الوقت- لطالما طمح الصهاينة إلى تهجير سكان غزة تمهيداً لطردهم خارج الوطن في حملة تطهير عرقي هي الأكبر عبر التاريخ، فحكومة الاحتلال تراهن على مواصلة الضغط العسكري على المدنيين، عبر ارتكاب مجازر مروعة ووضع مخططات خبيثة لحكم غزة بعد انتهاء الحرب بشكل خاص بعد الضربات القاسية التي تتلقاها من رجال المقاومة الفلسطينية وعدم تسجيلها أي انتصار في المعركة، ما دفعها لعرض خيارات ووضع خطط على الطاولة تحفظ من خلالها ماء وجهها لليوم التالي لانتهاء الحرب على غزة.
تحذيرات من استدراج المدنيين إلى الجنوب
بعد الجرائم الأخيرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مناطق واسعة من مدينة غزة، أثيرت تحذيرات كثيرة من خطورة المخطط الصهيوني ضد سكان هذه المدينة، وفي هذا الصدد، أكدت الفصائل الفلسطينية أن الجيش الصهيوني الإجرامي والفاشي يعول على استمرار الضغوط العسكرية ضد المدنيين والقتل الفظيع، حتى يأتي بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء المجرم لنظام الاحتلال وحكومته الفاشية لفرض شروطه على جهود الوسطاء للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ووقف حرب الإبادة الجماعية في غزة.
وفي هذا الصدد يتمثل هدف الاحتلال الإسرائيلي من دعوة سكان مدينة غزة مؤخراً إلى النزوح من المدينة إلى جنوب القطاع لاستدراجهم إلى أفخاخ الموت والقتل والإعدامات الميدانية وعبر عن ذلك المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، حيث قال إن الجيش الإسرائيلي نشر “خرائط تضليلية للنزوح من مدينة غزة جنوبا إلى مناطق ادعى أنها آمنة لكنها ذات خطورة بالغة”.
وفي هذا السياق حذرت لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية في بيان لها، من التهاون في إدراك مدى خطورة تصعيد حكومة نتنياهو الفاشية لحرب الإبادة الجماعية، وخاصة في أحياء مدينة غزة كالشجاعية والتفاح والدرج والبلدة القديمة، مؤكدة أنه يهدف إلى إخلائها من جميع السكان وتهجيرهم إلى الجنوب تمهيداً لطردهم خارج الوطن بقوة السلاح في حملة تطهير عرقي هي الأكبر في التاريخ للوصول إلى مآربها الخبيثة.
ونبهت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جماهير شعبنا إلى ضرورة تجنب التعاطي مع حرب الاحتلال النفسية التي تهدف إلى تشديد الضغط على الحاضنة الشعبية لضرب المقاومة وإضعافها، مشددة على أن هذه المخططات ستفشل وستتحطم على صخرة صمود ومقاومة شعبنا، ولن تحقق أهدافها في زعزعة صفوفنا أو تغيير مواقفنا.
وأشارت منظمة هيومن رايتس وواتش إلى امتلاكها وثائق تثبت قيام قوات الاحتلال الصهيوني بتهجير عشرات الآلاف من السكان من مناطق مختلفة في مدينة غزة، وإن عملية التهجير القسري لسكان مدينة غزة تجري في ظل أوامر الجيش الإسرائيلي بإخلاء مناطق واسعة من قطاع غزة، بالتزامن مع استمرار حرب الإبادة والتجويع التي تشنها ضد المدنيين في هذا القطاع.
