الرئيسية / القرآن الكريم / القرآن ربيع القلوب ٢

القرآن ربيع القلوب ٢

القرآن ربيع القلوب:

في ذيل تفسير قوله تعالى: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّـهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّـهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلی‌ قَوْمٍ حَتَّی يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ أَنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ كُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤) من سورة الانفال

#الجواب_علی_سؤال:

‏قد يرد هنا سؤال و هو: لم #تكررت عبارة #كَدَأْبِ_آلِ_فِرْعَوْنَ‌ في الآي بفاصلة قليلة مرّتين، و مع اختلاف يسير في التعبير؟!

و للإجابة علی هذا التساؤل ينبغي الالتفات إلی لطيفة، و هي أنّه بالرغم من‌ أنّ التكرار أو التأكيد علی المسائل الحساسة من أصول البلاغة، و يلاحظ في أقوال البلغاء و الفصحاء، لكنّ في الآيات- آنفة الذكر- #فرقا مهما يخرج تلك العبارة عن صورة #التكرار.

و هو أنّ الآية الأولی تشير إلی #الجزاء_الإلهي في مقابل #إنكار_آيات_الحق و #التكذيب بها، ثمّ تمثل حال هؤلاء بقوم فرعون و الأقوام السابقين.

‏إلّا أنّ الآية الثّانية تشير إلی #تبدل_النعم في الدنيا و ذهاب المواهب الرّبانية، مثل الانتصارات و الأمن و القدرات و ما يفتخر به. ثمّ مثّلت الآية بحال فرعون و الأقوام السابقين.

‏ففي الحقيقة أنّ جانبا من الكلام كان عن سلب النعم و ما ينتج عن ذلك من الجزاء، و يقع الكلام في جانب آخر منه علی تبدل النعم و تحوّلها.

#تفسيرالامثل

في ذيل تفسير قوله تعالى: وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلی‌ عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِي‌ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَری‌ ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّـهَ وَ اللَّـهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) من سورة الانفال

#سؤال: ‏هل جاء الشيطان عن طريق الوسوسة أو ظهر متجسدا لهم؟

#الجواب:

جری الكلام بين المفسّرين حول مسألة نفوذ الشيطان إلی قلوب المشركين، و قوله لهم في ساحة معركة بدر، و كيفية حصول ذلك، و تتلخص جميع الآراء القديمة و الحديثة في عقيدتين:

‏١- يعتقد بعضهم أنّ هذا الأمر حصل علی صورة #وساوس_باطنية، فقد زين لهم بوساوس أعمالهم في عيونهم و صوّر لهم أنّهم يملكون قوّة لا تقهر، و أغراهم و صوّر لهم أنّه هو ملجؤهم، إلّا أنّهم بعد قتالهم الشديد للمسلمين، و الحوادث الإعجازية التي حققت النصر للمسلمين و محت الوساوس عن قلوبهم، أحسوا بالانكسار و أنّه لا ملجأ لهم أبدا سوی ما ينتظرهم من الجزاء الإلهي و العذاب الشديد.

‏٢- و يری بعضهم الآخر أنّ الشيطان #تجسد لهم في صورة الإنسان، ففي رواية أوردتها كتب الحديث كثيرا: إنّ قريشا عند ما قررت التحرك و المسير نحو بدر، كانت تخشی الهجوم من طائفة بني كنانة لتشاجر كان بينها و بينهم، و عند ذاك جاءهم إبليس في صورة «سراقة بن مالك» الذي كان من رؤوس بني كنانة و طمأنهم بأنّهم يوافقونهم علی هذا الأمر، و أنّهم سينتصرون، لكنّه تراجع لما رأی نزول الملائكة، و لاذ بالفرار و انهزم الجيش عند ما رأی ضربات المسلمين الشديدة و انهزام إبليس.

