الإحتجاج (ج2) / الصفحات: ١ – ٢٠
احتجاج الحسن بن علي عليهما السلام على معاوية في الإمامة، من يستحقهاومن لا يستحقها بعد مضي النبي.
وقد جرى قبل ذلك إيراد كثير من الحجج لعبد الله بن جعفر بن أبيطالب، وعبد الله بن عباس، وغيرهما، على معاوية في الإمامة وغيرها، بمحضرمن الحسن عليه السلام، والفضل بن عباس، وغيرهما.
روى سليم بن قيس قال: سمعت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: قاللي معاوية:
ما أشد تعظيمك للحسن والحسين، ما هما بخير منك، ولا أبوهما بخير منأبيك، ولولا أن فاطمة بنت رسول الله لقلت: ما أمك أسماء بنت عميس بدونها.
قال: فغضبت من مقالته، وأخذني ما لا أملك، فقلت: أنت لقليل المعرفةبهما، وبأبيهما، وأمهما، بلى والله أنهما خير مني، وأبوهما خير من أبي، وأمهماخير من أمي، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيهما وفي أبيهما وأنا غلامفحفظته منه، ورعيته.
فقال معاوية – وليس في المجلس غير الحسن والحسين عليهما السلام، وابن جعفررحمه الله، وابن عباس، وأخيه الفضل -: هات ما سمعت! فوالله ما أنت بكذاب.
فقال إنه أعظم مما في نفسك.
قال: وإن كان أعظم من أحد وحرى، فآته! ما لم يكن أحد من أهل الشامأما إذا قتل الله طاغيتكم، وفرق جمعكم، وصار الأمر في أهله ومعدنه، فما نباليما قلتم، ولا يضرنا ما ادعيتم.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمنكنت أولى به من نفسه فأنت يا أخي أولى به من نفسه) وعلي بين يديه في البيت،والحسن، والحسين، وعمرو بن أم سلمة، وأسامة بن يزيد، وفي البيت فاطمة عليها السلاموأم أيمن، وأبو ذر، والمقداد، والزبير بن العوام، وضرب رسول الله صلى الله عليه وآله على
عضده وأعاد ما قال فيه ثلاثا، ثم نص بالإمامة على الأئمة تمام الاثني عشر عليهم السلامثم قال صلوات الله عليه: (لأمتي اثنا عشر إمام ضلالة، كلهم ضال مضلعشرة من بني أمية، ورجلان من قريش، وزر جميع الاثنا عشر وما أضلوا فيأعناقهما، ثم سماهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسمى العشرة منهما).
قال: فسمهم لنا.
قال: فلان وفلان، وصاحب السلسلة وابنه من آل أبي سفيان، وسبعة منولد الحكم بن أبي العاص، أولهم مروان.
قال معاوية: لئن كان ما قلت حقا هلكت، وهلكت الثلاثة قبلي، وجميعمن تولاهم من هذه الأمة، ولقد هلك أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصاروالتابعين من غيركم وأهل البيت وشيعتكم.
قال ابن جعفر: فإن الذي قلت والله حق سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال معاوية – للحسن والحسين وابن عباس -: ما يقول ابن جعفر؟
قال ابن عباس: ومعاوية بالمدينة أول سنة اجتمع عليه الناس بعد قتل علي عليه السلامأرسل إلى الذي سمى، فأرسل إلى عمرو بن أم سلمة، وأسامة، فشهدوا جميعا أنالذي قال ابن جعفر حق، قد سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله كما سمعه.
ثم أقبل معاوية إلى الحسن، والحسين، وابن عباس، والفضل، وابن أمسلمة، وأسامة.
قال: كلكم على ما قال ابن جعفر؟
قالوا: نعم.
قال معاوية: فإنكم يا بني عبد المطلب لتدعون أمرا، وتحتجون بحجة قويةإن كانت حقا، وأنكم لتبصرون على أمر وتسترونه والناس في غفلة وعمى، ولئنكان ما تقولون حقا لقد هلكت الأمة، ورجعت عن دينها، وكفرت بربها وجحدتنبيها، إلا أنتم أهل البيت ومن قال بقولكم، وأولئك قليل في الناس.
فأقبل ابن عباس على معاوية فقال: قال الله تعالى: (وقليل من عبادي
الشكور) وقال: (وقليل ما هم).
