الرئيسية / بحوث اسلامية / في رحاب الشيعة – الشيخ باقر شريف القرشي 03

في رحاب الشيعة – الشيخ باقر شريف القرشي 03

سلامة القرآن من التحريف عند الشيعة
وتبنت الشيعة بصورة إيجابية ومتميزة تقديس القرآن الكريم ، وإحاطته بهالة من
التعظيم لأنه المعجزة الخالدة لعبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم
والثقل الأكبر الذي خلفه لأمته فجعله مصدر هدايتها ، وسلامتها من الزيغ والانحراف .
وما نسب إليها من التحريف لا نصيب له من الواقع .
ونعرض – بإيجاز – إلى بعض ما أثر عن أئمة الهدى عليه السلام في سمو شأن الكتاب
العزيز وسلامته من كل تحريف ، وفيما يلي ذلك .
1 – فضل القرآن :
وتواترت الأخبار عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في فضل القرآن الكريم هذه بعضها :
أ – روى طلحة بن زيد عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : إن هذا القرآن
فيه منار الهدى ، ومصابيح الدجى ، فليجل حال بصره ، ويفتح للضياء نظره ، فإن
التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور ( 1 ) .
ب – روى أبو جميلة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : كان في وصية أمير
المؤمنين عليه
السلام لأصحابه : اعلموا أن القرآن هدى النهار ونور الليل المظلم على ما كان من جهد
وفاقه ( 1 ) .
ج – روى أبو بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن القرآن زاجر وآمر
. يأمر بالجنة ويزجر عن النار ( 2 ) .
د – روى الإمام أبو جعفر عليه السلام عن جده رسول الله ( ص ) أنه قال : أنا أول وافد
على العزيز الجبار يوم القيامة . وكتابه وأهل بيتي ، ثم أمتي ، ثم أسألهم ما فعلتم
بكتاب الله وبأهل بيتي ( 3 ) .
ه‍ – روى الإمام أبو عبد الله عليه السلام في حديث له عن جده رسول الله ( ص ) أنه قال
: القرآن هدى من الضلالة وتبيان من العمى ، واستقالة من العثرة ونور من الظلمة ( 4 )
. وضياء من الأحداث وعصمة من الهلكة ، ورشد من الغواية ، وبيان من
الفتن ، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة ، وفيه كمال دينكم ، وما عدل أحد عن القرآن إلا
إلى النار ( 1 ) .
2 – الحث على حفظ القرآن :
وحث الأئمة الطاهرون عليهم السلام على حفظ القرآن الكريم ، ووعدوا الحافظين له
بالمنزلة الكريمة عند الله تعالى ، وهذه بعض ما أثر عنهم .
أ – قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام : من قرأ القرآن فهو غني ولا فقر بعده ،
وإلا ما به غنى ( 2 ) .
ب – وروى الفضيل بن يسار عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : الحافظ
للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة ( 3 ) .
ج – روى الإمام أبو عبد الله عليه السلام عن جده رسول الله ( ص ) أنه قال : إن أهل
القرآن في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النبيين والمرسلين فلا تستضعفوا أهل القرآن
حقوقهم فإن لهم من الله العزيز
الجبار لمكانا عليا ( 1 ) .
د – قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام : من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط
القرآن بلحمه ودمه وجعله الله مع السفرة الكرام البررة ، وكان القرآن حجيزا عنه
يوم القيامة ( 2 ) .
إلى غير ذلك من الأحاديث التي تشجع على حفظ كتاب الله تعالى ، وتذكر ما أعد الله
يوم حشره من الأجر الجزيل .
3 – التأمل في آيات القرآن :
وحث الإمام زين العابدين عليه السلام على التأمل في آيات القرآن الكريم وذلك لما
حوته من الذخائر قال عليه السلام : آيات القرآن خزائن فكلما فتحت خزانة ينبغي لك أن
تنظر ما فيها ( 3 ) .
4 – قراءة القرآن بركة ورحمة :
