الرئيسية / الاسلام والحياة / الاكتفاء بما روي في أصحاب الكساء -عز الدين بحر العلوم

الاكتفاء بما روي في أصحاب الكساء -عز الدين بحر العلوم

14)   (رَسُول اللَّه(صلى الله عليه وآله وسلم) في بُصرى الشام)  18 – أخْبَرَنا أَبُو القاسم بن السَّمَرْقَنْدي، أنا أَبُو الحُسَين أَحْمَد بن مُحَمَّد بن النَقُّور، أناأَبُوطاهر مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحمن المُخَلِّص.

 

 

أنا رضوان بن أَحْمَد بن جالينوس، قال: ناأَحْمَدبن عَبْد الجبار العُطَاردي، نا يونس بن بكير الشَّيْبَاني، قال: قال ابن إِسْحَاق: وكان أَبُوطالب هو الذي إليه أمر رَسُول اللَّه(ص) بعد جده، فكان إليه ومعه. ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجراً، فلما تهيّأ للرحيل وأجمع السير هبّ له‏(36) رَسُول اللَّه(ص) فأخذ بزمام ناقته وقال: «يا عم إلى من تكلني؟ لا أب لي ولا أُمّ لي» فرقّ له أَبُو طالب وقال: واللَّه لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أُفارقه أبداً،

 

 

أو كما قال:
قال: فخرج به معه فلما نزل الركب بُصْرَى من أرض الشام وبها راهب يقال له: بَحَيرا في صَومعة له، وكان أعلم أهل النصرانيّة، ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب إليه يصير علمهم من كتاب فيهم – فيما يزعمون – يتوارثونه كابراً عن كابرٍ، فلما نزلوا ذلك العام ببَحيرا وكانوا كثيراً مما يمرّون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يعرض لهم،

 

 

حتى إذا كان ذلك العام نزلوا به قريباً من صومعته، فصنع لهم طعاماً كثيراً وذلك – فيما يزعمون – عن شي‏ء رآه وهو في صومعته‏(37) في الركب حين أقبلوا وغمامة تُظِلُّه من بين القوم، ثم أقبلوا حتى نزلوا بظلّ شجرة قريباً منه، فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة وتهصّرت‏(38) أغصان الشجرة على رَسُول‏اللَّه(ص) حتى استظل تحتها، فلما رأى ذلك بَحيرا نزل من صومعته،

 

 

وقد أمر بذلك الطعام، فصُنع، ثم أرسل اليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاماً يا معشر قريش، وأنا أُحبّ أن تحضروا كلّكم، صغيركم وكبيركم، وحرّكم و عَبْدكم، فقال له رجل منهم: يا بحيرا إن لك اليوم لشأناً، ما كنت تصنع هذا فيما مضى وقد كنا نمرّ بك كثيرا، فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيرا: صَدقتَ،

 

 

قد كان ما تقول، ولكنكم ضيفٌ، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاماً تأكلون منه كلّكم. فاجتمعوا إليه وتخلّف رَسُول اللَّه(ص) من بين القوم لحداثة سنّه في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التى يعرف ويجد عنده. قال: يامعشر قريش لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا،

 

 

قالوا له: يا بحيرا ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غُلاَم هو أحدث القوم سناً تخلّف في رحالهم، قال: فلا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم. فقال رجل من قريش مع القوم: واللاّت والعُزّى، إن هذا للؤم بنا، يتخلّف ابن عَبْد اللَّه بن عَبْد المطلب عن الطعام من بيننا ثم قام إليه فاحتضنه، ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم، فلما رآه بَحيرا جعل يلحظه لحظاً شديداً،

 

 

وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يَجدها عنده في صفته، حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرّقوا قام بحيرا فقال له: ياغُلاَم أسألك باللاّت والعزّى إلا أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما قال له بَحيرا ذلك لأنّه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا أن رَسُول اللَّه(ص) قال له: لا تسألنى باللاّت والعزّى شيئاً،

 

 

فواللَّه ما أبغضت بغضَهما شيئاً قط، فقال له بحيرا: فباللَّه إلّا ما أخبرتني عمّا أسألك عنه. فقال: سلني عما بدا لك. فجعل يسأله عن أشياء من حاله، من نومه وهيئته واُموره، فجعل رَسُول اللَّه(ص) يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوّة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده.