و قالت قريش بعد عودتها لمكّة: إنّ سراقة السبب في انهزام الجيش، فوصل الخبر إلی سراقة فأقسم أنّه لا علم له بذلك، و عند ما قصّ عليه بعضهم ما كان منه في يوم بدر أنكر كل ذلك و أقسم أنّه لم يخرج من مكّة و لم يحصل من تلك الأمور شي‌ء أبدا، فعلم أنّ ذلك لم يكن سراقة بن مالك‌.

‏و #دليل الطائفة الأولی أنّ إبليس لا يستطيع أن يتمثل في سورة إنسان.

‏بينما تری الطائفة الثّانية عدم #وجود دليل علی #استحالة هذا الأمر أبدا، و خاصّة أنّه نقل ما يشبه هذه القصّة في هجرة النّبي صلّی اللّه عليه و آله و سلّم مجي‌ء، رجل كبير علی هيئة شيخ نجدي إلی دار الندوة، و إضافة إلی أن سياق الآية و ظاهر المحادثة يتلاءم مع تجسيد الشيطان.

‏و علی أية حال، فإنّ الآية #تدل علی أنّ الناس إذا ساروا في #نهج_الحق أو #الباطل في الأمور و القضايا الجماعية، فإنّ سلسلة من الإمدادات و القوی الغيبية أو القوی الشيطانية #ستتحرك_معهم، و هي #تظهر في #مختلف_الصور، فعلی السائرين في سبيل الحق و منهاج اللّه الحذر من هذا الأمر.
#تفسيرالامثل

قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (النور :٣٠).

💢 يغضُّوا: الغضّ: ربّما يقال: إطباق الجفن على الجفن، ويكون مرادفاً للغمض، ولكن الصحيح أنّه عبارة عن نقصان النظر مقابل التحديق إلى الشيء، أي تحديق النظر إلى ما يحرم النظر إليه .

وعلى هذا يكون كناية عن توجيه النظر إلى غير المرأة كالجوانب والأطراف أو إلى أسفل كالأرض. ويدلّ على ما ذكرنا من أنّ الغض هو نقصان النظر لا الغمض والستر أمران:

1️⃣. كلمة (مِنْ) في قوله تعالى: (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)فلو كان الغضّ بمعنى الغمض لقال: يغضوا أبصارهم.

2️⃣. قوله سبحانه حاكياً عن لقمان: (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ): أي انقص من صوتك.
📚 تفسير منية الطالبين ج١٩

[وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها]

‏⭕️ اختلف المفسّرون في تفسير الزينة التي تجب تغطيتها، و الزينة الظاهرة التي يسمح باظهارها.
‏1️⃣ فقال البعض: إنّ الزينة المخفية هي الزينة الطبيعية في المرأة (جمال جسم المرأة) في حين أن استخدام هذه الكلمة بهذا المعنی قليل.

2️⃣ ‏و قال آخرون: إنّها تعني موضع الزينة: لأن الكشف عن أداة الزينة ذاتها كالعضد و القلادة مسموح به، فالمنع يخص موضعها، أي اليدين و الصدر مثلا.

3️⃣ ‏و قال آخرون: خصّ المنع أدوات الزينة عند ما تكون علی الجسم، و بالطبع يكون الكشف عن هذه الزينة مرادفا للكشف عن ذلك الجزء من الجسم. (و هذين التّفسيرين الأخيرين لهما نتيجة واحدة علی الرغم من متابعة القضية عن طريقين مختلفين).

‏و الحق أنّنا يجب أن نفسر الآية علی حسب ظاهرها و دون حكم مسبّق، و ظاهرها هو #التّفسير_الثّالث.
‏و علی هذا، فلا يحق للنساء الكشف عن زينتهن المخفية، و إن كانت لا تظهر أجسامهن، أي لا يجوز لهن الكشف عن لباس يتزيّن به تحت اللباس العادي أو العباءة، بنصّ القرآن الذي نهاهنّ عن ذلك.

