الرواية السّادسة عشرة: السّفير
الرواية السّادسة عشرة: السّفير- رواية حضور الإمام الخامنئي دام ظله في منزل الشهيد “ألبرت الله داديان” و الشهيد “فاهيك باغداساريان” بتاريخ 27/12/2005م.
الشهيد آلبرت الله داديان
استشهد في: منطقة سومار، كرمانشاه (غرب إيران)
تاريخ الاستشهاد: 25/07/1987م
الشهيد فاهيك باغداساريان
استشهد في: منطقة دارخوين
تاريخ الاستشهاد: 04/03/1984م
294
248
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
مرّت سنوات ونحن نُرافق سماحة القائد أينما يذهب. من الصّعب جدًّا وصف هذا الشعور. فهو من جهة فرصة لمرافقة سماحته على الدّوام، والّتي لم تُصبح روتينًا أو أمرًا عاديًّا بالنسبة
إليّ حتى بعد مرور كلّ هذه السنوات، ومن جهة أخرى كلّ لحظة تمرّ عليّ أشعر بالقلق والخوف من أن يُصيب سماحته – لا سمح الله – أيّ مكروه. ما زلتُ إلى الآن أُصاب بالإرباك
كلّما أُفكّر بأنّنا نحن المسؤولون عن سلامة هذه الشخصية العظيمة المؤثّرة على الساحة العالميّة، والذي يُشكّل أكبر عدوّ للاستكبار العالمي. مع هذا، لطالما مدّنا هدوؤه وقدرة توكّله على
الله بالطمأنينة. قال لنا مرارًا بتعابير مختلفة، أنجزوا ما هو مطلوب منكم بشكل صحيح ودعوا الباقي، فكلّ شيء بيد الله سبحانه.
زيارة بيوت عوائل الشهداء من أکثر البرامج جاذبيّة وجمالًا (حلاوة) من بين اللّقاءات والبرامج التي نُرافق فيها سماحة القائد. بدأت هذه الزيارات منذ تولّيه رئاسة الجمهوريّة، فقد أبدى
اهتمامه والتزامه بها. خاصّة زمن الحرب المفروضة مع العراق، فقد ازداد عدد الزيارات وكان من النادر أن يؤجّل لقاءً ما معهم. ولا أنسى أنّه حتى في الفترة الّتي كانت تُقصف فيها طهران بالصواريخ، كان القائد يُصرّ على بقاء اللّقاءات في موعدها، وأن لا تؤجّل. كانت كلّ دقيقة من هذه الليالي تمرّ عليّ وكأنّها أيّام من شدّة خوفي وقلقي من أن يسقط صاروخ في المنطقة التي نوجد فيها. في المقابل كان سماحته يجلس ويُحدّث عوائل الشهداء بهدوء تام.
طوال هذه السنين، كانت مسؤولية اختيار عوائل الشهداء على عاتقنا وما زالت حتّى الآن. طبعًا سماحته يُحدّد المعايير ونحن نُباشر العمل. بحيث يتمّ اختيارهم من مختلف مناطق طهران وتُنسَّق الزيارات معهم، فيتفقّدهم سماحته بالتوالي على مرّ السنة. حتى عندما يُسافر إلى المحافظات فإنّه يتفقّد عوائل الشهداء فيها، ويُخصّص ليلة أو ليلتَيْن لزيارتهم، وكُنّا نحن أيضًا من يُنسّق هذه اللّقاءات.
295
249
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
لكلّ سنة موسم خاص لهذه اللّقاءات الّتي تُصادف في شهر كانون الأول، والّذي يتزامن مع ميلاد المسيح عليه السلام ورأس السنة الميلاديّة. يطلب منّا سماحة القائد أن نُنسّق له مواعيد للقاء بعض عوائل الشهداء المسيحيّين، ويختلف طابع هذه الزيارات كليًّا عن غيرها كما هو الحال الليلة.
