الرئيسية / زاد الاخرة / كتاب معرفة الله – السيّد محمّد حسين‌ الحسيني الطهراني قدّس سرّه

كتاب معرفة الله – السيّد محمّد حسين‌ الحسيني الطهراني قدّس سرّه

استطاعة‌ رؤية‌ الله‌

أَعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمَ

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحيم‌

وَصَلَّي‌ اللَهُ عَلَی‌ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ

وَلَعْنَةُ اللَهِ عَلَی‌ أعْدَائِهِمْ أجْمَعينَ مِنَ الآنَ إلَی‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی‌ العَظِيمِ

آية‌: سَنُرِيهِمْ ءَايَـ’تِنَا فِي‌ الاْفَاقِ وَفِي‌´ أَنفُسِهِمْ
ضمير «أَ نَّهُ الْحَقُّ» عائد إلی‌ مُقَدَّر منتزع‌ من‌ «سَنُرِيهِمْ ءَايَـ’تِنَا»
قَالَ اللَهُ الحَكِيمُ فِي‌ كِتَابِهِ الكَرِيمِ:

سَنُرِيهِمْ ءَايَـ’تِنَا فِي‌ الاْفَاقِ وَفِي‌´ أَنفُسِهِمْ حَتَّي‌’ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَ نَّهُ (أي‌ آياتنا) الْحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَ نَّهُ و عَلَی‌ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلآ إِنَّهُمْ فِي‌ مِرْيَةٍ مِّن‌ لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلآ إِنَّهُ و بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ..

(الآيتان‌53 و54، من‌ السورة ‌41 : فصّلت‌)

لشرح‌ الآيتينِ الشريفتينِ الآنفتَي‌ الذِّكر، يتحتّم‌ علينا البحث‌ عن‌ صاحب‌ الضمير في‌ الآية‌ الشريفة‌ «أَ نَّهُ الْحَقُّ».

في‌ اعتقاد الحقير أنّ هذا الضمير يعود إلی‌ المُقدّر والمستفاد من‌ الفعل‌ «نُرِي‌» وهو «مُرَي‌» (أي‌ الآية‌ والمرآة‌ بلحاظ‌ كونها آية‌ ومرآة‌ إلی‌ الضمير «نا». فما هو المری[1]‌ إذن‌؟ إنّها في‌ الحقيقة‌ آيات‌ الحقّ المُبيِّنَة‌ للحقّ. إذ لا يمكن‌ أن‌ يكون‌ غير ذلك‌ بحسب‌ البلاغة‌ القرآنيّة‌، وكذا انسجام‌ تتمّة‌ الآية‌ المذكورة‌ والآية‌ التي‌ تليها. فلا يمكن‌ أن‌ يكون‌ عَوْدُها إلی‌ «ءَايَـ’تِنَا»، ذلك‌ أنّ «آيات‌» هي‌ جمع‌ مؤنّث‌ مجازي‌، فلا يجوز أن‌ يعود ضمير المفرد المذكّر الغائب‌ إليها بحال‌ من‌ الاحوال‌. وأيضاً لا يُعقَل‌ أن‌ تكون‌ مضافاً إليه‌ بالنسبة‌ إلی‌ «نا»، إذ يجب‌ أن‌ يكون‌ مرجع‌ ضمير المذكّر الغائب‌ إلی‌ اسم‌ الجنس‌ للمذكّر الغائب‌، في‌ حين‌ أنّ الضمير «نا» هو ضمير جمع‌ المتكلّم‌ مع‌ الغير.

وكذلك‌ لا يمكن‌ أن‌ يعود إلی‌ القرآن‌ كما قال‌ به‌ البعض‌، وأوردوا دليلاً علی‌ ذلك‌، وهو الآية‌ التي‌ تسبق‌ هذه‌ الآية‌ مباشرة‌:

قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن‌ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَهِ ثُمَّ كَفَرْتُم‌ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي‌ شِقَاقِ بَعِيدٍ.

