الرئيسية / الاسلام والحياة / الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الهواجس، وتطغى عليه الغرائز، وتثيره المغريات، فهو بحاجة إلى أجواء فكرية وسلوكية تساعده على اصلاح وتغيير أفكاره وعواطفه وممارساته، ومن هذه الأجواء:
1 – حلقات الذكر: هنالك تجمعات يذكر فيها اسم الله تعالى، وتسودها أجواء الايمان والتقوى، فينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يشجع الآخرين على حضورها، أو يصطحبهم معه إليها.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بادروا إلى رياض الجنة، قالوا: وما رياض الجنة، قال: حلق الذكر (1).
وتتنوع حلقات الذكر بتنوع الظروف، كمجالس العلماء الأتقياء، ومجالس الصالحين، وجلسات الدرس، وجلسات حفظ القرآن وتلاوته، والجلسات الدوارة التي تنعقد في بيوت مختلفة.
ومنها مجالس العزاء على الإمام الحسين عليه السلام، ويلحق بها الاحتفالات والمهرجانات التي تقام على مدار السنة في الأعياد ومناسبات ولادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام، ويوم المبعث، ويوم الغدير وغير ذلك.
2 – ارتياد المساجد: المسجد من أهم الأجواء الايمانية التي لها دور كبير في اصلاح الانسان وتغييره.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخا مستفادا في الله، أو علما مستطرفا، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يسمع كلمة تدله على هدى، أو يترك ذنبا خشية
1) أمالي الصدوق: 297.
(٦٦)

أو حياء (1).
3 – زيارة قبور الأنبياء والأئمة عليهم السلام والصالحين: لزيارة قبور الأنبياء والأولياء المعصومين وعباد الله الصالحين تأثير واضح محسوس على الانسان ، حيث يرتبط من خلالها بأرقى الشخصيات الاسلامية، ويندفع للاقتداء بها في أفكارها وعواطفها وسلوكها، ويستمد منها روح السمو والارتقاء، ويعاهدها على التقيد بسيرتها.
وقد وردت أحاديث عديدة في الحث على زيارة قبور الأئمة الأطهار وأولياء الله الأخيار والصالحين من عباده وأفضل من الزيارة الفردية القيام بزيارات جماعية من قبل المؤمنين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر إلى تلك الأماكن المتبركة، فإن لها وقعا أشد، وتأثيرا أكبر على الانسان المراد إصلاحه، لأنه سيتأثر حينئذ بهذا الجمع المؤمن المتجه إلى الله تعالى بالدعاء وبالتوسل بأوليائه الصالحين .
4 – الجليس الصالح: من وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر الغفاري قال: الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء، واملاء الخير خير من السكوت، والسكوت خير من املاء الشر (2).
ويلحق بهذه الأجواء المشاركة في السفرات الجماعية، والحضور في المكتبات الاسلامية العامة وأمثال ذلك.
١) آمالي الصدوق: ٣١٩، وينسب هذا القول إلى الإمام الحسن عليه السلام كما ورد في : تحف العقول: ١٦٦.
2) مكارم الأخلاق: 466.
(٦٧)

ثانيا: المراحل العلاجية:
وهي المراحل العملية المقارنة واللاحقة لوقوع الممارسات السلبية في الواقع الخارجي ، وهي خطوات علاجية الهدف منها معالجة الواقع المنحرف، بإيقاف المنكر أو تطويقه وتحجيمه، لمنع استشرائه في العقول والقلوب والإرادة.
ويمكن تصنيفها إلى صنفين:
1 – المراحل العلاجية المقارنة للتلبس بالمنكر:
إن الله تعالى فتح للانسان أبواب الهداية من خلال البينات الظاهرة، والبراهين الواقعية، وانزل الكتاب لارشاده وتوجيهه إلى الاستقامة والاعتدال، ودعا إلى تكوين الأمة والجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، ووضع منهجا متكاملا لوقايته من الانحراف عن طريق غلق منافذه إلى النفس، ومعالجة الأسباب المؤدية إليه ، وتهيئة الأجواء لتهذيب السلوك والخلق، فإذا خالف الانسان جميع هذه المؤهلات، وانحرف عن الاستقامة في سلوكه غرورا منه أو استسلاما لشهواته وغرائزه، وارتكب المنكر بصورة علنية متحديا قيم المجتمع، فيجب على الآخرين ردعه وايقاف أو تحجيم انحرافه، وأول مراحل الردع هي التغيير باليد التي تعبر عن القوة، ثم باللسان، ثم بالقلب.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الايمان (1).
١) صحيح مسلم ١: ٦٩، كتاب الايمان باب 20 / 78.
(٦٨)

