود هذه الاُمة يبغضون الإِسلام كما يبغض اليهود النصرانية ولم يدخلوا الإِسلام رغبة ولا رهبة من الله إنّ محبة الرافضة محبة اليهود قالت اليهود لا يكون الملك إلا في آل داود وقال الرافضة لا يكون الملك إلا في آل عليٍّ، وقالت اليهود لا يكون جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح، وقالت الرافضة لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي، واليهود يؤخرون صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم وكذلك الرافضة إنتهى بتلخيص(١).
تعقيبان
هذه القصة استعرضها الدكتور عرفان عبدالحميد في كتابه دراسات في الفرق وعقب عليها ناقداً ومزيفاً بالاُمور التالية:
أولاً:
إنّ العقد الفريد وتاريخ الطبري هي كتب أدب وتاريخ وليست كتب عقائد.
وثانياً:
إنّ الطبري استند في هذه الرواية إلى سيف بن عمر وهو كذاب
ثالثاً:
إنّ الشعبي نفسه متهم بالتشيع فلا يصدر منه مثل هذا القول وإنما اختاروه فوضعوا على لسانه هذه القصة وقد عده ابن سعد والشهرستابي شيعياً(١) وأنا اُضيف إلى ملاحضات الدكتور عرفان مايلي:
أ ـ
سؤال عن أنّه هل لليهود صلاة يشترط فيها وقت الغروب؟ هذا من جانب والجانب الآخر هذه الكتب الشيعة كافة في الفقه وأنا أتحدى من يجد فيها رأياً واحداً يذهب إلى أنّ وقت صلاة المغرب عند اشتباك النجوم وإنّما إجماعهم أنّه بعد غروب الشمس مباشرة ويحتاطون فيشترط بعضهم ذهاب الحمرة المشرقية فليراجع القارئ أي كتاب فقه من كتبهم.
ب ـ
أما الجهاد فإنّ باب الجهاد في كل كتب الشيعة كفيل بالرد على هذه الفرية فإنّ حكم الجهاد عندهم أنّه قائم في كل وقت بشروطه كما هو عند سائر الفرق الإِسلامية.
ج ـ
أما كون الخلافة عندهم في آل عليٍّ فليس ذلك منهم وإنّما هو استناد إلى أدلة الكتاب والسنة وقد تقدم بعضها وسيرد قسم آخر منها فينبغي النظر في أدلتهم والحكم عليها هل هي تامة أم لا، ثم ينبغي توجيه هذا الإِنتقاد للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم لأنّه قال: الأئمة من قريش، كما يذهب لذلك جمهور المسلمين إنّ هذا النمط من الكلام يوقفك على عقلية هؤلاء الكتّاب الذين يكتبون عن الشيعة ومصدرهم قول وهمي ينسب إلى شخص قبل ألف سنة وبين أيديهم مصادر الشيعة ولا يرجعون إليها فما تسمي هذا؟ وبعد هذا الإِستطراد نعود للهوية العقائدية عند الشيعة إنّها لا تختلف بشيءٍ عما عند باقي فرق المسلمين إلا اذا استثنينا موضوع الإِمامة وما يتصل به من صفات الإِمام أما باقي نقاط الخلاف
عقائدهم بأقلامهم
سأذكر هنا جملاً قصيرة عما كتبه علماء الشيعة أنفسهم عن آرائهم الدينية وعقائدهم لتكون مجرد مؤشر لمن يريد التوسع ويبحث عن الحقيقة بعيداً عن الأهواء والعواطف.
١ ـ ابن بابويه القمي:
وكتابه «عقائد الشيعة» من الكتب الرائدة في هذا الميدان وقد ضمنه كل عقائد الشيعة بدون مواربة لذا كان كتابه من المصادر التي يرجع إليها بالإِضافة إلى أنّ الرجل من أساطين المذهب وعمالقة الطائفة. وهذه نبذة عما كتبه عن عقيدة الإِمامية بالاُلوهية قال:
إعتقادنا بالتوحيد: أنّ الله تعالى واحد ليس مثله شيء قديم لم يزل ولا يزال سميعاً بصيراً حكيماً حياً قيوماً عزيزاً قدوساً عالماً قادراً. لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض، خارج عن الحدين حد الإِبطال وحد التشبيه. واعتقادنا في القرآن: أنّه كلام الله ووحيه وتنزيله وكتابه وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس بأكثر من ذلك ومن نسب إلينا أنا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب ـ، هذا ما كتبه ابن بابويه الذي عاش وسط القرن الرابع وتوفي سنة ٣٨١ هـ(١).