من المقرّر أن نزور اللّيلة عائلة شهيد أرمني. أول عائلة هي عائلة الشهيد “الله داديان”. لم أكن أعرف أنّه توجد أسماء عوائل عند الأرمن مثل “الله داديان”! كلمة “الله” في اسم أرمنيّ؟
سألت زميلي وهو من أصفهان وعاشر الأرمن في صباه وشبابه عن هذا الموضوع:
– هل يوجد عند الأرمن عوائل مثل “الله داديان” وما شابه؟
قال إنّه سمع بأسماء عوائل مثل “الله داديان” و”الله ورديان” وأنّها أسماء معروفة بين الأرمن. وقال إنّه في أرمنستان نفسها تُسمّى الفتاة “آلاه” في أرمنيا المشتقّة من كلمة “الله”.
تتوقّف السيارة، نترجّل ونتوجّه إلى البوابة، ونقرع جرس الطابق الثاني للمبنى الأبيض الذي هو بيت عائلة الشهيد “الله داديان”. عندما يسمع والد الشهيد صوتي عبر “الإنترفون” يتذكّرني، ويفتح الباب مبتهجًا ويقول: “أهلًا وسهلًا”. أقول بيني وبين نفسي إن فرح بقدومي إلى هذه الدرجة، فکيف لو عرف أنّ ضيفه الحقيقي هو سماحة القائد؟ كيف ستكون حاله؟
لدينا خمس دقائق فقط لنتأكّد أنّ كلّ شيء على ما يُرام أمنيًّا، ثمّ نُعلم العائلة بحقيقة هويّة الضيف. جرت العادة أن لا يعلم أصحاب البيت بهويّة ضيفهم إلا قبل دقيقتَيْن من وصوله. كُنّا نقول لهم إنّ أحد المسؤولين سيزوركم. أو نقول مثلًا سنأتي لنجري مقابلة معكم عن السيرة الذاتية للشهيد. في السابق، لم نكن نُعلم عوائل الشهداء بقدوم السيّد القائد أبدًا، وعندما يدخل عليهم يتفاجؤون ويندهشون. ولكن بعد مدّة، أشار علينا سماحته أن نُعلمهم قبل دقائق من وصوله بالحقيقة، وهذا طبعًا لن يُسبّب مشكلة أمنيّة، كما لن ترتبك العائلة، ويعلمون من هو ضيفهم.
296
250
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
أربعة أشخاص، ندخل البيت وبيدنا باقة ورد وصورة للإمام الخميني الراحل. يوجد في البيت والد ووالدة الشهيد وفتًى في الرابعة عشرة من العمر تقريبًا وبرفقتهم رجل في العقد الأربعين يُحتمل أنّه أخو الشهيد أو صهر العائلة. رفاقي الأمنيّون يتأكّدون من سلامة كلّ شيء، وأنا بصفتي قائد المجموعة بعد السلام والسؤال عن الأحوال، أُخبر الوالد بحقيقة الأمر.
كانت أجمل اللّحظات عندي، في كلّ سنوات خدمتي الّتي تشرّفت فيها بحماية سماحة القائد، هي عندما أبوح لعوائل الشهداء بسرّ زيارة القائد. كان ردّ فعل عوائل الأرمن أكثر جاذبية بالنسبة إليّ من عوائل الشيعة والمسلمين عمومًا. أيًّا يكن، فديانة الأرمن تختلف عن ديانتنا وتختلف نظرتهم لسماحته عنّا.
قال والد الشهيد: “أهلًا وسهلًا”، وبشكل طبيعيّ وعادي جدًّا، ثمّ يستطرد موضحًا أنّه خلال السنوات الماضية جاءت وفود لزيارتهم من مسجد الحي، ومؤسّسة الشهيد، وهيئات تعازي الإمام الحسين عليه السلام، وغيرها وغيرها. وفجأة وسط الحديث، وكأنّ أحدًا صبّ الماء على وجهه، وفطن لما قلته له للتوّ، فيسأل بذهول: “قُلتَ من سيأتي؟”.
– سماحة القائد السيّد الخامنئي!
جمد في مكانه وبقي ينظر إليّ. وضعت يدي على كتفه وقلتُ:
– سيصل الآن! حبّذا لو تُعلم أمّ الشهيد وهذا السيّد بمن سيأتي.
