43) الأمثال العربية – محمد رضا المظفة
9- (آكل من حوت) .
لبلعه الأشياء من غير مضغ، وإنما يسرع الشبع مع المضغ، ويبطئ مع البلع من غير مضغ؛ فالماضغ يشبعه القليل، والبالع لا يشبعه الكثير، هكذا سبيل الماء في الرشف والعب، قال صاحب كتاب الحيوان القديم: الحوت وجميع السمك يأكل ولا يشرب؛ وإذا حصل الماء في جوف شيء منها قتله. وأظن رؤبة سمع ذلك، فقال:
والحوت لا يرويه شيء يلهمه … يصبح ظمآن وفي البحر فمه
وقد يقال: أروى من حوت وإن كان لا يشرب؛ لأنه لا يحتاج إلى الشرب، كما يقال: أروى من ضب وهو لا يشرب أبداً.
ولايخفى علينا ان كثرة الاكل ممقوته في الشرع المقدس وانها تميت القلب،حيث ثبت بالدليل القاطع ان الاكل يؤدي الى كسل الجسم وبلادة الفكر والميل الى النوم،وبالتالي فهو يؤدي الى ضياع الوقت مما يؤدي الى النقص في الواجبات تجاه الرب والناس والاهل والعائلة والمجتمع.
وقد قال النبي محمد صلى الله عليه واله(حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه،فإن كان ولابد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)وقال صلى الله عليه واله ايضا:(من قل طعامه صح بدنه وصفا قلبه.ومن كثر طعامه سقم بدنه وقسا قلبه) .
10- (خلا لك الجو فبيضي واصفري) :
اول من قال هذا المثل هو الشاعر طرفة بن العبد،وذلك انه كان مع عمه في سفر وهو صبي فنزل على ماء،فذهب طرفة بفخيخ له فنصبه للقنابر،وبقي عامة يومه فلم يصد شيئاً،ثم حمل فخه ورجع الى عمه،وتحملوا من ذلك المكان فرآى القنابر يلقطن ما نثر من الحب،فقال:
يا لك من قنبرة بمعمر ……خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت ان تنقري… قد رحل الصياد عنك فأبشري
ورفع الفخ فماذا تحذري …لابد من صيدك يوما فاصبري.
وقال ابو عبيدة يروى ان ابن العباس انه قال لابن الزبير حين خروج الحسين عليه السلام الى العراق: خلا لك الجو فبيضي واصفري.يضرب في الحاجة يتمكن منها صاحبها.او لخلو الجو للمنافقين والاشرار.
11- (أخلى من جوف حمار) :
واد بأرض عاد، كان ذا ماء وشجر وعشب وخيرات كثيرة، منها حمار بن مويلع، كان له بنون خرجوا يتصيدون فأصابتهم صاعقة فماتوا عن آخرهم، فكفر حمار كفراً عظيماً وقال: لا أعبد رباً فعل بي هذا ! ودعا قومه إلى الكفر، فمن عصاه قتله، وكان يقتل من مر به من الناس، فأقبلت نار من أسفل الجوف فأحرقته ومن فيه، وغاض ماؤه فضربت العرب به المثل وقالوا: أكفر من حمار ! وقالوا أيضاً: أخلى من جوف حمار. وقال شاعرهم:
ولشؤم البغي والغشم قديماً … ما خلا جوفٌ ولم يبق حمار
هذا قول هشام الكلبي . وقال غيره : ليس حمار ههنا اسمَ رجل بل هو الحمار بعينه واحتج بقول من يقول ” أخلى من جوف العَيْر ” قال : ومعنى ذلك أن الحمار إذا صِيدَ لم ينتفع بشيء مما في جوفه بل يرمى به ولا يؤكل واحتج أيضا بقول من قال ” شَرُّ المالِ ما لا يزكى ولا يذكى ” فقال : إنما عنى به الحمار لأنه لا تجب فيه زكاة ولا يُذْبَح فيؤكل وقال أبو نصر في قول امرئ القيس:
وَوَادٍ كَجَوْفِ الْعَيْرِ قَفْرٍ قَطَعْتُه
العير عند الأصمعي : الحمار يذهب إلى أنه ليس في جوف الحمار إذا صيد شيء ينتفع به فجوف الحمار عندهم بمنزلة الوادي القفر الذي لا منفعة للناس والبهائم فيه . وقال : قال الأصمعي : حدثني ابن الكلبي عن فروة ابن سعيد عن عفيف الكندي أن هذا الذي ذكرته العرب كان رجلا من بقايا عاد يقال له ” حمار بن مُوَيْلع ” فعَدَلَت العرب عند تسميته عن ذكر الحمار إلى ذكر العَيْرِ لأنه في الشعر أخف وأسهل مَخْرَجا .