٢ـ الشيخ المفيد محمد بن النعمان قال في «أوائل المقالات»:
إنّ الله عز وجل واحد في الإِلهية والأزلية لا يشبهه شيء وا يجوز أن يماثله شيء وإنّه فرد في المعبودية لا ثاني له فيها على الوجوه كلها والأسباب، على هذا إجماع أهل التوحيد إلا من شذ من أهل التشبيه، وإنّ الله عز وجل حيّ لنفسه لا بحياة، وعالم لنفسه لا كما ذهب إليه المشبهة وقادر لنفسه، وأقول إنّ القرآن كلام الله ووحيه وإنّه محدث كما وصفه الله تعالى، وأمنع من إطلاق القول عليه بأنّه مخلوق، وإنّ الله عالم بكل ما يكون قبل كونه، وانه لا حادث إلا وقد علمه قبل حدوثه، ولا معلوم وممكن أن يكون معلوماً إلا وهو عالم بحقيقته، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء لهذا اقتضت دلائل العقول والكتاب المسطور.
ثم تحدّث الشيخ المفيد وأشار إلى قول من يدعي أنّ القرآن حذف منه شيء فأوّل هذا القول بأنّ المحذوف هو الشروح والتفسيرات ولا شيء من أصل القرآن محذوف وذكر أنّه من الذاهبين إلى هذا الرأي فقال في ذلك:
وقال جماعة من أهل الإِمامة إنّه لم ينقص من آية ولا من كلمة ولا من سورة ولكن حذف ما كان مصحف عليٍّ من تأويله، وتفسير معانيه على حقيقة تنزله، وذلك كان ثابتاً وإن لم يكن من كلام الله تعالى وقد يسمى تأويل القرآن قرآناً، قال الله تعالى: ـ (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه)(١) فقد سمى تأويل القرآن قرآناً، وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادعى نقصان كلم نفس القرآن(٢).
٣ ـ السيد محسن الأمين العاملي قال:
وعقيدة الشيعة أنّ كل من شك في وجود الباري أو وحدانيته، أو نبوة
بالرغم من وفرة المصادر عن الشيعة وبالرغم من خطورة موضوع الكتابة عن العقائد، وبالرغم من الواقع المجسد للشيعة من مؤسسات دينية وفعاليات عقائدية ومساجد تردد كلمة التوحيد ليل نهار برغم ذلك كله فإننا ما زلنا نرى من يكتب عن الشيعة يترك هذا الواقع القائم وراء ظهره ويولي وجهه شطر كتابات صدرت من قوم كتبوا ومن خلفهم دوافع غير سليمة لمختلف الأسباب فبدلاً من أن يعودوا إلى مؤلفات الشيعة أنفسهم رأيناهم يرجعون إلى أقوال صاغها الوهم وافترضها الحقد وخلقتها الخصومة وقد يكون الجهل أحد عوامل وجودها. ومما افترضه هؤلاء الكتاب بأنّ عقائد الشيعة الأساسية وضعها يهودي حاقد اندس في صفوف المسلمين اسمه عبدالله بن سبأ.وهذا العبد المفترض موضوعه طريف جداً، فقد صنعه قوم واخترعوه اختراعاً وأعطوه من الصفات والنعوت ما هو من المعجزات وصنعوا له من القابليات ما لا يمكن نسبته إلا إلى عفاريت الأساطير ومردة الجن وما تعجز عن تحقيقه اُمة قوية فضلاً عن فرد وإنّ مثل هذا الكلام يجسد فجيعتنا بعقولنا قيل أن يجسد هذه الخرافات في تاريخنا وسنرى من الذي حاك عبدالله بن سبأ، ومن هو وما الذي عمله، ولماذا تربط الشيعة به.
من الذي حاك عبدالله بن سبأ
إنّ الذي يريد التعرف على مصدر ولادة عبدالله بن سبأ سيجد أنّه ولد من روايات الطبري وروايات الطبري تستند في هذا الموضوع على ركيزتين هما:
أ ـ الركيزة الاُولى:
سيف بن عمر وتقول عنه كتب التراجم ما يلي بالحرف الواحد.
