الرئيسية / من / قصص وعبر / المسيح في ليلة القدر15

المسيح في ليلة القدر15

الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ

 الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ – رواية حضور الإمام الخامنئي دام ظله في منزل الشهيد إديك نِرسيسيان في تاريخ 26/12/1985م.

الشهيد إديك نرسيسيان
محل الاستشهاد: سربل ذهاب، كرمانشاه
تاريخ الاستشهاد: 27/ 09/ 1983م
 
 
 
 
174

144

الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ

 لقد مضت ساعتان أو ثلاث على الغروب، لكن ما زال هناك متّسع من الوقت حتّى يحين موعد إطفاء المصابيح في مكتب رئيس الجمهوريّة.

برنامج هذه الساعة هو اجتماع مع عدد من المسؤولين الاقتصاديّين كان قد حُدّد من قبل ليوم الأربعاء 27/12/1985م. ليس اجتماعًا مكتظّاً، إنّهم أربعة أو خمسة أشخاص، مثل كثيرين، لا يُقدّرون أبداً قيمة وقت رئيس الجمهوريّة. لقد جاؤوا لأجل الشكوى، لأجل التبرير لأنفسهم والتحدّث عن الآثار المدّمرة للآخرين. والسيّد الخامنئي مع اطّلاعه الكامل على المشكلة ودور هؤلاء السادة فيها، يسعى كما في أكثر الموارد المتعلّقة بالحكومة والوزراء إلى تقليل الخلافات والتشجيع على السَّيْر قُدُماً في سبيل حلّ مشكلات الناس؛ الناس الّذين هم في قلبه حقّاً، والذين يُفضّل الجلوس معهم على الحضور في اجتماعات ليس لبعضها أدنى أثر. 
تلفاز الـ”21″ إنشاً ماركة “بارس” بالهيكل والأرجل الخشبية مضاءٌ في زاوية غرفة الاجتماعات. ومع أنّ صوته قد كُتم، لكنّ رئيس الجمهوريّة ينظر إلى الشاشة بين الفينة والأخرى. يجري عرض برنامج حول عوائل شهداء الدّفاع المقدّس، أي حول أحبّ الموضوعات إلى السيّد الخامنئي. وما يلفته أكثر أنّ عائلة الشهيد هذه لا تبدو عائلة مسلمة. ليته كان من الممكن أن يستمرّ هذا الاجتماع بالاستماع لدقائق إلى كلمات أمّ الشهيد هذه، ولكن لا تجري الأمور هكذا وينتهي البرنامج.
ورغم ذلك، فالسيّد الخامنئي مسرور، لأنّه غداً ليلاً وطبق توصياته، وكما العام الماضي في أيّام رأس السنة الميلادية، سيزور عدداً من عوائل الشهداء المسيحيّين.
كان ماركار وأمّه وأبوه قد جلسوا أمام شاشة التلفاز بانتظار عرض مقابلتهم. اتّصل ماركار بأختَيْه هيلدا وأوفيليا، وأخيه ألبرت، ليُشاهدوا البرنامج أيضاً، وكذلك اتّصل بكلّ العائلة والمعارف. خلاصة الأمر، كلّ أرمن حيّ “التسليحات”، ولعلّه كلّ أهالي طهران، كانوا
 
 
 
 
175

145

الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ

 ينتظرون البارحة مشاهدة عرض المقابلة، فماركار هو كابتن فريق آرارات لكرة القدم، والكلّ يعرفونه. 