وما تعجب مني يا معاوية أعجب من بني إسرائيل: إن السحرة قالوا لفرعون(إقض ما أنت قاض) فآمنوا بموسى وصدقوه، ثم سار بهم ومن اتبعهم من بنيإسرائيل فأقطعهم البحر، وأراهم العجائب، وهم مصدقون بموسى وبالتوراةيقرون له بدينه، ثم مروا بأصنام تعبد فقالوا: (يا موسى اجعل لنا إلها كمالهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون) وعكفوا على العجل جميعا غير هارون فقالوا:
(هذا إلهكم وإله موسى) وقال لهم موسى – بعد ذلك -: (ادخلوا الأرضالمقدسة) فكان من جوابهم ما قص الله عز وجل عليهم: (فقال موسى رب إنيلا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين).
فما اتباع هذه الأمة رجالا سودوهم وأطاعوهم، لهم سوابق مع رسول الله صلى الله عليه وآلهومنازل قريبة منها، وأصهاره مقرين بدين محمد صلى الله عليه وآله وبالقرآن، حملهم الكبروالحسد أن خالفوا إمامهم ووليهم، بأعجب من قوم صاغوا من حليهم عجلا ثمعكفوا عليه يعبدونه، ويسجدون له، ويزعمون أنه رب العالمين، واجتمعوا علىذلك كلهم غير هارون وحده، وقد بقي مع صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلة هارونمن موسى من أهل بيته ناس: سلمان، وأبو ذر، والمقداد، والزبير، ثم رجعالزبير وثبت هؤلاء الثلاثة مع إمامهم حتى لقوا الله.
وتعجب يا معاوية أن سمى الله من الأئمة واحدا بعد واحد، وقد نص عليهمرسول الله بغدير خم وفي غير موطن، واحتج بهم عليهم، وأمرهم بطاعتهم، وأخبرأن أولهم علي بن أبي طالب ولي كل مؤمن ومؤمنة من بعده، وأنه خليفته فيهم ووصيهوقد بعث رسول الله صلى الله عليه وآله جيشا يوم مؤتة فقال: عليكم بجعفر، فإن هلك فزيد، فإنهلك فعبد الله بن رواحة، فقتلوا جميعا، أفترى يترك الأمة ولم يبين لهم من الخليفةبعده، ليختاروا هم لأنفسهم الخليفة، كأن رأيهم لأنفسهم أهدى لهم وأرشد منرأيه واختياره، وما ركب القوم ما ركبوا إلا بعد ما بينه، وما تركهم رسولالله صلى الله عليه وآله في عمى ولا شبهة.
فأما ما قال الرهط الأربعة الذين تظاهروا على علي عليه السلام وكذبوا علىرسول الله، وزعموا أنه قال: إن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافةفقد شبهوا على الناس بشهادتهم، وكذبهم، ومكرهم.
قال معاوية: ما تقول يا حسن؟
قال: يا معاوية قد سمعت ما قلت، وما قال ابن عباس، العجب منك يا معاويةومن قلة حيائك، ومن جرأتك على الله حين قلت: (قد قتل الله طاغيتكم، وردالأمر إلى معدنه) فأنت يا معاوية معدن الخلافة دوننا، ويل لك يا معاوية وللثلاثةقبلك الذين أجلسوك هذا المجلس، وسنوا لك هذه السنة، لأقولن كلاما ما أنتأهله، ولكني أقول ليسمعه بنو أبي هؤلاء حولي.
إن الناس قد اجتمعوا على أمور كثيرة ليس بينهم اختلاف فيها، ولا تنازعولا فرقة، على: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله عبده، والصلواتالخمس، والزكاة المفروضة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت، ثم أشياء كثيرةمن طاعة الله لا يحصى ولا يعدها إلا الله، واجتمعوا على تحريم الزنا، والسرقةوالكذب، والقطيعة، والخيانة، وأشياء كثيرة من معاصي الله لا يحصى ولا يعدهاإلا الله، واختلفوا في سنن اقتتلوا فيها، وصاروا فرقا يلعن بعضهم بعضا، وهي:
(الولاية) ويتبرأ بعضهم عن بعض، ويقتل بعضهم بعضا، أيهم أحق وأولى بها،إلا فرقة تتبع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، فمن أخذ بما عليه أهل القبلة الذيليس فيه اختلاف، ورد علم ما اختلفوا فيه إلى الله، سلم ونجا به من النار،ودخل الجنة، ومن وفقه الله ومن عليه واحتج عليه بأن نور قلبه بمعرفة ولاةالأمر من أئمتهم ومعدن العلم أين هو، فهو عند الله سعيد، ولله ولي، وقد قالرسول الله صلى الله عليه وآله: (رحم الله امرء علم حقا فقال أو سكت فسلم).