12- (أذل ممن بالت عليه الثعالب) :
حكاية وردت في كتاب الأمثال للميداني وكتاب الاشتقاق لابن دريد، وكتاب المستطرف وذلك في اول العهد الاسلامي حيث كان لبني سليم صنم يعبدونه وكان شخص منهم يدعى غاوي بن ظالم السلمي، يعمل سادنا له، وبينما هو ذات يوم جالس اذ اقبل ثعلبان اثنان فشغر كل واحد منهما رجله وبال على الصنم وقيل بل هو واحد وهو الثعلبان وهو ذكر الثعلب وليس مثنى.. فلما رأى ذلك غاوي بن ظالم ذهب الى قومه وقال لهم:
يابني سليم، والله ان الصنم لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنح ثم أنشد:
أربٌ يبول الثُّعلبان برأسه
لقد ذلَّ من بالت عليه الثعالبُ
ثم جاء للصنم فكسره، وترك قومه فذهب الى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأسلم بين يديه، فقال له: ما اسمك؟ فقال: غاوي بن ظالم قال له بل انت راشد بن عبدالله، وذكر للرسول الحكاية وبيت الشعر جاء ضمن ابيات اخرى، فضحك الرسول صلى الله عليه واله.
وقد اورد ابن زيدون في رسالته شطر البيت الثاني هكذا: لقد هان من بالت عليه الثعالب وجاء في كتاب الحيوان للدميري قوله عن ابي حاتم الرازي، ان الرواية الثَّعلبان بالتثنية.
وفي كتاب «نهاية الغريب»، انه كان لرجل صنم وكان يأتي له بالخبز والزبد فيضعه عند رأسه ويقول له «اطعم» فجاء ثعلبان بضم الثاء وهو ذكر الثعالب فأكل الخبز والزبد ثم عصل اي (بال عليه) وروي ان ما قاله غاوي بن ظالم امام رسول الله عليه الصلاة والسلام هذه الأبيات:
لقد خاب قومٌ أمَّلُوك لشدةٍ
أرادوا نزالاً أن تكون تُحارب
فلا أنت تُغني عن أُمور تواترت
ولا أنت دَفَّاعٌ اذا حلَّ نائب
أربٌ يبول الثُّعلبان برأسه
لقد ذلَّ من بالت عليه الثعالبُ
وهناك روايات تقول ان الاسم الذي اطلقه عليه هو راشد بن عبدربه.. والصحيح هو راشد بن عبدالله السلمي، وحسن اسلامه وهو من المحاربين البواسل، فجعله الرسول على نجران للصلاة والحرب، وقيل بل وجهه في نجران على القضاء والمظالم، وروى ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد انه هو صاحب هذه الأبيات
صحى القلبُ عن سَلمَى وأقصر شأوه
وردت عليه ما نفته تماضر
وحكمه شيب القذال عن الصبا
وللشيب عن بعض الغواية زاجر
فاقصد جهلي اليوم وارتد باطلي
عن الجهل لما ابيض مني الغرائر
ولما دنت من جانب الفرض اخصبت
وحلت، ولاقها سليم وعامر
وخير الركبان ان ليس بيننا
وبين قرى بصرى ونجران كافر
فألقت عصاها واستقر بها النوى
كما قر عينا بالاياب المسافر