قبل أربعة أيّام، كانوا قد جاؤوا وأجروا مقابلة حول الشهيد إديك نرسيسيان، مع أمّ الشهيد وأخته وأخيه. وليلة البارحة كان زمان عرضها. لكنّ أسوأ حادثةٍ يُمكن أن تقع وقعت، انقطعت الكهرباء. 
كان انقطاع الكهرباء أمراً عاديّاً جدًّا، ويحدث كلّ يوم، لكن في تلك اللّيلة وقبل عرض البرنامج تماماً أدّى انقطاعها إلى الاستياء الشديد عند عائلة الشهيد، وبالخصوص والدته. لقد تضايقت كثيراً. الجميع شاهد البرنامج ما عداهم. الجميع رأوا كيف تحدّثت أمّ الشهيد عن شهادة ابنها إديك بتلك القوّة والروحية، وقالت: “كان هذا واجبنا، أن نفدي بلدنا، ونُقدّم شهيداً، ونحن نفتخر بذلك”. 
منذ ليلة البارحة، وفور انتهاء عرض البرنامج، بدأت الاتصالات الهاتفية تنهال، كانوا يتّصلون ويثنون على المقابلة، يقولون لا فُضَّ فوكِ، بوركتِ، يا لهذا الكلام الذي سمعناه منكِ! حتى إنّ مدرّب وأعضاء فريق آرارات لكرة القدم، وكذلك قسّ الكنيسة المحليّة وممثّل الأرمن في المجلس، قد اتّصلوا جميعهم أيضاً وشكروا والدة الشهيد على تلك المقابلة الرائعة. واليوم أيضاً، ما زالت الاتصالات الهاتفيّة متواصلة، كثير من أهل الحي، حتى المسلمون منهم، يأتون إلى باب البيت ويتحدّثون مع والدة الشهيد.
من بين هؤلاء المعارف، أتى عدّة أشخاص غرباء، ظاهرهم يوحي بأنّهم من التعبئة. يُفكّر ماركار في نفسه أنّهم حتماً من أهل المنطقة وقد جاؤوا كما البقيّة ليُقدّموا شكرهم على مقابلة اللّيلة الماضية. يتقدّم نحو الباب، ويُسلّم الضيوف عليه لكنّهم لا يأتون على ذكر البرنامج والمقابلة.
– هل والد ووالدة الشهيد موجودان في المنزل اللّيلة؟
– نعم. لماذا؟
– الموضوع ليس خاصّاً، يودّ بعض المسؤولين القدوم لزيارة عائلة الشهيد. 
الأمر طبيعي جدًّا. يقول ماركار في نفسه، إنّهم بالتأكيد من مؤسسة الشهيد أو أمثالها، ومجيئهم هو بسبب مقابلة ليلة أمس.
 
 
 
 
176

146

الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ

 بعد الغروب بساعة تقريبًا يدقّ باب المنزل، ويدخل أولئك الرجال مع عدّة أشخاص آخرين. يستقبلهم ماركار الّذي ظنّ أنّ هؤلاء السادة هم الضيوف ويقول تفضّلوا إلى الداخل، تفضّلوا بالجلوس. ولكنّ الضيوف يقولون إنّ الضيف الأساسي لم يصل بعد. إنّه في الطريق. ثمّ شيئاً فشيئاً وبالتدريج يوضّحون أنّ رئيس الجمهورية السيّد الخامنئي سيأتي. 

عائلة الشهيد أصلاً لا تُصدّق. لقد أُصيبت والدة الشهيد بالصدمة، تجول بسرعة في المنزل حتى تُرتّب كلّ شيء. تضع الفاكهة والحلوى على طاولة الطعام الكبيرة الّتي ملأت ردهة المنزل، وتُرتّب الكراسي حولها. يقول السادة: لا تُتعبي نفسك أيّتها الوالدة. هذه الأعمال ليست لازمة. لكنّ والدة الشهيد لا تهدأ. يُحضر الضيوف معهم باقة ورد وصورة للإمام الخميني فيأخذها ماركار ويضعها على منضدة في نهاية الردهة. 
يعلو صوت طرق الباب مجدّداً، وعندما يدخل السيّد الخامنئي إلى المنزل يثبت لهم أنّ رئيس الجمهوريّة فعلاً هو ضيفهم. هم متأكّدون أنّ حضوره بسبب تلك المقابلة. 
يجلس السيّد الخامنئي على رأس الطاولة، ويجلس ماركار ووالد الشهيد إلى يساره، وإلى يمينه مرافقوه. بين مرافقيه ثلاثة شباب يشبهون بعضهم البعض، ومن الواضح أنّهم إخوة. ولا تعرف أسرة الشهيد من هم، ولا ترى السؤال عنهم لائقًا.
 
