الصحيفة الثانية
في أول من صنف في القراءة ودون علمها وأول من جمع القراءات
فاعلم أن أول من دون علم القراءة أبان بن تغلب الربعي أبو سعيد، ويقال أبو أميمة الكوفي، قال النجاشي في فهرس أسماء مصنفي الشيعة: كان أبان رحمه اللّه مقدما في كل فن من العلم، في القرآن، والفقه، والحديث، ولأبان قراءة مفردة مشهورة عند القراء، ثم أوصل إسناده عن محمد بن موسى ابن أبي مريم صاحب اللؤلؤ عن أبان في رواية الكتاب، قال وأوله إنما الهمزة رياضة إلى آخره، وقد ذكر ابن النديم في الفهرست تصنيف أبان في القراءة.
قال: وله من الكتب «معاني القرآن» لطيف، «كتاب القراءة»، «كتاب من الأصول في الرواية على مذهب الشيعة» انتهى.
وبعد أبان صنف حمزة بن حبيب أحد القراء السبعة «كتاب للقراءة»، قال ابن النديم في الفهرست: كتاب القراءة لحمزة بن حبيب، وهو أحد
[ 28 ]
السبعة من أصحاب الصادق، انتهى.
وقد ذكره الشيخ أبو جعفر الطوسي في كتاب «الرجال» في أصحاب الصادق أيضاً، ووجد بخط الشيخ الشهيد محمد بن مكي عن الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن الحداد الحلي ما صورته: قرأ الكسائي القرآن على حمزة، وقرأ حمزة على ابي عبد اللّه الصادق، وقرأ عن أبيه، وقرأ على أبيه، وقرأ على أبيه، وقرأ على أمير المؤمنين علي.
قلت: وحمزة على الأعمش أيضاً، وعلى حمران بن أعين، وهما من شيوخ الشيعة أيضاً، كما ستعرف، ولم يعهد لأحد قبل أبان وحمزة تصنيف في القراءات فإن الذهبي وغيره ممن كتب في طبقات القراء نصوا على أن أول من صنف في القراءات أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224 هـ أربع وعشرين ومائتين، ولا ريب في تقدم أبان، لأن الذهبي في «الميزان» والسيوطي في «الطبقات» نصا على أنه توفي سنة 141 إحدى وأربعين ومائة فهو مقدم على أبي عبيد بثلاث وثمانين سنة، وكذلك حمزة بن حبيب فإنهم نصبوا أنه تولد سنة ثمانين ومات سنة 156 هـ وقيل سنة 154 هـ وقيل سنة 158 هـ، وأن الأخير وهم:
وكيف كان فالشيعة أول من صنف في القراءة، ولا يخفى هذا على الحافظ الذهبي، وحافظ الشام السيوطي، ولكن إنما أراد أول من صنف في القراءات من أهل السنة، لا مطلقا.
وقد تقدم في التصنيف في القراءة على أبي عبيد من الشيعة جماعة آخرون غير من ذكرنا، مثل ابن سعدان أبي جعفر محمد سعدان الضرير، ذكره ابن النديم في الفهرست في قراء الشيعة، قال: كان معلماً للعامة، وأحد القراء بقراءة حمزة، ثم اختار لنفسه، بغدادي المولد. كوفي المذهب، وتوفى
[ 29 ]
سنة 231 يوم عرفة، وله من الكتب كتاب «القراءة» وكتاب «مختصر النحو» وله قطعة حدود مثال حدود الفراء، انتهى.
ومثل أبي جعفر، محمد بن الحسن بن أبي سارة الرواسي الكوفي، أستاذ الكسائي والفراء، من خواص الإمام الباقر، ذكره أبو عمرو الداني في «طبقات القراء» قال: روى الحروف عن أبي عمر، وسمع الأعمش، وهو من جملة الكوفيين، وله اختيار في القراءة تروى، سمع الحروف منه خلاد بن خالد المنقري، وعلي بن محمد الكندي، وروى عنه الكسائي والفراء انتهى. وتوفي بعد المائة بقليل، له كتاب «الوقف والابتداء» كبير وصغير، وكتاب «الهمز» كما في فهرست أسماء مصنفي الشيعة للنجاشي وغيره.
ومثل زيد الشهيد له قراءة جده أمير المؤمنين، رواها عنه عمر بن موسى الرجهي قال: في أول كتاب قراءة زيد هذه القراءة سمعتها من زيد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وما رأيت أعلم بكتاب اللّه وناسخه ومنسوخه ومشكله وإعرابه منه، وكانت شهادة زيد أيام هشام بن عبد الملك الأموي سنة 122 هـ، وكان عمره يوم قتل اثنتين وأربعين سنة لأنه كان تولد سنة ثمانين.
فكل هؤلاء قد تقدموا في التصنيف في القراءة على أبي عبيد القاسم بن سلام، وبذلك تحقق تقدم الشيعة في تدوين علم القراءة.