قصة تأجيل تنفيذ إحكام الإعدام بحق أبشع الإرهابيين في تاريخ العراق والعالم اصبحت مأساوية ومثيرة للحزن وشاهدا على العجز الخطير الذي يضرب مؤسساتنا القضائية والتنفيذية, حين يصبح أكثر الإرهابيين إجراما وخطورة ضيوفا دائميين على الحكومة.. يقبعون في سجونها المريحة والمزودة بجميع سبل الرفاهية من طعام وشراب واجهزة تكييف واتصال مع العالم الخارجي مع ترك موعد مغادرة هؤلاء المجرمين السجن عند اقرب هجوم ارهابي يتعرض له السجن ليعودوا الى أحضان منظماتهم الارهابية الام ويمارسوا وظيفتهم المعتادة في قتل وذبح الآلاف منا بدم بارد من دون ان يرف جفن أي مسؤول في الدولة و يقدم لنا تفسيرا واحدا لمسلسل العجز الطويل والمزمن في حسم ملف الإعدامات المتعطل منذ سنوات.
اكثر من 800 الف مواطن عراقي سقطوا بين شهيد وجريح على مدار السنوات الـ 12 الماضية, فضلا عن الملايين الذين هجروا من بيوتهم ومناطقهم قسرا وعدد كبير آخر اجبر على ترك ممتلكاته وأمواله من دون ان يسمح له بأخذ أي منها، هؤلاء الضحايا والمشردون الذين فقدوا أموالهم وذويهم بسبب حرب ضارية قامت بها عصابات إرهابية أفرادها خليط من جماعات محلية ومجرمين قادمين من عدة بلدان من الخارج،
وهؤلاء هم من قام بتهجير السكان وسبي النساء وقتل الاطفال والرجال والنساء وإحراق المساجد والأضرحة والمقامات واستولى على المصارف وحقول النفط وهم من ادار حرب استنزاف ارهابية خطيرة ما زلنا نتعرض لها كل تلك المدة الطويلة وتسببت بتعطيل التنمية وفي زيادة أعداد الارامل واليتامى, فضلا عن المآسي الاجتماعية الخطيرة الاخرى, كل ذلك لم يكن دافعا قويا لوضع حد للارهاب من قبل مسؤولي الحكومة المعنيين بملف التعامل مع الارهاب,
حين يستخفون بتلك المعاناة والآلام عندما يقدمون لهؤلاء الارهابيين الفرص المجانية للافلات من العقاب تارة بالاحكام المخففة التي لا تتناسب مع حجم الجرم ومرة اخرى بإبقائهم في الزنازين مددا طويلة من دون انزال القصاص العادل بهم نتيجة لاحكام اجرائية وروتينية لا داعي لها تقدم للإرهابيين فرصة كبيرة للإفلات عندما تتعامل مع نص قانوني يعتبر اعتراف الارهابي امام قاضي المحكمة وحده دليلا على ادانته وليس امام قاضي التحقيق مع منحه الحق في اعادة محاكمته مرة اخرى عند الطعن بالحكم الصادر بحقه.
لقد خسرنا نتيجة لتلك السياسة المتماهلة والمتسامحة مع الارهاب الكثير من الفرص لتحجيم الارهاب واضعافه, حين تركنا عتاة المجرمين والقتلة – وقسم كبير منهم بذلت الاجهزة الامنية الدماء للايقاع بهم – يقيمون في السجون من دون عقاب او مساس حتى جاءتهم الفرصة للافلات عندما تعرضت تلك السجون لهجمات اقتحامية وبطريقة غريبة سمحت لهم بالفرار والعودة الى عالم الارهاب والجرائم والفتك البشع,
بل وتأسيس تنظيمات ارهابية توغلت عميقا في ارتكاب الجرائم وسفك الدماء وانتهاك الحرمات مثلما حصل عند اعلان تأسيس المنظمة الارهابية “داعش” التي استفادت كثيرا من 5000 ارهابي كان نصفهم محكوما بالاعدام وينتظر تنفيذ الحكم به , حين هربوا اليها من تلك السجون المريحة بعد سنوات من المماطلة والتأجيل في تنفيذ الاحكام الصادرة بحقهم . التعامل مع ملف خطير يهدد الامن الستراتيجي للبلاد لا يكون في تبادل القاء التهم والمسؤوليات بين الاطراف السياسية في الحكومة وايجاد المبررات والاعذار وجعل التقصير وعدم اللامبالاة والابتعاد عن الواقع والركون الى حسابات وتقديرات خاطئة امرا وثقافة شائعة ومقبولة من قبل الرأي العام والوسط السياسي, بل في الشعور
الحقيقي بالمسؤولية وتقدير خطورة التهاون في التعامل مع ملف الارهاب والارهابيين وما يجره ذلك من عواقب لا تحمد عقباها مستقبلا.