وفي قراءة القرآن الكريم بركة ورحمة وقد حث
الأئمة الطاهرون على تلاوته ، وقد روى الإمام أبو عبد الله عليه السلام عن جده
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله
عز وجل فيه تكثر بركته ، وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ، ويضئ لأهل السماء كما
تضئ الكواكب لأهل الأرض وأن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله عز وجل
فيه تقل بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين ( 1 ) .
هذه بعض الأخبار التي أدلى بها أئمة أهل البيت عليهم السلام في فضل القرآن الكريم ،
وأنه الثقل الأكبر الذي خلفه النبي الأعظم ( ص ) في أمته لإقامة أخلاقها وتهذيب
سلوكها ، وجعلها قادة الأمم والشعوب .
ونعرض – بإيجاز – إلى ما أثر عن الإمام أبي جعفر عليه السلام وغيره في ذم المحرفين
لكتاب الله العزيز وإلى ما أعلنه كبار علماء الشيعة من التزامهم بعدم تحريف القرآن
زيادة ونقيصة ، وفيما يلي ذلك .
ذم المحرفين
1 – وأعلن الإمام أبو جعفر محمد الباقر عليه السلام في رسالته إلى سعد الخير ذمه
المحرفين ، وشجبه لما اقترفوه من تغيير وتبديل لكتاب الله تعالى قال عليه السلام :
وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه ، وحرفوا حدوده فهم يرونه ولا يرعونه والجهال
يعجبهم حفظهم الرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية ( 1 ) .
2 – روى أبو ذر قال : لما نزلت هذه الآية ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) قال رسول
الله ( ص ) ترد أمتي علي يوم القيامة على خمس رايات . ثم ذكر أن رسول الله ( ص ) يسأل
الرايات عما فعلوا بالثقلين ، فتقول الراية الأولى :
أما الأكبر فحرفناه ونبذناه وراء ظهورنا ، وأما الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه ،
وتقول الراية الثالثة أما الأكبر فحرفناه ومزقناه وخالفناه وأما الأصغر فعاديناه
وقاتلناه ( 2 ) .
3 – روى الإمام أبو جعفر عليه السلام قال : دعا رسول الله ( ص ) . بمنى فقال : أيها
الناس إني تارك فيكم الثقلين . ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي ،
والكعبة البيت الحرام .
وعقب الإمام أبو جعفر عليه السلام على حديث جده بقوله :
أما كتاب الله فحرفوا . وأما الكعبة فهدموا ، وأما العترة فقتلوا . وكل ودائع الله
قد نبذوا ومنها قد تبرأوا ( 1 ) .
وقد دلت هذه الكوكبة من الروايات على ذم المحرفين لكتاب الله تعالى ، كما دلت على
وقوع التحريف فيه وليس المراد منه الزيادة أو النقيصة فيه ، فذلك باطل جرما جملة
وتفصيلا ، وإنما المراد منه تأويله وتفسيره على غير ما أنزل الله تعالى ، فقد عمد
بعض المفسرين إلى ذلك دعما للحكم الأموي والعباسي فقد ذكر بعض المفسرين أن الآية
الكريمة ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) نزلت
في ابن ملجم الباغي الأثيم لأنه عمم بسيفه رائد الحكمة والعدالة الاجتماعية في
الإسلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أخو النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وباب مدينة علمه ، وكثير من أمثال هذا التفسير توجد في مصادر تفسير القرآن الكريم ،
وهي بعيدة كل البعد عن كتاب الله تعالى وسنة نبيه ، قد وضعها من لا حريجة له في
الدين تقربا للسلطات الحاكمة التي جهدت على تدعيم حكمها بكل ما خالف القرآن الكريم.
وعلى أي حال فإن الشيعة تبرأ من تحريف الكتاب العزيز ، وتجمع على أنه هو الكتاب
المنزل من رب العالمين لا زيادة ولا نقصان فيه .
كلمات أعلام الشيعة
وأدلى كبار علماء الشيعة بصيانة الذكر الحكيم من كل زيغ وتحريف ، وهذه بعض كلماتهم
:
1 – الشيخ الصدوق :
