الرئيسية / زاد الاخرة / الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – ج 1

الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – ج 1

الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – ج 1 / الصفحات: ٢٨١ – ٣٠٠

الهيمنة يوازيها في الانسان الصغير التخيل والتوهم إي العقل المقيد، وفي رواية في ذيل سورة القدر: والله إنه ليوحى إلى امام الضلالة بتوسط ابليس وجنوده كما يوحى إلى امام الهدى كما تتنزل عليه الملائكة من الله.ففي الانسان الصغير بظل أئمة الضلال من الواهمة والمتخيلة والغضبية والشهوية لا تستطيع أن تترفع إلى مستوى التجرد العقلي فكذلك أئمة الضلال في الانسان الكبير إبليس وأشياعه وأتباعه.

ويستعين العلامة في توضيح الهداية المخبوة في الامام بقوله تعالى {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى}(١)، فإن الآية تجعل المقارنة بين هاديين إلى الحق (والهادي إلى الضلال خارج عن هذه المقارنة) أحدهما يهدي إلى الحق من نفسه والآخر يحتاج إلى هداية الغير من أجل أن تهتدي نفسه ثم يقوم بهداية غيره.

إن قلت: أن الذي يهدي من نفسه ولا يحتاج إلى هداية الغير هو الله سبحانه وتعالى كما ذكرته الآية في الشق الأول، والذي يحتاج إلى هداية الغير هم الأنبياء والرسل والائمة المهتدون بهداية الله سبحانه.

قلت: إن لازم ذلك أن يبعث الله للناس نحو هداية نفسه مباشرة لا الهداية التي في الرسل والانبياء لأنهم يهتدون بغيرهم، وبتعبير آخر لازم ذلك أن ينهانا عن اتباع الرسل والانبياء في حين لا توجد لدينا قناة لاستلام الهداية إلا من الرسل فيحصل تنافي في مدلول الآية الشريفة، وهداية الله لا يدعيها أحد من دون توسط الرسل والانبياء، فبالتأكيد هذا المعنى خاطئ،والصواب أن الآية دالة على أن الهادي الذي يتبع هو المعصوم الذي علمه لدني لا من الأغيار البشرية وإن كانت

 

١- يونس: ٣٥. 

٢٨١
في خط الهداية، ومن يهدي بهداية غيره لا يكون مأمونا من الخطأ والزلل، فلا يكون هاديا.وذلك المعصوم هو الذي يكون هاديا للحق على نحو الدوام أما الشخص الآخر الذي لا يهتدي إلى الحق إلا بهداية غيره فإذا لم يوجد ذلك الغير فهو يهدي إلى الباطل والضلال. وهداية الله لهؤلاء المعصومين تكون بأحد الطرق الثلاثة {مَا كَانَ لِبَشَر أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَاب أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً}(١).

وينقل العلامة دليلا عقليا على وجوب العصمة وهو تفسير الامامة بأنه يهدي (بأمرنا) وأن الهداية ايصالية كما مر ذكره سابقا، فلابد أن مَن يكون لديه القدرة على تلك الهداية أن يكون مهتديا بنفسه بل تدل الآية على أن الفيوضات الكمالية العملية على النفوس، وانتقال النفوس في سيرها التكاملي من موقف لآخر إنما يتم عبر الامام، وذلك لأنه يهدي بأمرنا إي بالامر الملكوتي وهو (كن فيكون) فالفيوضات تكون بواسطة رابطة الامامة أما رابطة النبوة فهي من أجل هداية الخلق في الاراءة فقط وهي الجهة التشريعية.

فتحصل مما تقدم:

١ ـ ضرورة كون الامام معصوما.

٢ ـ أن يكون موجودا في كل زمان.

٣ ـ أنه يفوق غيره في الفضائل النفسية سواء المعاشية أو الاخروية.

٤ ـ أن الإمامة باقية في عقب ابراهيم، وهذا يستفاد من نفس سؤاله لله تعالى في سورة البقرة، واستجابته تعالى لذلك، وما ورد في سورة الانعام من الآية ٨٢ ـ ٩٠: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ…وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا

 

١- الشورى: ٥١. 

٢٨٢
وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ..} حيث الخطاب في الآية لذرية ابراهيم واصطفاء الله لهم، وهدايتهم ثم يقول عز من قائل {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } فالمراد من (بها) الامامة، وهذا يدل على تأبيدها واستمرارها، وأن الخطاب ما زال لابراهيم وذريته فهم الموكلون بهداية البشرية.ويطرح العلامة اشكالا ويجيب عنه، أما الاشكال فهو أن الآية تدل على أن من يكون نبيا فهو مهتديا فهذا يدل على أن كل نبي إمام، ويجيب عنه: أنه مما لا شك فيه أن النبي يكون مهتديا لكن ليست لدينا قاعدة أن كل مهتدي فهو هاد هداية ايصالية، نعم ما دلت عليه آية {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ…} تدل على أن الهادي إلى الحق يجب أن يكون مهتديا فالتلازم من طرف واحد لا من طرفين.