ان التعامل الملائكي والنبيل مع ابشع الارهابيين واكثرهم دناءة وانحطاطا فجعوا البيوت العراقية بابنائها وحطموا سعادة تلك الاسر عندما جعلوا ايام الزوجات والابناء والآباء والامهات كوابيس مظلمة وحولوا حياتهم الى حطام ذكريات قديمة وبقايا صور تذكرهم بأحبتهم، هو امر لا يفهمه هؤلاء المجرمون الذين يتباهون بأعمالهم تلك ويفخرون بها وليس لديهم ادنى شعور بالذنب تجاهها.
الارهابيون السجناء في العراق ليسوا لصوص سيارات او منازل عاديين دفعت بهم ظروف المعيشة والحياة القاسية لارتكاب تلك الجرائم او هم اشخاص بسطاء جاءت بهم الشرطة بسبب مشاجرات او نزاعات شخصية عنيفة, بل هم قتلة متوحشون فاقوا حتى هولاكو بوحشيته واجرامه بأحزمتهم الناسفة وسواطيرهم وسكاكينهم حين ينحرون الضحايا ويحرقونهم وهم احياء امام كاميرات التلفاز وكأنهم يمثلون مشهدا سينمائيا.
يصدمنا المسؤول ويجلدنا بقسوة حين يمتنع عن المصادقة على إعدام هؤلاء المجرمين لأسباب تتعلق بانضمامه لمعاهدة دولية تناهض أحكام الإعدام وحين يجد المبررات الأخرى التي تلطف وتجمل امتناعه عن ذلك, لكن الاقسى من ذلك ان يبقى الوضع على ما هو عليه, حين يحال ملف اعدام هؤلاء المجرمين الى مسؤولين لا يقومون بإعدامهم ويتواطأ مسؤولون واعضاء نيابيون آخرون معهم بصمتهم حين يكتفون بالمناسبات بتصريحات تنتقد ذلك من دون ان تبادر فعلا الى الغاء هذه الخطوة وجعل وزير العدل هو وحده من يصدر الاوامر بتنفيذ تلك الاحكام و الغاء شرط مصادقة رئيس الجمهورية على مراسيم الاعدامات.
جميع الدول في العالم تكيف قوانينها واجراءاتها للحد من خطر الارهاب وحماية شعبها إلا نحن فحتى الآن ما زلنا مصرين على محاكمة الإرهابيين في محاكم جنايات عادية وليس أمام محكمة متخصصة بقضايا الإرهاب وما زلنا نسمح لهم بأن يطعنوا ويستأنفوا ويوظفوا مافيات تعمل في الظلام وتتحرك لانقاذهم واطلاق سراحهم, بل وقتل القضاة الذين يقفون في طريقهم.
الاردن على سبيل المثال هي دولة صديقة للغرب ولها نظام برلماني دستوري, لكنها مع ذلك تتعامل مع الإرهاب بصرامة عندما تحيل قضايا الارهاب الى محكمة عسكرية يديرها قضاء عسكري احكامه غير قابلة للنقض باعتبار ان جرائم الارهاب تمثل تهديدا للامن الوطني للبلاد وهي لا تعتبر جرائم عادية يمكن التعامل معها على انها جرائم جنائية مدنية لا تشكل تهديدا خطيرا للأمن والاستقرار.
عجزنا المزمن عن معاقبة هؤلاء الإرهابيين المجرمين لا يقتصر على العراقيين منهم, بل يصل الى الارهابيين العرب الذين يبلغ عددهم المئات وبقاؤهم احياء رغم ادانتهم قضائيا يمثل عامل ضغط على الحكومة العراقية, حين تساوم دولهم على اخراجهم مقابل تحسين العلاقات مع العراق, اذ تتجاهل دولهم وعن عمد اسباب قدومهم وتوغلهم بسفك الدم العراقي حين تصر على براءتهم واخراجهم من السجون مما يعكس استهانة ليس بالضحايا وذويهم, بل بالحكومة نفسها حين تقايض الاعتراف الدبلوماسي بإخراج ارهابيين وقتلة ومنحهم صكوك البراءة عن جرائمهم،
وارتفاع عدد الارهابيين العرب الموجودين في سجوننا يفضح دور دولهم التي تتواطأ معهم , حين تسمح لمنظمات وجمعيات واشخاص بإدارة عملية تجنيد شبان واقناعهم بالذهاب الى العراق لقتل أفراد القوات الامنية والمواطنين فيه, فضلا عن عمليات الدعم المالي ونقل الأسلحة الى داخل العراق لدعم التنظيمات الإرهابية التي تعمل بداخله وبدلا من ان تعتذر تلك الدول لنا عن أفعال إرهابييها, نجدها تشن حملات إعلامية تتهم الحكومة العراقية بانتهاك حقوق اولئك السجناء المجرمين رغم ان هذه الدول تتصدر قائمة الدول الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان في العالم.
الإبقاء على آلاف الإرهابيين المدانين بإحكام الإعدام في سجوننا احياء يمثل إساءة لضحايانا وشاهدا على ضعف الدولة وانقسامها حين ترتبك وتعجز عن معاقبة مجرمين أثبتت الوقائع والأدلة مدى إجرامهم وبشاعتهم.