أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٢٨١ – ٣٠٠
موقف الخليفة عمر من سنة الرسول
رأينا في المبحث السابق موقف عمر بن الخطاب من سنة الرسول أثنا حياة الرسول، وموقفه من سنة الرسول عندما كان وليا لعهد أبي بكر، وإكمالا للحلقة سندرس موقف عمر بن الخطاب من سنة الرسول وهو خليفة للمسلمين.
إيهام المسلمين بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول وينقحها
عندما تولى عمر الخلافة كانت أول مشاريعه القانونية، إعلانه على المسلمين بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول، وينقح الكتب الموجودة بين أيدي المسلمين وليضفي على هذا الإعلان الطابع الإسلامي والجدي، فإنه قد استشار أصحاب رسول الله في كتابة سنة الرسول، فأشار عليه أصحاب الرسول بكتابتها ولم يعارضه أحد منهم، ولاح للمسلمين بأن الخليفة قد استكمل دراسة مشروع كتابة سنة الرسول بعد أن أشار عليه أصحاب رسول الله بذلك، وأيدوا بالإجماع اقتراحه.
لذلك ناشد المسلمين أن يأتوه بكل ما هو مكتوب منها عندهم ” فأتوه بها ” (١).
نجاح الخليفة بالحصول على أكبر كمية مكتوبة من سنة الرسول
لقد نجح الخليفة بإيهام المسلمين بأنه يريد أن يكتب سنة الرسول، لذلك أتته الأكثرية من المسلمين بما هو مكتوب عندها من سنة الرسول، ووضعوا هذه السنة المكتوبة بين يديه، ليتمكن الخليفة من تدوينها كما وعد!!!
كذلك، فإن أكثرية المسلمين الذين عندهم كتب، قد استجابوا لنداء الخليفة لأنهم ظنوا أنه يريد أن ينظر فيها وأن يقومها كما وعد!! والأقلية من المسلمين التي تعرف الخليفة وتعرف موقف من سنة الرسول ونواياه نحوها هي التي احتفظت بسنة الرسول المكتوبة عندها، وهي التي لم تسلم الكتب الموجودة لديها، وكان الإمام علي وأهل بيت النبوة ومن والاهم هم القلة التي احتفظت بسنة الرسول المكتوبة عندها، وبالكتب المحفوظة لديها.
الخليفة يحرف سنة الرسول المكتوبة والكتب التي أتاه المسلمون بها!!!
لما اعتقد الخليفة أن المسلمين قد أتوه بكامل سنة الرسول المكتوبة عندهم وبكل الكتب المحفوظة لديهم، قام الخليفة بإحراقها بالنهار وحرقها فعلا (١) وهكذا تمكن الخليفة من القضاء التام على سنة الرسول المكتوبة
الخليفة يعمم على كافة الأمصار الخاضعة لحكمه لمحو سنة الرسول
لما نجح الخليفة عمر بن الخطاب بجمع ما لدى أكثرية المسلمين من سكان المدينة المنورة من سنة الرسول المكتوبة، والكتب المحفوظة لديهم وإحراقها بالنار، أصدر مرسوما عممه على كافة البلاد الخاضعة لحكمه هذا نصه: ” أن من كان عنده شئ من سنة الرسول المكتوبة فليمحه ” (١).
لماذا فعل الخليفة ذلك وكيف برر هذه الأفعال
لقد استثار الخليفة أصحاب رسول الله بجمع سنة الرسول المكتوبة، فأشاروا عليه بذلك، وظن المسلمون أن الخليفة يريد أن يجمع سنة الرسول بالفعل لذلك أرسلوا له ما هو مكتوب منها عندهم لغايات شروع الخليفة بجمع السنة كذلك فن المسلمين قد أرسلوا للخليفة الكتب المحفوظة لديهم وهم يظنون أن الخليفة يريد أن ينظر بها فيقومها كما وعد.