ويضيف العلامة في آية سورة الزخرف ٢٨: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاَِبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أن الله عز وجل جعل الهداية باقية في عقبه.

نعم يبقى اثبات أن المراد من الهداية في (سيهدين) حيث أنه كان نبيا ويدعو قومه فيجب أن تكون تلك الهداية غير ما هو حاصل عنده وما ذلك إلا الهداية الايصالية والامرية المجعولة باقية في عقبه.

ويخلص العلامة إلى أنه يتضح من آية البقرة سبع مسائل هي امهات مسائل الامامة:

١ ـ أن الامامة مجعولة.

٢ ـ أن الامام يجب أن يكون معصوما بعصمة إلهية ٣ ـ أن الارض لا تخلو من أمام حق.

٤ ـ أن الامام يجب أن يكوم مؤيدا من عند الله.

٥ ـ أن اعمال العباد غير محجوبة عن علم الإمام.

 

٢٨٣
٦ ـ أنه يجب أن يكون عالما بجميع ما يحتاج إليه الناس في أمور معادهم وحياتهم.٧ ـ أنه يستحيل أن يوجد من يفوقه في فضائل النفس.

وفي كتاب المقالات التأسيسية يذكر العلامة تعريفا أوسع للامامة: أن الامام هو السائق للنفوس البشرية إلى لقاء الله وإلى المعاد حيث يسوق أعمالهم ونفوسهم إلى الله تعالى، فبه معادهم وحشرهم ونشرهم حيث تشير الروايات المستفيضة إلى ورود الامام في كافة منازل الآخرة، وقد أشار القرآن إلى ذلك {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} فهذه الآية تثبت للرسول الذي هو حي في عالم الدنيا بأنه يشهد الاعمال وهي من سنخ ملكوتي والمؤمنون هم المعصومون يشهدون الاعمال بمقتضى {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ}.

ونضيف على ما ذكره العلامة أن رابطة الامام والرسول بما هو امام لا تقتصر على عالم الدنيا وما بعده بل حتى ما قبل عالم الدنيا، حيث بعثه في عالم الذر إلى الآخرين وبقية العوالم السابقة على نشأة الدنيا، وأن الهداية الارائية ايضا مفروضة في الامامة لتقدمها على الايصالية – وان كانت هي في الامام في طول الهداية الارائية للنبي (صلى الله عليه وآله) – وهو ما يعبر عنه بالحافظ والمبين للدين عند المتكلمين، وأن الامامة في المجتمع – الانسان المجموعي – هي الزعامة السياسية أيضا مفروضة في حدّ الامامة.

 

٢٨٤
كتاب الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – (ج ١) للسّيّد مُحمّد علي بحر العلوم (ص ٢٨٥ – ص ٢٩٩) 

٢٨٥

المبحث الثاني

 

الأدلة العقلية على ماهية الإمامة الإلهية

وقبل الدخول في البحث، نذكر مقدمة تنفع في المقام:

من المسائل المهمة التي دار البحث عنها في الامم السابقة هي مسألة اتصال الارض بالسماء وهل أن الله بعد أن خلق الخلق تركهم أم استمر اتصاله بهم، واتخذت هذه المسألة اشكالا متعددة ففي عهد اليهود شاعت مقولة {يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ} بمعنى أن الله عز وجل ترك عالم الخلق يسير كما يشاؤن ولا يتدخل في سيرهم ولا يعيق إرادتهم.

وفي عهد مشركي الجزيرة العربية قالوا بضرورة توسيط آلهة صغار ليتم الاتصال مع الذات المقدسة اللامحدودة.

وفي العهد الاسلامي ظهرت مقولة العامة من انقطاع الاتصال بين الارض والسماء بعد الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) وأنه لا يمكن أن تتنزل مشيئة إلهية جزئية في الموارد الخاصة، وقد أشرنا إلى ذلك فيما سبق، وأن دعوى العامة وإن لم تكن في انقطاع التشريع الالهي لكنها في انقطاع الارادة التكوينية المرتبطة بالناموس البشري فتكون هذه العقيدة قريبة المضمون من {يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ}.

والقران الكريم عالج كل تلك المقولات فبالنسبة لعقيدة اليهود أجابهم بصراحة {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وأن الارادة الالهية لم ينقطع اتصالها

٢٨٦
بالمخلوقين.كما أن القران قد عالج مشكلة المشركين حيث خطّأهم في نقطتين:

١ ـ في اعتقادهم أن الرابطة مع الغيب يجب أن تكون ذاتاً مستقلة صغيرة (إله صغير).