 

 
فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب فقال له: ما هذا الغُلاَم منك؟ فقال: ابني، فقال له بحيرا: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغُلاَم أن يكون أَبُوه حيّاً. قال: فإنه ابن أخي، قال: فما فعل أَبُوه؟ قال: مات واُمه حُبلى به، قال: صَدقتَ، قال: ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليَهُود، فواللَّه لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت لَيُبْغنّه شرّاً، فإنّه كائن لابن أخيك هذا شأن، فأسرع به إلى بلاده.

 

 
فخرج به عمه أَبُو طالب سريعاً حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام، فزعموا فيما يتحدث الناس أن زبيراً وتمّاماً ودَرِيساً وهم نفر من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رَسُول اللَّه(ص) – في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمّه أبي طالب – أشياء فأرادوه، فردّهم عنه بحيرا وذكّرهم اللَّه وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته، وإنهم إن أجمعوا لِمَا أرادوا لم‏يخلصوا إليه، حتى عرفوا ماقال لهم، وصدّقوه بما قال. قال: فتركوه وانصرفوا.

 
وقال أَبُو طالب في ذلك من الشعر يذكر مسيره برَسُول اللَّه(ص) وما أراد منه أولئك النفر وما قال لهم فيه بَحيرا:

 
إنّ ابن آمنة النبي مُحَمَّدا
عندي بمثل منازل الأولادِ

لمّا تعلّق بالزمام رحمته
والعيس قد قلّصن‏(39) بالأزوادِ(40)

فارفضّ من عينيّ دَمْع ذارف
مثل الجمان مُفَرّق الأفرادِ

رَاعَيت منه قرابةً مَوصولةً
وحفظت فيه وَصيّةَ الأجدادِ

وأمرته بالسير بينَ عمومة
بيض الوجوه مصالت أنجاد

ساروا لأبعد طيّة مَعلومةٍ
فلقد تباعد طَيّة المُرتَادِ

حَتى إذا ما القوم بصرى عاينوا
لاقوا على شَرَكٍ مِنَ المِرصَادِ

خبراً فأخبرهم حَديثاً صادقاً
عنه وَرَدَّ معاشر الحُسَّادِ

قوماً يَهوداً قد رأوا ما قد رأى
ظلّ الغمام وعزّ ذي الأكبادِ

ساروا لقتل مُحَمَّد فنهاهُم
عنه وأجْهَدَ أحسن الإجهَادِ

فثنا زبيرا بَحِيرا فانثنى
في القَوم بعد تجاولٍ وبعَادِ

ونهى دَرِيساً فانتهى عن قوله
حبراً يوافق أمره برشادِ

وقال أَبُو طالب أيضاً:
ألم ترني من بعد همّ هممته
بفُرقَة حرّ لوالدين كرام

بأَحْمَد لمّا أن شَددتُ مطيّتي
رحلوا وقد ودّعته بسَلام

بكا حزناً والعيسُ قد فصلت بنا
وأخذتُ بالكفين فضل زمام

ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة
تجود من العينين ذات سجام

فقلت: يروح راشداً في عمومةٍ
مَواسير في البأساء غير لئام

فرحنا مع العير التي راح أهلَها
شآم الهوى والأصل غير شآم

فلما هبطنا أرض بُصرى تشرّفوا
لنا فوق دور ينظرون جَسام

فجاء بحيرا عند ذلك حاشداً
لنا بشرابٍ طيّب وطعام

فقال: اجمعوا أصحابكم لطعامنا
فقلنا: جمعنا القوم غير غُلاَم

يتيما، فقال: ادعوه إن طعامنا
كثير عليه اليوم غير حرام

فلما رآه مقبلاً نحو داره
يوقّيه حر الشمس ظل غمام

حنى رأسه شبه السجود وضمّه
إلى نحره والصدر أيّ ضمام

وأقبل ركب يطلبون الذي رأى
بحيرا من الأعلام وسط خيام

فثار إليهم خشية لعرامهم
وكانوا ذوي دهى معا وعُرام‏(41)

دريساً وتماماً وقد كان فيهم
زبيراً وكل القوم غير نيام

فجاؤوا وقد همّوا بقتل مُحَمَّد
فردهم عنه بحسن خصام

بتأويله التوراة حتى تفرّقوا
فقال لهم: ما أنتم بطغام

فذلك من أعلامه وبيانه
وليس نهار واضح كظلام‏(42)

شاهد أيضاً

مقاطع مهمه من كلام الامام الخامنئي دامت بركاته تم أختيارها بمناسبة شهر رمضان المبارك .

أذكّر أعزائي المضحين من جرحى الحرب المفروضة الحاضرين في هذا المحفل بهذه النقطة وهي: أن ...