لكن، لما أمر الخليفة بإحراق ما تجمع لديه من سنة الرسول المكتوبة ومن الكتب وتم حرقها بالفعل، ذهل الناس، أو على الأقل تساءلوا لماذا يحرق الخليفة سنة الرسول المكتوبة!!!، فكان لا بد للخليفة من أن يبرر أفعاله، فقال بعد أن تمت عملية التحريق: ” إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانا قبلكم، كتبوا، فأكبوا عليها فتركوا كتاب الله – وإني والله لا ألبس كتاب الله بشئ أبدا ” (٢) ويروى أنه قد قال بعد أن أحرقها: ” أمنية كأمنية أهل
النصوص التي استقينا منها تلك المعلومات الواردة بالفقرات السابقة
أ – قال عروة بن الزبير: ” إن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن، فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله (ص)، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله شهرا، ثم أصبح يوما، وقد عزم الله له، فقال: إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا، فأكبوا عليها فتركوا كتاب الله – وإني والله – لا ألبس كتاب الله بشئ أبدا ” (٢).
ب – عن الزهري قال: ” أراد عمر بن الخطاب أن يكتب السنن فاستخار الله شهرا، ثم أصبح وقد عزم الله له فقال ذكرت قوما كتبوا كتبا فأقبلوا عليها وتركوا كتاب الله ” (٣).
ج – قال القاسم بن محمد بن أبي بكر: ” إن عمر بن الخطاب بلغه أنه قد ظهر في أيدي الناس كتب، فاستنكرها وكرهها وقال: أيها الناس إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب، فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به، فأرى فيه رأيي، فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ثم قال أمنية كأمنية أهل الكتاب ” (٤) وفي بعض القول مثناة كمثناة أهل الكتاب (٥).
(٤) تقييد العلم ص ٥٢.
(٥) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ١٤٠ طبعة ليدن.
الخليفة عمر يمنع رواية سنة الرسول
في أول اجتماع سياسي عام لأبي بكر الخليفة الأول أمر المسلمين ” بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله ” (١) وكلام الخليفة الأول من الوضوح بحيث أنه لا يحتاج إلى تأويل فهو يمنع علنا رواية سنة الرسول، وفي الوقت نفسه الذي منع فيه الخليفة الأول رواية سنة الرسول منع ضمنا كتابة سنة الرسول حيث أحرق الأحاديث التي سمعها بنفسه من رسول الله وكتبها بخط يده (٢) وتلك رسالة واضحة إلى المسلمين مفادها ” لا ترووا سنة الرسول ولا تكتبوها!!! “.
لم تكن هذه سياسة الخليفة الأول فحسب بل كانت سياسة ولي عهده وشريكه في أمره عمر بن الخطاب، ومن يتتبع سيرة عمر، وما ذكرناه في الفصول السابقة، لا يشك إطلاقا بأن عم هو الذي زرع في ذهن الخليفة فكرتي، منع رواية السنة، وإحراق الأحاديث التي كتبها!! لأن عمر بن الخطاب هو أول مخترع لشعار ” حسبنا كتاب الله “!!! وهو الشعار الذي برر به أبو بكر ما فعل!!!
ثم عمم على كافة الأمصار الخاضعة لحكمه ” إن من كان عنده شئ من سنة الرسول فليمحه ” (٢) كما فصلنا ذلك من قبل!!
ولما تصور الخليفة عمر بن الخطاب أنه قد أحرق سنة الرسول المكتوبة عند المسلمين، والكتب المحفوظة لديهم، تفرغ لمنع رواية سنة الرسول وقد اتخذ هذا المنع أشكالا متعددة، وبالرغم من تعدد الأشكال فإنها تخدم غاية واحدة لا تخفى حتى على عامة الناس وجهلتهم وهي رغبة الخليفة بأن يجتث سنة الرسول من الوجود، وأن لا يبقى منها إلا تلك التي لا تتعارض مع توجيهات الدولة ووجودها وسياستها، أو التي تخدم مصالح الدولة كما سنرى!!
ولأن الخليفة هو الرئيس العام للمجتمع الإسلامي، وهو الخليفة الواقعي لرسول الله، كان لا بد له من ذريعة أو شعار مقنع للناس ليبرر هجومه الضاري على سنة الرسول وليبعد عن نفسه ظنون الناس وتقولاتهم، فأوجد شعار ” حسبنا كتاب الله، ولا كتاب مع كتاب الله!! ” وهو أول من أوجد هذا الشعار!! فعمر يريد القرآن، والقرآن وحده، ولا شئ سواه، ولا شئ معه، ولا يريد عمر أن يشغل المسلمين عن القرآن شاغل فالقرآن هو كتاب الله النافذ الأوحد، وقانون المجتمع فلا كتاب معه، ولا قانون سواه!!
