قصص المعصومين (عليهم السلام )
ساعتين مضت
قصص وعبر
6 زيارة
عـنـدهـا اغرورقت عينا حامد بالدموع .. وسيطر عليه البكاء.. فضممته الى صدري .. ورحت اجفف دموعه قائلا : ـ لم تبكي يا بني .. ؟ فخرجت الكلمات من فمه مصحوبة بالعبرات : ـ كم اتمنى يا ابي .. لو اني كنت في زمن الائمة من آل رسول اللّه (ص ) فافديهم بروحي .
الامام الكاظم (ع ) حكاية .. يرويها نهر دجلة وانـا اسير على نهر دجلة .. اتامل جريان مائه واحدق فيه .. شعرت كان النهر يستوقفني عند موضع عـلـى شاطئه .. وراح يحكي لي حكاية سبق له حكايتها مرارا على ضمائر الاجيال السالفة وقلوبها.
فـتـصـدع قلبي ..وانفجرت الدموع على وجنتي فلم استطع التحكم باعصابي .. وجدت نفسي اصرخ بـاعلى صوتي : – من منكم لا يعرف نهر دجلة .. ؟ هذا النهرالذي يشق بغداد الى نصفين .. هل وقفتم على شاطئه .. وتاملتم نزيف دموعه .. ؟ هل استمعتم اليه بقلوبكم وضمائركم ..؟ انه منذ سنة 183ه وهويروي للاجيال حكاية مفجعة .. لم تشهد بغداد افجع منها.. لذلك فهويرويها وكانها وقعت بالامس القريب في ذلك اليوم كان شمس بغداد انـفجرت , وتشظت في قلوب شيعة آل الرسول (ص ) ومحبيهم .. فبكت السماءدما.. وصرخت بغداد بـاعلى صوتها : – كذبتم واللّه حين سميتموني مدينة السلام .. اي سلام هذا.. وانا اشهد في كل يوم ظـلـم بـنـي الـعـباس وجورهم ..وولوغهم في سفك الدماء.. واغراقهم في الفساد. ؟ هذه الجنازة من آل الرسول الملفوفة بالسواد على الجسر وينادى عليهابالاقاويل والتهم الباطلة .. اي جهل تحملون في رؤوسكم .. ؟ واي حقدجعل من قلوبكم صخورا.. ؟ فقطعتم الغصن المفعم بالطيب من شجرة النبوة .. وطرحتموه على الجسر ببغداد.. اهكذا تفعل النفوس الخسيسة حين يسيطر عليها اللؤم والتملق والتزلف كي تتقرب بذلك الى الحكام والجلا دين باضطهاد دعاة الهدى .. وسفك دمائهم .
هل سال هؤلاء انفسهم عما يفعلونه من جور وظلم لم يفعلون ذلك .. منطلقة من ضعة نفسية واحساس بالنقص والحقارة .. وحاجة الى رضى الاخرين وقبولهم .
وانـا اجـفـف دمـوعي .. نظرت ا لى وجوه الناس من حولي .. فرايت دموعهم قد حفرت اخاديد على وجناتهم .. وتصدعت قلوبهم وكانهم يشاهدون من جديد احداث ذلك الزمن امامهم .. تقدم من بينهم شيخ كـبـير تتخضب لحيته البيضاء بدموعه لذا فهو يكلمني بانفاس متقطعة : – يا بني ظلم الحكام وجورهم لا ل بيت رسول اللّه (ص ) وانكار امامتهم وخلافتهم .. والامام موسى بن جعفر الكاظم (ع ) رغم ان حياته خضعت الى الرقابة الشديدة .. وتنقل بين السجون والمعتقلات الا انه كان يتابع رسالة آبائه في نشر العلوم والحديث والاخـلاق .. وكـان يـدافع عن الاسلام ويرعى المسلمين .. وابسط ما روي عنه انه اذا اعطى الى فقير صرة من المال .. جعلته يستغني بها فلم يعد الفقر يعرف طريقا اليه .