أما الشيخ الصدوق فهو من أبرز علماء الشيعة قال :
( اعتقادنا في القرآن أنه كلام الله ووحيه وتنزيله
وقوله وكتابه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم وأنه
القصص الحق ، وأنه لقول فصل ، وما هو بالهزل ، وإن الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله
، وربه وحافظه ، والمتكلم به ) ( 1 ) .
وأكد الشيخ الصدوق ما ذهبت إليه الشيعة من سلامة القرآن الحكيم من التحريف بقوله :
( اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله
وسلم وهو ما بين الدفتين ) وأضاف :
( ومن نسب إلينا إنا نقول : إنه أكثر من ذلك فهو كاذب ) ( 2 ) .
2 – الشيخ الطوسي :
وأعلن زعيم الطائفة الإمامية الإمام أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي سلامة القرآن
الكريم من كل تحريف قال : أما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق بهذا الكتاب
المقصود منه العلم بمعاني القرآن
من بسملة وغيرها ، لا كلمة ، ولا حرف وجميع ما بين الدفتين مما يتلى كلام الله
تعالى بالضرورة من المذهب بل الدين وإجماع المسلمين ، وإخبار النبي ( ص ) والأئمة
الطاهرين عليهم السلام ( 1 ) .
5 – الإمام شرف الدين :
ونفى الإمام شرف الدين نفيا قاطعا تحريف القرآن الكريم قال :
( إن المذهب المحقق عند علماء الفرقة الإمامية الاثني عشر أن القرآن الذي أنزله
الله على نبيه هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، وأنه
كان مجموعا مؤلفا في عهده ( ص ) ، وحفظه ونقله ألوف من الصحابة ، ويظهر القرآن
وينتشر بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه ) ( 2 ) .
6 – المحقق الأردبيلي :
قال المحقق الأردبيلي وإذا ثبت تواتره – أي
القرآن الكريم – فهو مأمون من الاختلال ، مع أنه مضبوط في الكتب حتى أنه معدود
حرفا حرفا وحركة حركة ، وكذا الكتابة وغيرها ، مما يفيد الظن الغالب بل العلم
بعدم الزيادة على ذلك والنقص ) ( 1 ) .
7 – الإمام محمد الحسين كاشف الغطاء :
قال الإمام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء : أن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين
هو الكتاب الذي أنزله الله تعالى للإعجاز والتحدي ولتعلم الأحكام ، وتمييز الحلال
من الحرام ، وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم – أي الشيعة
الإمامية – ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف
فهو مخطئ نص الكتاب العظيم ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) والأخبار
الواردة من طرقنا أو طرقهم أي العامة – الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذة
وأخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا فأما أن تؤول
بنحو من الاعتبار أو يضرب بها الجدار ( 1 ) .
8 – العلامة المظفر :
قال العلامة الشيخ محمد رضا المظفر رحمه الله : نعتقد أن القرآن هو الوحي المنزل من
الله تعالى على لسان نبيه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فيه تبيان لكل شئ ن وهو
معجزته الخالدة ، التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة ، وفيما حوى
حقائق ، ومعارف عالية لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف ، وهذا الذي بين أيدينا
نتلوه ، وهو نفس القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن ادعى فيه
غير ذلك فهو محترف أو مغالط أو مشتبه ، وكلهم على غير هدى فإنه كلام الله الذي لا
يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ( 2 ) .
9 – المحقق الأميني :
قال المحقق الأميني في رده على أكاذيب ابن حزم في تحريف الشيعة للقرآن الكريم : لكن