 
 
 
177

147

الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ

 تشعر والدة الشهيد بالخجل من الاقتراب، لقد وقفت أمام باب المطبخ، لكنّ السيّد الخامنئي عندما يراها يسأل:

– هل هذه أمّ الشهيد؟
يتعجّب ماركار، ألم يُشاهدها البارحة في التلفاز، ولكنّه يُجيب على أيّ حال: نعم.
يُسلّم السيّد الخامنئي على الوالدة ويقول:
– كيف حالكم؟ إن شاء الله بخير؟ تفضّلوا اجلسوا هنا.
تأتي الوالدة لتجلس إلى جانب زوجها وتقول: مجيئكم عزيز علينا.
في أكثر منازل الشهداء يجلس السيّد الخامنئي على الأرض. قلّة منهم تتمتّع بوضع أحسن وفي منازلهم كنبات. لكن في معظم منازل الأرمن، تُعدّ طاولة الطعام من الضروريّات، حتّى أولئك المستضعفون منهم والّذين لا يمتلكون كنبات، تكون الطاولة وكراسيها موجودة في منازلهم. وهذا الأمر يُعطي شكلاً جديداً لجلسات السيّد الخامنئي مع عوائل الشهداء.
إنّها أيام عيد المسيحيّين، ورئيس جمهوريّة إيران الإسلاميّة قد جاء إلى منزل أسرة شهيد مسيحي للمعايدة.
– إن شاء الله تكون هذه الأيام مباركة عليكم ويكون شهيدكم العزيز الّذي استشهد في سبيل بلده ووطنه سبب رفعتكم في الدنيا والآخرة، وقرّة عين لكم، ومصدر سرور لقلوبكم. نحن شركاؤكم في هذا المصاب، ونعتبر الشهيد أحد أبنائنا. أهذه صورة الشهيد؟
يُشير السيّد إلى صورة صغيرة على الطاولة. يقف ماركار أخو الشهيد ويُقدّم للسيّد الخامنئي صورة إديك باللّباس العسكري. ينظر السيّد إلى الصورة بمحبّة واهتمام. 
– متى استشهد؟
ماركار: في السابع والعشرين من شهر أيلول سنة 1983م.
– هل كان في الجيش؟
الأم: نعم. كان رقيباً في منطقة “سربل ذهاب”1 وأطرافها.
 

1- من المدن الحدوديّة في محافظة كرمانشاه التي تعرّضت في بداية الحرب إلى هجوم البعثيّين ويوجد فيها معسكر أبو ذر التابع للجيش.
 
 
 
 
178

148

الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ

 لم يجلس ماركار بعد. يذهب ويجلب لوحة أخرى كانت معلّقة على الجدار المقابل للسيّد. 

– هذه أيضاً قد وصلتنا من قِبَلكم.
– أها. نعم.
إنّها شهادة تقدير مختومة بإمضاء رئيس الجمهورية تمّ إهداؤها إلى أُسر شهداء الجيش.
– مأجورين إن شاء الله. 
هرم الوالد قد أسكته. يتّضح من وجهه أنّه قد عانى الأمرّين في حياته. رأسه مطأطئٌ في الأغلب وقليلاً ما يتكلّم. يسعى القائد أن يستنطقه بالسؤال، لكنّ الأمّ والأخ يُجيبان في الأغلب.
– كم ولد لديكم؟
الوالد: أربعة.
– أسأل الله أن يحفظ لكم البقيّة.
الأم: كان لدينا خمسة والآن صاروا أربعة. صبيّان وبنتان، وابن استشهد. 
– حسناً. الشهيد حيّ.
 
 
 
 
179

149

الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ

 الأب: نعم، نعم.

