الحرب ضد “إسرائيل” هي انتصار للحياة، وحرب ضد ثقافة الموت. والاحتلال، أي احتلال، لم يتمكن يوماً من هزيمة الفرح والربيع!
مع أنه مؤلم، إلا أنه لم يكن غريباً. “إسرائيل” تقتل بعبث، لا لأنها تريد تحقيق أهدافها فحسب: إسكات الصحافيين في لبنان أو تهجير الناس في غزة. هي تفعل ذلك أيضاً لأنها تشعر بأن القتل مغامرة مثيرة وممتعة، ولأن القتل الذي لا يتردد ولا يميز في أهدافه يترك صورة بالقوة المتعجرفة تريدها “إسرائيل” عن نفسها. هذه هي تماماً ثقافة الموت، ولا شيء آخر سواها!
تاريخ “إسرائيل” الشاذ والمصطنع ينسجم تماماً مع هذا المبدأ (صناعة الموت كمغامرة مثيرة وانعكاس مرغوب للقوة). يشبه ذلك ما تبحث عنه التنظيمات التكفيرية من “القاعدة”إلى “داعش”. ألا تنطلي عمليات السيارات المفخخة وتفجير الأعراس والتجمعات المدنية على المبدأ نفسه، ولكن مع فارق تطور الأدوات والإمكانيات؟ من الغريب أن تغامر “إسرائيل” وتحاول تشبيه حماس بـ”داعش”، مع أن “حركات الشباب اليهود” التي نشأت في أوروبا وتمددت إلى منطقتنا كانت تبدأ بتدريب الأطفال -تحت سن العاشرة- على القتل!
يتساءل الكثيرون: ما الذي يدفع “إسرائيل” إلى أن تتحمل عبء الضغط الدولي لاستهدافها الصحافة والصحافيين وبث وسائل الإعلام، وكذلك اقتحامها المستشفيات، وأن تستمر في ذلك حتى بعد أن تخيب كل حججها في العثور على جزء من نفق أو أثر لأسير؟
لا يبدو فعل اقتحام المستشفى عملاً عسكرياً متقناً، ولا يخضع لأيّ بروتوكول ميداني. يبدو كفعل إجرامي يسعى لبث رائحة قوية للموت فقط: أطفال خُدّج تُفصل الأجهزة عنهم. جرحى لا يتبقى أمامهم الخيار إلا الموت في أماكنهم.
وفي صورة مقابلة ومتماثلة، استهداف الصحافيين ليس نتيجة فرعية أو ضرراً جانبياً لغارة عسكرية لها أهدافها المحددة، إنما استهداف مقصود ومضبوط أو جزء من ثقافة الدمار الكلاني والشامل (Collateral damage) التي تجرّ معها المساجد والكنائس والمستشفيات والكاميرات، والتي يريد الإسرائيلي أن يقول منها: “نعم، لا يهمنا أحد في عالم (الغوييم)، لا أمم متحدة ولا مجلس أمن ولا منظمات حقوقية، لأننا ببساطة نعتبر كل ذلك دوننا”.
هذه الغطرسة اليوم تعيش مسار الانتحار والهبوط الحاد باتجاه لحظته الحاسمة. لذلك، تجد الإسرائيلي ينثر رماد الموت أكثر، بقدر استطاعته، لأنه يعيش حالة إنكار لتطور مستويات المقاومة ضده من جهة أولى، وصدمة من الصعود الضمني والطبيعي للرواية الفلسطينية (والميادين جزء منها) من جهة ثانية.
التاريخ الإسرائيلي هو تاريخ صناعة الموت. فيه كان قتل الفلسطينيين وتهجيرهم، وفيه كان قتل العرب وإخفاء جثثهم، وفيه كان تعقّب الأوروبيين المتضامنين مع فلسطين وقتلهم أو تلفيق التهم لهم وجرّهم إلى المحاكم والسجون، وفيه وفيه الكثير.
كل ذلك لن يغير المصير الحتمي للاحتلال: الهزيمة والخروج والذوبان. كان الجميع يعتقدون أن بريطانيا العظمى لن تفك قيدها يوماً عن رقبة الهند، ولم يكن أحد يصدق أن تخرج فرنسا، وبعدها الولايات المتحدة، ذليلة من فيتنام، ولم يكن أحد يتوقع أن يسمع ما يسمع اليوم من تصريحات القيادات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر ضد الوجود الفرنسي على أراضيها، وسيصدق الجميع في نهاية الأمر أن أسوأ أشكال الاحتلال (الاحتلال الاستيطاني) سوف يصل إلى مصيره الحتمي.
جبهات إسكات صوت الموت الإسرائيلي تتوسع اليوم: غزة وجنوب لبنان في الواجهة الجغرافية القريبة، والعراق واليمن في الإسناد الأبعد جغرافياً والقريب وجدانياً.
الحرب ضد “إسرائيل” هي انتصار للحياة، وحرب ضد ثقافة الموت. أعرف الأداء الشجاع والنضالي للزميلين، ولم تسنح لي الفرصة الكافية لمعرفتهما شخصياً عن قرب، ولكن ما أعرفه جيداً، وعن قرب، أن الاحتلال، أي احتلال، لم يتمكن يوماً من هزيمة الفرح والربيع!