– يا شيخي وهذا ما كان يغيض الحاكم العباسي هارون الرشيد..ويجعله يفكر باغتياله والتخلص منه كلما سمع ان الـنـاس ملتفون حوله يسالونه في امور دينهم .. وينهلون من علمه .. ويسلمون له الحقوق من خمس وزكاة ..ومن المفجع في الامر ان الذي وشى بامره الى الرشيد هو احد المقربين من الامام موسى بن جـعـفـر(ع ) وقـد دفـعه حبه للدنيا وطمعه وجشعه الى الوقوف بين يدي الحاكم العباسي ليفضي بـاسـرار الامـام مـوسـى بن جعفر الكاظم (ع ).. مماجعل الرشيد يشعر بخوف شديد على كرسيه وسلطانه .. فبعث الى الامام (ع )من ياتيه به ليودعه السجن .
وهنا توقفت عن الكلام .. فالتفت الشيخ الى الناس المجتمعين حولنا مخاطبااياهم : – هل تعرفون ماذا قـال هـارون الـرشـيـد لـلا مام موسى بن جعفرالكاظم (ع )؟ لقد قال له : (كيف جوزتم للناس ان ينسبوكم الى رسول اللّه ..ويقولون لكم يا ابناء الرسول .. وانتم بنو علي .. وانما ينسب المرء الى ابيه لاالـى امـه ..) ؟ الـم يتدبر الرشيد في القرآن الكريم ؟ حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثـم نـبـتـهـل فـنجعل لعنة اللّه على الكاذبين ) ((10)) وقداتفق المسلمون بكلمة واحدة وهي ان الـنـبـي (ص ) دعـا عـلـيـا وفـاطمة والحسن والحسين (ع ).. فكان علي نفس النبي (ص ) وكانت فاطمة (س ) نساءه وكان الامامان الحسن والحسين (ع ) ابناءه .. فلم يسال هارون الرشيد الامام الكاظم (ع ) هذا السؤال .. ؟ هل هوجهل منه .. ام انه اعتراض على امر اللّه .. ؟ وهـنـا سـال احـد الحاضرين : – وماذا فعل هارون الرشيد بعد ذلك ؟فاجابه الشيخ : – جعل الامام الـكـاظـم (ع ) يـتنقل من سجن الى سجن ..حتى سجنه آخر الامر في بغداد.. وفي سجن بغداد قدم لـلامـام الكاظم (ع )طبق من تمر مسموم .. وتناول منه الامام .. فصار يتلوى من شدة الالم ..وبقي على هذه الحالة ثلاثة ايام يعاني من تمزق احشائه حتى فارق (ع )الحياة .
وبـعـد ذلك شاهدت الشيخ يتجه نحو مرقد الامام (ع ).. وقد مشى خلفه الحاضرون .. فتبعتهم بعد ان عرفت انهم ذاهبون لزيارة ضريح الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع ) . الامام الرضا (ع ) السحابة السوداء ماذا يختلج في صدرك ايها الخليفة .. ؟ يبدو انه بركان .. واي بركان يا اميرالمؤمنين .. لماذا انت على هذه الحال .. ؟ الم تقض على ثورات العلويين ..؟ اذن هي اصواتهم الرافضة لاضطهادك .. ذلك الاضطهاد الذي يدفعهم الى استخدام السيف والدفاع عن حـقـوقهم بالقوة .. ولمجرد احساسك باهتزازعرش الملك .. ذلك العرش الذي قتلت من اجله اقرب الـنـاس الـيـك .. فـمـن الطبيعي جدا ان تترك هذه الثورات آثارا تجعل صدرك يفور بهذاالبركان .
ويـستغرق عقلك بتفكير عميق تخفيه سحابة زفرتك بين طيات حممها المسمومة .. تلك الحمم التي تتزايد ويتفاقم غليانها كلما نشبت ثورة جديدة .
يـسـتغرق المامون في تفكير عميق .. وتعبث رياح الحقد بسحابة الحمم المسمومة ..وتجعلها تتجسم على هيئة صور في مخيلة الخليفة فينتفض من مكانه مرددا : ـ لابد من سبيل للخلاص .. وامتصاص نقمة الثورات التي تجعل وضعنا السياسي يزداد تازما.
