الوقت- مشاهد عدّة تسيطر على هواجس مريدي القضية الفلسطينية حيال المرحلة المقبلة، أولها سعودي من خلال زيارة اللواء السابق في الاستخبارات السعودية أنور ماجد عشقي، إلى الكيان الإسرائيلي، وثانيها مصري حيث أقام السفير حازم خيرت في منزله بمدينة هرتسيليا احتفالا بمناسبة اليوم الوطني إحياء لذكرى ثورة يوليو 1952، بحضور عدد من كبار الشخصيات الإسرائيلية، أبرزهم رئيس الکيان الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وليس آخرها لقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع زعيمة زمرة منافقي خلق الإرهابية مريم رجوي.
الردّ الإيراني على اللقاء، جاء عبر مستشار وزير الخارجية الايراني حسين شيخ الاسلام الذي قال: هناك خط نفاق يعادي الثورة الاسلامية منذ انطلاقتها، وهو ما نراه مستمراً الى اليوم. ليضيف شيخ الإسلام في تعليقه على شخص عباس: هذا الرجل معروف لدينا، وكما كشفت وثائق السفارة الاميركية في طهران، انه عميل لـ” سي اي ايه” منذ زمن بعيد، وتصرفاته على مدى العقود اللاحقة أثبتت ذلك.
وحول اللقاء، بادئ ذي بدء، صدمتنا الصورة التي جمعت رئيس السطة الفلسطينية مع مريم رجوي في باريس، لكنها لم تفاجئنا تماماً. لم تكن الصدمة بسبب انسلاخه من تاريخه “المشرف”، فعباس هو نفسه، سواء قبل لقاء رجوي أو بعده، عباس هو الذي يعيش أفضل العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، اذ لا يزال التنسيق الأمني يجري بين الطرفين في قنواته الرسمية دون انقطاع، فضلاً عن إرساله عضو اللّجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير أحمد المجدلاني ممثلاً له في مؤتمر”هرتسيليا” الأمنيّ الإسرائيليّ الذي يبحث الاخطار التي يمكن ان تهدد دولة الاحتلال، بل جاءت الصدمة بسبب “براغماتية”عباس التي تتسارع بوتيرة أعلى من السابق، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى التالي:
أولاً: يحق لعباس أن يفعل ما يريد، وكيف يريد، إلا أنه ملزم بما ألزم به نفسه. من هنا نطرح جملة من التساؤلات حول اللقاء، خاصّة أن كلام عباس قبل أسبوع خلال افتتاح أعمال القمة العربية المنعقدة في موريتانيا: “إن السلطة الفلسطينية تتعهد بأن تبقى صامدة لإنهاء الاحتلال من فلسطين وتحرير أرضنا ومقدساتنا، في سبيل بناء دولتنا الفلسطينية رغم شح الإمكانيات”، لا زال يظهر على الشاشات، فكيف وفّق عباس بين تحرير فلسطين ولقاء مريم رجوي التي تتزعّم منظمّة إرهابية قتلت أكثر من 16000 ايراني؟ وهل نسي أن إيران تعد من أكبر الداعمين للقضيّة الفلسطينية؟ ماذا قدّمت رجوي للشعب الفلسطيني؟
ثانياً: إن كلام عباس في القمة العربية الأخيرة، كما هو المفترض، يعد دعماً للشعب الفلسطيني، لكن أفعال عباس سواءً في مؤتمر هرتسيليا، أو بالأمس في لقاء رجوي يعد طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني قبل أي أحد آخر، بإعتبار أن مريم رجوي تكن العداء للجمهورية الإسلامية الإيرانية الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية.
ثالثاً: لا نعتقد أن اللقاء جاء بطلب من عباس بشكل مباشر، بل يعد الأمر إستكمالاً لحضور رئيس الأسبق للمخابرات السعودية الأمير تركي الفيصل في المؤتمر السنوي الأخيرة لزمرة منافقي خلق في العاصمة الفرنسية باريس، وبالتالي يعد اللقاء طلقة إضافية من الطلقات السعودية نحو طهران، ولكن عبر البوابة الفلسطينية. لماذا إختارت السعودية البوابة الفلسطينية؟ لأنها أوسع البوابات لدخول إيران إلى قلوب الشعوب العربية والإسلامية.
ربّما تعتقد السعودية من خلال هذه الخطوة ان طهران ستمتنع عن دعم القضية الفلسطينية، ولكن هل فعلت كذلك عندما وقفت بعض الفصائل التي تعوّل عليها، بخلاف عبّاس، أمام محور المقاومة في سوريا؟ فكيف إذا كان الأمر في “رجل معروف لدينا”، كما قال شيخ الإسلام.
رابعاً: لا يمكن التغافل عن كون المجتمع الإيراني أحد المستهدفين الرئيسيين من هذا اللقاء حيث تسعى رجوي، ومن خلفها السعودية، من خلال هذه المحاولة البائسة واليائسة، على حدّ سواء، لزعزعة الإستقرار الداخلي عبر أصوات تطالب بوقف الدعم لفلسطين، ولكن كما أسلفنا أعلاه، عباس رجل معروف لدى الشعب الإيراني الذي يعدّ القضية الفسطينية واجب ديني لا يسقط بتخلي “خائن” هنا وآخر هناك.
خامساً: كان حري بعباس أن يلتقي بشخصيات ومنظمات يهودية معارضة للسياسة الإسرائيلية الصهيونية، كمنظمة ناطوري كارتا اليهودية أو منظمة صوت يهودي للسلام أو هعيدا هحريديت أو غيرها دعماُ للقضية الفلسطينية، بدلاً من اللقاء مع امراة لها ما لها من العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، بإعتبارها تشاطر السلطات الإسرائيلي في العداء الأعمى للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ولكن، تبقى إحدى أبرز المفارقات في لقاء عباس-رجوي، أن الأولى شاركت بقتل الألاف من أبناء شعبها وشاركت في الحرب المفروضة على بلدها وشعبها من قبل صدام حسين. كذلك عباس يعد شريكا أساسياً في دماء الشعب الفلسطيني سواءً عبر التنسيق الأمني، أو عبر التطبيع بأسمائه الأخرى، فهل خيانة الأوطان جمعتهم؟ لا ندري، تبقى الإجابة برسم الشعبين الفلسطيني والإيراني، أبرز المستهدفين من هذا اللقاء، في حين أن الكيان الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر.