الرئيسية / بحوث اسلامية / اقتران ميلاد النبي بولده جعفر الصادق (عليهما السلام)

اقتران ميلاد النبي بولده جعفر الصادق (عليهما السلام)

في رحاب الإمام جعفر الصادق (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

اقتران ميلاد النبي بولده جعفر الصادق (عليهما السلام)

إن ميلاد النبي المصطفى محمد (ص) مقترن بميلاد ولده وسبطه الإمام الصادق (ع) ولا يخلو ذلك من دلالة؛ فما تسقط من ورقة إلا يعلمها فكيف بميلاد إمام من أئمة أهل البيت (ع)؟ ولكن ما هي الدلالة؟ من الممكن أن نستشف المعنى من أن أولا: النبي (ص) هو مفجر البعثة وهو صاحب البعثة وهو الذي ببعثته المباركة في شهر رجب عم النور أرجاء الوجود والإمام الصادق (ع) وهو تقريبا في منتصف أئمة أهل البيت (ع) وقد فجر رب العالمين نور الولاية من خلال كلماته. لا لأنه أكثر علماً من آبائه وأبنائه ولكن تهيئ له الظرف.

مالك بن أنس فقيه المدينة ووصفه الإمام الصادق (عليه السلام)

هناك فرق بين جده إمامنا زين العابدين (ع) الذي قد قتل والده وجيء به أسيرا من بلد إلى بلد وهو في المدينة تحت النظر ومراقبا وبين إمام كالإمام الصادق (ع) ثنيت له الوسادة. لقد روي عن مالك بن أنس فقيه المدينة – وهو اسم لامع في أسماء الفقهاء في ذلك العصر – أنه قال: (كُنْتُ أَدْخُلُ إِلَى اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيُقَدِّمُ لِي مِخَدَّةً وَيَعْرِفُ لِي قَدْراً وَيَقُولُ لِي يَا مَالِكُ إِنِّي أُحِبُّكَ فَكُنْتُ أُسَرُّ بِذَلِكَ وأَحْمَدُ اَللَّهَ عَلَيْهِ قَالَ وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَجُلاً لاَ يَخْلُو مِنْ إِحْدَى ثَلاَثِ خِصَالٍ إِمَّا صَائِماً وَإِمَّا قَائِماً وَإِمَّا ذَاكِراً)[١]؛ الشاهد في أن الإمام (ع) ملأ عين هذا الرجل فقيه أهل المدينة.

ونحن نعلم أن مقام الإمام لا يعلمه إلا إمام مثله. وصوم الأئمة لم يكن في شهر رمضان فحسب وإنما الصيام ديدنهم. ووصف الإمام بالذاكر ينطبق هنا أيضا على مجالسته لأهل العلم؛ فيعلمهم معالم دينهم، والرواية من مصاديق الذكر أيضا وإن كان الغالب على الذكر هو المعنى المتعارف.

ثم يقول مالك: (وَكَانَ مِنْ عُظَمَاءِ اَلْعِبَادِ وَأَكَابِرِ اَلزُّهَّادِ اَلَّذِينَ يَخْشَوْنَ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَانَ كَثِيرَ اَلْحَدِيثِ طَيِّبَ اَلْمُجَالَسَةِ كَثِيرَ اَلْفَوَائِدِ). وإننا لنفتخر بأئمتنا (ع)؛ فحتى الذي يراهم في فترة قصيرة يميز أنهم من العظماء. والإمام لم يكن كباقي الزهاد. فعندما نسمع كلمة الزهد والعبادة يتبادر إلى الذهن إنسان في صومعة مثلا. فتأسى بإمامك أيضا من العلم غزير ومجالسته الطيبة وصيامه وذكره وتلاوته.

ولكن من أين جاءت تسمية الإمام (ع) بالصادق؟ لقد ورد في الخبر عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إِذَا وُلِدَ اِبْنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَسَمُّوهُ اَلصَّادِقَ)[٢]. وهذه التسمية قد جاءت من عالم الغيب فالنبي (ص) ما ينطق عن الهوى. ولكن ما هو سر هذه التسمية؟ لقد كثرت الروايات في ذلك، منها الحديث؛ فقد ترشح منه آلاف الكتاب والمحدثين كانوا يجلسون تحت منبره.

