تأتي الزيارة الأخيرة لوفد حماس إلى الرياض برئاسة خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي، وعضوية نائبه موسى أبو مرزوق وقياديين آخرين هما صالح العاروري ومحمد نزال، بعد ثلاث سنوات من القطيعة، لتشكّل إنفراجة نوعية في العلاقة بين الجانبين. وبصرف النظر عن عرّاب الحج السياسي الذي تخلّله حج ديني( أداء مناسك العمرة وصلاة العيد)، سواء كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، أو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو أي طرف آخر، فإن الزيارة حملت في طياتها تكلفة للحركة، مقابل الحصول على بعض الإمتيازات.
عندما يستقبل الملك السعودي أي طرف بعد فترة من القطيعة، فهذا يعني وجود نيّة حقيقية لدى السعودية لإعادة بناء جسور التواصل، وهذا بالفعل ما حصل مع حرکة حماس مؤخراً، إذ يؤكد لقاء وفد حماس مع الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن نايف وولي ولي عهده الأمير محمد بن سلمان ورئيس الإستخبارات السعودي خالد بن علي بن عبدالله الحميدان، وجود نقلة نوعية في العلاقة بين الجانبين، ما يدفعنا للتساؤل عن أبعادها والنتائج المترتبة عليها. فما هي أهداف زيارة حماس إلى الرياض؟ وما هي النتائج المترتبة عليها، أو بالأحرى ما هي التكلفة التي قد تطلبها السعودية مقابل إعطاء حماس بعض الإمتيازات؟
أبعاد الزيارة
قبل الدخول في تحليل أبعاد وأهداف الزيارة إلى الرياض، نود التأكيد مسبقاً على أننا من دعاة أن تبذل كافّة القوى الفلسطينية قصارى جهدها خدمةً لقضيتها المحقة، وهو ما يتقاطع بشكل كبير مع ما أخبره الرئيس الأسد لمشعل عندما أراد الدخول في وساطة بين النظام وجماعة الإخوان في سوريا، فقد أجابه الرئيس الأسد حينها: أنت فلسطيني ومقاوم، وأطلب منكم بألا تتدخلوا في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي.. عليكم أن تحافظوا على هدف أوحد، وهو أن يكون الجميع معكم، لا تخسروا طرفا على حساب طرف آخر؛ فقضيتكم بحاجة لجهد الجميع، فلا أرى أنه من الضرورى أن تتدخلوا بالشؤون الداخلية لأي بلد”، فهل تدخل زيارة حماس إلى الرياض في هذا السياق؟ نسأل الله ذلك.
أعطت السعودية إمتيازات مستعجلة لحماس، فقد أمر الملك سلمان بإطلاق سراح معتقلي حركة “حماس” بالسعودية، بعد ساعات من لقائه مشعل ووفد الحركة، وبينهم قيادي، كانوا معتقلين في السعودية منذ ثلاث سنوات على خلفية جمعهم تبرعات للحركة والمقاومة في غزة، فيما اعتقل بعضهم قبل نحو عام حينما أصدرت السعودية قراراً اعتبرت فيه جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً. كذلك تناقلت وسائل الإعلام أنباء عن طلب مشعل من الملك السعودي الضغط على الرئيس عبدالفتاح السيسى لوقف أحكام الإعدام التي صدرت في حق محمد مرسي، الرئيس المعزول، وعدد من قيادات الإخوان، إضافةً إلى الحديث عن طلب الوفد من السعودية الضغط على مصر لتسهيل عملية فتح المعابر مع قطاع غزة والسماح بدخول البضائع والأفراد. يبدو أن حماس لم تتعلم من خطأها السابق في سوريا، بل إن الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان، يركز على تحقيق أهداف الجماعة، بدلاً من أن يركز على المصالحة وتحرير الأراضي الفلسطينية، حتى أن إهتمامها بالملف المصري، بات يوازي أو حتى أكثر من اهتمامها بالشأن الداخلي الفلسطيني، ولكن ما هي النتائج المترتبة على تقاربها مع السعودية؟
التكلفة والنتائج
لم تكن السعودية لتعيد علاقاتها مع الجماعة لولا مصلحتها التكتيكية، لا الإستراتيجية في ذلك، إذ أن البعض يتحدث عن خطة سعودية لـ”لم الشمل” بعد الإتفاق النووي مع طهران حيث تأتي الزيارة بعد يومين فقط من تحقيق طهران إنجازاً مهماً تمثل في توقيع الاتفاق النووي مع القوى الكبرى، وبالتالي سحب حماس من الفلك المقاوم عموماً، والإيراني على وجه الخصوص، فهل يعود هذا الأمر بأي فائدة على القضية الفلسطينية؟
حماس لم تكن لتحصل على إمتيازات “السجناء” لولا تأييدها للعدوان السعودي على اليمن، حتى أن المغرد السعودي “جمال بن”، كشف السبت عن أن مشعل رد على طلب سلمان بإخراج ٧٠٠ مقاتل من غزة ونقلهم للسعودية، بأن هذا “سيحدث فراغاً أمنياً في غزة يمكن لـ”تنظيمات تابعة ﻹيران من الإنتشار في القطاع، واعلن استعداده أن يتكفل بتدريب الجيش السعودي على التقنية القتالية التي حصل عليها من حزب الله، بدلاً من نقل مقاتلين فلسطينيين للسعودية. وهذا ما تم رفضه مباشرةً من قبل السعودية”، فهل تدريب القوات السعودية لمواجهة الشعب اليمني المظلوم يخدم القضية الفلسطينية؟
قد تكون حماس حالياً أمام خيار بالغ الصعوبة إذاما قرّر المكتب السياسي الإبتعاد عن الفلك المقاوم وإيران، لأن التجربة أثبتت أن طهران هي الثابت الوحيد في دعم القضية الفلسطينية، إضافةً إلى وجود تيار في غزة يتزعمه محمود الزهار وبعض قادة كتائب القسام، يرغب في استمرار العلاقة مع طهران، ولكن هل يعوّل خالد مشعل “المقاوم” على بلد وضعه على لائحة التنظيمات الإرهابية قبل فترة؟
نقلاً عن موقع الوقت