القارئ
إذا فحص ونقب لا يجد في طليعة الإمامية إلا نفاة هذه الفرية . . هؤلاء أعلام
الإمامية وحملة علومهم الكالئين لنواميسهم وعقائدهم قديما وحديثا يوقفونك على حين
الرجل فيما يقول : وهذه فرق الشيعة وفي مقدمتهم الإمامية مجمعة على أن ما بين
الدفتين هو ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه ( 1 ) .
10 – الإمام الطباطبائي :
وبحث الإمام الطباطبائي بحثا شاملا وموضوعيا في سلامة القرآن الكريم من كل
زيادة ونقيصة ذكر ذلك في تفسيره للقرآن الكريم ( الميزان ) واستدل عليه بأوثق
الأدلة ، وكان مما استدل به الروايات التي أثرت عن أئمة الهدى عليهم السلام في عرض
الأخبار المتعارضة على كتاب الله فما وافقه منها فهو حجة ، وما خالفه فهو زخرف ،
وكذلك حديث الثقلين الذي ينص على التمسك بكتاب الله تعالى فلو كان محرفا فهو غير
حجة ، ولا مجال لعرض الأخبار عليه والتمسك به ( 2 ) .
هذه بعض كلمات أعلام الشيعة ، وأعمدتها العلمية في سلامة القرآن الكريم من كل تحريف
.
أمور هامة :
ولا بد لنا من وقفة قصيرة في بعض الأمور الهامة التي تربط بالموضوع وهي :
مع المحدث النوري :
ألف المحدث النوري كتابا أسماه ( فصل الخطاب ) ذكر فيه وقوع التحريف زيادة ونقيصة
في القرآن الكريم ، وقد اتخذه خصوم الشيعة وسيلة للتشهير والطعن بهم ، وهذا الكتاب
خال من الموازين والقيم العلمية ، وهو على غرار ما كتبه السيوطي في كتابه ( الإتقان
) الذي ذكر فيه سيلا من الروايات على وقوع التحريف في القرآن الكريم .
والكتاب لا يحفل به قد اعتمد على الروايات الموضوعة وعلى الكتب المطعون فيها أمثال
كتاب ( سليم بن قيس ) وقد رد عليه الإمام البلاغي نضر الله مثواه قال : ( وقد جهد
المحدث المعاصر في كتابه ( فصل الخطاب ) في جمع الروايات التي استدل بها
على النقيصة ، وكثر أعداد مسانيدها بأعداد المراسيل ، مع أن المتتبع المحقق يجزم
بأن هذه المراسيل مأخوذة من تلك المسانيد .
وفي جملة ما أورده من الروايات مالا يتيسر احتمال صدقها ، ومنها ما هو مختلف بما
يؤول إلى التنافي والتعارض ، مع أن القسم الوافر منها ترجع أسانيدها إلى بضعة أنفار
، وقد وصف علماء الرجال كلا منهم لا أستحل أن أروي من تفسيره حديثا واحدا وأنه
معروف بالموقف ، وأشد عداوة للرضا عليه السلام ، وأما بأنه فاسد الرواية يرمي
بالغلو .
وأضاف قائلا :
ولو تسامحنا بالاعتناء برواياتهم في مثل هذا المقام الخطير لوجب من دلالة الروايات
المتعددة أن ننزلها على أن مضامينها تفسير للآيات أو تأويل أو بيان لما يعلم يقينا
شمول عمومها له لأنه أظهر الأفراد وأحقها بحكم العام أو ما كان مرادا بخصوصه عند
التنزيل أو هو مورد النزول أو ما كان هو المراد من اللفظ المبهم .
وعلى أحد هذه الوجوه الثلاثة الأخيرة يحمل ما
ورد أنه تنزيل ، أو أنه نزل به جبرائيل كما يحمل التحريف الوارد في الروايات على
تحريف المعنى ، كما يشهد بذلك مكاتبة سعد إلى أبي جعفر عليه السلام ( وكان من نبذهم
الكتاب أن أقاموا حروفه ، وحرفوا حدوده ) وكما يحمل ما ورد بشأن مصحف أمير المؤمنين
عليه السلام ، وابن مسعود أنه من التفسير والتأويل ، لقوله عليه السلام ( ولقد
جئتهم بالكتاب كاملا مشتملا على التنزيل والتأويل ) .
وهكذا ما ورد من زيادة لولاية علي عليه السلام في مصحف فاطمة عليها السلام ، ومعلوم
أنه كان كتاب تحديث بأسرار العلم ، وقد ورد أنه لم يكن فيه شئ من القرآن ، وأيضا
ما ورد من تنزيل الأئمة موضع الأمة لا بد من حملة على التفسير وأن التحريف إنما هو
في المعنى وكذا نظائره من سائر الروايات ( 1 ) .
وما أفاده الإمام البلاغي قدس سره وثيق للغاية ، وما ذكره المحدث ا