نحن نقول أهل البيت أن الأئمة منا، وأن الخلافة لا تصلح إلا فينا، وأنالله جعلنا أهلها في كتابه وسنة نبيه، وأن العلم فينا ونحن أهله، وهو عندنامجموع كله بحذافيره، وأنه لا يحدث شئ إلى يوم القيامة حتى أرش الخدش إلا
وهو عندنا مكتوب بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وبخط علي عليه السلام بيده.
وزعم قوم: أنهم أولى بذلك منا حتى أنت يا بن هند تدعي ذلك، وتزعم:
أن عمر أرسل إلى أبي أني أريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث إلي بما كتبتمن القرآن، فأتاه فقال: تضرب والله عنقي قبل أن يصل إليك.
قال: ولم؟
قال: لأن الله تعالى قال: (والراسخون في العلم) إياي عنى، ولم يعنكولا أصحابك، فغضب عمر ثم قال:
يا بن أبي طالب تحسب أن أحدا ليس عنده علم غيرك، من كان يقرأمن القرآن شيئا فليأتني به، إذا جاء رجل فقرأ شيئا معه يوافقه فيه آخر كتبهوإلا لم يكتبه.
ثم قالوا: قد صاغ منه قرآن كثير، بل كذبوا والله بل هو مجموع محفوظعند أهله، ثم أمر عمر قضاته وولاته: اجتهدوا آرائكم واقضوا بما ترون أنه الحقفلا يزال هو وبعض ولاته قد وقعوا في عظيمة، فيخرجهم منها أبي ليحتج عليهمبها، فتجمع القضاة عند خليفتهم وقد حكموا في شئ واحد بقضايا مختلفة فأجازهالهم، لأن الله تعالى لم يؤته الحكمة وفصل الخطاب، وزعم كل صنف من مخالفينامن أهل هذه القبلة: أنهم معدن الخلافة والعلم دوننا، فنستعين بالله على من ظلمناوجحدنا حقنا، وركب رقابنا، وسن للناس علينا ما يحتج به مثلك، وحسبناالله ونعم الوكيل.
إنما الناس ثلاثة: مؤمن يعرف حقنا ويسلم لنا ويأتم بنا، فذلك ناجمحب لله ولي.
وناصب لنا العداوة يتبرأ منا، ويلعننا، ويستحل دمائنا، ويجحد حقنا،ويدين الله بالبرائة منا، فهذا كافر مشرك، وإنما كفر وأشرك من حيث لا يعلمكما يسبوا الله عدوا بغير علم، كذلك يشرك بالله بغير علم.
ورجل آخذ بما لا يختلف فيه، ورد علم ما أشكل عليه إلى الله، مع ولايتنا
ولا يأتم بنا، ولا يعادينا، ولا يعرف حقنا، فنحن نرجو أن يغفر الله له، ويدخلهالجنة، فهذا مسلم ضعيف.
فلما سمع معاوية أمر لكل منهم بمائة ألف درهم، غير الحسن والحسين وابنجعفر، فإنه أمر لكل واحد منهم بألف ألف درهم.
إحتجاجه (ع) على من أنكر عليه مصالحة معاوية ونسبه إلى التقصير فيطلب حقه.
عن سليم بن قيس قال: قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام على المنبرحين اجتمع مع معاوية، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس إن معاوية زعم: أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلاوكذب معاوية، أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله، فأقسمبالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني، لأعطتهم السماء قطرها، والأرضبركتها، ولما طمعتم فيها يا معاوية، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما ولت أمةأمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعواإلى ملة عبدة العجل).
وقد ترك بنو إسرائيل هارون واعتكفوا على العجل وهم يعلمون أن هارونخليفة موسى، وقد تركت الأمة عليا عليه السلام وقد سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقوللعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي بعدي) وقد هرب رسول الله صلى الله عليه وآله من قومه وهو يدعوهم إلى الله حتى فر إلى الغار، ولو وجد عليهمأعوانا ما هرب منهم، ولو وجدت أنا أعوانا ما بايعتك يا معاوية.
وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، ولم يجد عليهم أعوانا، وقد جعل الله النبي في سعة حين فر من قومه لما لم يجد أعوانا عليهمكذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركنا الأمة وبايعت غيرنا ولم نجد أعوانا،وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا.
أيها الناس إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب لم تجدوا رجلا منولد النبي غيري وغير أخي.