٢ ـ في اختراعهم لتلك الوسيلة والواسطة من عند أنفسهم دون الله تعالى، فالقرآن الكريم في نفس الوقت يؤكد على عدم انقطاع الاتصال بالغيب المطلق، وأن هناك وسيلة للاتصال بالعوالم العلوية وهي في حقيقتها محكومة لله عز وجل ولا تكون معبودة بل العبودية المطلقة لله عز وجل.

فهذه الصيغ الثلاث تتضمن نفس المحتوى وهو انقطاع الوحي عن الارض وعدم الاتصال مع السماء. وأما استمرار الاتصال فهو عين التوحيد وذلك لأن التوحيد الخالص هو توحيد الذات والصفات والافعال بل حتى التوحيد في التشريع حيث لا يكون للانسان حق التشريع والتقنين بل الله وحده له هذا الحق الذي بيّنه عن طريق الانبياء والائمة.

وايضا هناك التوحيد في الولاية أي نتبع الله عز وجل فيمن نتولاه ونستهديه للوصول إلى الكمالات العالية وهذا هو معنى الامامة فنفي الامامة يكون شركا ونفيا للتوحيد في الطاعة.

ويمكن لنا أن نضم إلى هذه الصيغ الثلاث صيغة رابعة نادى بها أصحاب المدرسة المادية الحديثة التي تدعي أن عالم المادة تحكمه المعادلات المادية والقوانين الخاصة بها حيث أنهم يجعلون مصدر الخلقة والايجاد هو المادة ثم يختلفون في تفسير هذه المادة فيجعل البعض أن المقصود منها الطاقة والقدرة ولأجل الأقلمة مع أساس العقيدة يجعلون المادة شاعرة عالمة.

ولكننا نقول – في مقابل الصياغات المتقدمة – أن ارتباط مراتب الوجود مع

٢٨٧
الذات المقدسة موجود ودائم غير منقطع حتى في عالم الانسان الصغير، وهذا الارتباط اختياري لا اجباري وقد برهن عليه في محله. 

الدليل الاول: ضرورة الإرتباط بالغيب وخلاصته:

أنه لابد من ارتباط غيب الغيوب وهو الذات المقدسة بالعوالم النازلة وبالاخص عالم الانسان الصغير واراداته وهدايته الارائية والايصالية وهذا التنزل بلا شك يجب أن يكون عبر قناة وجودية خلقية وإلا لاقتضت وجود طفرة، ولابد لهذه القناة من أن تتصف بصفتين أحدهما الارتباط بالغيب والاخرى الارتباط بالعالم النازل. وتفصيل ذلك من خلال النقاط التالية:

[image] - مركز الأبحاث العقائدية  أننا اثبتنا فيما سبق وجوب الارتباط وعدم انقطاع الاتصال بين الارض والسماء.

[image] - مركز الأبحاث العقائدية  أن الاتصال إما أن يكون من خلال ارتباط الذات المقدسة بكل فرد فرد وبكل نفس بشرية، وهذا يعني أن تكون كل النفوس أنبياء ورسل وائمة وهذا وإن أمكن ثبوتا وليس بممتنع على الحق تعالى لكنه على خلاف نظام الخلقة إذ أنه قائم على أن لا يكون الكل كذلك.

[image] - مركز الأبحاث العقائدية  أن الاتصال حينئذ يكون عبر أفراد، ولا يخلو أمرهم أن يكونوا إما بشرا او ملائكة أي اننا اشترطنا أن يكون فيهم جنبة بشرية وذلك لما ذكرنا سابقا أن عدم وجود الجنبة البشرية مطلقا يفقد خيرية الاقتداء والأسوة إذا أنه لا يحقق البعث والتحريك نحو الكمال فهو بشر يراه الناس كأنفسهمن لكنها نفس تعالت عن مزالق الشهوات إلى مراتب الكمال فأصبحت تهدي بأمر ملكوتي، فهو نموذج بشري توفرت فيه صفات الكمال،وفي هذا جواب على ما ذكره بعض العرفاء او

٢٨٨
الصوفية من أن المرتاض في سير وسلوك وارتباط بالارواح الكلية و العوالم العلوية أما في عالم الشهادة فإنه يخطئ في تطبيق تلك الروح المرتبطة بعلي (عليه السلام) فيجعل لها مصداقا من آخرين كزيد وعمرو… فهو في حقيقة أمره مرتبط ومذعن بالعوالم النورية، مثل ما قد ينسب إلى بعض عرفاء العامة فيرى أنه وصل في سيره وسلوكه إلى الحقائق العلوية ولكنه اخطأ في التطبيق في هذه النشأة.وقد ذكرنا أن هذا الارتباط أيضا غير نافع، وذلك لأن الحقيقة الانسانية هي أشرف صور المخلوقات الالهية ومنها يبدأ السير التكاملي والاتصال بالغيب فيجب أن لا يكون دونها كمالا، وهذا مع ما ذكرناه سابقا يقتضي أن يكون الهادي والرابط بين الأرض والسماء له جنبة بشرية.