وذلك‌ أنّ هذه‌ الآية‌، وإن‌ تلإمت‌ مع‌ الآيات‌ الآفاقيّة‌ الاُخري‌ وانسجمت‌ معها، إلاّ أ نّه‌ لابدّ من‌ تفسيرها وتأويلها فيما يتعلّق‌ بالآيات‌ الانفسيّة‌. ومضافاً إلی‌ ما قيل‌، فإنّ هذه‌ الآية‌ لا تنسجم‌ مع‌ تتمّة‌ الآية‌ المذكورة‌ والآية‌ التي‌ تليها ولا تتلاءم‌ معها.

وكذلك‌ الحال‌ في‌ مسألة‌ عَود الضمير إلی‌ «رسول‌ الله‌» إذ إنّ رسول‌ الله‌ ليس‌ مذكوراً في‌ سياق‌ الكلام‌، اللهمّ إلاّ باعتبار التوجيه‌، حيث‌ يمكن‌ أن‌ يقال‌: لانّ إنكار القرآن‌ مُساوق‌ مع‌ إنكار نبوّة‌ رسول‌ الله‌، فقد أُشير إليه‌ هنا باعتباره‌ «حقّ»، وهو مُساوقٌ مع‌ ذِكر القرآن‌، فلا يخلو هكذا توجيه‌ حتماً من‌ التكلُّف‌.

ولا ريب‌ في‌ أنّ الضمير المذكور لا يرجع‌ لا إلی‌ «الله‌» ولا إلی‌ «التوحيد»، باعتبار أنّ نتيجة‌ ما حصل‌ من‌ إنكار المشركين‌ لرسول‌ الله‌ وللقرآن‌، هو إنكارهم‌ وجود الله‌ أو وحدانيّته‌، لانّ هذا النوع‌ من‌ العَوْد يستلزم‌ كذلك‌ الاستعانة‌ بالتأويل‌، ولا شكّ في‌ أنّ تأويلاً كهذا يُخرجُ القرآن‌ من‌ حياض‌ سلاسته‌ وعذوبة‌ بيانه‌.

إنّ ما ذكرناه‌ هنا من‌ تأويل‌ الضمير وعَوده‌ هو ما ارتكز عليه‌ وأيّده‌ إلی‌ حدّ ما صاحب‌ تفسير «مجمع‌ البيان‌»: الشيخ‌ الطبرسي‌ّ والقاضي‌ البيضاوي‌ّ وأُستاذنا الاكرم‌ ال علامه الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ أسرارهم‌ جميعاً. مع‌ أنّ ال علامه أورد وجهاً آخر أيضاً في‌ هذا الصدد، وباعتقاد الحقير أ نّه‌ أقرب‌ إلی‌ الحقيقة‌، هذا في‌ حين‌ لفتتْ نظري‌ مطالب‌ في‌ كثير من‌ التفاسير الاُخري‌ تدعو إلی‌ الدهشة‌ والإعجاب‌.

فأمّا إرجاع‌ الضمير إلی‌ اللفظ‌ المقدّر «مُرَي‌» فهو أقرب‌ لسببينِ اثنين‌:

أوّلهما: أنّ إرجاع‌ الضمير في‌ مثل‌ هذه‌ الحالات‌ شائع‌ الاستعمال‌ كثيراً عند العرب‌، وقد ورد مَثَلُهُ في‌ القرآن‌ الكريم‌ كذلك‌: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي‌’.[2]

فهنا نلاحظ‌ أنّ الضمير «هُوَ» ليس‌ له‌ مرجع‌ لفظي‌ّ في‌ الآية‌ الشريفة‌، ولذا لزم‌ إرجاعه‌ حتماً إلی‌ لفظٍ تقديري‌ّ مُستَفاد من‌ «اعْدِلُوا»، وهو فعل‌ أمر للجمع‌ المذكّر، وهذا اللفظ‌ التقديري‌ّ هو الـ «عدل‌».

