الحلقة السادسة – تداعيات التغيير في العراق
في 27 تشرين ثاني دخل اتفاق وقف اطلاق النار بين حزب الله والكيان الصهيوني حيز التنفيذ، وبادر النازحون من الجنوب بالعودة الى دورهم المهدمة واراضيهم التي المحترقة، وعاد من خرج منهم الى البلاد الاخرى الى بلده وارضه.
لقد حقق المحور الامريكي الصهيوني العربي التركي في هذه المرحلة من الحرب هدفاً مهماً وهو حصر نشاط حزب الله في داخل الارض اللبنانية بعد ان فشل في القضاء على حزب الله عسكرياً وعاد الى القرار الاممي 1701 الذي اثمرته حرب تموز 2006،
ولم يحقق الاهداف التي كان يرمي اليها من شن حربه الشاملة على حزب الله، نعم الحرب الشاملة كلفت حزب الله خسائر لا تعوض حيث استشهد في هذه المعركة قادة الخط الاول والثاني في جناحيه العسكري والسياسي واستشهد وجرح الالاف من مجاهديه ودمرت البنى التحتية للحزب وهجرت الحاضنة الشيعية لحزب الله من الجنوب تحت نيران القصف الصهيوني واستشهد الالاف من المدنيين من الشيعة،
الا ان سلاح حزب الله بقي بين يديه وتأثيره الداخلي بقي قوياً فلم يتمكن العدوان الصهيوني المدعوم عسكرياً وما دياً من امريكا والغرب ولوجستيا من المحور التركي العربي ان ينال من صمود الحزب وان يلغي وجوده على الساحة اللبنانية.
تأثير التغيير في العراق على الوضع في سوريا
الميزة التي كانت للرئيس السوري الراحل حافظ الاسد انه كان يدرك طبيعة الساحة المحيطة به ادراكاً صحيحاً، وكان يوظف العامل الاقليمي والدولي للحفاظ على سوريا في وجه التحديات التي يتعرض لها نظامه، فكان لا يثق بالعرب خاصة بعد الفشل الذي منيت به سوريا مع التعامل مع مصر في ايام عبد الناصر ثم في ايام السادات، ثم صراعه ضد نظام البعث في العراق الذي حاربه داخليا عن طريق دعم الاخوان المسلمين في سوريا واقتصاديا بايقاف تصدير نفط كركوك من ميناء بانياس، فضلاً عن موقفه من دول الخليج.
وفي المقابل استعاض عن الغرب وامريكا الداعمين لاسرائيل بروسيا فاقنعهم باقامة قاعدة عسكرية في طرطوس، وهي القاعدة الوحيدة لروسيا في منطقة البحر الابيض المتوسط، واستعاض بايران عن المحور العربي – التركي، حيث كان العرب والاتراك يشكلون تهديداً لنظام حكمه.
وكان يعتبر لبنان ساحة مواجهة متقدمة مع الكيان الصهيوني فكان لسوريا دور فاعل في الواقع اللبناني، وقد قوض ذلك الدور بعد ان اغتيل رفيق الحريري ووجهت اصابع الاتهام لحزب ولسوريا.
توفي الاسد عام 2000 وتولى الحكم ابنه بشار الاسد الذي لم تكن حكمته كأبيه واستطاع المحور الخليجي خداعه مرتين الاولى عند توليه الحكم حيث اقنعه المحور العربي باضعاف علاقته بايران كما ادخله المحور العربي التركي ضمن مشروع افشال التغيير في العراق بعد 2003 فاصبحت سوريا ممراً للارهابيين الذين كان يجندهم المال الخليجي ويهيئ لهم الطريق الى العراق المخابرات التركية التي يمرون من خلالها بيسر الى سوريا حيث تقوم المخابرات بنقلهم الى العراق،
ليقوموا بدورهم التخريبي واذكاء الفتنة الطائفية واستهداف المجتمع الشيعي بالاغتيالات والسيارات المفخففة والتفجيرات المتنوعة يساعدهم في ذلك رجال مخابرات النظام البعثي المنحل في العراق وضباط جيشه والحاضنة الشعبية للارهاب الطائفي التي تعتبر ان التغيير استهدف حقها التاريخي في التفرد بحكم العراق، الامر الذي دفع رئيس وزراء العراق بتقديم شكوى في المحافل الدولية ضد نظام بشار الاسد.
استفاق بشار الاسد على الغدر العربي به بعد ان وجد المحور العربي انه غير قادر على القضاء على التغيير الذي حصل في العراق من خلال العمليات الارهابية وتجنيد الارهابيين والاستعانة باثارة النعرة الطائفية.
ففشل المحور العربي – التركي في اسقاط نظام الحكم الجديد بعد 2003 في بغداد دفعهم الى السعي لاعادة التوازن في المنطقة من خلال اسقاط نظام الاسد في سوريا واقامة نظام يدور في فلك المحور العربي – التركي، اذ ان هذا المحور يعتبر ان الذي نتج عن التغيير عام 2003 في العراق مكن ايران من مد نفوذها في العراق بصورة كبيرة الامر الذي لم يكن كذلك قبل سقوط نظام البعث الصدامي،
وان التغيير ادى الى قيام هلال شيعي يمتد من ايران ويضم العراق وسوريا ولبنان. وان الصراع السياسي بين المحور الخليجي – التركي من جهة والمحور الايراني من جهة اخرى يقتضي العمل على اعادة التوازن فسقوط نظام البعث الصدامي كان عبارة عن خسارة المحور السني – التركي استراتيجية امام الخصم الايراني، والمحور الشيعي.
فجرى التخطيط بين الغرب بقيادة امريكا واوربا والمحور العربي – التركي لاسقاط نظام الاسد، والانظمة الاخرى في المنطقة التي اصبحت عبئاً على مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي رسمته الادارة الامريكية، فاطلقت يد المعارضة في سوريا ومصر وتونس وليبيا لاسقاط انظمة تلك الدول للوصول الى الغاية التي تحقق غايات المحور الامريكي – الصهيوني – العربي – التركي في رسم خارطة المنطقة السياسية من جديد.