وعن حنان بن سدير (١) عن أبيه سدير (٢) عن أبيه (٣) عن أبي سعيدعقيصي (٤) قال: لما صالح الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفياندخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته فقال عليه السلام:
ويحكم ما تدرون ما عملت، والله الذي عملت لشيعتي خير مما طلعت عليه الشمسأو غربت، ألا تعلمون أني إمامكم، ومفترض الطاعة عليكم، واحد سيدي شبابأهل الجنة بنص من رسول الله علي؟
(١) ذكره النجاشي في رجاله ص ١١٢ فقال: (حنان بن سدير بن حكيم بنصهيب أبو الفضل الصيرفي الكوفي. روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام،له كتاب في صفة الجنة والنار) وعده الشيخ في أصحاب الكاظم عليه السلام في رجالهص ٣٤٦ وقال: (حنان بن سدير الصيرفي واقفي) وفي الفهرست قال: (له كتاب.
وهو ثقة. رحمه الله) وفي رجال الكشي ص ٤٦٥: (حنان بن سدير واقفي، أدرك أباعبد الله ولم يدرك أبا جعفر، وكان يرتضي به سديدا)
(٢) ذكره العلامة في القسم الأول من الخلاصة ص ٨٥ والشيخ في رجاله ص ٩١وعده من أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام و ص ١٢٥ من أصحاب الباقر (ع)و ص ٢٩ من أصحاب الصادق عليه السلام وقال: (سدير بن حكيم كوفي يكنى أبا الفضلوالد حنان) وذكر الكشي ص ١٨٢ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكر عنده سديرفقال: (سدير عصيدة بكل لون).
(٣) عده الشيخ في رجاله ص ٨٨ من أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام.
(٤) ذكره العلامة في القسم الأول من خلاصته ص ١٩٣ في أولياء علي (ع)فقال: (وأبو سعيد عقيصان – بفتح العين المهملة، والقاف قبل الياء المنقطة تحتهانقطتين، والصاد المهملة والنون بعد الألف – من بني تيم الله بن ثعلبة. وذكره الشيخفي رجاله ص ٤٠ فعده من أصحاب علي (ع) وقال: (دينار يكنى أبا سعيد، ولقبهعقيصا، وإنما لقب بذلك لشعر قاله، وذكره أيضا ص ٩٦ في أصحاب الحسين (ع)
قالوا: بلى.
قال: أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة، وأقام الجدار، وقتل الغلامكان ذلك سخطا لموسى بن عمران عليه السلام إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكانذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصوابا؟ أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع فيعنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم (عج)؟ الذي يصلي خلفه روح الله عيسى بنمريم عليه السلام، فإن الله عز وجل يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد فيعنقه بيعة إذا خرج، ذاك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن سيدة الإماء، يطيلالله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أنالله على كل شئ قدير.
عن زيد بن وهب الجهني (١) قال: لما طعن الحسن بن علي عليه السلام بالمدائنأتيته وهو متوجع، فقلت:
ما ترى يا بن رسول الله فإن الناس متحيرون؟ فقال:
أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتليوانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي، والله لئن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي،وأومن به في أهلي، خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قاتلتمعاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما، والله لئن أسالمه وأنا عزيز خير منأن يقتلني وأنا أسير، أو يمن علي فيكون سنة على بني هاشم آخر الدهر ولمعاويةلا يزال يمن بها وعقبه علي الحي منا والميت.
(قال): قلت: تترك يا بن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لها راع؟
(١) ذكره العلامة (ره) في أولياء علي عليه السلام في القسم الأول من خلاصتهص ١٩٤ والشيخ في رجاله ص ٤٢ في أصحاب علي (ع) وفي الفهرست ص ٩٧ فقال:
(زيد بن وهب له كتاب: خطب أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر في الجمع والأعيادوغيرها) وفي أسد الغابة ص ٢٤٣ ج ٢ أنه كان في جيش علي (ع) حين مسيره إلى النهروانوقال ابن عبد البر في هامش الإصابة ص ٤٤ ٥ ج ١: أنه ثقة، توفي سنة (٩٦).