[image] - مركز الأبحاث العقائدية  نعم يبقى الجواب عن اشكال قد يطرأ على ذهن البعض; وهو أن الاتصال بالغيب يكفي فيه النبوة فما الحاجة للائمة، وبتعبير آخر ما الحاجة إلى الهداية الايصالية مع وجود الهداية الارائية؟

وفي مقام الجواب نشير إلى أن الروايات قد استفاضت أو تواترت على أن للائمة جنبة تشريعية للاحكام لا بمعنى الاتيان بأصل الشريعة بل هي هداية تشريعية متممة للنبوة والرسالة، وبيان ذلك من خلال مقدمات:

– من المبادئ الاساسية التي تحكم التشريعات والتقنينات على مدى العصور هو مبدأ تدرج القوانين، وهو يعني أن القانون يبدأ من قواعد كلية وعمومات فوقانية ثم تتدرج إلى قوانين متوسطة حتى تصل إلى القوانين الجزئية التي تطبق على الظواهر الفردية والاجتماعية،وهذا النحو هو الحاكم على التقنينات الوضعية فترى الدستور ثم القوانين الصادرة من المجالس النيابية ثم القوانين الصادرة من السلطة التنفيذية.وقد أشرنا في بحوث الاصول إلى تماثل الاعتبار الشرعي مع الاعتبار الوضعي على أساس اتحاد لغة التقنين والتشريع.

 

٢٨٩
– أن تنزل القوانين العامة والقواعد الكلية إلى المصاديق يحتاج إلى مراقبة وذلك لمنع حصول الاختلاط والتدافع والتصادم في التطبيق.– أن السنة الجارية في عالم الخلقة هي محدودية أعمار الانبياء والرسل، ولذا فهم يكتفون بذكر الكليات والقوانين العامة ولا يستوفون تنزيلها وتطبيقها على كل الدرجات و الموارد الجزئية إذ أن محدودية أعمارهم تمنع من مراقبة كل الدرجات و الجزئيات الحاصلة بعد حياتهم الشريفة.

– ان سلامة الشريعة وصوابية التقنين تقتضي استمرار المراقبة في تطبيق تلك القواعد العامة والقوانين الكلية، خصوصا في القواعد الالهية التي ترعى المصالح والمفاسد الواقعية التي تخفى على الاذهان العادية فلابد من استمرار بيان المتوسطات والتطبيقات، خصوصا إذا قلنا أن الاحكام الشرعية هي إرادات إلهية صادرة من جانب الذات المقدسة في الوقائع الجزئية والفردية والمجموعية.

– أن البشر العادي المنقطع عن الغيب ليس له أن يتوصل إلى بيان مؤدى النقطة السابقة وذلك لاحتياجها إلى عصمة علمية.

والنتيجة: انه لا بد من وجود فرد له عصمة علمية مضافا إلى العصمة العملية والكمالات النفسانية العالية، وهذا الفرد الذي يكمل مسيرة الأنبياء التشريعية هو الامام.

ولا يخفى على كل ذي لب ما نشاهده في حياتنا العملية حال التشريعات الوضعية والمراقبة المستمرة على كيفية تطبيق التشريعات الدستورية وعدم مضادتها لها، ومع ذلك توجد موارد عديدة للنقض والخطأ وبين كل فترة وأخرى تحصل الاستدراكات والملاحق لغرض تفادي الاخطاء والنقص، وفي القانون الالهي وإن لم يُقس بالقانون الوضعي البشري إلا انه لا بد من وجود المعصوم عصمة علمية يقوم ببيان تلك المتوسطات وبذلك يؤمن عن الوقوع في الخطأ

٢٩٠
والزلل في التطبيق أوالتنزيل المسمى في اصطلاح الوحي بالتأويل، ومجرد احتواء الكتاب على تلك التشريعات العامة لا يدفع الخطأ في مجال التنزيل أو التفريع، فكم نرى في عملية الاجتهاد أثناء استنباط الاحكام الشرعية من أخطاء وغفلات(١).وبهذا يندفع الاشكال من أنه لا حاجة إلى افتراض العصمة العلمية بواسطة وجود كتاب يروونه عن النبي (صلى الله عليه وآله) فيعتبرون لكونهم رواة عدولاً ولا حاجة إلى العصمة حينئذ.

