بعد إنطلاق عملية تحرير الفلوجة من قبل القوات العراقية يوم الاثنين الماضي بدأت وسائل الإعلام الإقليمية والدولية والمراقبون العسكريون والأمنيون بتسليط الضوء على هذه العمليات نظراً لأهميتها الإستراتيجية من ناحية، وتداخل الرؤى والتحليلات بشأنها من ناحية أخرى.
فهذه العمليات التي إنطلقت في الحقيقة بتحرك واسع من قبل القوات العراقية وبمحورية الحشد الشعبي وإسناد قوات العشائر لتحرير مدينة الفلوجة الواقعة غرب العاصمة العراقية بغداد وحققت منذ الساعات الأولى لإنطلاقها نتائج باهرة، من شأنها أن تعبد الطريق لتحرير مدن عراقية أخرى في مقدمتها الموصل التي لا تزال تحت سيطرة الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم “داعش” منذ نحو سنتين.
في مقابل ذلك تحركت الماكنة الإعلامية لبعض الأطراف الإقليمية والدولية كقناتي “العربية” و”الحدث” المدعومتين من قبل السعودية لتشويه الحقائق المرتبطة بهذه العمليات في مسعى منها لتخفيف ثقل الهزيمة التي حلّت بالتنظيمات الإرهابية، وذلك من خلال إثارة النعرات الطائفية والتحريض ضد الحشد الشعبي عبر إتهامه بشتى الإتهامات الباطلة.
فمن هذه الإتهامات إن الحشد قام بحرق وتهديم المنازل والمدارس والمساجد في الفلوجة والقرى التابعة لها وهو في طريقه لتحريرها من العناصر الإرهابية، في حين أظهرت لقطات بثتها الكثير من وسائل الإعلام دخول حافلات محمّلة بالمساعدات الإنسانية والأغذية لأهالي هذه المناطق فور تحريرها من قبل الحشد الشعبي وباقي القوات العراقية.
الأهمية الإستراتيجية للفلوجة
تحظى الفلوجة التي تسكنها أغلبية سنيّة بأهمية إستراتيجية بالغة لعدة أسباب بينها:
1 – قربها من العاصمة العراقية، حيث تقع على بعد نحو 70 كلم فقط عن بغداد.
2 – شهدت المدينة خلال السنوات الثلاثة عشر الماضية الكثير من المعارك وحروب العصابات، والتي تصاعدت وتيرتها بعد إحتلالها من قبل تنظيم “داعش” وباقي الجماعات الإرهابية المرتبطة به.
3 – تحوّلت الفلوجة إلى قاعدة للجماعات الإرهابية ومنطلقاً لتنفيذ هجمات دموية ضد الشعب العراقي ومؤسساته الحكومية والمدنية لاسيّما في العاصمة بغداد.
4 – كان الكثير من أهالي الفلوجة من الداعمين لنظام حكم الديكتاتور المعدوم “صدام حسين” ولهذا حظيت بإهتمام هذا النظام وشهدت تطوراً ملحوظاً في مختلف المجالات.
5 – منذ غزو العراق من قبل أمريكا عام 2003 وحتى خروج قواتها من هذا البلد في أواخر عام 2011 وبعد ذلك، تحولت الفلوجة إلى قاعدة رئيسية لتهديد الأمن والإستقرار في العراق بسبب وجود تنظيم “القاعدة” والجماعات الإرهابية المسلحة الأخرى في هذه المدينة.
6 – تحولت الفلوجة إلى رمز للجماعات الإرهابية، وقام زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي المدعو “أبو بكر البغدادي” بإلقاء خطبة في أحد مساجدها لترسيخ هذه الرمزية في أذهان أتباعه.
7 – تقع الفلوجة في الطريق الرئيسي الواصل بين العراق والأردن. وهذا الطريق يحظى بأهمية إستراتيجية خاصة من الناحيتين العسكرية والإقتصادية.
8 – تمثل الفلوجة نقطة إلتقاء بين العاصمة بغداد ومدن عراقية مهمة أخرى بينها الرمادي مركز محافظة الأنبار، كما تتفرع منها طرق مواصلات بإتجاه محافظات صلاح الدين والموصل شمالاً، ومحافظات الفرات الأوسط كبابل والنجف الأشرف وكربلاء المقدسة جنوباً.
وتجدر الإشارة إلى أن الموصل تعد ثاني أكبر محافظة عراقية بعد بغداد من حيث التعداد السكاني والنمو الإقتصادي، وقد إحتلها تنظيم “داعش” الإرهابي قبل نحو سنتين بسبب خيانة فلول حزب البعث المنحل والعناصر الفاسدة في بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية.
لهذه الأسباب وغيرها تحظى العمليات العسكرية الجارية حالياً لتحرير الفلوجة، والتي تشارك فيها قوات الحشد الشعبي بشكل بارز بأهمية خاصة، خصوصاً وأنها ستمهد الأرضية لتحرير مناطق مهمة أخرى لاسيّما محافظة الموصل، كما أنها ستعيد النشاط الإقتصادي إلى الطريق الدولي الرابط بين العراق والأردن الذي تتفرع منه الكثير من طرق المواصلات المهمة بإتجاه المدن العراقية الأخرى.
والجدير بالذكر أن الحشد الشعبي الذي تشكل إستجابة لفتوى المرجعية الدينية يمثل في الحقيقة مظلة كبيرة لكافة شرائح الشعب العراقي من الشيعة والسنّة والعرب والأكراد والتركمان والمسيحيين والآشوريين والإيزيديين وغيرهم من المكونات والأقليات الدينية والقومية في هذا البلد.
ورغم هذا التنوع الإجتماعي والديني والقومي للحشد الشعبي لازالت بعض الأبواق الإعلامية المغرضة والأصوات النشاز تحاول النيل من هذا التشكيل المقاوم والمؤثر جداً في تحرير الأراضي العراقية التي تحتلها الجماعات الإرهابية لإعادة الأمن والإستقرار إلى البلاد.
ولأجل منع الحشد الشعبي من أداء دوره المهم في التصدي للجماعات الإرهابية سعى بعض السياسيين العراقيين وبدعم من دول أخرى على رأسها أمريكا والسعودية إلى الوقوف بوجه الحشد وإختلاق الإتهامات الزائفة للنيل من قوته وعزيمته. كما سعت هذه الأطراف إلى التدخل في صنع القرار السياسي والعسكري في العراق من خلال الدعوة لتشكيل قوة عسكرية في المحافظات والمدن العراقية المختلفة تحت عنوان “الحرس الوطني” كذريعة للإستغناء عن الحشد الذي أثبتت التجارب الكثيرة والإنتصارات الكبيرة التي حققها بأنه يمثل في الحقيقة صمام الأمان لحفظ أمن وإستقرار العراق إلى جانب الجيش العراقي والقوات الأمنية والشرطة الإتحادية وأبناء العشائر الغيارى الذين هبّوا للدفاع عن وطنهم تحت راية العراق.
ويحظى الحشد الشعبي بتأييد كافة المكونات الإجتماعية وقيادته الدينية وفصائله السياسية الوطنية التي تدرك جيداً أهمية الدور الذي يلعبه الحشد في التصدي للجماعات الإرهابية، وتدرك أيضاً حجم المؤامرة التي تسعى لإجهاض هذا الدور خدمةً للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة.