الرئيسية / تقاريـــر / أين الوجع! – مصباح الهمداني

أين الوجع! – مصباح الهمداني

حينما يذهب المريض إلى الطبيب وهو بكامل وعيه يكون السؤال الأول أين الوجع؟ وبعدها يقوم المريض بالشرح المفصَّلْ..
ولكن حين يكون المريض في غيبوبةٍ تامة، فلا يُمكنُ للسؤال أن يكون ذا قيمة أو جدوى…
وهكذا كانت الضربة البحرية القاصمة في ميناء المخا..
وتساءلتُ بعدها: أين الوجع؟
لكنَّي لم أجد إجابه خلال الساعات الماضية..

ووجدتها الآن!
نعم الآن!

وجدتها في عيني محمد زايد الباكية، وفي كفيه الذين ضمهما إلى وجهه الأسود، وفي الكآبة التي حلَّتْ بداره، وألحقت العار والشنار بإمارته، وهو يستمع للضابط المتحدث يشرحْ له تفاصيل الهجوم، ويبسط له القول بقوله:

يا طويل العُمر ما رأيناه في ساحل المخا لا يخطر ببال أحد، ولم يكن يتوقعه حتى الأمريكيون والبريطانيون وجميع المشرفون والمستشارون..

يبلعُ الضابط المتحدث ريقه ثم يُكمِلْ:
كما تعلم يا طويل العمر فالميناء محصن ومحمي فالخوخة بأيدينا وحيس كذلك، وفي البحر عشرات بل مئات البارجات والسفن والزوارق الحربية، والرادارات البحرية والبرية تحيط بالميناء على شكل دائرة، ومنصات الباتريوت في كل زاوية، ورشاشات الإطلاق الذاتي مجهزة، وكاميرات المراقبة تعمل على مدار الساعة.. لكنهم وصلوا..ثم سكت الضابطُ قليلاً يتأملُ وجه محمد زايد الذي ازداد سوادًا، ويشاهد رقبته التي طالت وكأنها رقبة ناقة تهوي إلى الأرض..

أشار إليه محمد زايد أن يُكمل حديثه فأكمل وقال:
يا سيدي لقد كنتُ ورفقائي السبعة في الصالة الكبيرة التي زيناها بصورتك وصورة الوالد وبقية الشيوخ، كنا نتسامر وكما بلغك من الجهاز فقد كنا نشرب لكن بوعي وتقدير، وماهي إلا لحظات وإذا بالقذائف تنهمر علينا كالمطر، وإذا بالحاويات المرصوصة في الرصيف البحري تحترق،
وفي البداية ظننا أنه صاروخ حوثي، ثم بعد لحظات أدركنا أنه ليس صاروخ، وظنناه طائرات مسيرة، لكن القذائف لم تتوقف، وفي كل مرة يصيبون هدفًا جديدًا، وامتلأ المكانُ بأصوات القذائف المشتعلة والصواريخ المتفجرة، وصدرت الأوامر للرد بكل ما هو متاح، فأطلقت البارجات والسفن والزوارق؛ قذائفها وصواريخها بكل اتجاه، فيما الحرائق تزداد اشتعالاً، والمناظر توحي بأن هناك جحيمًا أو نارًا هجمت علينا فجأة..
قلبتُ نظري في الصالة التي تطاير سقفها، وتمزقت جدرانها، ورأيت الرفقاء جميعًا ما بين مقطع ومصاب ومحترق، رفعت بصري وتألمت كثيرًا حين رأيت صورة ابونا زايد قد احترقت..
تفقدتُ نفسي فوجدتني سليمًا، إلا من بعض الخدوش البسيطة، فانسحبتُ بهدوء، هربًا من الإنفجارات التي لم تتوقف، وفي الخارج؛ رأيت العشرات من جنودنا يحترقون، ومثلهم مرميون فوق الرمال على مسافاتٍ متباعدة..
وتردد في أذني صوتَ أشبالٍ يرددون الصرخة الحوثية وهم في المياه القريبة، على مقربةٍ من الشاطئ، لكني كنت وقتها بلا سلاحٍ ولا عزيمة…

لقد أحرقوا غرفة العمليات التابعة لنا، وأحرقوا الأطنان من السلاح الجديد، وأحرقوا المئات من الجنود والقادة، وفيهم الكثير من الأجانب، وأكثر شيء آلمني إحراق صورة بابا زايد…

نهض محمد زايد وقد عقَد كفيه خلف ظهره، ووجهه يزدادُ سوادًا وكآبة…
فيتبعه الضابط بقوله:
يا سيدي؛ إن العملية معقدة جدًا جدًا، ولا يمكن أن تصلَ إلينا من البحرِ سمكةٌ ميِّتة إلا بعدَ معرفتها وفحصها وتفتيشها، ولا أدري كيف وصلَ هؤلاء الجِنْ، ولا أخفيك يا سيدي أنني أشك في كثير من مرتزقتنا وإلاَّ كيف عرفَ الحوثيون بوصول أحدث السلاح بهذه السرعة، وأحرقوه بتلك الطريقة البشعة…

التفتَ محمد زايد وقد اشتعلَ غضبًا وقال:
-وهل تسمحون لليمنيين المرتزقة بالاقتراب من الميناء؟
أجابه الضابط وجسمه يرتعد كعصفور بلله المطر قائلاً:
-لا يا سيدي لا نسمحُ أبدًا باقترابهم من معسكراتنا فضلاً عن الميناء، وسجوننا مليئة بمن نشك فيهم أو يقتربون بالخطأ…

سأله محمد زايد ثانية وقال:
-ما هذه العملية وما طبيعتها، وما نوعها؟
أجابه الضابط برجفة أكبر:
-ياسيدي لم أعد أدري ما أسميها؛
البحرَ المُسير، أم البحر المسكون، أم المقبرة البحرية، أم البحر المشتعل، أم الساحل الملتهب، أم الميناء المحصَّدْ، أم البحر الغدَّار، أم الأرض الملعونة،
أم أنها لعنة ابتعادنا عن طريق زايد قد حلَّت بنا…

وفجأة يرن هاتف محمد زايد فيجيب المتصل قائلاً:
لايله توف.. تيفاقر اوتي مخار بيباقشه…

هل علِمتم بعدَ هذه المُقاربة أين الوجع في ضربة الميناء!

شاهد أيضاً

اليوم النوعي للمقاومة الإسلامية.. إما يذعن العدو الآن أو الآتي اعظم

عبد الحسين شبيب حتى تاريخه؛ يمكن القول إن الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 ...