الرئيسية / بحوث اسلامية / فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني

فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني

فلا يمكن وليس من الإنصاف أن يحتج أهل السنة والجماعة على الشيعة بما انفردوا هم به وخصوصا إذا كانت الروايات متناقضة ويكذبها الواقع والتاريخ – لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عين أبا بكر ليكون ضمن جيش أسامة وتحت إمرته وقيادته ومن المعلوم أن أمير الجيش في السرية هو إمام الصلاة، وقد ثبت تاريخيا بأن أبا بكر لم يكن موجودا في المدينة عند وفاة الرسول وكان بالسنح يتجهز للخروج مع أميره وقائده أسامة بن زيد الذي لم يبلغ من العمر إلا سبعة عشر عاما – فكيف والحال هذه يمكن لن أن نصدق بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عينه لإمامة الصلاة؟ اللهم إلا إذا صدقنا بقول عمر بن الخطاب بأن رسول الله يهجر ولا يدر ما يفعل ولا ما يقول، وهذا أمر لا سبيل إليه فهو مستحيل ولا يقول به الشيعة.
فعلى الباحث هنا أن يتقي الله في بحثه ولا تأخذه العاطفة فيميل عن الحق ويتبع الهوى فيضل عن سبيل الله، إنما واجبه أن يخضع للحق ولو كان الحق مع غيره، ويحرر نفسه من الرواسب والعواطف والأنانية فيكون من الذين امتدحهم الله عز وجل في قوله: فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب [الزمر: 18].
فليس من المعقول إذا أن يقول اليهود إن الحق عندنا ويقول النصارى إن الحق عندنا ويقول المسلمون إن الحق عندنا وهم مختلفون في العقائد والأحكام!
فلا بد للباحث أن يمحص أقوال الديانات الثلاثة ويقارن بعضها ببعض حتى يتبين له الحق.
وليس من المعقول أيضا أن يقول أهل السنة بأن الحق معهم ويقول الشيعة بل الحق عندهم وحدهم وهم يختلفون في بعض المفاهيم والأحكام! فالحق واحد لا يتجزأ.

(٣٦)

فلا بد للباحث أن يتجرد ويمحص أيضا أقوال الطرفين ويقارن بعضها ببعض ويحكم عقله حتى يتبين له الحق، وذلك هو نداء الله سبحانه لكل فرقة تدعي الحق، إذ يقول: قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [البقرة: 111].
فليست الأكثرية بدالة على الحق: بل العكس هو الصحيح قال تعالى: وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله [الأنعام: 116]. وقال أيضا: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين [يوسف: 103]. مثلما أن المتقدم الحضاري والتكنولوجي والثراء ليس دليلا على أن الغرب على حق والشرق على باطل قال تعالى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون [التوبة: 55].
قول أهل الذكر في الله تعالى يقول الإمام علي: الحمد لله الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين البصير. فلا عين من لم يره تنكره. ولا قلب من أثبته يبصره، سبق في العلو فلا شئ أعلى منه، وقرب في الدنو فلا شئ أقرب منه. فلا استعلاؤه باعده عن شئ من خلقه، ولا قربه ساواهم في المكان به. لم يطلع العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود.
تعالى الله عما يقول المشبهون به والجاحدون له علوا كبيرا.
والحمد لله الذي لم يسبق له حال حالا فيكون أولا قبل أن يكون آخرا. ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا. كل مسمى بالوحدة غيره قليل، وكل عزيز غيره ذليل. وكل قوي غيره ضعيف، وكل مالك غيره مملوك، وكل عالم غيره متعلم، وكل قادر غيره يقدر ويعجز، وكل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها، وكل بصير

(٣٧)