ووجه الاندفاع أنه مهما بلغت درجته العلمية فإنه لا يؤمن من الوقوع في الخطأ في بيان القوانين المتوسطة وتطبيقها على الجزئيات، فلا بد من الاتصال بالغيب.

وبناء على ما مضى يتبين ضرورة ابراز جنبة الهداية الارائية في الائمة مضافا إلى الهداية الايصالية،وعدم الاكتفاء بالاخيرة فقط كما ذهب إليه السيد العلامة في الميزان.

[image] - مركز الأبحاث العقائدية  وقد يثار اشكال آخر: أنه ما المانع من عدم وجود ائمة معصومين عملا فكل ما نحتاجه هو عصمة نسبية عملية كالعدالة، وعصمة نسبية علمية كالفقاهة، فنكتفي بهما عن العصمة الشاملة بمعنى المقام الغيبي والملكوتي؟

ويوجد في المقام جوابان:

الأول: ان هذا الإشكال قد حصل فيه التغافل عما ذكرناه في بداية البحث أن الانبياء والرسل بمقتضى محدودية أعمارهم البشرية لا يوضحوا كل شيء ولا يبينوا كل القوانين الجزئية والمتوسطات، فمن أين للفقيه أن يعلم بقية المتوسطات مع عدم كونه متصلا بالغيب إذ المتوسطات ليست مجرد تطبيقات للكليات بل هي

 

١- حتى عرف مسلك فقهاء الامامية بمسلك التخطئة دون التصويب. 

٢٩١
نوع من الانشاء التشريعي من نفس المشرع الاول. وبتعبير آخر: أن الانبياء نحو اراءتهم كانت اراءة اجمالية فلابد من الاراءة التفصيلية واستمرارها عن طريق الائمة بأن تكون متصلة بالغيب معصومة من الوقوع في الخطأ.الثاني: أن بيان الامام وفهمه للحكم الشرعي لا يكون كفهم الفقيه بل هو، بيان بعلم الغيب والتسديد الالهي المصيب للحق دوما. فاراءة الامام للاحكام الشرعية ليست شريعة جديدة بل بيان لتلك الشريعة الاجمالية الكلية المتنزلة عبر القناة الغيبية للنبي (صلى الله عليه وآله).

إذن نلاحظ في مقام الامامة والنبوة نقاط التقاء وافتراق وأفضلية جانب على آخر فكلاهما حلقة اتصال بالغيب، وكلاهما حجة الله على الخلق وسفارة إلهية إلا أن وظيفة كل منهما تختلف عن الآخر فالنبوة فضيلة في نفسها والامامة فضيلة في نفسها، ورأينا في تفسير آية البقرة كيفية استحقاق ابراهيم للامامة، وأنه كان عبر تلك الابتلاءات المختلفة والشديدة.

فالنبوة لها فضل والامامة تفصيل لتشريع النبوة، ويبقى للامامة الهداية الايصالية بخلاف النبوة التي تقتصر على الهداية الارائية وبعض الانبياء هم ائمة أيضا، أما الائمة فليسوا بأنبياء وتفضيل بعضهم على بعض ثابت بالنصوص القرآنية والروائية، وقد تبين أيضا كيف أن النبوة لا تقوم مقام الامامة وأنها تكتمل بها.

وهاهنا تساؤل آخر وحاصله: لماذا لا يكتفى بالامامة عن النبوة فإنها جامعة للهداية الايصالية والارائية؟؟

والجواب عن ذلك:

١ ـ أن المفروض أن الهداية الايصالية ليست إلجائية بل اختيارية.

٢ ـ أن المكلف في اختياره لأي سيرة في حياته يجب أن يكون طبقا لعلم، لكي يؤمّن جانب الاختيار والكمال في المسير الانساني فلابد أن يكون الانسان على

٢٩٢
علم بالطريق والغاية والهدف من هذا المسير وهذا الجانب العلمي لا يؤمّن إلا بالهداية الارائية، فعلمه وانتقاؤه طبقا لهداية النبي هو قوام الاختيار.وبعد حصول ذلك العلم لدى المكلف يأتي دور الهداية الايصالية والتسبب الملكوتي الذي يرى أن أرضية المكلف مخيرة ومهيأة لتقبل الكمال، ويستطيع المكلف الاختيار ويتبع إمام الهدى ويفضله على اتباع إمام الضلال.

فتظهر أهمية العلم بالشريعة الذي يبينه النبي، ثم يأتي دور الامام بعد أن يختاره المكلف فتكون هدايته اختيارية لا إلجاء فيها ولا جبر، وخصوصا أن السير التكاملي لا يؤدي هدفه إلا اختياريا وإذا كان جبريا فلا كمال فيه.