الأم: فقد استشهد في سبيل الوطن.
– أسأل الله أن يتقبّل منكم ويمنّ عليكم بالتوفيق.
يتوجّه السيّد مجدّداً إلى الوالد ويسأله عن عمله. يُجيبه بصوت ضعيف أنّه يعمل في معمل للّحوم المعلّبة. حتّى هذه الجملة نفسها قولها صعب عليه، ويبدأ بالسعال. توضّح الأم الّتي ظنّت أنّ أحداً لم يفهم كلام زوجها وتقول إنّه عامل في معمل.
– هذا السيّد هو ولدكم أيضاً؟
تُجيب الأمّ بلهجتها الأرمنيّة الثقيّلة: هذا أحد ولديَّ. الثاني ليس في المنزل. لم يكن يعلم أنّ جنابكم العالي ستُشرّفوننا.
– حسناً. أوصلوا سلامنا إليه.
– دمتم سالمين.
يسأل القائد والدة الشهيد: ألم يكن ولدكم متزوّجًا؟
كُنّا قد خطبنا له. ولكن لم يكن قد تزوّج بعد.
– استشهد في سومار أو أين قُلتم؟
يُجيب الأخ: “سربل ذهاب”، كان مهندس كاسحات ألغام.
– كاسحات ألغام؟
– نعم. كان معاوناً لقائده. وبسبب الخبرة التي أظهرها كان قائده قد قرّر أن يُدخله في سلك الموظّفين العسكريّين حالما ينهي خدمة الجنديّة.
يقول القائد وهو ينظر إلى صورة الشهيد بحزن ومحبّة: رحمه الله!
ثم يُكمل بصلابة:
– في النهاية، هذه التضحيات هي التي تحفظ البلاد والشعوب وتحفظ عزّتها. والأفضل دائماً هم الذين يُضحّون حتى تتمكّن الشعوب من العيش بأمن وسلام. دائماً المسألة هكذا. انظروا أنتم، شهداء المسيحيّة في بداية المسيحيّة هم كشهدائكم – هم شهداؤنا أيضاً بالتأكيد، ليسوا شهداءكم أنتم بشكل خاص لأنّ عيسى المسيح هو نبيّنا أيضاً وليس نبيّ المسيحيّين فقط، نحن أيضاً نعتبر هذا الإنسان نبياً – أولئك الشهداء الذين استشهدوا في
 
 
 
 
180

150

الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ

 بداية المسيحيّة لو لم يُقدّموا هذه التضحيات لما كان اليوم للمسيح وللإنجيل وللتعاليم المسيحيّة أي خبر أو ذكرى. لقد ضحّوا هم، والمسيحية اليوم حيّة بفضلهم.

هذا التعبير والتشبيه وهذه الأخبار عن بداية المسيحيّة كانت جديدةً بالنسبة إلى أكثر أفراد العائلة وقد أثارت تعجّبهم. تقول والدة الشهيد الّتي استذوقت كلام القائد: ما من شيء في هذه الدنيا يُمكن أن نصل إليه من دون تضحية. لا شيء أبداً.
– أحسنتِ. أحسنتِ.
يقف أخو الشهيد مجدّداً، ويجلب مجلّةً من طرف الطاولة ويُقدّمها للقائد ويقول: هذه المجلّة قد طبعت سيرة حياة الشهيد.
– حقّاً، مجلّة ماذا؟
– مجلّة العائلة. هذه أيضاً صور الشهداء.
يتصفّح القائد المجلّة ويقول: جيّد جدًّا. هذه المقابلة مع هذه السيّدة؟
– مع والدتي ومعي ومع أختي.
يسرّ القائد بشكل واضح من الروحية العالية التي تتمتّع بها والدة الشهيد الأرمني. ويقول لها: معنوياتك جيّدة جدًّا والحمد لله. هذه الروحية كما تعلمين هي فخر لنا. معنويات كهذه هي أساس رفعتنا.
 
 
 
 
181

151

الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ

 الأم: هذا واجبي الإنساني.

– ونحن نفتخر أيضاً أنّنا نعيش بين أناس مثلكم وأنّنا موجودون في زمانكم. المسؤوليّة على أكتافنا تثقل بسبب العظمة الّتي تُظهرونها. وفّقكم الله وحفظكم دوماً.
تستغرق العائلة في أجواء هذا الحوار اللّطيف وفي جمالية حضور ضيفهم إلى درجة أنّهم نسوا تقديم الضيافة، فيتناول السيّد الخامنئي بنفسه قطعة حلوى ويقول:
– نحن نأكل من هذه الحلوى ونذهب.
يقول ماركار بخجل: العفو منكم”. ويُضيف: سيّد. أنتم مدعوون إلى العشاء.
– يجب أن نذهب. ينبغي أن نقصد أمكنة أخرى.
يستشعر أخو الشهيد أنّ اللقاء قد أوشك على الانتهاء لكنّ سؤالاً او اثنَيْن لا يزالان يُحيّرانه، وبسبب حميميّة الضيف فإنّ خجله من طرحهما قد زال الآن.
ينظر إلى الشباب الثلاثة الذين يجلسون مقابله ويسأل:
– سيّد. هؤلاء أولادكم؟
يُجيب السيّد وهو يشير إلى جميع مرافقيه:
– بعضهم أولادي وبعضهم أصدقائي.
 