يقول ابن حيان كان سيف بن عمر يروي الموضوعات عن الأثبات وقالوا إنّه كان يضع الحديث واتهم بالزندقة، كما يقول عنه الحاكم النيسابوري اتهم سيف بالزندقة وهو بالرواية ساقط، ويقول عنه ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها، ويقول عنه ابن معين ضعيف الحديث فليس فيه خير، وقال ابن حاتم متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي وقال عنه أبو داود صاحب السنن ليس بشيء، وقال عنه النسائي صاحب السنن: ضعيف، وقال عنه السيوطي إنّه وضاع وقال محمد بن طاهر بن عليّ الهندي عنه: سيف بن عمر متروك اتهم بالوضع والزندقة وكان وضاعاً(١).
ب ـ الركيزة الثانية:
السري بن يحيى كما يسميه الطبري، وهو ليس بالسري بن يحيى الثقة، لأنّ السري بن يحيى الثقة يكون زمانه أقدم من الطبري فقد توفي ١٦٧سنة هـ. في حين ولد الطبري سنة ٢٢٤، فالفرق بينهما سبعة وخمسون عاماً، ولا يوجد عند الرواة سري بن يحيى غيره، ولذلك يفترض أهل الجرح والتعديل أنّ السري الذي يروي عنه الطبري يجب أن يكون واحداً من اثنين: كل منهما
١ ـ من هو عبدالله بن سبأ:
للتعرف على هوية عبدالله بن سبأ سوف أبدأ بالمنبع الأساس وهو تاريخ الطبري واُعقبه بباقي المصادر عنه، وسأنقل قول الطبري من خلال ما نقله أبو زهرة، قال: كان عبدالله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء اُمه سوداء فأسلم أيام عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم فبدأ ببلاد الحجاز ثم البصرة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فقال لهم فيما يقول: العجب ممن يزعم أنّ عيسى يرجع ويكذب بأن محمداً
وهنا نقاط ذكرها اُريد أن اُؤكد عليها للمقارنة مع غيرها وهي: أولاً أنّه ابن السوداء وثانياً أنه من أهل صنعاء، وثالثاً أنه يؤكد رجوع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم للدنيا ورابعاً أنّه ذكر أنّ علياً وصي النبي، وخامساً أنّه أسلم أيام عثمان، وبعد ذلك نعود لأبي زهرة وفي نفس كتابه المذكور أي تاريخ المذاهب الإِسلامية قال في مورد آخر: عبدالله بن سبأ كان يهودياً من أهل الحيرة، أظهر الإِسلام وأخذ ينشر بين الناس أنّه وجد في التوراة أنّ لكل نبي وصياً وأنّ علياً وصي محمد، وأنّ علياً أراد قتله ولكن نهاه عبدالله بن عباس فنفاه للمدائن بدل قتله(٢).
وبين هذين المقتطفتين الفروق التالية الفت النظر إليها وهي:
أنّه في الاُولى من أهل صنعاء، وفي الثانية من أهل الحيرة، وأنّه في الاُولى أسلم أيام عثمان وفي الثانية أظهر الإِسلام ولم يحدد وقت إسلامه، وأنّ الإِمام أراد قتله كما ذكر في الثانية في حين لم يذكر ذلك في الاُولى، وأنّه من المقطتفة الثانية قرأ فكرة الوصاية في التوراة في حين في الاُولى لم يذكر مصدر فكرة الوصاية فلنحفظ هذا لنرى مابين المقتطفات من فروق وخصائص قد تتضارب.
