الرئيسية / الاسلام والحياة / في الاشارة إلى حب الدنيا

في الاشارة إلى حب الدنيا

والاحاديث في هذا الباب أكثر من أن تسعها هذه الأوراق ، فاذا علم أن حبّ الدنيا هو مبدأ ومنشأ جميع المفاسد فعلى الانسان العاقل المعتني بسعادته أن يخلع هذه الشجرة بجذورها عن القلب .

وأما طريق العلاج العلمي فهي أن يعامله بالضدّ فاذا كان تعلقه بمال ومنال فانه يقطع جذورها عن القلب ببسط اليد والصدقات الواجبة والمستحبة ، وان من اسرار الصدقات تقليل العلاقة بالدنيا ، ولهذا يستحبّ للانسان أن يتصدّق بالشيء الذي يحبّه ويتعلق قلبه به ، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم : ” لن تنالوا البّر حتى تنفقوا مما تحبّون ” . ( آل عمران 92 .)

وان كانت علاقته بفخر وتقدّم ورياسة واستطالة فليعمل ضدّها ويرغم النفس حتى تصير إلى الصلاح ، وليعلم الانسان أن الدنيا بمثابة أنه كلّما اتبعها أكثر وكان في صدد تحصيلها أكثر تكون علاقته بها أكثر ويكون

{ 103 }

أسفه على فقدانها أزيد ، فكأنّ الانسان دائما طالبك لشيء لا يناله فهو يظن أنه طالب للحد الفلاني من الدنيا فما دام فاقدا لذلك الحد فإنه يطلبه ويتحمل في سبيل تحصيله المشاق ويلقي بنفسه إلى المهالك ، وبمجرد أن ينال ذلك الحد من الدنيا يغدو في نظره أمرا عاديا . ويرتبط عشقه وعلاقته بشيء آخر فوق ذلك الحد فيتعب نفسه له ولا تطفأ نار عشقه أبداً بل تزداد اتّقادا يوما فيوما ويشتدّ تعبه ومشقّته أكثر وليس لهذه الفطرة والجبلة توقف أبدا ، وأهل المعرفة قد أثبتوا بهذه الفطرة كثيراً من المعارف بيانها خارج عن مجال هذه الأرواق ، وقد أشير إلى بعض هذه المطالب في الاحاديث الشريفة كما في الكافي الشريف عن باقر العلوم عليه السلام :

” مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القزّّ كلما ازدادت من القزّ على نفسها لفّا كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غماّ ” . وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال : ” مثل الدنيا كماء البحر كلما شربه انسان عطشان يزيد عطشه حتى يقتله ” .

فأنت يا طالب الحق والسالك إلى الله إذا طوّعت طائر الخيال وقيّدت شيطان الواهمة وخلعت نعليَ حبّ النساء والأولاد وسائر الشؤون واستأنست بجذوة نار العشق لفطرة الله وقلت اني آنست نارا ووجدت نفسك خاليا من موانع السير وهيّأت أسباب السفر فقم من مكانك واهجر هذا البيت المظلم للطبيعة والمعبر الضيق المظلم للدنيا واقطع سلاسل الزمان وقيوده وانج بنفسك من هذا السجن وأطر طائر القدس إلى محفل الانس .

توراز كنكره عرش ميزنند صفير ندانمت كه دراين دامكه جه افتاده   .                                             ( البيت للشاعر العارف الحافظ الشيرازي يقول :

تنادى من العرش العظيم ولا أدري       لماذا مقيم أنت في ذلك الفخ )

فقو عزمك وأحكم إرادتك فان أول شرط للسلوك هو العزم وبدونه لا

{ 104 }

يمكن أن يسلك طريق ولا ينال كمال ، والشيخ الأجلّ شاه آبادي ، روحي فداه كان يعبّر عنه بلبّ الانسانية بل يمكن أن يقال أن ، من احدى الجهات المهمة للتقوى والتجنّب عن المشتهيات النفسانية وترك أهوائها والرياضات الشرعية والعبادات والمناسك الالهية تقوية العزم وانقهار القوى الملكية تحت ملكوت النفس كما ذكر من قبل ، ونحن نختم الآن هذه المقالة بالتحميد والتسبيح للذات المقدسة الكبريائية جلّ وعلا وبالثناء على السيد المصطفى والنبي المجتبى وآله الاطهار عليم السلام ، ونستمدّ لهذا السفر الروحاني والمعراج الايماني من تلك الذوات المقدسة.

 

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...