و ذكرت الأحاديث التي رويت عن أهل البيت عليهم السّلام هذا المعنی، فقد فسّروا الزينة المخفية بالقلادة و الدملج (حلي يشدّ أعلی الساعد) و الخلخال‌.

‏و قد فسّرت أحاديث عديدة أخری الزينة الظاهرة بالخاتم و الكحل و أمثاله، لهذا نفهم بأنّ المراد من الزينة المخفية الزينة التي تحت الحجاب (فتأملوا جيدا).

📚 تفسير الأمثل

قال تعالى:
يَرِثُني وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا(٦) من سورة مريم
قال الشيخ السبحاني:
إنّ السيد الآلوسي من المصرّين على أنّ الوراثة ليست وراثة ماليّة، وذكر لتأييد رأيه ثلاثة وجوه:

الأوّل: يقول: ممّا يؤيّد حمل الوراثة هنا على وراثة العلم ونحوه دون المال، أنّه ليس في الأنظار العالية والهمم العلياء للنفوس القدسية التي انقطعت من تعلّقات هذا العالم المتغيّر الفاني واتّصلت بالعالم الباقي ميل للمتاع الدنيوي قدر جناح بعوضة لا سيما جناب زكريا(عليه السلام) فإنّه كان مشهوراً بكمال الانقطاع والتجرّد، فيستحيل عادة أن يخاف من وراثة المال والمتاع الذي ليس له في نظره العالي أدنى قدر أو يظهر من أجله الكلَف والحزن والخوف، ويستدعي من حضرة الحق سبحانه وتعالى ذلك النحو من الاستدعاء، وهو يدلّ على كمال المحبّة وتعلّق القلب بالدنيا.1

يلاحظ عليه: بأنّ خوف زكريا من وراثة الأغيار لم يكن لأجل تعلّق نفسه بالمال حتى يقال إنّ الهمم العليا للنفوس القدسية انقطعت من تعلّقات هذا العالم، وإنّما خوفه أن تقع هذه الأموال التي تأتي يوماً بعد يوم بيد أشرار الناس فتُصرف في غير محلّها، ولذلك ورد في سيرة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه كان يصرف ما يقع تحت يده من الغنائم بأسرع وقت.

وليس هذا النوع من الخوف دليلاً على التعلّق بالدنيا ومتاعها، بل دليلاً على ورعه وتقواه، وخشيته من أن تُصرف الأموال في غير جهتها الشرعية.

الثاني: أنّ ذلك لا يُخاف منه، إذ الرجل إذا مات وانتقل ماله بالوراثة إلى آخر صار المال مال ذلك الآخر فصرفه على ذمّته صواباً أو خطأ ولا مؤاخذة على الميّت من ذلك الصرف بل لا عتاب أيضاً.

يلاحظ عليه: بأنّ الإنسان المؤمن شديد الحسّاسيّة من أي شرّ أو ظلم أو فساد يظهر في الناس، ويستشعر المسؤولية بتطهير جوّ الحياة منه، فيعمل على استئصاله من جذوره، أو على تجفيف المنابع التي تمدّه بأسباب القوّة والبقاء والانتشار.

وزكريا(عليه السلام) إذ خاف من وقوع الأموال، بعد رحيله عن الدنيا، بأيدي الأشرار، فرضَ عليه إيمانه وتقواه واشمئزازه من المنكر وأصحابه، أن يفكّر في أمر المستقبل، وأن يدبّر له بما يحول بين هؤلاء وبين الأموال التي سوف ينفقونها في السُّبُل البعيدة عن مرضاة الله تعالى. وعلى هذا فالقول بأنّ المال مالهم والوزر عليهم، قول من لم يقف على خصائص النبيّ وعلى ما يحسّه من مسؤولية تجاه ما سوف يملكه الأشرار من الأموال التي بيده.