يـا لـه مـن قـرار يـقرره المامون .. واية صاعقة تذهل المقربين له .. وتثيرتساؤلاتهم : ـ كيف يقدم المامون على نقل الخلافة والسلطة .. ويسلم دولة بناها بنو العباس بالدماء والصراع .. ومن اجلها بذلوا ما بذلوه خلال سبعين عاما مضت .. ابهذه السهولة تعود الى آل ابي طالب .. ؟ بعد صراع دموي وفكري وعقائدي عنيف .. اذن من اجل ماذا كان ذلك الصراع .. ؟ ووسـط هذه الدهشة يتقدم احد وزراء المامون يدعى الحسن بن سهل بعدان طلب المامون الاجتماع به .. وباخيه الفضل بن سهل .. فيقول للمامون : آمولاي هل تعرف مدى خطورة اخراج امر الدولة عن اهل بيتك ..؟ فـيرد عليه المامون : ـ اني عاهدت اللّه ان اخرجها الى افضل آل ابي طالب .. وما علمت احدا افضل من هذا الرجل .
فـما كان من الحسن بن سهل واخيه الفضل بعد ان رايا تصميم المامون ..وعزيمته .. الا ان يمسكا عن معارضته حين بادرهما قائلا : ـ تذهبان الان الى علي ابن موسى الرضا.. وتخبرانه عني بما صممت , و..
وينتهي الاجتماع .. فيخرج الحسن بن سهل واخوه الفضل .. متوجهين الى المدينة المنورة بعد ان اتفقا مع المامون على شروط معينة .
وحـيـن وصـلا الى الامام الرضا(ع ).. عرضا عليه ولاية العهد.. شرط ان لايامر.. ولا يولي .. ولا يـتكلم بين اثنين في حكم .. ولا يغير شيئا هو قائم على اصوله .. والامام (ع ) يستمع اليهما وهو يعلم بـان الـمـامـون بـن الـرشـيـديـحـاول امـتصاص النقمة .. واقناع الراي العام بالاعتدال .. وكسب الانـصـار..وتـخـفيف الضغط الذي ينوء به ضمير الامة جراء المعاملات الظالمة لحكام بني العباس لـلـعـلويين .. والوقوف بوجه التيار الثوري العلوي الذي راح يشتد ويتعاظم بسبب الارهاب وسفك الـدمـاء.. وتـضـيـيـع الامـوال وفسادالادارة .. واضطراب الامن بشكل مروع .. فاخترع المامون مـشروعاسياسيا لتطويقه (ع ) بمبايعته لولاية العهد من بعده .. باعتباره الامام من اهل بيت النبوة (ع ) والـقائد البارز.. وسيد العلم في عصره .. فما كان من الامام علي بن موسى الرضا(ع ) الا ان يرفض عـرض المامون .. فهدده احدهمابالسيف قائلا : ـ واللّه فقد امرني مولاي المامون بضرب عنقك اذا خالفت ما يريد.. يا لها من خطة سياسية .. اية ولاية هذه التي لا يامر بها ولا ينهى ..ولايولي ولا يعزل .. ولا يتكلم بين اثـنـين في حكم .. وبعد كل هذا فقد كان الامام (ع ) مرغما على قبول الولاية .. فالمامون قد وجد انه ليس من المناسب ان يستخدم معه الوسائل التي استخدمها الرشيد ضد والده الامام موسى الكاظم (ع ) . بـدا الامـام عـلـي بن موسى الرضا(ع ) رحلته من المدينة المنورة متوجها الى مرو عاصمة الدولة الـعباسية عبر طريق البصرة والاهواز.. ولما وصل الى منطقة تسمى النباج .. نزل قرب مسجد في تلك المنطقة وقد راح الناس يتجمعون حوله .. وقد كان من بينهم رجل يدعى ابو حبيب النباجي ..وقف هذا مذهولا حين شاهد الامام (ع ) وقد اخرج طبقا فيه تمر صيحاني وراح ياكل منه .. ومما زاد في دهشته اعطاء الامام (ع ) اياه قبضة من التمر..فلما عدها وجدها ثماني عشرة تمرة .. فراح يردد مع نـفـسـه : ـ قـبل عشرين يوما رايت في منامي رسول اللّه (ص ) يجلس في نفس هذا المكان .. وياكل تـمرامن طبق مثل هذا التمر.. وقد اعطاني رسول اللّه (ص ) قبضة منه فكانت ثماني عشرة تمرة .
وقد اولت حلمي هذاباني ساعيش ثماني عشرة سنة بعد عمري هذا.
ثـم الـتفت الى الامام الرضا(ع ) قائلا : ـ زدني يا ابن رسول اللّه .. فقال الامام (ع ): ـ لو زادك جدي رسول اللّه (ص ) لزدناك .
2025-12-13