01بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الهداة وصحبه الميامين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم
الدين .
الإهداء
إلى صاحب التربة الدامية الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله :
” حسين مني وأنا من حسين ” وإلى روح فقيد الإسلام الأميني رضوان الله عليه .
مقدمة
إن الشيعة الإمامية الذين أظهروا حبهم وولاءهم لأهل البيت استجابة لقوله
تعالى ” قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ” أخرج الإمام أحمد والطبراني
والحاكم عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال لما نزلت هذه الآية قالوا يا رسول
الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله : علي وفاطمة وابناهما ( 1 ) وإكبارا لمقامهم لقوله تعالى ” إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ” روى الترمذي عن عمر بن أبي سلمة
ربيب النبي صلى الله عليه وآله قال : لما نزلت هذه
الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت في بيت أم سلمة رضي الله عنها
دعا فاطمة وحسنا وحسينا وجللهم بكساء وعلي خلف ظهره ثم قال ” اللهم هؤلاء
أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ” ( 1 ) .
هؤلاء الشيعة يسجدون على قطع من الأرض مقولبة يحملونها معهم والتربة
الحسينية وهي عبارة عن تراب أخذ من أرض كربلاء الشاسعة المترامية الأطراف
للسجود عليها لا كما يظن البعض أنها من تراب مزج بدم الإمام الحسين عليه
السلام ولكن هذه الإضافة أكسبتها شرافة كالإضافة إلى سائر المقامات العالية
وجرى العقلاء على الاهتمام بهذه الأمور الاعتبارية والشيعة الإمامية اعتادوا
السجود على التربة الحسينية حيث اجتمعت فيها كل الشروط التي يجب توافرها في
مسجد الجبهة من طهارة وإباحة إلى آخر الشروط المقررة في الموسوعات الفقهية
وقد أجمع فقهاء الأمة الإسلامية على أن السجود على الأرض هو الأفضل فحملها
البعض منهم
معه رعاية للاحتياط وحرصا على الأفضلية لأن البيوت اليوم والأماكن العامة
كسيت أرضيتها بأبسطة قطنية أو بالسجاد الصوفي أو مسقلبة أو معبدة بما يخرجها
عن كونها أرضا فيقع المصلي بين محذورين إما فوات الأفضلية أو بطلان الصلاة
كما سيأتي ، ولم يكن السجود على التربة عند الشيعة من الواجبات في الصلاة ولذا
نراهم في المسجد الحرام وفي مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يسجدون على
قاع المسجد لأن أرضية المسجدين الشريفين مبلطة بالحجر الطبيعي أو مفروشة
بالحصى وكل منهما يسمى أرضا ويصح السجود عليه ولكن من المؤسف أن بعض
إخواننا المسلمين يرمي الشيعة بالشرك والمروق عن الدين لسجودهم على هذه
القطعة من الأرض وقد قال تعالى ” ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا
( 1 ) ” .
فكيف بمن يشهد الشهادتين ويؤدي الصلوات الخمس ويحج البيت الحرام إلى
آخر فروع الدين وهل أن الاختلاف في الفروع الفقهية يوجب الخروج عن الدين
والكفر بسنة سيد المرسلين في حين نرى أن المذهب الواحد قد يختلف فقهاؤه في كثير من الفروع
الفقهية لأن كل فقيه يفتي بما يؤدي إليه نظره وما أدى إليه نظره فهو حكم الله
الظاهري في حقه وهكذا بالنسبة إلى الفقيه الآخر ولا نرى أن أحدهما يكفر صاحبه
بل قالوا من أخطأ فله حسنة ومن أصاب فله عشر حسنات والشيعة الإمامية تضع
جباهها على التربة الحسينية لأنها أرض طبيعية والأرض أفضل المساجد وقد صح
عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال ( جعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا ) ( 1 )
ولو كان الشيعة يسجدون لها لكانوا يسجدون دونها لا أن يضعوا
جباههم عليها وهناك فرق بين السجود لها والسجود عليها وليس كل مسجود
عليه معبودا وإلا لكان الساجد على البساط ساجدا له والساجد على السجاد عابدا
له وهكذا . .
. في حين لا يقول بذلك أحد وما أفاده العلامة المغفور له الشيخ عبد
الحسين الأميني طاب ثراه ( مؤلف موسوعة الغدير الكبرى ) في محاضرة ألقاها في
سوريا وهي التي بين يديك – قارئي العزيز – يغني طالب الحقيقة ومن
أراد أن يطلع على هذه المسألة الفقهية الهامة وقد خاض قدس سره في كل المسانيد
والصحاح وأمهات الكتب الفقهية ثم عرض علينا في محاضرته هذه زبد هذا
المخاض من الأحاديث الواردة في هذا الباب وناقشها مناقشة علمية ينجلي فيها
الريب عن كل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وصنف
ما ورد من أحاديث في السجود إلى ثلاثة أقسام
( 1 ) السجود على الأرض
( 2 ) السجود على النبات
كالحصير والفحل ( حصير كبير مصنوع من سعف النخل ) والخمرة ( حصير صغير
من سعف النخل يتخذ للصلاة )
( 3 ) السجود على الثياب القطنية أو الصوفية ،
وسلط الأضواء على هذا القسم الثالث وكانت روايات هذا القسم يفسرها ظرفها
حيث كانت جميعها إلا ما شذ صريحا في أن السجود على الثوب كان أما في
صيف قائظ شديد الحر أو في برد قارس يتعذر أو يتعسر مباشرة المصلين فيه للأرض
اللاهبة أو القارسة وقاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام لها الحكومة على سائر
الأدلة كما يقول الفقهاء وما ينجم عنه الضرر يحرم فعله ومن هذا نعلم أن السجود
على الصوف أو القطن اختيارا يوقع المسلم في
حيرة من أمره لأن ذلك لا يجوز على أساس أن العبادات توقيفية فالتعدي عنها إلى
غيرها إدخال ما ليس من الدين في الدين وهو بدعة محرمة وأمر محدث وقد ورد
عنه صلى الله عليه وسلم شر الأمور محدثاتها وسوف يأتي تفصيل ذلك .
وهناكفيض من روايات جاءت في كراهة نفخ موضع السجود غصت بها كتب الحديث
تفيدنا أن المسلمين ما كانوا يسجدون على غير الأرض وغير الحصر النباتية وإليك
قارئي الكريم بعضا منها . . . فقد أورد الإمام مالك بن أنس في الموطأ قال ( 1 ) (
حدثني يحيى عن مالك عن أبي جعفر القارئ أنه قال رأيت عبد الله ابن عمر إذا
هوى ليسجد مسح الحصباء لموضع جبهته مسحا خفيفا ) .