الثالث: بأنّه كان في إمكان زكريا أن يصرف ما يملك قبل موته ويتصدّق به كلّه في سبيل الله، ويترك بني عمّه الأشرار خائبين.

أقول: هذا الكلام أغرب من سابقَيه، وهو بمعنى أنّ زكريا كان يعلم بأجله متى يموت، فيتصدّق بماله قبل ذلك بسنة، مثلاً، وقد مرّ أنّ الأموال كانت تجبى إليه وقتاً بعد وقت.

ولعمري إنّ الداعي لنسج هذه الوجوه وصرف الآية عن ظاهرها هو تصحيح ما رواه أبو بكر في هذا المقام، ولولا هذا لما خطر في بال أحد واحدٌ من هذه الوجوه.

وبما أنّ ابن عاشور وقف على الحقّ وقوفاً نسبياً، فقد أنصف في المقام وقال: فقوله: (يَرِثُني) يعني به وراثة ماله. ويؤيّده ما أخرجه عبد الرزاق عن قتادة عن الحسن]البصريّ[ أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «يرحم الله زكرياء ما كان عليه من وراثة ماله». والظواهر تؤذن بأنّ الأنبياء كانوا يورَثون، قال تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ دَاوُدَ)
وأمّا قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم):«نحن معشر الأنبياء لا نوّرث ما تركنا صدقة» فإنّما يريد به رسول الله نفسه، كما حمله عمر في حديثه مع العباس وعلي في «صحيح البخاري» إذ قال عمر:

«يريد رسول الله بذلك نفسه» فيكون ذلك من خصوصيات محمد(صلى الله عليه وآله وسلم).

3 أقول: إنّ ابن عاشور وإن اعترف بظهور الآية في الوراثة المالية، لكنّه احتمل أن يكون ما في الرواية من خصائص النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن غفل عن أنّ الرواية ـ على فرض صحّتها ـ تعدّ وراثة المال من خصائص الأنبياء، لقوله فيها: «نحن معشر الأنبياء».

ثمّ إنّ السيد الآلوسي استدلّ على ما تبنّاه برواية الشيخ الكليني، قال: روى الكليني في «الكافي» عن أبي البختري، عن أبي عبد الله جعفر الصادق رضي الله عنه أنّه قال: «إنّ العلماء ورثة الأنبياء»، وذلك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً وإنّما ورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمَن أخذ بشيء منها فقد أخذ بحظّ وافر».

أقول: إنّ الآلوسي غفل عن مرمى الحديث ومفاده، فالحديث بصدد بيان أنّه ليس من شأن الأنبياء إيراث ورثتهم أموالاً طائلة وكنوزاً مكتنزة، وإنّما شأنهم التبليغ ومسؤوليتهم الإرشاد والتعليم وقد قاموا بها من خلال أحاديثهم.

وأمّا لو فرض أنّ نبيّاً ما، مات وعنده سجّادة أو إبريق أو عنده عباء وقباء، فهذا لا يورَث؟ فالرواية غير ناظرة إليه.
سورة مريم: الآيات 7 ـ 15 …

لو فرضنا أنّ الأنبياء لا يورَثون من غير استثناء، أفليس من واجب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذكر ذلك على رؤوس الأشهاد أو لا أقلّ من أن يذكره لأولاده وورثته قبل أن يذكره لأبي بكر، حتى لا يحصل نزاع بينهم بعد وفاته(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ولذلك نرى أنّ سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(عليها السلام)تحتجّ على أبي بكر في حرمانها من الإرث وتخاطبه بقولها: «يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً؟ أفعلى عَمْد تركتم كتابَ الله ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا(عليه السلام):(فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُني وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)»

📗 منية الطالبين في تفسير القرآن المبين ج١٧

شاهد أيضاً

قادتنا كيف نعرفهم (١)

دلالة الموضوع على الامامة واستند العلّامة الحلّي إلى ما رواه أحمد بن حنبل في (مسنده) ...