– أيهم أولادك؟
– هؤلاء الثلاثة. ثلاثتهم أبنائي.
 
 
 
 
182

152

الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ

 يُردّد جميع أفراد العائلة: حفظهم الله لك.

ينظر الجميع الآن، مدهوشين، إلى هؤلاء الفتية الثلاثة الذين طأطؤوا رؤوسهم خجلاً. لقد جلسوا بالترتيب من الصغير إلى الأكبر، السيّد ميثم جلس قرب الوالد، ومن بعده السيّد مسعود ثمّ السيّد مجتبى. هذه البساطة والحميميّة وحضور رئيس جمهوريّة إيران الإسلاميّة برفقة أبنائه الثلاثة إلى منزل عائلة أرمنيّة من دون أيّ تشكيلات وتشريفات وتكلّف، كلّ هذا هو واقعاً أمرٌ عجيب وعذب بالنسبة إليهم. 
بساطة لباس ومظهر هؤلاء الفتية ملحوظة إلى درجة أنّ أحداً لن يُصدّق لو رآهم في ظروف أخرى أنّهم أولاد أعلى مقام تنفيذيّ في البلاد.
كان السيّد الخامنئي يُحضر معه أولاده منذ طفولتهم إلى لقاءات العوائل البسيطة والمؤمنة والمضحيّة للشهداء1.
في النهاية يفقد أخو الشهيد قدرته على الصبر ويطرح بنفسه موضوع برنامج المقابلة التلفزيونيّة في اللّيلة الماضية. هو متأكّدٌ أنّ رئيس الجمهورية قد جاء إلى منزلهم بسببها، وانطلاقاً من هذا الافتراض يبدأ كلامه بالحديث عن انقطاع الكهرباء ليلة الأمس. 
لقد كان من سوء حظّنا أن انقطعت الكهرباء عندنا البارحة، ولم نتمكّن من مشاهدة المقابلة. لقد شاهدها جميع أقاربنا ومعارفنا إلاّ نحن.
يتذكّر السيّد الخامنئي صورة البرنامج الّذي كان يُشاهده من دون صوت البارحة. يقول
 

1- واليوم أيضاً يعيش الأبناء المحترمون لقائد الثورة المفدّى في أبسط معايير العيش سواء المادّية منها أو المرتبطة بالمناصب والمسؤوليات. يعيشون بين الناس بالحدّ الأدنى من دون أن يعرفهم الناس في المجتمع أو أن يلفتوا هم نظر الناس إليهم من خلال المواكب الفخمة والتشريفات الّتي لا داعي لها. أربعة شباب وابنتان، قد نشؤوا جميعاً على هذا النحو وهكذا يعيشون. في سنوات الحرب كان السيّد مصطفى، ابنه الأكبر، حاضراً مع التعبويين في الجبهة منذ السنوات الأولى. وابنه الثاني السيّد مجتبى التحق أيضًا بصفوف القتال في الجبهة عندما بلغ السنّ القانوني، حتى إنّهما في إحدى العمليات قبيل انتهاء الحرب كانا في الصفوف الأمامية وقد شارفا كلاهما على الاستشهاد في حين لم يكن يعلم هويّتهما إلا قادتهم العسكريّون. في الوقت الحالي الأبناء الأربعة هم علماء دين ويعملون في مجال التدريس والبحث والتحقيق والأنشطة الثقافية. وصهراهما يُدرّسان أيضاً في الساحات الجامعية والثقافية. إنّ تربية وشخصية أبناء رئيس جمهورية إيران والذي صار فيما بعد قائدًا لهذا النظام، ونمط عيش زوجته الكريمة لهي حكاية جديدة للعالم والتاريخ، تُثبت أنّ بمقدور الإنسان ولو كانت سلطته تامّة على الموارد ويتمتّع بالرعاية القصوى أن لا يعتدي أو يحيد عن الحقّ والعدل وأن يعيش الكفاف فقط. وهذا الذي يُباهي به دين الإسلام وتفتخر به دولة إيران وهي تُفاخر كذلك أيضاً بقائد وأسرة وأبناء كهؤلاء. 
 