وعليه فمن تمام عناية الله ولطفه بالانسان أن يهيئ له الاسباب المعدة للكمال، ونظير هذا حقيقة الانسان الصغير حيث أن العقل العملي لا يغني عن العقل النظري فحكمة وجوده هو نوع اعداد وتهيئة أرضية لانجذاب الانسان إلى نزعات العقل العملي وذلك بما يحصل عليه من علوم حصولية(١).

 

تقييم الدليل الأول:

يلاحظ على هذا الدليل هو تركيزه على حيثية الهداية الارائية في الامام، ولا يقوم باثبات المقام الغيبي للامام بما هو هاد هداية ايصالية، وهذا الدليل هو الذي اعتمده عامة المفسرين من الامامية طيلة قرون عديدة، ولكنهم عند ذكره لم يتطرقوا إلى المقام الغيبي للامام الذي يمكن التعمق فيه من خلال نفس المقدمات المذكورة.

 

 

١- ومن هنا يتبين أنه من دون حصول التولي للائمة لا يمكن أن ينشدّ الانسان للكمال ولا تنفع كلمة العرفاء من كفاية السير والمجاهدة الباطنية وإن أخطأ في مصداقه في عالم الشهادة وما ذلك إلا لأن الهداية الارائية لا يمكن أن تتم إلا بالامام في عالم الدنيا حيث أن الاحكام الشرعية هي طريق الكمال، فإذا أخطأ في الامام في هذه النشأة فسوف تكون تشريعاته في حيز الوقوع في الزلل والخطأ فكيف يمكن السير في طريق الكمال – والهداية الايصالية من دون الهداية الارائية متعذرة. 

٢٩٣

الصياغة الثانية لنفس الدليل:

في بداية هذا الفصل بيّنا الجهاز العلمي والادراكي في الانسان الصغير وذكرنا أنه توجد مدارج ادراكية ثلاث:

– المراتب الروحية (الاخفى والخفي والسر والقلب).

– المراتب الادراكية (العقل والوهم والخيال والحس).

– المراتب العملية (العقل العملي والقوى الشهوية والقوى الغضبية والاختيار).

وذكرنا أن تنزل العلوم البشرية دليل على وجود العالم العيني وعالم ما وراء المادة حيث أن العلم ليس بمادي وليس له عوارض المادة وقد ثبت في محله أن التجربة و الاستقراء لا يفيدان العلم وذلك لأن الجزئي لا كاسب ولا مكتسب، بل العلم يفاض من العالم الغيبي.

وفي تنزل العلوم تدرج في تلك المراتب حتى يصل إلى عالم الخارج، وقد أشرنا إلى أن البديهيات توفر عصمة نسبية لدى الانسان ولهذا أطلق على العقل الرسول الباطن، وأن هذه البديهيات لا تكون بديهية لدى العقل النظري إلا بعد ارتباطها بعلوم حضورية، وذلك لأن العلوم الحصولية وهي الصور الذهنية تظل قابلة للانطباق على كثيرين وطبيعتها أنه يظل فيها الاحتمال والامكان، فهي لا تولد اليقين ولا الضرورة أي ضرورة الوقوع والوجود، أما الدرك العياني الحضوري فليس محلا للاحتمال والزلل لذلك يجب أن تستند الادراكات الحصولية إلى ادركات حضورية حتى تكون يقينية صحيحة.

وعلى كل حال فهذه القنوات الانسانية ليست بمأمونة من الخطأ باعتبار تجاذب النزعات الشيطانية باعتبار أن الجن والشيطان ذو وجود خفي لطيف حيث بامكانه أن يرتبط بالانسان عبر مدارج وجوده لا سيما الادراكية النازلة وهو ما يعبر عنه في

٢٩٤
الروايات “أنه يجري في البدن مجرى الدم في العروق” فللشيطان منافذ يستطيع أن ينفذ من خلالها في الانسان.ونضيف هنا أنه كيف يمكن أن تتنزل الارادات والمشيئات الربانية من دون اشتباه والتباس وخطأ؟ والجواب: أن هذا غير ممكن إلا لمن أهّله الله بمدارج روحانية وادراكية بأن لا يستطيع الشيطان النفوذ إليها، وهو ما تشير إليه الآية قاصدة النبي (صلى الله عليه وآله) {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبالْحَقِّ نَزَلَ}{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} فما دام الاتصال بالغيب موجودا في كل الازمنة وأن عالم الشهادة قائم على وجود هذا الاتصال وأن يد الله مبسوطة فهذا يدل على ضرورة وجود قناة معصومة تتنزل عن طريقها المشيئات الالهية.