مخططات عديدة وخبيثة
العديد من المخططات عرضتها حكومة الاحتلال على أمريكا والدول العربية والغربية، حول مستقبل غزة “الذي لا يزال غامضًا حتى اللحظة”، فمن تلك المخططات ما لا يمكن تطبيقها وأخرى كانت من وحي الخيال، إلا أن هذه المرة عرضت “تل أبيب” ورقتها الأخيرة لتحدد مصير غزة مدنيًا وعسكريًا، وهي إسناد مهمة إدارة قطاع غزة لفترة مؤقتة إلى “عشائر فلسطينية معروفة للشاباك”، في إطار خطة تتضمن تقسيم القطاع لمناطق إدارية تحكمها هذه العشائر وتقوم ببعض المهام هناك مثل توزيع المساعدات الإنسانية وإدارة الحياة المدنية في غزة.
وطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من المسؤولين الأمنيين فحص ما إذا كانت هناك قوى محلية في قطاع غزة يمكن التعاون معها واستخدامها في إدارة شؤون القطاع بعد الحرب، وقالت صحيفة “يديعوت أحرنوت”: إن نتنياهو سأل عما إذا كان بالإمكان تعزيز مكانة عشائر مسلحة وجهات محلية ودعمها، بحيث يمكنها السيطرة على أجزاء من قطاع غزة.
وجاء توجه نتنياهو في الوقت الذي أعلن فيه أنه يرفض تسلم السلطة الفلسطينية قطاع غزة بعد الحرب، رافعاً شعاره الشهير “لا حماسستان ولا فتحستان”.
ويسعى نتنياهو إلى إيجاد جهة تتولى إدارة الشؤون المدنية، بحيث يحتفظ الجيش بالسيطرة الأمنية، وهو تصور يثير خلافاً مع الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لـ”إسرائيل” في الحرب، والتي ترفض إعادة احتلال أي جزء من قطاع غزة أو تقليص مساحته، وتدعم تولي سلطة فلسطينية واحدة “مؤهلة”، الضفة الغربية وقطاع غزة، وسيشعل غضب مصر التي ترفض بشكل قاطع هذا المخطط.
وتحاول “إسرائيل” بهذا المخطط استنساخ تجربة “روابط القرى” الموجودة في الضفة الغربية المحتلة، وتطبيقها في قطاع غزة.
ما هي “روابط القرى”؟
“روابط القرى” هي عملية تنظيمية طبقتها حكومة الاحتلال الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية عام 1978 في أعقاب اتفاقيات كامب ديفيد (المؤلفة من قسمين، الأول متعلق بإدارة الضفة وغزة، والثاني بعملية السلام بين إسرائيل ومصر)، تحت الإدارة المدنية الإسرائيلية.
وكانت الأهداف المعلنة لهذه الروابط القروية هي حل المنازعات والخلافات السكانية ومساعدة المزارعين في تحسين أوضاعهم الاقتصادية، إلا أن الأهداف الحقيقية لتلك الروابط كانت دعم سلطات الاحتلال لها بالمال والسلاح، في محاولة لخلق قيادة فلسطينية بديلة عن منظمة التحرير الفلسطينية تكون مستعدة لتأييد كامب ديفيد، وقادرة على المشاركة في مفاوضات الحكم الذاتي وتنفيذ مخطط “إسرائيل” للإدارة المدنية وتولي المناصب أو المهام التي توكل إليها في هذا السياق، وأثارت خطة “روابط القرى” في قطاع غزة، أسئلة حول قبول مصر للفكرة، باعتبارها طرفاً ذا مصلحة في تحديد مستقبل قطاع غزة.
ختام القول
بعد أن قطع الشعب الفلسطيني شوطاً طويلاً وصعباً في مقاومة الاحتلال ومقاومة الاستعمار الإسرائيلي، كيف له أن يجد نفسه من جديد ضمن المخططات الإسرائيلية لإدارة قطاع غزة من خلال روابط القرى، ومن خلال قيادات العشائر التي ارتبطت مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وكانت قد تمت مقاطعتها شعبياً في السابق، لذلك لا يمكن للشعب وتحت أي ضغوطات كانت أن يقبل بمثل هذه المشاريع التي تعمّق من الاحتلال، وتزيد من المأساة الفلسطينية.