الوقت – لم يعد للسعودية سوى أن تعترف أنها باتت الضحية الأولى للبراغماتية الأمريكية في المنطقة. بل لم يعد هناك مشروعٌ يمكن أن تراهن عليه الرياض، إلا وتسقط في فخ رهاناتها، خصوصاً عندما تستخدم السقف العالي في الخطاب السياسي والإعلامي. فالجولة التي بدأها وزير الخارجية الأمريكي في الخليج الفارسي، لم تكن بالمستوى التي تتمناه الدول المقاطعة لقطر. بل ظهرت قطر وكأنها انتصرت في معركتها، ولو بالمدى المنظور. في حين فشلت الرياض في إدارة الأزمة، وكشفت واقع البيت الخليجي، وجعلت مصالح واشنطن في خطر. فماذا في الموقف الأمريكي تجاه قطر والذي عبر عنه تيلرسون؟ وكيف يمكن مقاربة واقع الدول في موازين الربح والخسارة؟
الموقف الأمريكي تجاه قطر: براغماتية أم ماذا؟!
أعرب وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في الدوحة أمس عن ارتياحه لمواقف قطر التي وصفها بالمنطقية، معتبراً أن قطر طرحت آراء منطقية وواضحة خلال الأزمة الديبلوماسية المستمرة منذ شهر مع دول عربية. ولم يكتف الموفد الأمريكي بذلك، بل كلَّل زيارته بتوقيع مذكرة تفاهم بين البلدين تحدد الخطوط العريضة للجهود المستقبلية. وهو ما له الكثير من الدلالات. في حين يُنتظر ما ستخرج به القمة الأمريكية مع الدول الأربع المقاطعة لقطر، في جدة. في حين يجب الوقوف عند التالي:
أولاً: ظهور وزير الخارجية الأمريكي ريكس تليرسون من الدوحة يعني بحسب مراقبين، انتهاء التهديدات، ورسالة تفرض على السعودية التخفيف من سقفها التصعيدي.
ثانياً: شكَّل حديث كبير مستشاري تيلرسون للإعلام، مضامين واضحة تتعلق بتفسير التدخل الأمريكي على أنه رافض للخيارات الخليجية العربية لا سيما المطالب الـ13 لدول المقاطعة والتي لا يمكن التعامل معها كحزمة واحدة.
مقاربة بين الواقع القطري وواقع دول المقاطعة: من الرابح والخاسر؟
بين الواقع القطري وواقع الدول المقاطعة لها، عدة مسائل يمكن طرحها في موازين الربح والخسارة كالتالي:
أولاً: بدت الدوحة أكثر صلابة في مواجهة ما يُسمى بمعسكر المقاطعة، خصوصاً جراء الدعم الإقليمي الذي حظيت به من كلٍ من تركيا وإيران مع الأخذ بعين الإعتبار الإختلاف في الأسباب. في حين يبدو أن الضجيج الحاصل ليس سوى ضجيج إعلامي وسياسي للأبواق التابعة للسعودية، مع الإعتراف بأن الأثر الوحيد الذي خلفته المواجهة بين الطرفين، لم يتخطى تخفيض التصنيف الإئتماني لقطر من قبل بعض الشركات العالمية.
ثانياً: تقف أمريكا أمام حقائق الواقع الحالي، لجهة وجود أطراف استفادت من الخلاف الخليجي الداخلي بحسب الرأي الأمريكي. حيث انعكست الأزمة على حلفاء واشنطن، وصورتهم، في حين رفعت الأزمة من مستوى العلاقة الإيجابية بين إيران وقطر، حيث وجدت الأخيرة في طهران ملجأً وسنداً لها في الأزمات. الأمر الذي جعل واشنطن تشعر بالقلق تجاه دورها في المنطقة، حيث قد تؤثر هذه الأزمة على عملياتها العسكرية وتواجدها خصوصاً أن أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط تقع في الدوحة وتشن منها قوات التحالف طلعات جوية على تنظيم داعش في سورية والعراق.
ثالثاً: ليس بعيداً عن إيران، كانت تركيا، من ضمن الذين وقفوا الى جانب قطر، لكن بشكل يتوافق مع المعاهدات الموقعة بين الطرفين. فإرتفعت الصادرات التركية إلى قطر بنسبة ثلاثة أضعاف، إضافة الى العديد من المكاسب السياسية والاستراتيجية التي تجنيها أنقرة من تلك العلاقات الوطيدة مع الدوحة. وهو ما تجلَّى بوصول الدفعة الخامسة من القوات التركية إلى قاعدة عسكرية في الدوحة، ضمن اتفاق التعاون الدفاعي بين الدوحة وأنقرة.
رابعاً: امام هذا الواقع، فشل الرهان السعودي في الظهور بمستوى الطرف القوي. حيث أن السقف العالي لم يتناسب مع النتائج الحالية، خصوصاً أن العالم بات يعتبر أن الأزمة ستؤدي حتماً للتصدع بين الدول الخليجية، كما أن الخلاف الخليجي خرج من كونه شأناً داخلياً. وهو من المسائل التي فشلت السعودية في إدارتها من جديد.
إذن، قد يكون دونالد ترامب نجح في زرع الفتنة بين الدول الخليجة. لكن النتائج لم تكن إيجابية. فهي وإن كشفت أوراق الأطراف الخليجية، لكنها وضعت العديد منهم أمام عملية مراجعةٍ للحسابات، قد تُطيح بالواقع الذي بقي محط الإهتمام والعناية الأمريكية. الواقع الخليجي الذي ظل الساحة التي يستفيد منها الأمريكي في تحركه تجاه دول المنطقة. ولعل من أهم انعكسات ما يجري، إعادة النقاش حول الثقة بالطرف الأمريكي كما كان الحال في عهد السلف أوباما. لنقول أن الباب الذي أراده ترامب مدخلاً لإعادة النفوذ، أصبح سبباً لعودة العلاقات الأمريكية الخليجية الى مستوى من اللاثقة. وهو ما قد لا يتبيَّن حالياً، لكنه سرعان ما سيكون أحد أهم نتائج الأزمة المفتعلة. في حين ستكون السعودية أكبر الخاسرين!
الولاية الاخبارية