النوري في الإفصاح
من وقوع
التحريف في القرآن الكريم بعيد كل البعد عن الموازين والقيم العلمية ، وأن الكتاب
العظيم منزه من كل تحريف .
وقد تصدى فضيلة العلامة الشيخ محمد هادي معرفة في كتابه ( صيانة القرآن من التحريف
) إلى تفنيد الروايات التي اعتمد عليها النوري وأنها من الموضوعات ، ودلل على ذلك
بصورة موضوعية ، كما تصدى إلى ضحالة المصادر التي اعتمد عليها النوري وأنها ليست من
الكتب التي يعتمد عليها ، ولم يدع في بحثه أي مجال للشك في فساد ما ذكره المحدث
النوري .
مع الكليني :
عقد ثقة الإسلام الكليني نضر الله مثواه في كتابه الجليل ( أصول الكافي ) فصلا تحت
عنوان ( أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام ، وإنهم يعلمون علمه كله )
( 1 ) وذكر كوكبة من الأخبار في ذلك ، ومن المقطوع به أنه لم يذهب إلى تحريف
الكتاب العزيز ، وإنما مقصوده أن القرآن الكريم لا يحيط بمحتواه ، ولا يعرف تأويله
ولا ناسخه ومنسوخه سوى الأئمة الطاهرين عليهم السلام الذين هم خزنة علم النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ، وورثة آدابه وحكمه ، ومضافا لذلك فإن الأخبار الموجودة في
الكافي وغيره من كتب الإمامية فيها الصحيح والضعيف ، والمعيار في صحة الحديث هو أن
يكون صحيح السند ، وأن لا يكون دلالته مجافية للكتاب والسنة ، فإذا اكتسب ذلك
فالرواية صحيحة وإلا فهي شاذة لا يعمل بها حسبما ذكره علماء الإمامية .
يقول الحجة الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله : ( ألفت نظر من يحتج على الشيعة ببعض
الأحاديث الموجودة في كتب علمائهم ، ألفت نظرة إلى أن الشيعة تعتقد أن كتب الحديث
الموجودة في مكاتباتهم ، ومنها الكافي والاستبصار والتهذيب ، ومن لا يحضره الفقيه ،
فيها الصحيح والضعيف ، وأن كتب الفقه التي ألفها علمائهم فيها الخطأ والصواب ، فليس
عند الشيعة كتاب يؤمنون بأن كل ما فيه حق وصواب من أوله إلى أخره غير القرآن الكريم .
وأضاف :
إنما يكون الحديث حجة على الشيعي الذي ثبت عنده الحديث بصفته الشخصية ، وهذه نتيجة
طبيعية لفتح باب الاجتهاد لكل من له الأهلية فإن الاجتهاد يكون في صحة السند وضعفه
كما يكون في استخراج الحكم من آية أو رواية ( 1 ) .
مصحف الإمام علي :
وقبل أن أطوي الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب أعرض إلى أن بعض الأخبار دلت على أن
للإمام أمير المؤمنين عليه السلام مصحفا غير المصحف الموجود ، وقد جاء به إلى
الصحابة فلم يقبلوا منه ، وهذا نص حديثه عليه السلام .
خاطب الإمام طلحة قائلا له :
( يا طلحة إن كل آية أنزلها الله تعالى على محمد ( ص ) عندي بإملاء رسول الله ( ص ) وخط
يدي ، وتأويل كل آية أنزلها الله تعالى على محمد ( ص ) وكل حلال أو
حرام أو حد أو حكم أو شئ تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة فهو عندي مكتوب بإملاء
رسول الله ( ص ) وخط يدي حتى أرش الخدش ) ( 1 ) .
وهناك رواية أخرى تضارع هذه الرواية وهي قال جابر :
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما
أنزل إلا كذب وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب والأئمة من
بعده عليهم السلام ( 2 ) وليس المراد من هذين الروايتين وأمثالها أنه عند الإمام أمير
المؤمنين عليه السلام وسائر الأوصياء مصحفا يغاير المصحف الذي عند الإمام عليه
السلام حافل ببيان معاني الآيات وأسباب نزولها ، ومحكمها ومتشابهها وعامها وخاصها
ومطلقها ومقيدها ، كما أن المراد بمصحف سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء
عليها السلام هو ذلك فإنه من المقطوع به أن القرآن الكريم كان مجموعا ومحفوظا في
أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد نقل الشيخ الطبرسي عن الإمام المرتضى أنه
قال :
( أن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجموعا مؤلفا على ما
هو عليه الآن ، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان ،
حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له وأنه كان يعرض على النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ويتلى عليه وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب
وغيرهما ختموا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة ختمات ، ولك
ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير مبثور ، ولا مبثوث ( 1 ) .
وأكد ذلك الإمام الأعظم شرف الدين ( قدس سره ) قال : إن القرآن عندنا كان مجموعا
على عهد الوحي والنبوة ، مؤلفا على ما هو عليه الآن ، وقد عرضه الصحابة على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم وتلوه عليه من أوله إلى آخره ، كان جبرائيل عليه السلام
يعارضه صلى الله عليه وآله وسلك
بالقرآن في كل عام مرة ، وقد عارضه به عام وفاته مرتين ، وكله من الأمور الضرورية
لدى المحققين من علماء الإمامية ، ولا عبرة ببعض الجامدين منهم كما لا عبرة
بالحشوية من أهل السنة القائلي بتحريف القرآن والعياذ بالله فإنهم لا يفقهون ) ( 1 )
.
وعلى أي حال فإن الشيعة الإمامية تعتقد اعتقادا جازما لا يخامره أدنى شك أن
القرآن الكريم المنزل من رب العالمين كان مجموعا في أيام النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ، وأنه سالم من كل تحريف وما ورد في بعض الروايات الشاذة من وجود تحريف فيه
فإنها باطلة لأنها تتصادم مع الكتاب العزيز والسنة المقدسة ، وما ذكر من الروايات
المنافية لذلك فإنها موضوعة أو مؤولة .
وفي نهاية هذا الكتاب إني آمل أن يجد القارئ فيه الفائدة والمتعة وهو ما أتمناه
والله ولي التوفيق .

 

 

https://wilayah.info/ar/

 

https://wilayah.info/en/

 

https://www.ommahwahda.com/

 

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...