قال: وما أصنع يا أخا جهينة أني والله أعلم بأمر قد أدى به إلي ثقاته:
أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لي – ذات يوم وقد رآني فرحا -: يا حسن أتفرحكيف بك إذا رأيت أباك قتيلا؟! كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أمية، وأميرهاالرحب البلعوم، الواسع الإعفجاج، (١) يأكل ولا يشبع، يموت وليس له فيالسماء ناصر ولا في الأرض عاذر، ثم يستولي على غربها وشرقها، يدين له العبادويطول ملكه، يستن بسنن أهل البدع الضلال، ويميت الحق وسنة رسول الله صلى الله عليه وآلهيقسم المال في أهل ولايته، ويمنعه من هو أحق به، ويذل في ملكه المؤمن،ويقوى في سلطانه الفاسق، ويجعل المال بين أنصاره دولا، ويتخذ عباد الله خولايدرس في سلطانه الحق، ويظهر الباطل، ويقتل من ناواه على الحق، ويدين منلاواه على الباطل، فكذلك حتى يبعث الله رجلا في آخر الزمان، وكلب منالدهر، (٢) وجهل من الناس، يؤيده الله بملائكته، ويعصم أنصاره، وينصرهبآياته، ويظهره على أهل الأرض حتى يدينوا طوعا وكرها، يملأ الأرض قسطاوعدلا، ونورا وبرهانا، يدين له عرض البلاد وطولها، لا يبقى كافر إلا آمن بهولا صالح إلا صلح، ويصطلح في ملكه السباع، وتخرج الأرض نبتها، وينزلالسماء بركتها، وتظهر له الكنوز، يملك ما بين الخافقين أربعين عاما، فطوبىلمن أدرك أيامه، وسمع كلامه.
وعن الأعمش (٣) عن سالم بن أبي الجعد (٤) قال: حدثني رجل منا
(١) أي واسع الكرش والأمعاء.
(٢) الكلب: شبيه بالجنون.
(٣) الأعمش: أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي، مولاهم الكوفي، معروفبالفضل والثقة، والجلالة، والتشيع والاستقامة، والعامة أيضا يثنون عليه، مطبقونعلى فضله وثقته، مقرون بجلالته، مع اعترافهم بتشيعه، وقرنوه بالزهري، ونقلوامنه نوادر كثيرة، بل صنف ابن طولون الشامي كتابا في نوادره سماه: (الزهر الأنعشفي نوادر الأعمش) مات سنة (١٤٨).
راجع الكنى والألقاب ج ٢ ص ٣٩ رجال الشيخ ص ٢٦.
(٤) عده الشيخ ص ٤٣ من رجاله في أصحاب علي عليه السلام و ص ٩١ في
=>
قال: أتيت الحسن بن علي عليه السلام فقلت:
يا بن رسول الله أذللت رقابنا، وجعلتنا معشر الشيعة عبيدا، ما بقي معك رجلقال: ومم ذاك؟
قال: قلت: بتسليمك الأمر لهذا الطاغية.
قال: والله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصارا، ولو وجدت أنصارالقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه، ولكني عرفت أهل الكوفة،وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا، إنهم لا وفاء لهم. ولا ذمة في قولولا فعل، إنهم لمختلفون، ويقولون لنا: أن قلوبهم معنا، وأن سيوفهم لمشهورةعلينا، قال: وهو يكلمني إذ تنخع الدم، فدعا بطست فحمل من بين يديه ملئمما خرج من جوفه من الدم.
فقلت له: ما هذا يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله إني لأراك وجعا؟
قال: أجل دس إلي هذا الطاغية من سقاني سما فقد وقع على كبدي وهويخرج قطعا كما ترى.
قلت: أفلا تتداوى؟
قال: قد سقاني مرتين وهذه الثالثة لا أجد لها دواء، ولقد رقى إلي: أنهكتب إلى ملك الروم يسأله أن يوجه إليه من السم القتال شربة، فكتب إليه ملكالروم: أنه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا، فكتب إليه أنهذا ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة، وقد خرج يطلب ملك أبيه، وأنا أريدأن أدس إليه من يسقيه ذلك، فأريح العباد والبلاد منه، ووجه إليه بهدايا وألطاففوجه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي دس فيها فسقيها واشترط عليه فيذلك شروطا.
<=
أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام فقال: (سالم بن أبي الجعد الأشجعي مولاهمالكوفي يكنى أبا أسماء) وذكره العلامة في القسم لأول من خلاصته ص ١٩٣ في أولياءعلي عليه السلام.
وروي أن معاوية دفع السم إلى امرأة الحسن بن علي عليهما السلام، جعدة بنتالأشعث، فقال لها: (اسقيه فإذا مات هو زوجتك ابني يزيد) فلما سقته السم وماتعليه السلام، جاءت الملعونة إلى معاوية الملعون فقالت: (زوجني يزيد) فقال:
(اذهبي فإن امرأة لم تصلح للحسن بن علي لا تصلح لابني يزيد).
احتجاج الحسين بن علي عليهما السلام على عمر بن الخطاب في الإمامةوالخلافة.
روي أن عمر بن الخطاب كان يخطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله،فذكر في خطبته أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فقال له الحسين عليه السلام – منناحية المسجد -:
إنزل أيها الكذاب عن منبر أبي رسول الله لا منبر أبيك!