يصل فريق التسجيل والمصوّرون. فأعلم والد الشهيد أنّ سماحة القائد سيصل بعد دقيقتَيْن. يهمّ والدا الشهيد للخروج ليستقبلا ضيفهما في باحة البيت، لكنّي لا أسمح لهما، وأقول إنّ القائد لا يرضى بذلك. لكنّ الوالد يصرّ ويذهب إلى الباب الخارجي. أقف على درج البيت إلى جانب والدة الشهيد والقلق ينهشني، ومن هناك أُراقب وصول القائد وترحيب والد الشهيد له. كلّما زاد ترحيب الوالد وحديثه مع القائد على عتبة الباب كلّما تسارعت دقّات قلبي أكثر قلقًا! فباحة المنزل ليست بالمكان الآمن والمناسب لبقاء السيّد القائد فيه، وهو ممنوعٌ أمنيًّا.
297
251
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
بعد دقيقة، يصعد القائد على الدرج، فيلقى ترحيب والدة الشهيد ويُحيّيها بحرارة. ذاك الفتى الّذي قابلناه عند دخولنا البيت كان يلبس فانيلّا رياضيًّة. عندما سمع صوت الضيوف خرج من غرفته، وهذه المرّة كان يرتدي سترة رياضيّة. طبعًا هو من بادر لهذه الخطوة ونحن لم نطلب منه ذلك. نحن في “فريق الحماية” لم ولن نتدخّل يومًا بنوع ما يرتديه عوائل الشهداء. بل هم عندما يعلمون بهويّة ضيفهم يحاولون أن يرتدوا ما يُناسب استقبال ضيفهم.
يُقبل السيّد القائد ويجلس على المقعد في غرفة الضيوف. تُعدّ غرف الجلوس عند الأرمن من الأمور اللّافتة في بيوتهم. طوال السنين التي كُنّا نزورهم، لم تمرُرْ علينا عائلة لم تكن تقتني
غرفة جلوس في بيتها. حتى تلك العائلات الّتي كانت تُعدّ فقيرة وتعيش في غرفة واحدة كانت تقتني طاولة وكراسي لتناول الطعام!! فهم ليسوا معتادين أبدًا على الجلوس على الأرض، ويظهر أنّ الكرسي والمقاعد (الكنبات) جزءٌ لا ينفكّ من حياة طائفة الأرمن. كما في كلّ لقاء، يطلب السيّد القائد صورة للشهيد، وتمرّ بضع دقائق يستوضح عن شخصيّته ومكان وكيفية استشهاده.
يشرح والد الشهيد أنّ “ألبرت” كان مغوارًا في الجبهة. خدم في منطقة سومار واستشهد إثر شظيّة أُصيب بها.
تحدّث والد الشهيد عن شخصيّة الشهيد الفريدة. كيف أنّه كان ذكيًّا ورياضيًّا في الوقت نفسه. كان حارس مرمى فريق “آرارات”. وكان بارعًا في ميكانيك السيارات وعشقه أن يخدم الناس، وأن يكون مفيدًا. يسترسل الوالد ويحكي ذكريات الشهيد أيّام خدمته العسكريّة في الجبهة:
– عندما كان ألبرت يرجع في إجازة لم يكن يُحدّثنا كثيرًا عن خدمته ويقول فقط: “لا تقلقوا! الأوضاع جيّدة وكلّ شيء على ما يرام”.
298
252
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
عندما كان يتلقّى التدريبات عرض عليه الانضمام إلى صفوف الجيش لشدّة التزامه وتقيّده بالأنظمة.
يُنهي الوالد حديثه فتمرّ دقائق يُلاطف سماحته خلالها أهل البيت. حتى إنّه يسأل الفتى الصغير عن أحواله وإلى أين وصل في دراسته، ويتمنّى له التوفيق. في هذه الأثناء، يتبيّن أنّ الرجل الأربعيني هو صهر العائلة.
– هل كنت صهر العائلة عندما استشهد ابنهم؟
– كُنّا قد تعرّفنا إلى بعضنا البعض حديثاً.
– أين هي زوجتك؟
– خرجت لشراء بعض الحاجيات. لم تكن تعلم بحضوركم يا حاج.
– هذا الفتى ابنكم؟
– نعم يا حاج.
يُنادي أغلب طائفة الأرمن السيّد القائد بلفظ “الحاج”. الوالدان وإخوة الشهيد وأخواته كلّهم هكذا. يعتبرون أنّ كلمة “الحاج” لفظ محترم ولا ينادون به أيًّا كان. بخلافنا نحن الذين لا تُفارق هذه الكلمة ألسنتنا. فأنا مثلًا سبق أن ناديت والد الشهيد بكلمة “حاج” كعادتي.