أشكال منع الخليفة عمر لرواية سنة الرسول
النهي عن رواية الحديث:
١ – روي عن قرظة بن كعب أنه قال: ” لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا إلى حرار، ثم قال: أتدرون لما شيعتكم؟ قلنا: أردت أن تشيعنا وتكرمنا فقال عمر: إن مع ذلك لحاجة، إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله وأنا شريككم، قال قرظة فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله ” (١).
وفي رواية أخرى، فلما قدم قرظة بن كعب قالوا: ” حدثنا فقال قرظة: نهانا عمر ” (٢).
فقرظة قد فهم بأن عمر ينهى عن الحديث عن رسول الله بدليل قوله:
” فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله “.
٢ – قال عبد الرحمن بن عوف: ” ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق، عبد الله بن حذيفة، وأبو الدرداء، وأبو ذر وعقبة بن عامر فقار: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟ فقالوا تنهانا!! قال: لا، أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم نأخذ منكم، ونرد عليكم ” (٣).
(٣) الحديث رقم ٤٨٦٥ من الكنز الطبعة الأولى ج ٥ ص ٢٣٩ ومنتخبه ج ٤ ص ٦١.
٥ – قال الشعبي: ” جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدث عن رسول الله شيئا ” (٣).
٦ – قال سعيد بن المسيب: ” كتب إلى أهل الكوفة مسائل ألقى فيها ابن عمر، فلقيته فسألته من الكتاب، ولو علم أن معي كتابا لكانت الفيصل بيني وبينه ” وهذا يعني أن عبد الله بن عمر ملتزم التزاما تاما بنهي أبيه عن سنة رسول الله!! ويجدر بالذكر أيضا أن حفصة بنت عمر كانت تعارض التدوين، وكأن معارضة كتابة ورواية سنة رسول الله خلق في آل عمر!! (٤).
التهديد والضرب:
١ – قال عمر بن الخطاب لأبي هريرة: ” لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس ” (٥) وقال له أيضا: ” لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض الفيح يعني أرض قومه ” (٦).
(٣) الحديث والمحدثون ص ٦٨، وتدوين السنة الشريفة ص ٤٧١.
(٤) تدوين السنة الشريفة ص ٤٧١.
(٥) المحدث الفاضل ص ٥٥٤ رقم ٧٤٦، والبداية والنهاية لابن كثير ج ٨ ص ١٦٠، وتدوين السنة الشريفة ص ٤٣١.
(٦) أخبار المدينة المنورة لابن شيبة ج ٣ ص ٨٠٠.
” لتخرجن مما قلت!!! أي يجب أن تتنصل من رواية هذا الحديث!! وقاد أبي إلى المسجد، فأوقفه على حلقة من أصحاب الرسول، منهم أبو ذر، فقال أبو ذر: أنا سمعته أيضا من رسول الله، فأرسله ” (٢) وفي رواية أنه قال لأبي: ” لتأتيني على ما تقول ببينة ” (٣).
٤ – ضرب عمر أبا هريرة بالدرة وقال له: ” قد أكثرت من الرواية، وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله ” (٤).
٥ – قال أبو هريرة: ” ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله حتى قبض عمر ” (٥) وكان أبو هريرة يقول: ” لو كان عمر حيا لما سمح له برواية حديث رسول الله ولضربه بالدرة ” (٦).
٦ – قال أبو هريرة: ” لقد حدثتكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر لضربني بالدرة ” (٧).
٧ – قال أبو سلمة: ” سألت أبا هريرة أكنت تحدث في زمن عمر
(٣) تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٨.
(٤) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ٤ ص ٦٧، ٦٨.
(٥) البداية والنهاية لابن كثير ج ٨ ص ١٠٧.
(٦) تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٧، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج ٢ ص ١٢١.
(٧) جامع بيان العلم لابن عبد البر ج ٢ ص ١٢١.
