الرئيسية / القرآن الكريم / أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

21)شرح مفردات الآيات

الجهر: “الجهر هو ظهور الصوت بقوة الاعتماد ومنه الجهارة في المنطق وجاهر بالأمر مجاهرة ويقال جهاراً ونقيض الجهر الهمس”[1].

 

الغض: الحطّ من منزلة على وجه التصغير له بحالة، يقال: غض فلان عن فلان إذا ضعف حاله عن حال من هو أرفع منه، وغضّ بصره إذا ضعف عن حدّة النظر، وغضّ صوته إذا ضعُف عن الجهر[2]. “هو كفّ في خفض. ومن مصاديقه: الكفّ مع خفض في الصوت، وفي النظر، وغير ذلك…”[3].

 

الحبط: هو السقوط مع المحو، كما أنّ الحطَّ والحتّ معناهما السقوط المطلق، والبطلان ما كان على خلاف شرائط الصحّة وخصوصيّاتها وهو في مقابل الحقّ. والهدر ما لم يكن له نتيجة ولا عائدة. والفساد ما يكون فاقداً لشرط الصحّة حتّى يفسد[4].

 

المعنى التفصيلي

الآية الكريمة هي استمرار للسورة في تحديد النهج السلوكي الأدبي الأخلاقي مع القيادة، فتثير نقطةً أخرى حين تمنع عن واحد من سلبيات التخاطب بين الناس، فضلاً عن سلبيته إذا كان تخاطباً مع القيادة.. فكيف إذا تمثّلت القيادة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

 

وهنا تُكرّر الآية النداء ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾.. من خلال إثارة النزعة الإيمانية.. التي يحملها المسلم في داخله لتوحي له بضرورة التزامه بمستلزمات الإيمان.. التي من ضروراتها حسن التعامل مع القيادة.. والتخاطب معها بالأسلوب المهذّب الهادئ.. بل التخاطب مع الناس بشكل عام.. إذ أنّ القرآن يُشدّد في بعض المواضع.. على التزام الأسلوب الهادئ في التعامل والتخاطب.. لأنّ رفع الصوت.. من تأثيرات حالة العنف التي يعيشها المتكلّم غالباً.. وهي حالة يرفضها الإسلام.. كخُلق وطريقة حياة.. حتى عندما يواجه الإِنسان أخطاء الآخرين معه.. وإساءتهم له.. ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾[5]، فالإسلام أراد للإِنسان أن يكون موضوعياً في تفكيره.. وفي معالجته للقضايا مع الآخرين.. انطلاقاً من أنّ هدوء الأسلوب.. أقرب لإِقناع الخصم.. بالرأي المطلوب إيصاله.. والفكرة المطلوب تبنّيها والدفاع عنها.. ثم إنّ العنف في أكثر الأحيان.. يُثير العنف المقابل لدى الآخرين. وفضلاً عن كونه أسلوباً مؤذياً.. وانطلاقاً من هذا.. نهى القرآن عن رفع الصوت.. وأعطاه الصورة المقيتة، حين ذكر على لسان لقمان ما يعظ به ولده.. ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾[6].

 

إنّ خفض الصوت من آثار حالة الرفق التي يدعو إليها الإسلام.. كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: “قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يُوضَعْ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا زَانَه ولَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَه”[7]. وعَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: “قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم لَوْ كَانَ الرِّفْقُ خَلْقاً يُرَى مَا كَانَ مِمَّا خَلَقَ الله شَيْءٌ أَحْسَنَ مِنْه”[8].

 

المهم.. أنّ الآية تشير إلى جانب آخر من حالات الأدب مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومع القيادة الإسلامية الشرعية فتفرض التعامل بأسلوب الاحترام والأدب إذ لا بد من حفظ حرمة القيادة.. ليكون لها تأثيرها في الوسط الشخصي والاجتماعي.. فلا يتم التعامل معها.. بأسلوب التعالي عليها ولو من خلال رفع الصوت.. بالطريقة التي يتعامل بها الإنسان مع أمثاله ونظرائه من حيث الموقع الاجتماعي أو العلمي.. ﴿وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾.

[1] تفسير غريب القرآن، فخر الدين الطريحي، ص 232.

[2] التبيان في تفسير القرآن، محمد بن الحسن الطوسي، ج9، ص 341.

[3] التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج7، ص 235.

[4]  التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج2، ص 159.

[5]  سورة المؤمنون، الآية 96.

[6] سورة لقمان، الآية 19.

[7] الكافي، الكليني، ج2، باب الرفق، ح6، ص 119.

[8] الكافي، الكليني، ج2، باب الرفق، ح13، ص 120.

كما أنّ الأسلوب الخارجي للتعامل.. يعكس حالة التأثّر النفسي بالقضية أو بصاحب القضية فإنّ من مؤشّرات التقديس والتعظيم والاحترام للشخص.. غضّ الصوت والتزام جانب الهدوء واللياقة في حضرته.. ثم إنّه من الطبيعي.. أنّ تقديس الرسالة.. ينعكس عفوياً.. تقديساً للرسول، وتقديسه النفسي لا بد أن ينطبع على السلوك والتعامل الخارجي معه.

 

ثم تشير الآية إلى نقطة أخرى..حين تحذّر من إهدار قيمة العمل الذي قدّمه الإِنسان بسوء التعامل مع القيادة المتمثّلة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم.. وبعدم التزام هذا الجانب الأدبي وحين تحذّر من إحباط وإبطال الأجر والحسنات التي اكتسبها الفرد من خلال عمله الإيماني المتقدّم فتقول: ﴿أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ أي

 
كراهة أن تحبط، لكي لا تحبط، والحبوط هو البطلان والإِسقاط الذي قد يحصل دون شعور من الإِنسان ممّا يعني تضييع الأجر والحسنات التي يحتاجها عندما يواجه حساب الله سبحانه[1].

[1] والمعروف بين الفقهاء من الفريقين، وبين المفسّرين والمحدّثين، أنَّ رفع الصوت مُحرَّم في محضر الرسول حياً وميتاً، فكما لا يجوز للمؤمن أن يرفع صوته في محضر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو حي، كذلك لا يجوز له أن يرفع صوته عند قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فالحكم بالحرمة ثابت في حياته ومماته على حدٍّ سواء. 

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...