وهنا وجب‌ إرجاع‌ الضمير إلی‌ كلمة‌ «عَدْل‌» وذلك‌ كما يتبيّن‌ من‌ جهة‌ سياق‌ ومفهوم‌ الآية‌، لا نّنا حين‌ نقول‌ «اعْدِلوا» ثم‌ نُتبِعها بقولنا: «هو أقربُ للتقوي‌»، ففي‌ الحال‌ يُفهَم‌ من‌ سياق‌ الكلام‌ ويتبادر إلی‌ الاذهان‌ أنّ «العَدلَ» المُشتَقّ من‌ المصدر «اعْدِلُوا» هو الاقرب‌ للتقوي‌ من‌ غيره‌.

ثانيهما: في‌ الآية‌ الشريفة‌ التي‌ هي‌ مدار بحثنا هنا «سنريهم‌ ءَايـ’تنا في‌ الاَفاق‌ وفي‌ أنفسهم‌ حتّي‌ يَتَبيّنَ لهم‌ أ نّه‌ الحقُّ» يتبادر إلی‌ ذهننا مباشرة‌ من‌ أنّ الشي‌ء «المُري‌» هو الحقّ. وهو عبارة‌ عن‌ لفظة‌ «مُري‌»، اسم‌ المفعول‌ من‌ الفعل‌ «نُرِي‌»، بمعني‌ «ءَايَـ’تِنَا».

ويتوجّب‌ علينا أن‌ نعلم‌ أنّ ها هنا تكمن‌ مسألة‌ عظيمة‌ وشاهد أعظم‌ علی‌ توحيد الله‌ تعإلی‌، وهي‌: أنّ الحقّ عبارة‌ عن‌ ءَايَـ’تِنَا (الآيات‌ مضافة‌ إلی‌ الضمير «نا»)، ويُقصَدُ بها الآيات‌ والدلائل‌ التي‌ أقرّها الله‌ في‌ الآفاق‌ والنفوس‌ للدلالة‌ علی‌ توحيده‌.

لا جَرَمَ أنّ جميع‌ الموجودات‌، سوي‌ الله‌ سبحانه‌، هي‌ آياته‌ تعإلی‌؛ سواء أكانت‌ تلك‌ الآيات‌ واقعة‌ في‌ العالَم‌ الخارج‌ عن‌ نفوس‌ بني‌ آدم‌، أم‌ تلك‌ الحادثة‌ في‌ داخلها. لذا، فليـس‌ هناك‌ أي‌ّ وجـود مسـتقلّ لاي‌ٍّ من‌ المخلوقات‌، بل‌ هي‌ في‌ مجموعها آيات‌ ومرايا وشواهد علی‌ سطوع‌ جمال‌ الذات‌ المقدّسة‌ للحقّ تعإلی‌. ولانّ هذه‌ الآيات‌ والمرايا لا تمتلك‌ صفة‌ الظهور بنفسها، بل‌ هي‌ كلّها مظاهر للّه‌ سبحانه‌، لذا صار بالإمكان‌ رؤية‌ الله‌ تعإلی‌ في‌ كلّ واحدة‌ من‌ تلك‌ الآيات‌. لانّ الآية‌ ـ بما هي‌ آية‌ إنّما هي‌ وسيلة‌ لإظهار صاحبها (أي‌ صاحب‌ الآية‌)، ولا تُبدي‌ أو تُظهر نفسها هي‌ علی‌ الإطلاق‌. إنّها مرآة‌ صافية‌ خالية‌ من‌ أي‌ّ لون‌ أو صدأ، وعارية‌ عن‌ كلّ أنواع‌ التموّج‌ أو الخدوش‌. مرآةٌ تُري‌ صورة‌ الإنسان‌ كما هي‌ دون‌ أيّة‌ مغالطة‌ أو تحريف‌. فإن‌ تغيّر فيها أي‌ُّ شي‌ء أو تبدّل‌، فذلك‌ لا نّها غير صافية‌ ولا يُمكنها أن‌ تحاكي‌ الواقع‌ أو أن‌ تكون‌ ذات‌ قيمة‌ تُذكَر.

