الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / شبهات و ردود – المحقق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

شبهات و ردود – المحقق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

الشريعة الاسلامية من معين السنة النبوية بين حماية العلماء و تزييف العلمانيين

القسم الثاني

الفصل الأوّل مع موازين الكتابة

 

1 ـ موازين الكتابة

إنّ من الاُمور المتّفق عليها ضمنيّاً في فنّ الكتابة العلمية هي تلك الموازين المقرّرة ، و الملتزم بها عمليّاً ، و المنادى بها و لو بالشفاه المطبقة ، و التي تعدّ « عُرفاً » للكتّاب ، و قد أملتها الحاجة إلى نظام في ما يقرأ ، قبل أن يكتب ، و إن كان الكاتب ـ في عصر الطغيان على الموازين ـ لا يرى نفسه ملزماً بكلّ ما هو « إجماعيّ » أو « عُرف » حتّى لو كان معلناً ، فكيف إذا لم يحاول أصحاب « المصلحة » ، يعلنوه ، أو يسجّلوه ؟! و لكنّ ضرورات من قبيل « تصنيف الكتاب » في المكتبة ، ليأخذ موضعه المناسب ، حتّى يتناول حين الحاجة بيسر و سرعة ، أمر لا يمكن تجاوزه ، لأيّ غرض كان ، لأنّه ـ فعلا ـ من الثوابت التي لا خلاف فيها ، إذا اُريد للكتاب أن يكون متداولا علميّاً ، و بالخصوص إذا تناول ظاهرةً بالدرس و التحليل ، خارجاً عن اُطر الإعلام و الخطابة ! و إذا أراد الكاتب أن يكون باحثاً منهجيّاً ، بعيداً عن وهدة « الإرهاب الفكري » و « العبث بالفكر » التي ابتليت بها التيّارات العلمانية في العالم العربي خاصّة ، إذ تسيطر هي على قطّاع كبير من قرّائه المثقّفين ،

 

بهدف تزييف ما يمتّ إلى شعوب المتكلّمين بالعربية ، أو الذين يفكّرون على أساس مصادرها الثقافية و الفكرية ، و الذين يشكّل المسلمون غالبيتهم العظمى ! مع أنّ من أوضح ما يميّز الكتاب الذي يتناول موضوعاً فكرياً أو تراثياً ، و يراد له أن يكون خارجاً عن إطار « الإرهاب » أن يتّخذ اُسلوب « التوثيق المرجعيّ » و الإلتزام بالموضوعيّة ، على طول الخطّ ، من أوّل جرّة قلم ، و حتّى نهاية المطاف .

 

2 ـ بين الأهداف المعلنة ، و النيّات المبطّنة

ثمّ إنّ تحديد المؤلّف لغرضه الذي تعنّى من أجله للكتابة ، لا أنّه يدخل في تلك الموازين ، فحسب ، بل هو ضرورة للإسراع في تفاعل القارئ مع الكتاب ، ودرك الكلمة المكتوبة ، في سياق الموضعها من جملة المؤلّف ، و في سطور الصفحة ، و صفحات دفّتي الكتاب ، تفاعلا لابدّ أن يرغب المؤلّفون فيه ، فيقدّمونه أمام كتبهم . و ليست صفحات الكتاب الذي يُعالج مشكلةً مستفحلة علميّة أو تراثية ، مجالا للبهلوانيات ، حتّى تكون السرعة ـ و كذا الإقتحام ـ فيها مطلوبة ، إلاّ في صورتها الشائعة في الكتابات المعاصرة .

 

و الكاتب الذي يقدّم « بكلّ حياد و تجرّد » لا يتخوّف من قرّائه ، تماماً كالطبيب الحاذق الذي لا يخاف من عدوى المرضى الذي يباشر علاجهم ، و هم يراجعونه ، ليجدوا الشفاء على يديه ، مهما كان نوع المرض ، ومهما كان خَطِراً . و إذا كان الطبيب يتوجّس خيفةً في نفسه ، من مرضاه ، فخير له أن يغلق « المطبّ » و لا يكلّف نفسه عناء الإعلانات الفضفاضة حول مهارته في العلاج ، خصوصاً إذا لم تكن عنده الخبرة الكافية ، و لا التخصّص ، بل و لا عارفاً بـ« جسّ النبض » ، بل جاهلا باُصول العلم ، و بمصطلحات الأطبّاء ، و أسماء الأدوية !! أمّا إذا كانت اللافتة التي ينصبها على باب « العيادة الطبّيّة » تحمل عنواناً ضخماً ، مغرياً للمرضى ، بينما هو يُعنى بتخصّص آخر ، و يبطن من إعلانه المزوّر هدفاً غير طبّي ، فإنّما يُعدّ في عرف المهن « دجّالا » و ليس عمله إلاّ « إبتزازاً » و « خيانة » !

