المقدمة
لو ألقينا نظرة إجماليّة على محتوى “نهج البلاغة” والأمور الّتي تحدّث عنها الإمام عليّ عليه السلام فسيظهر لنا بوضوح من خلال ما اشتمل منها على موضوعات الحكم وإدارة الدولة الإسلاميّة وملحقاتها من قضاء ومسؤوليّة القيادة والشعب والأمور الاقتصاديّة أنّها موضوعات مرتّبة ومنظَّمة. فمن المسائل الّتي طرحها أمير المؤمنين عليه السلام وتحدّث حولها كثيراً مسألة الحكومة والعدالة، وقد أولاهماعليه السلام اهتماماً استثنائيّاً قياساً على غيرهما من المواضيع.
وقد تأثّر هذا الطرح ربّما بالظروف الّتي كانت سائدة إبّان فترة حكمه خصوصاً وبشكل أشمل خلالها وقبلها.
وقد يحمل هذا الأمر بعض الناس على التعجّب كون الإمام عليه السلام بنظرة أوّليّة رجلاً طبعت صورته في الوجدان الدينيّ، وهذه الأمور السالفة الذكر كلّها من الدنيا وهمومها وانشغالاتها.
لكنّ الإسلام حقيقةً هو دينٌ ونظام يحتوي على مناسك وعبادات وسلوكيّات وأخلاقيّات وعقائد وهو أيضاً يحتوي على قانون ونظام ودستور لحياة الأفراد والجماعات. وأمير المؤمنين عليه السلام ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ الطفولة وحتّى الرحيل إلى بارئه. وقد أفرغ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في وعاء أمير المؤمنين عليه السلام كلّ معالم الإسلام في الدين والدولة وأفرغ فيه كذلك أصول الدين وفروعه ومفاهيمه
وأحكامه…
وصحيح أنّ ما روي عن الإمام عليه السلام من نصوص فيما يخصّ الحكم والحكومة صادر في ظرفٍ معيّن، وفي مجتمعٍ معيّن، وفي بيئةٍ معيّنة إلّا أنّ نصوصه شأن نصوص الإسلام كلّها، اتّخذت من الواقع والوقائع، والحوادث الطارئة منطلقاً لكنّها لم تكن أبداً أسيرة هذا الواقع وهذه الوقائع وإنّما سنّت القوانين وبيّنت المفاهيم ورسمت الحدود للبشريّة إلى يوم القيامة.
وحيث إنّ أكبر مرجع لكلمات أمير المؤمنين عليه السلام كان وما يزال هو “نهج البلاغة”، حاولنا في هذا الكتاب الإطلالة على بعض المواضيع من هذا الكتاب العظيم، الذّي يعدّ في التراث الإسلامي الثاني بعد كتاب الله العزيز، لما فيه من مضامين عالية ورفيعة، ولاحتوائه على جوانب عدّة في مجالات الحياة.
ونحن إذ نضع هذا الكتاب بين يدي الأساتذة الكرام، والطلّاب الأعزّاء علّنا نروي بعض عطشهم، ونسدّ بعض جوعهم، وتطلّعهم إلى كتاب نهج البلاغة، وكلّنا أمل أن يُتحفونا بملاحظاتهم واقتراحاتهم عسى بذلك أن يكتمل العمل وننال رضى صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
مركز نون للتأليف والترجمة