٢ ـ محمد فريد وجدي في دائرة المعارف، وقال:
السبائية أتباع عبدالله بن سبأ الذي غلا في الإِنتصار لعليٍّ وزعم أنّه كان نبياً ثم غلا فزعم أنّه الله ودعا إلى ذلك قوماً من أهل الكوفة فاتصل خبرهم بعليٍّ فأمر بإحراق قوم منهم، ثم خاف من إحراق الباقين أن ينتقض عليه قوم فنفى
٣ ـ أحمد عطية الله، قال حفظه الله:
ابن سبأ رأس الفرقة السبائية من الشيعة وهو عبدالله بن سبأ كان من يهود صنعاء وأظهر إسلامه في خلافة عثمان يعرف بابن السوداء انتقل إلى المدينة وبث فيها أقوالاً وآراء منافية لروح الإِسلام ونابعة من يهوديته ومن معتقدات فارسية كان شايعة في اليمن، برز في صورة المنتصر لحق عليٍّ، وادعى أنّ لكل نبيٍّ وصياً، وأنّ عليّاً وصي محمد، كما ادعى أنّ في عليٍّ جزءاً إلهياً، طاف بأنحاء العراق ناشراً دعوته فطرده عبدالله بن عامر من البصرة فنزل الكوفة وأوغر صدور الناس على عثمان، وانتقل إلى دمشق في ولاية معاوية وفيها التقى بأبي ذر الغفاري وحرضه على الثورة مدعياً أنّه ليس من حق الأغنياء أن يقتنوا مالاً، واُخرج من الشام فنزل مصر فالتف حوله الناقمون على عثمان وفيهم محمد بن أبي
منها:
أنّ ابن سبأ جمع إلى عقائده اليهودية معتقدات اُخرى فنقلها للتشيع ومنها الرجعة ولكن الرجعة هنا لعليٍّ وليست لمحمد كما هي عند أبي زهرة، ومنها أنّه أعطى لعليٍّ جزءاً من الاُلوهية لا كلها، حتى يمكن الجمع بين كونه جزء إله وبين كونه وصياً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها الكشف عن هذه الطاقات الهائلة عند ابن سبأ بحيث أنّ كل الثورات على عثمان ومعاوية كانت من فعله.
٤ ـ
وبنفس هذا المضمون المتضارب كتب كل من أحمد أمين في فجر الإِسلام، ومحمد بن يحيى في التمهيد والبيان في مقتل عثمان والزركلي في الأعلام(٢).
ولا اُريد أن اُطيل عليك فإنّ كل خلف يأخذ عن سلفه بدون تمحيص مما أدى إلى هذا الخلط والإِضطراب في الروايات فهو في هذه الأخبار تارة من أهل الحيرة واُخرى من أهل صنعاء، وهو عند ابن حزم والشهرستاني وغيرهما ابن السوداء، بينما يذهب ابن طاهر البغدادي في الفرق بين الفرق والأسفرايني في كتابه التبصرة في الدين أنّ ابن السوداء شخص آخر ليس عبدالله بن سبأ(٣).
وهو في بعض هذه الروايات يدعي الرجعة للنبي، وفي بعضها الآخر يدعي الرجعة لعليٍّ وهو تارة يدعي بأنّ في عليٍّ جزءاً من الاُلوهية واُخرى أنّه إله كامل، وفي هذه الروايات نجد علياً مرة يحرق الغلاة ولا يخاف، وأخرى يخاف أن يحرق ابن السوداء مع أنه يهودي بسيط لا يأبه له أحد، وهكذا نقع في هذا الخليط المضطرب، وأهم هذه الأمور في نظرنا هو أنه مرة يكون داعياً لفضل علي
(٣) انظر هامش منهاج السنة لابن تيمية ص٢٢٠.
الأول:
أنّ عثمان قتل بتحريض من السبائية لا أنّه صنع أشياء نقم فيها عليه المسلمون واشتركوا في قتله وفيهم صحابة النبي مما ذكره التاريخ مفصلاً بل كل ما في الأمر أنّ يهودياً حاقداً حرك المسلمين فانساقوا معه بغباء وبدون تفكير حتى ارتكبوا هذه الجناية وقتلوا الخليفة بدون أن يصدر منه ذنب.
والثاني:
أنّ عقائد الشيعة لا سند لها من الإِسلام وإنما هي من هذا اليهودي العبقري عبدالله بن سبأ فالشيعة إذاً يهود لا صلة لهم بالمسلمين. وعلى كل حال إنّ هذا الإِضطراب في الصورة المرسومة لعبدالله بن سبأ أيقظ الباحثين ودفعهم لإِلقاء الضوء على هذه الشخصية الاُسطورية فأصحروا بآرائهم وكسروا الطوق وأعلنوا الناس زيف هذا الفرية التي لا سبيل للجمع بين أبعادها وأجزائها، وبدأ الواقع يتضح رويداً رويداً والأهداف من وراء اُسطورة ابن سبأ كشفت عن وجهها وسأذكر لك آراء كثير من النقاد بعد أن أذكر ما عندي في هذه المسألة لنصل إلى صورة واضحة في هذا الموضوع.