٩ – قال الأحنف بن قيس: ” أتيت الشام، فجمعت فإذا رجل لا ينتهي إلى سارية إلا فر أهلها منه، يصلي ويخفف صلاته، قال فجلست إليه، فقلت يا عبد الله من أنت؟ قال: أنا أبو ذر، فقال لي: من أنت، قال: قلت الأحنف بن قيس، قال: قم لا أعدك بشر، فقلت له: كيف تعدني بشر، قال: إن هذا – يعني معاوية – نادى مناديه ألا يجالسني أحد ” (٣) هذا أبو ذر الذي وصفه الرسول بأنه أصدق الناس لهجة، وخير من أقلت الغبراء وأظلت السماء!! وهذا ما يتعرض له من والي عمر على بلاد الشام بسبب إصراره على رواية سنة الرسول!!!
١٠ قال ابن الأثير: ” كان الحجاج بن يوسف الثقفي قد ختم في يد جابر وفي عنق سهل بن سعد الساعدي وأنس بن مالك يريد إذ لا لهم، وأن يتجنبهم ولا يسمعوا منهم ” (٤).
الحبس:
١ – بعث عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن مسعود وإلى أبي الدرداء وإلى أبي مسعود الأنصاري فقال: ” ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله، فحبسهم بالمدينة حتى استشهد ” (٥).
(٣) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٤ ص ١٦٨.
(٤) أسد الغابة لابن الأثير ج ٢ ص ٤٧٢ الطبعة الحديثة ترجمة سهل، وتدوين السنة ص ٤٧٨.
(٥) الكامل لابن عدي ج ١ ص ١٨.
٤ – قال ابن عساكر: ” ما خرج ابن مسعود إلى الكوفة ببيعة عثمان إلا من حبس عمر في هذا السبب ” (٣).
(٣) مختصر تاريخ دمشق ج ١٧ ص ١٠١، وتدوين السنة الشريفة ص ٤٣٧.
إرهاب ورعب لا مثيل لهما في التاريخ!!
لما مرض النبي تنكرت له زعامة بطون قريش، واستخفت هذه الزعامة الأكثرية من المجتمع فتبعتها رغبة أو رهبة! وواجهت تلك الزعامة الغاشمة رسول الله وهو على فراش الموت، ومعها جموع الغوغاء، فقالوا لرسول الله:
أنت تهجر – أي لا تعي ما تقول – والقرآن وحده يكفينا، ولسنا بحاجة لوصيتك ولا لتوجيهاتك النهائية!! وبعد أن قبضت زعامة البطون على مقاليد الحكم، أحرقت سنة رسول الله المكتوبة عند المسلمين، كما أحرقت الكتب المحفوظة لديهم، ومنعت منعا باتا رواية سنة رسول الله ورفعت شعار ” حسبنا كتاب الله، ولا كتاب مع كتاب الله!! “.
وصارت رواية السنة التي تكشف شناعة ما جرى من الجرائم الكبرى وفرض الإرهاب والرعب على المسلمين، وهو إرهاب ورعب لا نظير لهما في التاريخ البشري كله.
وقد وصف حذيفة أمين سر رسول الله حجم الإرهاب والرعب المفروضين آنذاك بقوله:
” لو كنت على شاطئ نهر، وقد مددت يدي لأغترف، فحدثتكم بكل ما أعلم ما وصلت يدي إلى فمي حتى أقتل ” (١).
ووضح أبو هريرة الصورة قليلا في ما بعد قائلا: ” إني لأحدث أحاديثا لو تكلمت بها زمن عمر لشج رأسي ” (٢).
وفي زمن عمر بن الخطاب عزم أبي بن كعب – أحد أكابر الصحابة – أن يتكلم في الذي لم يتكلم به بعد وفاة رسول الله فقال أبي: ” لأقولن قولا لا أبالي استحييتموني عليه أو قتلتموني ” (٣).
لقد صمم هذا الصحابي الكبير على كشف الحقائق الشرعية، وترقب الناس اليوم الذي حدده كعب لكشف الحقائق التي سمعها من رسول الله وفجأة، قال قيس بن عبادة: ” رأيت الناس يموجون، فقلت ما الخبر؟
فقالوا: مات سيد المسلمين أبي بن كعب، فقلت: ستر الله على المسلمين حيث لم يقم الشيخ ذلك المقام.. ” (٤).
أنت تلاحظ أن المنية ما أدركت هذا لأصحابي الجليل إلا قبل الوقت.
(٣) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٥٠١، والحاكم باختصار ج ٢ ص ٣٢٩ وج ٣ ص ٣٠٣.