فقال له عمر: فمنبر أبيك لعمري يا حسين لا منبر أبي من علمك هذاأبوك علي بن أبي طالب؟
فقال له الحسين عليه السلام: إن أطع أبي فيما أمرني فلعمري أنه لها وأنا مهتدبه، وله في رقاب الناس البيعة على عهد رسول الله، نزل بها جبرئيل من عند اللهتعالى لا ينكرها إلا جاحد بالكتاب، قد عرفها الناس بقلوبهم وأنكروها بألسنتهموويل للمنكرين حقنا أهل البيت، ماذا يلقاهم به محمد رسول الله صلى الله عليه وآله من إدامةالغضب وشدة العذاب!!
فقال عمر: يا حسين من أنكر حق أبيك فعليه لعنة الله، أمرنا لناس فتأمرناولو أمروا أباك لأطعنا.
فقال له الحسين: يا بن الخطاب فأي الناس أمرك على نفسه قبل أن تؤمرأبا بكر على نفسك ليؤمرك على الناس، بلا حجة من نبي ولا رضا من آل محمد،فرضاكم كان لمحمد صلى الله عليه وآله رضا؟ أو رضا أهله كان له سخطا؟! أما والله لو أنللسان مقالا يطول تصديقه، وفعلا يعينه المؤمنون، لما تخطأت رقاب آل محمد،
ترقى منبرهم، وصرت الحاكم عليهم بكتاب نزل فيهم، لا تعرف معجمه، ولاتدري تأويله، إلا سماع الآذان، المخطئ والمصيب عندك سواء، فجزاك اللهجزاك، وسألك عما أحدثت سؤالا حفيا.
(قال): فنزل عمر مغضبا، فمشى معه أناس من أصحابه حتى أتى بابأمير المؤمنين عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له، فدخل فقال:
يا أبا الحسن ما لقيت اليوم من ابنك الحسين، يجهرنا بصوت في مسجدرسول الله ويحرض علي الطغام وأهل المدينة، فقال له الحسن عليه السلام: على مثلالحسين ابن النبي صلى الله عليه وآله يشخب بمن لا حكم له، أو يقول بالطغام على أهل دينه؟
أما والله ما نلت إلا بالطغام، فلعن الله من حرض الطغام.
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: مهلا يا أبا محمد فإنك لن تكون قريب الغضبولا لئيم الحسب، ولا فيك عروق من السودان، إسمع كلامي ولا تعجل بالكلامفقال له عمر: يا أبا الحسن إنهما ليهمان في أنفسهما بما لا يرى بغير الخلافةفقال أمير المؤمنين: هما أقرب نسبا برسول الله من أن يهما، أما فارضهمايا بن الخطاب بحقهما يرض عنك من بعدهما.
قال: وما رضاهما يا أبا الحسن؟
قال: رضاهما الرجعة عن الخطيئة، والتقية عن المعصية بالتوبة.
فقال له عمر: أدب يا أبا الحسن ابنك أن لا يتعاطى السلاطين الذين همالحكماء في الأرض.
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أنا أؤدب أهل المعاصي على معاصيهم، ومنأخاف عليه الزلة والهلكة، فأما من والده رسول الله ونحله أدبه فإنه لا ينتقل إلىأدب خير له منه، أما فارضهما يا بن الخطاب.
قال: فخرج عمر فاستقبله عثمان بن عفان، وعبد الرحمان بن عوف.
فقال له عبد الرحمن: يا أبا حفص ما صنعت فقد طالت بكما الحجة؟
فقال له عمر: وهل حجة مع ابن أبي طالب وشبليه؟!
فقال له عثمان: يا بن الخطاب، هم بنو عبد مناف، الأسمنون والناس عجاففقال له عمر: ما أعد ما صرت إليه فخرا فخرت به بحمقك، فقبضعثمان على مجامع ثيابه ثم نبذ به ورده، ثم قال له: يا بن الخطاب، كأنك تنكرما أقول، فدخل بينهما عبد الرحمن وفرق بينهما، وافترق القوم.
احتجاج الحسين (ع) بذكر مناقب أمير المؤمنين وأولاده عليهم السلامحين أمر معاوية بلعن أمير المؤمنين (ع) وقتل شيعته، وقتل من يروي شيئامن فضائله.
عن سليم بن قيس قال: قدم معاوية بن أبي سفيان حاجا في خلافته فاستقبلهأهل المدينة، فنظر فإذا الذين استقبلوه ما فيهم أحد من قريش، فلما نزل قال:
ما فعلت الأنصار وما بالها لم تستقبلني؟
فقيل له: إنهم محتاجون ليس لهم دواب.