غيره يعمى عن خفي الألوان ولطيف الأجسام، وكل ظاهر غيره باطن، وكل باطن غيره ظاهر.
لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان ولا تخوف من عواقب زمان، ولا استعانة على ند مشاور، ولا شريك مكائر ولا ضد منافر، ولكن خلائق مربوبون وعباد داخرون. لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن. ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن. لم يؤده خلق ما ابتدأ ولا تدبير ما ذرأ، ولا وقف به عجز عما خلق، ولا ولجت عليه شبهة فيما قضى وقدر. بل قضاء متقن وعلم محكم وأمر مبرم، المأمول مع النقم والمرهوب مع النعم. ليس لأوليته ابتداء ولا لأزليته انقضاء، هو الأول لم يزل والباقي بلا أجل. خرت له الجباه ووحدته الشفاه، لا تقدره الأوهام بالحدود والحركات، ولا بالجوارح والأدوات، لا يقال له متى، ولا يضرب له أمد بحتى الظاهر لا يقال مما، والباطن لا يقال فيما، لا شبح فيتقضى ولا محجوب فيحوى. تعالى الله عما ينحله المحددون من صفات الأقدار ونهايات الأقطار وتأثل المساكن وتمكن الأماكن، فالحد لخلقه مضروب وإلى غيره منسوب. لم يخلق الأشياء من أصول أزلية ولا أوائل أبدية، بل خلق ما خلق فأقام حده، وصور ما صور فأحسن صورته ليس لشئ منه امتناع. ولا له بطاعة شئ انتفاع علمه بالأموات الماضين كعلمه بالأحياء الباقين، وعلمه بما في السماوات العلى كعلمه بما في الأرضين السفلى.

(٣٨)

الفصل الثاني فيما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم السؤال الثاني: حول عصمة الرسول؟
يقول الله سبحانه وتعالى في حق نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: والله يعصمك من الناس [المائدة: 67]. وقال أيضا: وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [النجم: 3]. وقال: وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر:
7]. وتدل هذه الآيات دلالة واضحة على عصمته المطلقة في كل شئ. وتقولون بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معصوم فقط في تبليغ القرآن وما عدا ذلك فهو كسائر البشر يخطئ ويصيب وتستدلون على خطئه في عدة مناسبات بأحداث تروونها في صحاحكم!
فإذا كان الأمر كذلك فما هو حجتكم وما هو دليلكم في ادعائكم التمسك بكتاب الله وسنة نبيه ما دامت هذه السنة عندكم غير معصومة ويمكن فيها الخطأ؟
وعلى هذا الأساس فالمتمسك بالكتاب والسنة على حسب معتقداتكم لا يأمن من الضلالة، وخصوصا إذا عرفنا بأن القرآن كله مفسر ومبين بالسنة النبوية.
فما هي حجتكم في أن تفسيره وتبيانه لم يكن مخالفا لكتاب الله تعالى؟

(٣٩)

قال لي أحدهم معبرا عن هذا الرأي: لقد خالف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن في كثير من الأحكام حسب ما تقتضيه المصلحة.
– قلت متعجبا: أعطني مثلا واحدا على مخالفته.
– أجاب: يقول القرآن: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة [النور: 2]. بينما حكم الرسول على الزاني والزانية بالرجم وهو غير موجود في القرآن.
– قلت: إنما الرجم على المحصن إذا زنى، ذكرا كان أم أنثى والجلد على الأعزب إذا زنى ذكرا كان أم أنثى.
– قال: في القرآن ليس هناك أعزب أو محصن لأن الله لم يخصص بل أطلق لفظ الزانية والزاني بدون تخصيص.
– قلت: إذا على هذا الأساس فكل حكم مطلق في القرآن خصصه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو مخالف للقرآن؟ فأنت تقول بأن الرسول خالف القرآن في أكثر أحكامه؟
– أجاب متحرجا: القرآن وحده معصوم لأن الله تكفل بحفظه أما الرسول فهو بشر يخطئ ويصيب كما قال القرآن في حقه: قل ما أنا إلا بشر مثلكم!
– قلت: فلماذا تصلي الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء وقد أطلق القرآن لفظ الصلاة بدون تخصيص لأوقاتها؟
– أجاب: القرآن فيه إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا والرسول هو الذي بين أوقات الصلاة.
– قلت: فلماذا تصدقه في أوقات الصلاة وترد عليه في حكم رجم الزاني.
وحاول جهده أن يقنعني بفلسفات عقيمة متناقضة لا تقوم على دليل

(٤٠)

شاهد أيضاً

هل الشرك بالله يساوي التطبيع؟

حيدري نظر هذه عبارة قوية تحمل بُعدًا دينيًا وسياسيًا عميقًا، لكن من المهم أن لا ...