 
 
 
183

153

الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ

  “السيّد” “شمقدري”1، وهو من أصدقاء القائد القديمين وكان جالساً إلى جانبه، وقد شاهد المقابلة: لقد كانت مقابلة جيّدة جدًّا.

يُشير السيّد الخامنئي إلى والدة الشهيد ويسأل: البارحة؟ كانت هذه السيّدة؟
يُجيب أخو الشهيد باستغراب: نعم!
– حقّاً! لقد رأيتكم البارحة؛ كُنتِ تلبسين النظّارات.
الأم: أجل، أجل.
– كنت في اجتماع ليلة أمس، وأثناءه كنتُ أُشاهد التلفاز، لكن من دون سماع الصوت. إذاً كانت المقابلة هنا.
كلام القائد هذا يُثبت لأخي الشهيد أمراً واحداً؛ وهو أنّ ضيفهم اللّيلة لم يأت بسبب مشاهدته المقابلة، فهو لم يكن يعلم حتى الآن أنّ هذه العائلة هي التي أُجريت المقابلة معها في اللّيلة الماضية. وهذا الأمر بحدّ ذاته غير قابل للتصديق بالنسبة إليه. يوضّح: نعم. لقد أجروا مقابلة معي ومع والدتي ومع أختي. ولكن نحن لم نُشاهدها.
يقول السيّد لأحد مرافقيه: أنتم تواصلوا مع العلاقات العامّة خاصّتنا واسألوا. انظروا إن كانت هذه المقابلة المصوّرة موجودة أم لا. إن وجد الفيلم أرسلوه إلى هنا ليشاهدوه، أعطوه لهم. سجّل عندك حتّى لا تنسى.
يقول أخو الشهيد: أنتم فقط اتصلوا وقولوا لي أين، وأنا آتي بنفسي لأستلم الفيلم. أنتم لا تُتعبوا أنفسكم. 
وبينما يتناول قطعة حلوى يُشير السيّد الخامنئي إلى الجميع حتّى صاحب المنزل نفسه، أن: تفضّلوا، ألا تأكلون الحلوى؟! 
وينشغل الجميع.
 

1- كان الحاج علي شمقدري ومنذ الستينيّات وفي مرحلة الشباب ملازماً لمنبر آية الله الخامنئي في مشهد، ومرافقًا له في جميع نشاطاته الثوريّة. وعندما تمّ نفي السيّد الخامنئي من قِبَل النظام البهلوي إلى إيرانشهر تحمّل السيّد شمقدري الصعوبات الكثيرة ليذهب إلى إيرانشهر ويقابل سماحته، ولهذا السبب أيضاً تمّ اعتقاله من قِبَل السافاك.
بعد الثورة، جاء الحاج شمقدري مرافقًا للسيّد الخامنئي إلى طهران وفي فترة رئاسته للجمهورية كان هو من أصدقائه المقرّبين وأمين سرّه. الحاج شمقدري أب لشهيد وأخ لشهيد أيضًا. استشهد أخوه في مواجهات الثورة واستشهد ابنه في الحرب المفروضة.
 
 
 
 
184

154

الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ

 – ماذا كان اسم ولدكم؟

ماركار: إديك. كان في دراسته التلميذ المتفوّق دائماً. كان في سنته الجامعية الثّانية.
الأم: كان متفوّقاً أينما حلّ وفي كلّ شؤون حياته. سيّد، لديّ خمسة أبناء ولكن هذا الولد غيرهم. كان فريداً، أصلاً كان وحيد عائلته.
– نعم. كان مميّزاً. حسناً أنت قدّمت الأفضل. أفضل الإيثار هو أن يُقدّم الإنسان أفضل ما عنده.
الأم: ،كان هذا واجبي الإنساني، وكان نصيبي أن أُقدّم شهيداً.
– إن شاء الله سيُعطيكِ الله أفضل الأجر. لا ينبغي الاستخفاف بالأجر الإلهي. 
يقول ماركار الذي بات متأكّداً الآن أنّ ضيفه لم يستمع إلى برنامج الأمس: إنّ معنويات والدتي عالية جدًّا.
– الحمد لله.
– في ذلك الوقت الذي استشهد فيه أخي، استشهد معه أيضاً أحد زملائه في المعسكر، كان اسمه فيّاض واثقي. والدتي، وقبل أن تذهب لزيارة ضريح أخي، ذهبت أولاً إلى منزل فيّاض واثقي، باركت لهم بشهادته وعَزّتهم، ثمّ من بعدها ذهبت لزيارة مرقد أخي.
– مدهش!
 