فقال معاوية: فأين نواضحهم؟
فقال قيس بن سعد بن عبادة – وكان سيد الأنصار وابن سيدها -: أفنوهايوم بدر واحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله، حين ضربوك وأباك علىالإسلام حتى ظهر أمر الله وأنتم كارهون، فسكت معاوية، فقال قيس:
أما أن رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلينا أنا سنلقي بعده إثرة.
فقال معاوية: فما أمركم به؟
فقال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه.
قال: فاصبروا حتى تلقوه!
ثم إن معاوية مر بحلقة من قريش فلما رأوه قاموا غير عبد الله بن عباسفقال له:
يا بن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك، إلا لموجدة أني قاتلتكمبصفين، فلا تجد من ذلك يا بن عباس! فإن ابن عمي عثمان قد قتل مظلوما!
قال ابن عباس: فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوما.
قال: إن عمر قتله كافر.
قال ابن عباس: فمن قتل عثمان؟
قال: قتله المسلمون.
قال: فذلك أدحض لحجتك.
قال: فإنا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته،فكف لسانك.
فقال: يا معاوية أتنهانا عن قرائة القرآن؟!
قال: لا.
قال: أتنهانا عن تأويله؟!
قال: نعم.
قال: فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟ ثم قال: فأيهما أوجب علينا قرائتهأو العمل به؟
قال: العمل به.
قال: فكيف نعمل به ولا نعلم ما عنى الله؟!
قال: سل عن ذلك من يتأوله غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك.
قال: إنما أنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان يا معاويةأتنهانا أن نعبد الله بالقرآن بما فيه من حلال وحرام؟! فإن لم تسأل الأمة عنذلك حتى تعلم تهلك وتختلف.
قال: اقرؤا القرآن وتأولوه ولا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم، واروواما سوى ذلك.
قال: فإن الله يقول في القرآن: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبىالله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
قال: يا بن عباس أربع على نفسك، وكف لسانك، وإن كنت لا بد فاعلا
فليكن ذلك سرا لا يسمعه أحد علانية.
ثم رجع إلى بيته فبعث إليه بمائة ألف درهم، ونادى منادي معاوية أن قدبرئت الذمة ممن يروي حديثا من مناقب علي وفضل أهل بيته، وكان أشد الناسبلية أهل الكوفة، لكثرة من بها من الشيعة، فاستعمل زياد ابن أبيه وضم إليه العراقين:
الكوفة والبصرة، فجعل يتتبع الشيعة وهو بهم عارف، يقتلهم تحت كل حجر ومدروأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وصلبهم في جذوع النخل، وسمل أعينهم،وطردهم وشردهم، حتى نفوا عن العراق فلم يبق بها أحد معروف مشهور، فهمبين مقتول أو مصلوب، أو محبوس، أو طريد، أو شريد.
وكتب معاوية إلى جميع عماله في جميع الأمصار: أن لا تجيزوا لأحد منشيعة علي وأهل بيته شهادة، وانظروا قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه ومحبي أهلبيته وأهل ولايته، والذين يروون فضله ومناقبه فأدنوا مجالسهم، وقربوهم،وأكرموهم، واكتبوا بمن يروي من مناقبه واسم أبيه وقبيلته، ففعلوا، حتىكثرت الرواية في عثمان، وافتعلوها لما كان يبعث إليهم من الصلات والخلعوالقطايع، من العرب والموالي، وكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في الأموالوالدنيا، فليس أحد يجئ من مصر من الأمصار فيروي في عثمان منقبة أو فضيلةإلا كتب اسمه، وأجيز، فلبثوا بذلك ما شاء الله.
ثم كتب إلى عماله: إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر،فادعوا الناس إلى الرواية في معاوية وفضله وسوابقه، فإن ذلك أحب إلينا، وأقرلأعيننا، وأدحض لحجة أهل هذا البيت، وأشد عليهم، فقرأ كل أمير وقاض كتابهعلى الناس، فأخذ الرواة في فضائل معاوية على المنبر في كل كورة وكلمسجد زورا، وألقوا ذلك إلى معلمي الكتاتيب فعلموا ذلك صبيانهم، كما يعلمونهمالقرآن، حتى علموه بناتهم ونساؤهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.
وكتب زياد بن أبيه إليه في حق الحضرميين: أنهم على دين علي، وعلى رأيهفكتب إليه معاوية: أقتل كل من كان على دين علي ورأيه فقتلهم ومثل بهم.