رأينا في عبدالله بن سبأ
إننا نرى أنّ عبدالله بن سبأ شخصية وهمية مخترعة وندلل على وهميتها بالاُمور التالية:
١ ـ
الإختلاف في أنّه هو ابن السوداء أم لا مع أنّ الذي قام بكل المصائب هو ابن السوداء، وابن طاهر والإِسفرايني يقولان إن ابن السوداء شخص آخر شارك عبدالله بن سبأ بمقالته.
٢ ـ
الإِختلاف في وقت ظهوره فالطبري وجماعة يصرحون بأنّه ظهر أيام عثمان بينما يذهب جماعة آخرون إلى أنّه ظهر أيام عليٍّ عليه السلام أو بعد موته ومن هؤلاء
٣ ـ
الإضطراب في الروايات في أصل دعوته فبينما رأينا الطبري وجماعة معه يقولون إنّ دعوته اقتصرت على الغلو في عليٍّ والإِنتصار لحقه وكل ما يدور حول عليٍّ فقط نجد جماعة من المتأخرين يذهبون ومعهم أسانيدهم طبعاً إلى أنّه كان في كل بلد له دعوة خاصة، يقول محب الدين الخطيب بأسانيده التي ذكرها:
ومن دهاء ابن سبأ ومكره أنّه كان يبث في جماعة الفسطاط الدعوة لعليٍّ عليه السلام وفي جماعة الكوفة الدعوة لطلحة، وفي جماعة البصرة الدعوة للزبير(٣).
٤ ـ
إنّ بض الروايات ذكرت أنّه كان مقتصراً على الإِشادة بفضل عليٍّ عليه السلام فقط في حين ذهب آخرون إلى أنه كان يحرض على عثمان ويدس الدسائس وهو الذي دفع أبا ذر للثورة أما على معاوية أو على عثمان بروايات اُخرى.
٥ ـ
لم يعلل لنا واضعوا خرافة ابن سبأ لماذا سكت عنه عثمان وولاته مع أنّهم ضربوا المعارضين بمنتهى الشدة والقسوة وهم من خيرة الصحابة كعمار وابن مسعود وغيرهم.
٦ ـ
لماذا تخلوا المصادر الصحيحة من ذكر قصة ابن سبأ كالبلاذري وابن سعد وغيرهما ممن يعتد بتاريخهم.
٧ ـ
إنّ رواية عبدالله بن سبأ رواها الوضاعون الكذابون كما أسلفنا فيما مر.
٨ ـ
يساعد على أنّ الرواية موضوعة أنّها ليست الوحيدة التي وضعت ضدّ الشيعة وإنّما هي جزء من كل مما سنذكره لك فيها يأتي ونبرهن على كذبه. حتى تعرف أنّ قصة عبدالله بن سبأ خرجت من نفس المقلع ولنفس الهدف. والآن
(٣) الإِمام الصادق لأسد حيدر ٦/٢٣٧.
رأي طه حسين
استعرض الدكتور طه حسين الصورة التي رسمت لابن سبأ ومزقها بعد تحليل دقيق وانتهى إلى أنّ ابن سبأ شخصية وهمية خلقها خصوم الشيعة ودعم رأيه بالاُمور التالية:
أولاً:
إنّ كل المؤرخين الثقاة لم يشيروا إلى قصة عبدالله بن سبأ لم يذكروا عنها شيئاً.
ثانياً:
إنّ المصدر الوحيد عنه سيف بن عمر وهو رجل معلوم الكذب، ومقطوع بأنّه وضاع.
ثالثاً:
إنّ الاُمور التي اُسندت إلى عبدالله بن سبأ تستلزم معجزات خارقة لفرد عادي كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم عبدالله بن سبأ وسخرهم لمآربه وهم ينفذون أهدافه بدون اعتراض: في منتهى البلاهة والسخف.
رابعاً:
عدم وجود تفسير مقنع لسكوت عثمان وعماله عنه مع ضربهم لغيره من المعارضين كمحمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن أبي بكر، وعمار وغيرهم.