(٤) المسترشد لابن جرير الطبري، ومعالم الفتن لسعيد أيوب ج ١ ص ٢٥٧، وكتابنا الاجتهاد.
ومع هذا فلم ينه أحد من الناس عن منكر من هذه المنكرات لا بيد ولا بلسان!! وطرحت فاطمة بنت رسول الله قضيتها أمام كبار القوم، بأوضح لغة وأفصح لسان، فسمعوها جميعا، وبكى بعضهم ومع هذا لم يجرؤ أحد منهم على الكلام!! إنه الإرهاب والرعب!! ومع أن الإرهاب قد ولى، والرعب قد زال، إلا أن نفوس المسلمين ما زالت مسكونة بالرعب والإرهاب، لأنها قد أشربت روح التاريخ وثقافته!!.
وقال ابن الجوزي: ” دفن الكتب وإلقاؤها في الماء من تلبس إبليس ” (١).
٢ – المحو: قال أبو نضرة قلنا لأبي سعيد: ” اكتتبنا حديثا من حديث رسول الله فقال: امحه ” (٢) وهكذا فعل أبو موسى مع تابعه إذ محا كل ما كتب (٣).
٣ – الغسل: قال عبد الرحمن بن أبي مسعود: ” كنا نسمع الشئ فنكبته ففطن لنا عبد الله بن مسعود، فدعا أم ولده، ودعا بالكتاب وبإجانة من ماء فغسله ” (٤).
وقال أبو بردة بن أبي موسى: ” كنت كتبت عن أبي كتابا فدعا بمركن ماء فغسله ” (٥).
وقال أبو بردة أيضا: ” كان أبو موسى يحدثنا بأحاديث فنقوم أنا ومولى لي فنكتبها، فقال أتكتبان ما سمعتما مني؟ قالا: نعم، قال: فجيئاني به، فدعا بماء فغسله ” (٦).
وحتى يضفو على هذه الأفعال الشنيعة طابع الشرعية كذبوا على رسول الله، فادعوا بأنهم حرقوا سنته المكتوبة أمامه ولم يستنكر ذلك (٧).
بل ادعوا ما هو أكبر من ذلك فزعموا أن الرسول قد قال: ” لا تكتبوا عني من كتب عني غير القرآن فليمحه ” (٨).
(٣) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٤ ص ١١٢.
(٤) سنن الدارمي ج ١ ص ١٠٢.
(٥) تقييد العلم ص ٤١.
(٦) تقييد العلم ص ٤٠، وتدوين السنة ص ٢٨١.
(٧) مسند أحمد ج ٥ ص ١٨٢، وسنن أبي داود كتاب العلم ج ٣ ص ٣١٩.
(٨) صحيح مسلم ج ٤ ص ٩٧ كتاب الزهد باب التثبت في الحديث وحكم كتابه العلوم ح ٧٢، وسنن الدارمي ج ١ ص ١١٩ المقدمة باب ٤٢، ومسند أحمد ج ٣ ص ١٢ و ٣٩ و ٥١.
واختلفت الأحاديث الصحيحة مع الأحاديث المكذوبة على رسول الله
الفصل السادس
صار منع كتابة ورواية سنة الرسول هدفا من أهداف الخلفاء
لقد أمر أبو بكر المسلمين ” بأن لا يحدثوا عن رسول الله شيئا ” (١) وإفصاحا عن مراده قام بحرق الأحاديث التي سمعها بنفسه من رسول الله وكتبها بخط يده ” (٢) وأمر الخليفة رعاياه بأن يجعلوا القرآن هو المرجع الوحيد لهم فيحلوا حلاله ويحرموا حرامه ” (٣) وهكذا أخرج الخليفة الأول سنة رسول الله رسميا من واقع الحياة!!! إذ لم تعد هنالك حاجة ولا أهمية لسنة الرسول بعد الذي فعله الخليفة الأول!!!
وعندما آلت الخلافة إلى عمر بن الخطاب اعتقد أن ما فعله الخليفة الأول بسنة الرسول غير كاف ولا مجد لذلك فقد صمم على أن يجتث سنة رسول الهل من الوجود، فأوهم المسلمين أنه يريد أن يجمع سنة الرسول، وكدليل على جديته استشار أصحاب رسول الله بذلك، فأشاروا عليه بأن
(٣) المراجع السابقة ١ و ٢.