وكتب كتابا آخر انظروا من قبلكم من شيعة علي واتهموه بحبه فاقتلوهوإن لم تقم عليه البينة فاقتلوه على التهمة والظنة والشبهة تحت كل حجر، حتىلو كان الرجل تسقط منه كلمة ضربت عنقه، حتى لو كان الرجل يرمى بالزندقةوالكفر كان يكرم ويعظم ولا يتعرض له بمكروه، والرجل من الشيعة لا يأمن علىنفسه في بلد من البلدان لا سيما الكوفة والبصرة، حتى لو أن أحدا منهم أراد أنيلقي سرا إلى من يثق به لأتاه في بيته فيخاف خادمه ومملوكه، فلا يحدثه إلا بعدأن يأخذ عليهم الأيمان المغلظة: ليكتمن عليه، ثم لا يزداد الأمر إلا شدة، حتىكثر وظهر أحاديثهم الكاذبة، ونشأ عليه الصبيان يتعلمون ذلك.
وكان أشد الناس في ذلك القراء المراؤون المتصنعون الذين يظهرون الخشوعوالورع، فكذبوا وانتحلوا الأحاديث وولدوها فيحظون بذلك عند الولاة والقضاةويدنون مجالسهم، ويصيبون بذلك الأموال والقطايع والمنازل، حتى صارتأحاديثهم ورواياتهم عندهم حقا وصدقا، فرووها وقبلوها وتعلموها وعلموها،وأحبوا عليها وأبغضوا من ردها أو شك فيها، فاجتمعت على ذلك جماعتهم،وصارت في يد المتنسكين والمتدينين منهم الذين لا يحبون الافتعال إلى مثلها، فقبلوهاوهم يرون أنها حق، ولو علموا بطلانها وتيقنوا أنها مفتعلة لأعرضوا عن روايتهاولم يدينوا بها، ولم يبغضوا من خالفها، فصار الحق في ذلك الزمان عندهم باطلاوالباطل عندهم حقا، والكذب صدقا، والصدق كذبا.
فلما مات الحسن بن علي ازداد البلاء والفتنة، فلم يبق لله ولي إلا خائف علىنفسه، أو مقتول، أو طريد، أو شريد. فلما كان قبل موت معاوية بسنتين حجالحسين بن علي عليه السلام وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس معه. وقد جمعالحسين بن علي عليه السلام بني هاشم، رجالهم ونساءهم، ومواليهم، وشيعتهم، من حج منهمومن لم يحج، ومن الأنصار ممن يعرفونه، وأهل بيته، ثم لم يدع أحدا منأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن أبنائهم والتابعين، ومن الأنصار المعروفين بالصلاحوالنسك إلا جمعهم فاجتمع عليه بمنى أكثر من ألف رجل، والحسين عليه السلام في سرادقه
عامتهم التابعون وأبناء الصحابة، فقام الحسين عليه السلام فيهم خطيبا، فحمد الله وأثنىعليه ثم قال:
أما بعد: فإن الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتموبلغكم، وأني أريد أن أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصدقوني، وإن كذبتفكذبوني، اسمعوا مقالتي، واكتموا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكممن أمنتموه ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون، فإني أخاف أن يندرس هذا الحقويذهب، والله متم نوره ولو كره الكافرون،فما ترك الحسين شيئا أنزل الله فيهم من القرآن إلا قاله وفسره، ولا شيئاقاله الرسول في أبيه وأمه وأهل بيته إلا رواه، وكل ذلك يقول الصحابة: (اللهمنعم، قد سمعناه وشهدناه) ويقول التابعون: (اللهم قد حدثنا من نصدقه ونأتمنه)حتى لم يترك شيئا إلا قاله ثم قال:
أنشدكم بالله إلا رجعتم وحدثتم به من تثقون به، ثم نزل وتفرق الناسعلى ذلك.
إحتجاجه عليه السلام على معاوية توبيخا له على قتل من قتله من شيعةأمير المؤمنين وترحمه عليهم.
عن صالح بن كيسان (١) قال: لما قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابهحج ذلك العام فلقي الحسين بن علي عليه السلام فقال:
يا أبا عبد الله هل بلغك ما صنعنا بحجر، وأصحابه، وأشياعه، وشيعة أبيك؟
فقال عليه السلام: وما صنعت بهم؟
قال: قتلناهم، وكفناهم، وصلينا عليهم.
فضحك الحسين عليه السلام ثم قال: خصمك القوم يا معاوية، لكننا لو قتلنا شيعتك
(١) صالح بن كيسان المدني عده الشيخ من أصحاب علي بن الحسين عليه السلامص ٩٣ من رجاله.