خامساً:
قصة الإحراق وتعيين السنة التي عرض فيها ابن سبأ للإِحراق تخلو منها كتب التاريخ الصحيحة ولا يوجد لها في هذه الكتب أثر.
سادساً:
عدم وجود أثر لابن سبأ ولجماعته في واقعة صفين وفي حرب النّهروان، وقد انتهى طه حسين إلى القول: أنّ ابن سبأ شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة ولا وجود له في الخارج(١) ويشترك مع طه حسين كثير من
آراء المستشرقين
١ ـ الدكتور برناد لويس:
قال: ولكن التحقيق قد أظهر أنّ هذا استباق للحوادث وأنّه ـ أيّ ابن سبأ ـ صورة مثل بها في الماضي وتخيلها محدثوا القرن الثاني للهجرة من أحوالهم وأفكارهم السائدة حينئذٍ.
٢ ـ فلهوزن:
ذهب إلى أنّ المؤامرة والدعوة والفعاليات المنسوبة لابن سبأ من اختلاق المتأخرين، وقد محص النصوص ودرس الموضوع وقام بتحليل دقيق.
٣ ـ فريدليندر:
اشترك مع فلهوزن وانتهى لنفس النتيجة معه.
٤ ـ كايتاني:
شك في وجود عبدالله بن سبأ وقال عما ينسب له من أعمال ضخمة ومؤامرة مثل هذه بهذا التفكير وهذا التنظيم لا يمكن أن يتصورها العالم العربي المعروف عام خمسة وثلاثين بنظامه القائم على سلطان الأبوة، إنّها تعكس أحوال العصر العباسي الأول بجلاء(١).
آراء إسلامية اُخرى بابن سبأ
هناك آراء اُخرى في عبدالله بن سبأ تتراوح بين وجوده وعدم صلته بالشيعة، وبين عدم التصديق بما ينسب إليه لأنّه من غير الممكن صدور تلك الأعمال من شخص عادي، وبين نسبة هذه الأعمال لشخص آخر سمي بابن السوداء فلنستمع لهذه الآراء.
أ ـ محمد كرد علي قال في خطط الشام:
أما ما ذهب إليه بعض الكتّاب من أنّ مذهب التشيع من بدعة عبدالله بن
ب ـ الدكتور أحمد محمود صبحي في نظرية الإِمامة قال:
وليس ما يمنع أن يستغل يهودي الأحداث التي جرت في عهد عثمان ليحدث فتنة وليزيدها اشتعالاً وليؤلب الناس على عثمان، بل أن ينادي بأفكار غريبة، ولكنّ السابق لأوانه ان يكون لابن سبأ هذا الأثر الفكري العميق فيحدث هذا الإِنشقاق العقائدي بين طائفة كبيرة من المسلمين(٢).
ج ـ الدكتوران علي الوردي وكامل الشيبي التقيا في الآتي:
إنّ المقصود بابن السوداء عمار بن ياسر وقد رمزت له قريش بابن السوداء ولم تصرح باسمه لأنّ له ثقلاً ومركزاً بين الصحابة وكان على رأس الثائرين على عثمان، فلم ترد قريش أن تضعه مقابل عثمان وبجانب عليٍّ لأنّه يرجّح كفة عليٍّ ويهبط بكفة عثمان فرمزوا له وسموه بابن السوداء لأنّ اُمه أمة سوداء ولا وجود لابن سوداء غيره.
إنّ رأي الدكتورين يلتقي مع رأي الأسفرايني، وابن طاهر البغدادي الذي أشرنا إليه فيما مضى عند ذكرنا لتعيين هوية ابن سبأ.
وبعد هذا الجولة من الآراء اتضح أنّه لا وجود لابن سبأ لأنّ تسليمنا بوجوده يفضي إلى إلغاء عقولنا، ولأنّ منهح البحث العلمي يأبى وجوده لأنّ مصادره مختلفة، ولأنّ من خلقوا عبدالله بن سبأ خلقوا له أخوة من الإِدعاءات سنوقفك عليها قريباً وإن كانت ستهز مشاعرك وتدمر ثقتك بمن قد تعتبرهم من القمم في دنيا الإِسلام؛ ولأن الخوارق التي تنسب لابن سبأ لا يمكن تصديقها، ولأنّ سكوت عثمان عنه عجيب مع أنّه نفى أبا ذر للربذة مع أنّ أبا ذر من كبار