ما اصطلحنا على تسميته، قبل مئة عام، بعصر الانحطاط، لم يكن في الواقع أكثر من عصر انحدار، أمّا عصر الانحطاط فنحن نعيشه اليوم بكلّ تفاصيله. صحيح أنّ الجهل والفساد والفقر والتخلف كانت الميزات الرئيسة لذاك العصر، ولكن كان عندنا، على الأقلّ كرامة.
كرامة تمسكنا بها، ودافعنا عنها. سعينا بسواعدنا وأقلامنا، وأحياناً بدمائنا، للخروج من المآزق المتعدّدة التي فرضتها علينا الإمبراطورية العثمانية بشراكة مكشوفة مع الدول الكبرى آنذاك، ولمدّة أربعمئة عام.
لم يكن عندنا نفط، ولا غاز، ولا أبراج عالية يعجز الفقراء عن رفع رؤوسهم للتمتع بها، بل كان عندنا تاريخ حضاري، وابتكارات تميّزت بالإبداع بدءاً من حمورابي إلى أوغاريت إلى بعلبك إلى تدمر إلى جبيل.
اليوم صرنا خدماً في دول تشترينا في الصباح وتبيعنا في المساء. نحن عصر الانحطاط!
لا أبالغ… بلى… نحن عصر الانحطاط.
يكفي أن تشرب قهوة الصباح مع إحدى الفضائيات العربية المرسملة بأموال أمراء النفط لتدرك أننا لسنا في عصر الانحطاط فحسب… نحن الانحطاط ورمزه. والعنوان: من المحيط إلى الخليج.
يدخل المغول إلى تدمر، تماماً كما دخل اليهود إلى فلسطين، ويضعون يدهم على أحد أعظم الآثار العمرانية، وعلى ذاكرة الملكة زنّوبيا التي روّعت الروم ولم تركع، يدخلون ويذبحون ويدمّرون فيما النشرات الصباحية منهمكة، في أكثرها، بإحصاء لشهداء اليمن يسمّونهم قتلى ، وبالإشادة بالقوات الحليفة العربية طبعاً القادرة على قتل الأطفال والنساء، وعلى تدمير البنى التحتية لليمن الذي كان سعيداً من دون أن يرفّ لها جفن.
يدخلون إلى تدمر والموظّف نبيل العربي لم يتحرّك ويدعُ، ولو لرفع العتب، أعضاء مجلس جامعة الدول العربية لعقد اجتماع يتخذون فيه موقفاً أخلاقياً لا نطالبهم بموقف سياسي غير قادرين أصلاً على اتخاذه يدين ما حدث، وما يمكن أن يحدث، في تدمر. من لديه الجرأة على أن يحصي عدد القتلى الذين سقطوا في الصراعات التي وقعت بين الدول العربية منذ أن «منحت» استقلالها حتّى اليوم؟
من لديه الجرأة من الساسة اللبنانيين الذين هلّلوا لاستيلاء «داعش» على تدمر، أن يسألوا أنفسهم: ماذا سيفعلون إذا استيقظوا ذات صباح ورأوا «داعش» في جبيل أو في بعلبك أو في قلعة المسلمين في طرابلس؟
حتماً… سيكونون، وهم يحملون جنسيات متعدّدة، خلال ساعات في باريس ولندن و… و…
دخلوا تدمر، وما زلنا مشغولين بتصنيف المعارضات السورية إلى معتدلة ومتطرفة، وما زال ميشال كيلو وجورج صبرا وصادق جلال العظم وغيرهم من «المثقفين» مصرّين على وقوفهم إلى جانب «الثورة» و«الثوار» و«الحرية» و«السيادة» و«الديمقراطية».