كان من المقرر ان يتم التصويت على القائمة الوزارية الجديدة التي تم الاتفاق عليها بين لكتل السياسية، بعد القائمة الأولى التي ولدت ميتة، فقد انسحب خمسة من المرشحين فيها، وتم اغتيال البقية في لجان البرلمان النيابية من خلال قوانين المساءلة والعدالة وقضايا النزاهة وغيرها.
القائمة الثانية تم الاتفاق عليها بين قادة الكتل السياسية الرئيسية المشاركة في السلطة، ماعدا التيار الصدري الذي يرفضها ولم يكن حاضرا أيضا في حفلة التوقيع على وثيقة الشرف الأخيرة،
في انتظار التصويت على القائمة الوزارية، وبين الشك واليقين في التصويت عليها، ومصدر التأرجح كان تصريح رئيس الجمهورية بعدم حضوره الى جلسة التصويت، اوا عدم حضور العبادي لعدم تحقق الاتفاق الكامل بين الكتل في مشاوراتها.
فجأة يعتصم مجموعة من النواب في مجلسهم مطالبين بإقالة الرئاسات الثلاث، بعد ان كان الحديث السائد قبل ذلك هو اقالة رئيس الوزراء اذا لم يتحقق الإصلاح الشامل.
المعتصمون يمثلون كتلا سياسية عديدة، ليس من ضمنهم الاكراد، فيهم الكثير من المتهمين في ملفات فساد كبيرة طيلة السنوات الماضية، ولعل على رأسهم النائب مشعان الجبوري والذي اعترف بلسانه بواحدة من عمولات فساده المالي في لقاء تلفزيوني سابق..
وقد اصبح لسان حال المعتصمين من خلال مقاطع الفيديو التي ينشرها من قاعة البرلمان بعد ان قطع الانترنت عنه..
كيف بدأت تلك الضجة وهذا الصخب؟، حين علق رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري الجلسة البرلمانية التي انعقدت يوم الثلاثاء لغرض التصويت على لائحة من 14 مرشحًا لعضوية الحكومة قدمها رئيس الوزراء حيدر العبادي بعد التفاوض عليها مع رؤساء الكتل السياسية.
رفض عدد كبير من النواب التصويت على اللائحة، مطالبين بالعودة الى لائحة اولى كان عرضها العبادي وتضمنت اسماء 16 مرشحًا من تكنوقراط ومستقلين فقط، لكنه اضطر الى تعديلها بضغط من الاحزاب السياسية التي تتمسك بتقديم مرشحيها الى الحكومة.
وكان العبادي اقترح سلسلة من الاصلاحات شملت تعيين “تكنوقراط واكاديميين من اصحاب الاختصاص” بدلًا من مسؤولين معينين على اساس حزبي في الحكومة. لكن قائمة الوزراء التكنوقراط واجهت رفضًا من الكتل السياسية التي وافقت بعد مفاوضات شاقة على اربعة منهم واستبدلت الباقين بمرشحين من الاحزاب.
في كل هذا الحراك الذي يحدث وما سبقه هناك الكثير من علامات الاستفهام التي يمكن طرحها، لعل ابرزها ان جميع اللجان البرلمانية يرأسها برلمانيون ينتمون الى الكتل السياسية تبعا لتوزيع الحصص بين المكونات القومية والطائفية، وأعضاء هذه اللجان هم من نفس تلك الكتل ومن خلال نفس التوزيع، وجميع الكتل متهمة بالفساد وبالخراب الذي وصل اليه العراق، اذن هؤلاء النواب المعتصمين هل هم انفسهم الذين تنطبق عليهم تلك الاوصاف ام انهم من عالم او مجرة أخرى، خاصة اذا تمعنا بالرقم جيدا وهو174 نائبا عدد المعتصمين والموقعين على اقالة رئيس البرلمان كأجراء اول تتبعه إجراءات أخرى قد تصل الى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء،
في ردود الفعل والتي يمكن من خلالها اكتشاف ما ستؤول اليه الاحداث مستقبليا، وصف ائتلاف المواطن بزعامة عمار الحكيم إقالة الرئاسات الثلاث في الوقت الحالي بـ”المخاطرة”، مشيرا الى ان الائتلاف مع الاصلاحات بالطرق الدستورية.
ويحذر ائتلاف المواطن من فتح “باب جهنم” بسبب الإحداث السياسية الأخيرة، في اشارة الى خطورتها، مؤكدا انه يتعامل فقط مع البرلمان العراقي الذي يترأسه سليم الجبوري.
كتلة المواطن لم تحضر الجلسة ولم تصوت على إقالة هيئة رئاسة مجلس النواب لانها تعتبر ان “الجلسة غير دستورية ونصابها القانوني غير مكتمل”.
كتلة الحل النيابية تؤكد أن قرار اقالة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري انقلاب على الشرعية
الموقف الكردي هو ضد كل ما يحدث بدءا من التغيير الوزاري وانتهاء بالإقالة لرئاسة مجلس النواب، لانهم الأكثر حرصا على التمسك بنظام المكونات الذي يؤكد عليه الدستور العراقي، وهو ما أشار اليه رئيس الجمهورية فؤاد معصوم في كلمته التي وجهها في يوم الجمعة والتي تضمنت مشروعا من ست نقاط ابرزها هي (انهاء مبدأ المحاصصة الحزبية في ادارة جميع دوائر الدولة والهيئات المستقلة والسلك الدبلوماسي والعسكري والأمني مع حفظ توازن المكونات التي حددها الدستور).
أي انه يعود بنا الى المربع الأول من الازمة التي ضربت العراق منذ مجلس الحكم الذي تشكل بعد العام 2003، أي الحصص التي يتم توزيعها بين الطوائف والاعراق العراقية من كعكة السلطة، والتي تتلفع كما حدث أخيرا بعباءة (الوزراء التكنوقراط).
لن يتغير شيء بحسب الكاتب اذا لم يتم تعديل الدستور العراقي، وخاصة الاثنين والأربعين مادة التي انتهت الى التوصية بتعديلها اللجنة البرلمانية التي شكلت في الدورة السابقة، واذا لم يتم تعديل النظام الانتخابي والذي يسمح بوصول الفاشلين الى مجلس النواب، فان شيئا من التغيير لا يمكن حدوثه، حتى لو ذهبنا الى حل الحكومة الحالية والذهاب الى انتخابات مبكرة، فنفس الأحزاب والكتل ستتنافس على المقاعد النيابية خاصة وحتى الان لم يتم الإعلان عن تشكيل حزب جديد بعد تشريع قانون الأحزاب.