 
 
 
185

155

الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ

 – أنا أعرف القليل من الأمّهات اللّواتي يمتزن بهذا القدر من الصمود. 

– نعم. هذا بيّنٌ. 
– وأنا أفتخر أنّ لديّ مثل هذه الأم. 
– الحمد لله.
الأم: كان واجبي الإنساني.
– دمتِ سالمة إن شاء الله.
ماركار: لقد تحمّلتم عناء المجيء. كنّا في غاية الشوق إلى زيارتكم وإلى رؤيتكم عن قرب.
– الحمد لله أن وفّقنا لرؤية هذه الأسرة الصالحة والشجاعة والقوية عن قرب أيضاً. أنا لم أكن أعلم أنّ هذه السيّدة التي كانت تُعرض مقابلتها على التلفاز ليلة البارحة هي الّتي سنزورها الليلة. والآن قد جرت الأمور على هذا النحو صدفة. 
يقول “السيّد” شمقدري بسرور للقائد: من الأمور الّتي قالتها هذه السيّدة البارحة: “لا تظنّ أنّنا نقول هذا الكلام لأنّ أحداً يجري معنا مقابلة. نحن نقول هذا الكلام في كلّ مكان”، كان كلاماً رائعاً جدًّا. 
بعد كلام السيّد شمقدري، يُحضر أخو الشهيد صوراً صغيرة للسيّد الخامنئي عن مراسم إحياء ذكرى شهادة الشهيد، ويوضّح بعض الأمور حولها. ثمّ يقول: في ذلك الزمان الذي أعلن فيه الإمام الثورة الثقافيّة، كان أخي طالباً جامعياً، ثمّ بعد مدّة سنتَيْن بدأ بالتدريس في ثانوية سوغومونيان، كان معلّم رياضيات ورياضة أيضاً. ثمّ ذهب من بعدها إلى الخدمة العسكرية. 
– أمرٌ لافتٌ. نعم لقد كان عنصراً فاعلاً، إنصافاً ومن جميع الجهات. لقد كان مجاهداً على جميع الجبهات.
– كان يلعب كرة الطائرة. وكان كابتن نادي آرارات. جميع أفراد العائلة رياضيّون. أنا أيضاً ألعب كرة القدم. وأنا كابتن نادي آرارات. أخي الآخر كذلك. ثلاثتنا نُمارس الرياضة منذ الطفولة. 
– جيّد جدًّا. 
يتناول السيّد الخامنئي عصاه من على الطاولة:
– حسناً، ينبغي أن أستأذن. لقد سُررتُ كثيراً بلقائكم ولقاء هذه السيّدة ولقاء هذه العائلة، ستترك هذه الزيارة الكثير من الذكريات الحسنة في خاطري. إنّ مشاهدة هذه
 
 
 
 
186

156

الرواية التّاسعة: اللّقاء العائليّ

 المعنويات وزيارتكم لهي من أجمل الخواطر. موفّقون دائماً إن شاء الله.

يقف الجميع لأجل التوديع. تقول الأم التي غمرتها مشاعر الغبطة والسعادة: إنّه لمن دواعي افتخارنا وسرورنا أنّكم تفضّلتم علينا بهذا اللقاء.

– أيّدكم الله. أُقدّم لكم هذا التذكار، لكم وللسيّدة. 

يُقدّم لكلٍّ من الأب والأم مسكوكة ذهبية: هذه مسكوكة الشهيد، سُكَّت باسم الشهداء.

يستلم الوالد والوالدة هدّيتهما ويشكران السيّد.

– في أمان الله. أيّتها السيّدة دمتِ في حفظ الله ورعايته.

من اليمين: السيّد هاملت تومانيان، السيّد ماركار نرسسيان، ابن الشهيد وزوجته المحترمة 06/2014م.

 

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...