وكأن النبي (ص) من خلال هذه التسمية أراد أن يقول للأمة هذا صادق؛ أي كلامه حجة. وبعبارة أخرى كأن النبي (ص) قد بين مصداقاً فهو عندما يقول: أني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي؛ أي الصادق (ع) من العترة أيضا.

إن القرآن الكريم يذكر لنا أن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل والله سبحانه هو عالم الغيب والشهادة؛ ولكنه يذكر أيضا ما أخبر به الأنبياء من الغيب، كنبي الله عيسى (ع) الذي يعلم ما يدخرون في البيوت وما يأكل قومه، وهذا غيب غاب عن بصره. وكذلك النبي الأكرم (ص) يخبر بغلبة الروم. يقال: إنه لا يعلم الغيب إلا الله استقلالاً ولكن يظهر من ارتضى من رسول على غيبه. وقد أظهر عيسى (ع) على غيبه وأظهر نبينا محمداً (ص).

ويشبه ذلك عميلة توفي الأنفس. فالله هو الذي يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها؛ فهو القابض للأرواح. ومن معاني القابض والباسط، أنه قابض للأرزاق والأرواح. ولكن في الوقت نفسه عندما يصل الكلام إلى عزرائيل يقول: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ)[٣]، فهل هذا من التناقض؟ قيل في الجواب: إن رب العالمين هو الأصيل وعزرائيل هو الوكيل، وانتهى الإشكال.

إنك عندما تتوسل بأئمة أهل البيت (ع) في مشاهدهم وفي غير مشاهدهم باعتبارهم أبواب الله عز وجل وهم السبب المتصل، وقد قال سبحانه: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)[٤]، ويقول: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا)[٥]. وعندما طلب أولاد يعقوب منه أن يستغفر الله لهم وهم قتلة يوسف (ع) أو من هموا بقتله، قالوا: (يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا)[٦] فلا منافاة بين الأمرين.

بعد أن علمنا هذه القاعدة تعالوا إلى هذه الرواية ونختم بها الحديث؛ إن إمامنا الصادق (ع) يقول: ( يا يَا مَعْشَرَ اَلْأَحْدَاثِ اِتَّقُوا اَللَّهَ وَلاَ تَأْتُوا اَلرُّؤَسَاءَ، دَعُوهُمْ حَتَّى يَصِيرُوا أَذْنَاباً، لاَ تَتَّخِذُوا اَلرِّجَالَ وَلاَئِجَ مِنْ دُونِ اَللَّهِ إِنَّا وَاَللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْهُمْ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ)[٧]؛ يعز الله من يشاء ويذل من يشاء وتلك الأيام نداولها بين الناس. إن من كان رئيسا في يوم يصبح ذنباً، وهذا الذي جرى لبني أمية. ماذا حل بهم في زمان بني العباس؟ كانوا يتتبعونهم تحت كل حجر ومدر.

وهذه نصيحة من إمامنا. والشاهد؛ لا تتخذ الرجال ولائج من دون الله، فلا تذهبوا إلى باب زيد وعمر ممن لم يكونوا في طريق الولاية والعصمة. ثم بينها بكلمة صريحة وذكر أنه خير لنا منهم. يقول تعالى: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ)[٨]. فأنا البقية وأنا المذكر وأنا السبب ووارث علم النبي وأنا الرجل الذي يؤتى إليه بأمر الله عز وجل.

[١] الأمالی (للصدوق)  ج١ ص١٦٩.
[٢] كمال الدين  ج١ ص٣١٩.
[٣] سورة السجدة: ١١.
[٤] سورة المائدة: ٣٥.
[٥] سورة النساء: ٦٤.
[٦] سورة يوسف: ٩٧.
[٧] تفسير نور الثقلين  ج٢ ص١٩١.
[٨] سورة هود: ٨٦..

شاهد أيضاً

أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في كتب أهل السنّة

أئمة أهل البيت (ع) في كتب أهل السنّة / الصفحات: ٢٨١ – ٣٠٠ المجد فاختار ...