 

3 ـ عناوين الكتب مفاتيح لتصنيفها

إنّ عناوين الكتب ـ سواء الكبيرة ، أم الثانوية التي توضّح أبعاداً أوسع إنّما هي الأبواب التي يدخل القرّاء من خلالها إلى أعماق المدينة المؤلّفة من الكلمات و السطور و الصفحات ، فيحدّد موقفه منها خلال نظره ، فمن « الابتزاز » أن يحاول المؤلّف الإيحاء بالعنوان إلى غير ما يحتويه الكتاب ، و إغراء القارئ بشرائه أو قراءته ، فهذه طريقة مقبوحة و مستهجنة ، تحتوي على إستهلاك الكلمة التي تشكّل العنوان ، و على حساب الفكر ، و توتّر القرّاء ، و هو نوع من « الدجل الفكري و الثقافي » . فلو قيس عنوان « تدوين السُنّة » الذي وضعه المؤلّف إبراهيم فوزي على كتابه ، إلى الغرض الذي تابعه من « المقدّمة » و حتّى آخر صفحة بعنوان « الخاتمة » والتي صرّح فيها بالغرض واضحاً ، يجد أنّه « لا يشي عنوانه بأهميّته » عند البعض ، وإن اعتبر ذلك « إحدى حسناته »

 

إلاّ أنّه تجاوز لما ذكرنا من موازين الكتابة العلميّة ، مهما أحسنّا الظنّ به ! فإنّ العلوم الإسلامية ، و المعارف التي تتمحور حولها ، قد تضخّمت ، و توسّعت على مدى المدّة الفاصلة بيننا و بين المصادر الأساسيّة ، و « السُنّة » لكونها عند المسلمين واحداً من تلك المصادر ، بل أوسعها لم تخرج من دائرة هذه الحقيقة ، بل تكثّف الجهود حولها ، وشكّلت لمعالجة قضاياها و جمع خصوصيّاتها علوم عديدة هي : « علم الحديث » و « علم المصطلح » و « علم الرجال » مضافاً إلى ما يتفرّع عن كلّ من مباحث ، و تخصّصات ، إستغرقت جهوداً مبثوثة ، و اُخرى منتشرة بشكل إستطرادي في علوم اُخرى . و من أهمّ البحوث المصيرية المطروحة حول « السُنّة » هو البحث عن حجّيتها ، و مدى تأثيرها في إثبات المعارف الدينية ، و قد قام منذ القديم حول ذلك جدل كبير ، لما يترتّب على نتيجته من آثار علميّة مباشرة في حياة المسلمين و تحديد المعارف عقيدةً و تشريعاً و تاريخاً .

 

وإذا كانت « حجّةً » فإنّ بحوثاً اُخرى تستتبع في الثقافة الإسلامية ، و استتبعت ـ و لا تزال ـ جهوداً كبيرة من قبيل : ما هي السنّه ؟ و تحديد مداها ؟ و تاريخها ، لتحديد نصّها ؟ و يدخل في هذه الناحية تاريخ « تدوين السنّه » . فمن هنا يمكن أن نرى عنوان « تدوين السنّه » بارزاً عندما تكون « حجّية السنّة » أمراً مفروغاً عنه ، و إلاّ فيكون البحث عن التدوين ، ترفاً فكرياً ، إذ لا يترتّب عليه أثر علميّ و لا عمليّ ، و لا يدعو إلى الاهتمام به في المأزق الثقافي الراهن . و لقد كان علماء المسلمين على قدر كاف من الدقّة إذ عنوانوا لحجيّة الحديث و السنّة في مجال « الحجج الشرعيّة » و وسائل إثبات الحكم الشرعي من بحوث علم اُصول الفقه ،

 

وعنونوا لبحث « تدوين السنّة » في مجال تاريخ الحديث ، وفي بحوث علم مصطلح الحديث ، إلاّ أنّ سعة مباحثه ، وأهميّته ، لكون الأرضية الموطّدة لما يبنى عليها من عناوين وبحوث ، استدعت المؤلّفين إلى الاستقلال بالبحث عنه منذ القدم ، فأقدم ما في المتناول من المؤلّفات حول تدوين السنّة ، كتاب الخطيب البغدادي ( ت 463 ) باسم « تقييد العلم » المطبوع محقّقاً مع مقدّمة واسعة وافية من عمل الدكتور يوسف العُش ، السوري ، وأحدث عمل تكاملت فيه النظريات المطروحة على طاولة البحث هو كتاب « تدوين السنّة الشريفة » الصادر في قم سنة 1413 من تأليف كاتب هذه السطور . أمّا كتاب « تدوين السنّة » لإبراهيم فوزي ،

 