وعلی‌ هذا فإنّ المرآة‌ الصافية‌ والماء الرقراق‌ الزلال‌ والهواء النقي‌ّ في‌ فضاء مُضاء تبدو الآيتيّة‌ واضحة‌ كلّ الوضوح‌ خلالهما لا يشوبها شي‌ء، وكأ نّه‌ لا وجود لا للمرآة‌ ولا للماء ولا للهواء، بل‌ إنّ كلّ ما هو موجود إنّما هو موجودات‌ ماثلة‌ أمام‌ تلك‌ المرآة‌ وداخل‌ ذلك‌ الماء ومُشاهَد في‌ ما وراء النور والهواء.

كلّ ما موجود هو الله‌ ولا وجود لشي‌ء غير الحقّ. جميع‌ الآفاق‌ وكلّ الانفُس‌ إنّما هي‌ آيات‌، ولا وجود لشي‌ء أو موجود غير «نا» و «الله‌» و «الحقّ» في‌ ما وراءها مطلقاً.

لا وجود لغير «الله‌» في‌ عالَم‌ الوجود. وكلّ ما سواه‌ إنّما هو آية‌ له‌ لا أكثر. وهو وحده‌ ذو الآية‌ وصاحب‌ ال علامه، هو كلُّ شي‌ء ولا شي‌ء سواه‌. وذو الآية‌ الذي‌ هو الحقّ في‌ هذه‌ العبارة‌، هو نفسه‌ الآفاق‌ والانفس‌. فالآفاق‌ والانفس‌ هما حقّ إذن‌.

إنّ هذه‌ الآية‌ تُدَلِّل‌ علی‌ أنّ حقيقة‌ الآفاق‌ والانفس‌ هي‌ وجود الحقّ تعإلی‌، وأ نّها لا تملك‌ شيئيّة‌ ما في‌ حدّ ذاتها، لا نّها إنّما وُصِفتْ علی‌ أ نّها آية‌ و علامه، لا غير. وبالتإلی‌ فإنّ الحقّ تعإلی‌ عبارة‌ عن‌ واقع‌ الآفاق‌ والانفس‌ وحقيقتها. أينما تُوَلِّ وجهك‌ فثمَّ وجود الله‌، وإلی‌ أي‌ّ شي‌ء أرجعت‌ بصرك‌ تري‌ فيه‌ الله‌. فما أكثر الاشياء، لكنّ الله‌ واحد فرد صمد. فلا موجود في‌ عالَم‌ الوجود سوي‌ الله‌. فالتعيُّنات‌ والإنّيّات‌ ومعها الماهيّات‌ كلّ تلك‌ أُمور عدميّة‌ وباطلة‌، والوجود المقدّس‌ للحقّ تعإلی‌ واحد، حيث‌ يتجلّي‌ في‌ الآفاق‌ والانفس‌ ويظهر في‌ كلّ جنبة‌ من‌ جنباتها.

إنّ كلمة‌ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ المباركة‌ التي‌ هي‌ كلمة‌ التوحيد ومعني‌ التوحُّد والوحدة‌، إنّما أصلها راجع‌ إلی‌ كلمة‌ لاَ مَوْجودَ سِوَي‌ اللَهِ التي‌ تنفي‌ كلّ نوع‌ من‌ أنواع‌ التعيُّن‌ عن‌ ذات‌ الحقّ تعإلی‌، وتُجرّده‌ منه‌.

وخير دليل‌ وشاهد علی‌ هذا الكلام‌ هو تتمّة‌ الآية‌ الشريفة‌:

أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَ نَّهُ و عَلَی‌ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.

أي‌ أنّ الله‌ سبحانه‌ حاضر وناظر وشاهد بوجوده‌ في‌ وجود جميع‌ الموجودات‌ الآفاقيّة‌ والانفسيّة‌ وكذلك‌ في‌ كلّ شي‌ءٍ يمكن‌ أن‌ تُطلَق‌ عليه‌ كلمة‌ شي‌ء، لا بكونه‌ موجوداً آخراً أو في‌ مكانٍ آخر، وأنّ مُجَرّد عِلمه‌ هو المحيط‌ بالموجودات‌ للتقدير فيها أو التحكُّم‌ بها.

 

 

شاهد أيضاً

أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في كتب أهل السنّة

أئمة أهل البيت (ع) في كتب أهل السنّة / الصفحات: ٢٨١ – ٣٠٠ المجد فاختار ...