وبعبارة أخرى: أن الارادة والمشيئة الالهية يجب أن تبرز إلى عامة البشر المختارين حتى يستعلموا مواطن مشيئة وإرادة الله حتى في الموارد الجزئية سواء الجزئي الاضافي أو الحقيقي،وهذه الارادات لا يمكن أن تتنزل إلا عبر من كانت له عصمة عملية وعلمية أي يكون على صعيد المدارج الادراكية النازلة وعلى المدارج الادراكية الروحية الفوقانية. وبتعبير جامع له مقام غيبي، فلا تنازعه قوى الغضب ولا الشهوة والخيال ولا الوهم: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاك أَثِيم}(١)، فالشيطان يدعو ويغري الادراك، فالذي تكون ارادته ومشيئته مظهرا لارادة الله يجب أن يكون مأمونا من نفوذ الشيطان إلى ادراكا ته.

 

تقييم الدليل:

هذه الصياغة توضح كثيرا من الروايات نحو “نحن تراجمة أمر الله ونهيه وتراجمة ارادة الله ومشيئته”. وفي هذه الصياغة ترميم للنقص في تعريف الامامة لدى

 

١- الشعراء: ٢٢٢. 

٢٩٥
العلامة الطباطبائي، حيث أنه قد ركز على أن للامام مقاماً ملكوتياً يوجب بمقتضاه التصرف في النفوس والسير بها من منزل إلى منزل معنوي أعلى، وما ذكرناه يركز على الهداية الارائية للمعصوم.فالدليل الاول بصياغتيه يقوم بمهمة البرهنة على جانب الهداية الارائية في الامام.

 

الدليل الثاني: الفطرة

وهو المعروف بالدليل الفطري وقد ورد في عدة روايات، واجماله:

أن كل فطرة بشرية تجد في أعماقها انجذاباً فطرياً نحو الكامل علما وعملا، وهذا الانجذاب هو الباعث والمحرك للانسان لأن يتكامل، وهذا دال على وجود من هو كامل علما وعملا.

تفصيل الدليل: من خلال بيان عدة مقدمات:

 

المقدمة الأولى:

أن مدارس المعارف البشرية تتفق على وجود الأمور البديهية والفطرية لدى الانسان، ويعرفون القضية البديهية بأنها القضية التي يضطر الانسان إلى الاذعان بها بالضرورة من دون حاجة إلى إعمال الفكر بل مجرد الرجوع إلى النفس ورفع الموانع يجد نفسه مصدقا بها.

ونلاحظ أن هذا التعريف للبديهة ينطبق على الامور التي فطر عليها الانسان، فاذا افترض امر اشتركت البشرية فيه فإنه يعلم أنه من الامور الفطرية، ومن أدلة التوحيد د ليل الفطرة وهو من براهين الصديقين حيث يقولون أن انجذاب الفطرة البشرية نحو الكمال اللامحدود، دليل على وجود اللامحدود، وذلك لأنه لا يعقل أن تشترك البشرية بالايمان بأمر ما وتكون خاطئة به وإلا لزم السفسطة لأنه لو تبين

٢٩٦
خطؤها فهذا يعني عدم وجود حقيقة يمكن أن يرتكز عليها الانسان في علومه، إذ أن السفسطة تعني احتمال الخطأ في كل علم تذعن به النفس، فالعلوم التي تكون على وزان الامور الفطرية والبديهية والتي يشترك بها عامة البشرية لا يمكن أن تكون خاطئة. 

المقدمة الثانية:

أن الانسان في حين انجذابه إلى اللامحدود يقر في نفسه أنه لا يستطيع أن يكون لا محدودا لان قدرته وامكاناته كلها محدودة. فحتى لا يصاب باليأس وعدم الأمل والرجاء يجب أن يسعى لتحصيل الكمالات العلمية والعملية بالمقدار الممكن على حسب قدرته ووسعه، وهذا أحد وجوه تفسير ما يعبر عنه في بعض الروايات “أه من طول السفر وقلة الزاد” فهذا السفر لا نهاية له لأن المقصود لا محدود ولا متناه.

 

المقدمة الثالثة:

أن من مسببات الانجذاب إلى الكامل اللامحدود الانجذاب إلى الكامل من بني الانسان، فنجد الناس ينجذبون إليه وهذا ما يثبته علماء الاجتماع حيث يذكرون أن من أعرق الاساطير في تاريخ البشرية هي اسطورة البطل، ولا يكاد يخلو مجتمع وملة منها، حيث يصورون البطل الشجاع والهمام المتحلي بمحاسن الاخلاق، ونرى الناس يندفعون إلى التشبه به في كافة جوانبه وذلك للاعتقاد أن كمالاته من اللامحدود.