والتغيير باليد مقدم على غيره، لأنه يقتلع المنكر من جذوره ويمنع من استمراره الذي قد يضر بالمصلحة العامة وخصوصا ما يتعلق بالاعتداء على حقوق الآخرين، كالاعتداء على أرواحهم أو أعراضهم أو أموالهم، فلا يجوز التهاون به، والسكوت عنه ، وهو يتوقف على القدرة والطاقة التي يمتلكها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، التي تساعده على العمل الفوري في التغيير، ولذا فإن الحكمة من تكوين الأمة أو الجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، هي تظافر الطاقات والجهود لإزالة المنكر الواقع، وردع المتلبس به.
وإذا عجزت الطاقات والجهود المتاحة من تغيير المنكر باليد، فتأتي مرحلة الانكار باللسان عن طريق تبيان أضرار المنكر، وتحقير فاعله، وترذيله وتقبيحه، وتخويفه من العواقب السيئة المترتبة على هذا المنكر، وتهديده وتخويفه من ردعه بالقوة أو تخويفه بالاستعانة بالغير لانزال العقاب الصارم به، أو تهديده بالمحاصرة الاقتصادية والاجتماعية، وكل كلام يساعد على ردعه.
وإذا عجز الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عن التغيير باللسان ينتقل إلى مرحلة التغيير بالقلب وهو الانكار والاشمئزاز وعدم الرضا بعمل المنكر، والتصميم على اعداد القوة البدنية والبيانية لتغييره في الظروف المؤاتية.
وملاك التكليف هو القدرة، وهي التي تحدد مراحل التغيير باليد واللسان والقلب، وقد تجتمع هذه المراحل لتنطلق في آن واحد تبعا لقدرة الافراد، فتستخدم اليد من قبل البعض واللسان من قبل البعض الآخر، والقلب من قبل البقية المتبقية.
(٦٩)

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم انها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل (1).
ويجب استخدام القوة المناسبة للردع وتغيير المنكر، فالمنكرات الفردية التي يقوم بها الافراد، قد لا تحتاج إلى مزيد من القوة، أما المنكرات الجماعية التي يرتكبها جمع من الناس أو كتلة منهم، أو تقوم بها مؤسسات أو جمعيات تمتلك طاقات متنوعة اعلامية ومالية وبشرية، فإنها لا ترتدع إلا باستخدام القوة الموازية لها.
وتختلف القوة المستخدمة باختلاف نوعية المنكر المرتكب، من الناحية الفكرية والسلوكية، فهنالك منكر له تأثير ملحوظ على أصل الوجود الاسلامي كيانا وقيادة وافرادا، وهنالك منكر له تأثير على اضطراب المعتقدات وبلبلة الأفكار، وهنالك منكر له تأثير على أخلاق المجتمع بإفساده لافراده، ومن هنا شرع الله تعالى الجهاد لايقاف المنكر الأكبر الذي يستهدف القضاء على الوجود الاسلامي.
نماذج من السيرة النبوية:
إن الموقف من المنكر بتغييره باليد أو اللسان أو القلب تحدده عدة عوامل:
١) صحيح مسلم ١: ٧٠، كتاب الايمان، باب 20 / 80.
(٧٠)

شاهد أيضاً

دائرة المسؤولية العائلية في الإسلام

المجتمع الإسلامي نتيجة ابتعاد مجتمعاتنا عن القيم الدينيّة والإلهيّة، ونتيجة تطوّر عالم الاتصالات وغزو التقاليد ...