الذي نقدّم قراءةً عنه ، فهو آخر ما صدر يحمل هذا العنون على الرغم من أنّه لا يعنيه مباشرةً ، إلاّ بصورة جزئية ، ممّا يثير إرباكاً لدى القارئ ، فإذا صدق قول أبي الفتح البُستي « و أوّل مقروء من الكتب عنوان » فإنّ عنوان كتاب فوزي يوحي أن يكون خاصاً بالبحث عن الموضوع ، بينما المهمّة الأساسية التي يتصدّى لها الكتاب هي غير ذلك ، بل هي : نفي الاعتماد على السنّة مصدراً للتشريع ، و أنّ اعتمادها سبّب ـ حسب اعتقاد المؤلّف ـ إرباكاً في الفقه الإسلامي ، أدّى إلى وجود المذاهب المتعدّدة ، والطوائف المتفرّقة . و مع قناعتنا بحرّية الكاتب في إتّخاذ هدف معيّن لعمله ، من دون أن يكون لأحد حقّ في تحديده ، إلاّ أنّ تقنّعه بقناع « تدوين السنّة » للوصول إلى هدف يبتعد عن هذا العنوان ، أمر لا يبتعد عن الريب والإثارة ، شاء الكاتب أم أبى! فمن ناحية حضارية ، فإنّ الإصدرارات التي تستعمل هذا الاُسلوب ، تؤدّي إلى فقدان الشخصيّة الثقافية ، بين المجتمع العلمي ، حيث إنّه إسقاط لقيم العناوين ، و تلاعب باستخدامها . في الوقت الذي تستدعي موضوعية البحث الذي يراد له أن يكون هادفاً وعلمياً ، كونه مجرّداً عن « الدجل » و بعيداً عن « العبثية » : فالمطلوب : الدقّة الكاملة في انتخاب العناوين ،

 

و استخدامها ، بدلالات واضحة على المحتويات ، وإيصالها إلى الأهداف ، بصدق و أمانة ، و إلاّ كانت نماذج من « التضليل الثقافي » المنبوذ . أمّا من الناحية الأدبية ، فإنّ تفويت الفرص على القرّاء والمراجعين ، وجرّهم إلى قراءة ما يرغب فيه الكاتب ، وبطريقة الإغراء من خلال عنوان الكتاب ، أمر يعتبر استهتاراً مفضوحاً . إنّ ما يرتبط بعنوان « تدوين السنّة » إنّما هو القسم الأوّل من الكتاب ، ذي الأقسام الثلاثة ، بينما القسم الثاني يبحث عن « علوم الحديث » و الثالث يتركّز فيه البحث عن الأحكام الشرعية المعتمدة على السنّة ، بعنوان « السنّة بعد التدوين » . و مجموع ما يحتوي على القسم الأوّل هي الصفحات من 27 ـ 141 ، و فصوله ستّة ، و ما يرتبط منها بالتدوين ، الثاني ، ص37 ـ 48 ، بعنوان « النهي عن تدوين السنّة » و الثالث ، ص48 ـ 56 ،

 

بعنوان « إمساك الصحابة عن تدوين السنّة » والرابع ، ص57 ـ 64 بعنوان « إباحة تدوين السنّة » و مجموع صفحات هذه الفصول 27 صفحة فقط!! أمّا الفصل الأوّل فهو بعنوان « تعريف السنّة » والخامس بعنوان « الكذب على النبي ( صلى الله عليه و آله ) و أسبابه » والسادس بعنوان « الاجتهاد في الفقه الإسلامي » وارتباط هذه الفصول ، بتدوين السنّة ، فهو برابط القسم الأوّل بالأقسام الاُخرى من الكتاب ، وهو وحدة الغرض الجامع بين الأقسم وفصوله ، والذين أشرنا إليه ، و سنتحدّث عنه بتفصيل . فالبحث عن « تدوين السنّة » الذي يشغل فقط 27 صفحة من أصل 384 صفحة هي عدد صفحات الكتاب ، لا يمثّل لوحده محتوى الكتاب ، إذ تبقّى 357 صفحة من الكتاب بعيدة عن العنوان! فهل يخلو مثل هذا العمل من محاسبة ؟! أو يتطابق مع عرف الكتابة العلمية ؟! أو يخدم القرّاء بصدق ؟! و هل روح « المنهج النقدي » الذي التزمه الكاتب تسمح بهذا التصرّف ؟!

 

4 ـ بين مؤدّى العنوان ، و مؤشّرات الهدف

و تعقيبنا هذا على كتاب « تدوين السنّة » يدور على طرفي : العنوان ، و الهدف ، في فصلين : 1 ـ فقد فصلنا بين الملاحظات التي تجمّعت حول الكتاب فيما يخصّ « تدوين السنّة » من بحوثه ، بما في ذلك منهج المؤلّف في التوثيق ، واستخدام المصادر ، وما أثاره في هذا المجال ، فذكرناها تحت عنوان : « مع مؤدّى العنوان » . 2 ـ وجمعنا الملاحظات حول ما أثاره في مجال غرضه من تأليف الكتاب والإشكاليات التي تابعها في مصدرية السنّة لأحكام الشريعة ، وتزييف ما اُخذ اعتماداً عليها ، فذكرناها تحت عنوان « مع مؤشّرات الهدف » .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...