 

المقدمة الرابعة:

أن من كمالات الانسان الارتباط باللامحدود علما وقدرة و هيمنة على كل عالم الخلقة أو مَن تكون له السيطرة على كل شيء، وهذا لا يعني الاحاطة المطلقة بالعزل عن الذات المقدسة وإلا لم يكن ذلك كمالا، ونفس وجود هذا الأمر و النزع

٢٩٧
الفطري دال على عدم امتناعه.والنتيجة: أنه لا بد من وجود مثل هذا الكامل لامتناع السفسطة وثبوت ذلك بالفطرة.

 

الصياغة الثانية:

وهي تنطلق من نفس ما انطلقت منه الأولى أن الانسان ينجذب نحو الكمال اللامحدود.

 

المقدمة الثانية:

أن الحركة نحو أية غاية كمالية يشترط فيها أمران ذكرناهما فيما سبق: كون الهدف ممكنا وليس بممتنع ولا محال، وان يكون الكمال المطلوب غير حاصل للانسان فعلا.

 

المقدمة الثالثة:

أن الكمالات المطلقة للذات المقدسة لا يحدها حد والانسان يعلم من نفسه أنه لا يمكن أن ينقلب إلى اللامحدود، فحتى تكون تلك الكمالات ممكنة يجب أن تتنزل إلى الحظيرة الانسانية حتى يتصورها الانسان ممكنة التحصيل مع بقاء تلك الكمالات المتنزلة غير حاصلة لديه.

وينتج من ذلك أن الارتباط بالذات المقدسة يجب أن يكون بواسطة رابطة من الحقيقة البشرية وقد ذكرنا سابقا أن المقتدى يجب أن يتحلى بالصفتين الغيبية والبشرية، وقد أشار القران إلى هذه الحقيقة {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَا يَلْبِسُونَ}(١)، فهذه الآية تؤكد ذات الحقيقة، ولذا يعيش الانسان الحالة الوسطى ما بين الخوف والرجاء فالارتباط مع الذات المقدسة يكون بواسطة

 

١- الانعام: ٩. 

٢٩٨
المعصوم، وإذا لم نفترض ذلك فإنه يعني انقطاع الاتصال مع الخالق جل وعلا.والخلاصة: أن الموجب لحفظ الخوف والرجاء حسب التعبير الشرعي والموجب لضمان دوام الحركة حسب التعبير الفلسفي، والموجب للايمان بالغيب حسب تعبير الروايات (ونعني بالايمان بالغيب الاعتقاد بغيب الكمال اللامحدود والانجذاب إليه فتتحكم إرادات الغيب في التكامل بنحو غير منقطع) لا يتحقق إلا بوجود الرابطة، فمآل مَن لم يؤمن بالرابطة أنه لا ينجذب ولا يؤمن بالذات المقدسة ومعنى الايمان بها هو الايمان بالله تعالى.

وضرورة الارتباط بالله عز وجل عن طريق الواسطة يؤمن به العامة أيضا باضطرارهم الفطري، إلا أنهم في تطبيق مَن يلبسونه لباس العصمة يشتبهون في التطبيق، وهذا هو عين الانحراف والضلال،مثلا يلبسون الصحابي أو بعضهم ثوب العصمة والكمال العلمي والعملي وهذا واضح من خلال ما ينقلونه من فضائل للأول والثاني والعشرة المبشرة بالجنة كما يدعون، ونحن نستشهد بذلك على أنه في واقعه استجابة لنداء الفطرة الذي قد أشرنا إليه في بداية الدليل وإقرار بمسلك الإمامية ومعتقد الامامة العهدية الالهية، و لأجل ذلك نلاحظ اطلاق الروايات على الأول والثاني الجبت والطاغوت لأنهما في قبال العبودية والمخلوقية، فالجبت مأخوذ من الجب وهو الطم أو القطع أي السد العام لطريق الحق وسلوك الكمال، والطاغوت من الطغيان والتمرد في الذات على ما توجبه حقيقة الفطرة البشرية بأن يكون عبدا للعيش ويدرك حالة الفقر في حقيقته لربه فيتمرد ويعتد بذاته مستقلة ومستغنية عن المدد الرباني.

ولذلك فبوابة التوحيد هو الامام، وهو السبيل إلى الايمان الخالص بالله، وفي الرواية عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) “يا علي من قصد الله و لم يقصدني فلم يقصد الله و من قصدني ولم يقصدك فلم يقصدني” إذن فالواسطة والرابط يجب أن يكون من الكمال

٢٩٩
كتاب الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – (ج ١) للسّيّد مُحمّد علي بحر العلوم (ص ٣٠٠ – ص ٣١٤) 

شاهد أيضاً

العمق المحتل بمرمى صاروخ يمني فرط صوتي.. وما خفي أعظم

 إيمان مصطفى وقف اليمن شامخًا بوجه ثلاثي الشر الأميركي و”الإسرائيلي” والبريطاني، بكلّ جرأة وشجاعة وثبات، ...