مظهر والد الشهيد لافت إلى حدٍّ ما. إذ كان يضع خواتم الفضّة التي يضعها المسلمون عادة، خواتم مرصّعة بأحجار الدرّ والعقيق اليماني.
299
253
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
والد الشهيد نشيط وحيويّ. عندما أتيته لأُنسّق لهذا اللّقاء أخبرني أنّه يُعاني من مرض في الأعصاب. لكنّي لم أكن أتوقّع أن أراه نشيطًا كما الآن. كان يبدو وهو يُحدّث سماحة القائد وكأنّه شاب ولم تُفارق البسمة والضحكة شفتَيْه.
– ألك بنت فقط غير الشهيد؟
– لا يا حاج. لدي ولد آخر غيرهما.
– أين هو؟
– يذهب للعمل ويعود عند العاشرة ليلًا. فهو مضطّر أن يُشبع بطوننا. يقولها ممازحًا ويُضحك القائد.
– وحضرتك ماذا تعمل؟
– أنا يا حاج لا أستطيع العمل. لأنّي أُعاني من مرض في الأعصاب.
يسأل سماحته باستغراب: مرض في الأعصاب؟ لكن تبدو شابًّا؟!
– نظهر أنفسنا بمظهر الشباب حتى لا تحزن العائلة.
ثمّ يضحك.. ويضحك معه جميع الحاضرين.
يسأل القائد عن أحوال والدة الشهيد الجالسة بهدوء إلى جانب زوجها مكتفية بالنظر. يظهر أنّها لا تتكلّم كثيرًا وخجولة أيضًا. مع هذا، يُحادثها سماحته ويسأل عن أحوالها ويدفعها
300
254
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
لتُشارك في الحديث. ما يلتفت إليه سماحته في أكثر اللّقاءات هو حال أمّهات الشهداء عندما يأتون إليهنّ بخبر استشهاد أولادهنّ فيسألها عن تلك اللحظة.
– كان قد مضى ستة أشهر على ذهاب ألبرت إلى الجبهة عندما أتانا جندي إلى البيت وأعطاني رقم هاتف. طلب منّي أن نتّصل بهذا الرقم. عندما اتصل زوجي عرفنا أنّ ألبرت قد استشهد.
تبدأ الأم بالحديث عن شخصيّة ألبرت، تقول: كان يعمل في محلّ تصليح سيارات “المرسيدس” و”بي إم دبليو” قبل أن ينتقل إلى الجبهة. كان أفضل ميكانيكي في عمله. يرى في أحد الأيام أحد العمّال الفتية يُحاول فكّ “راصور” لسيارة باهظة الثمن فيذهب إليه ويشرح له كيف يفعل ذلك بدقّة حتى لا يفلت من مكانه. ولكن الفتى يتهاون في عمله ويُكمل ما بدأ من دون أن يُعير اهتمامًا لما قاله ألبرت. فيفلت الراصور ويتهشّم زجاج السيارة. يسمع صاحب المحل الصوت ويخرج من مكتبه فيهمّ ألبرت إليه ويعتذر منه ويقول إنّه السبب في ما حصل، ويدفع له ثمن زجاج السيارة الذي كان مبلغه أكثر من راتب شهر كامل.
تسترسل الأم وهي تروي أخلاق ولدها وتستعيد ذكرياته، ويُصغي إليها سماحة القائد بهدوء وسكينة خاصَّيْن.
ثمّ يأتون بأكواب من الشاي. عندما يراها القائد يقول ضاحكًا: ماذا جلبتم لنا!، يذهب صهر العائلة ليُبدّل الكباية بقدح صغير فيحضر في ذاكرتي أوّل لقاء للقائد مع العوائل المسيحيّة. كان ذلك في العام 1985م أو 86. عندما أتوا بالشاي، لم نعرف ماذا علينا أن نفعل. رحنا ننظر إلى سماحته. وضع مكعّب السكّر في فمه وشرب الشاي ثم أشار إلينا بتناوله. فقال لي أحد أفراد العائلة على انفراد أثناء المغادرة: “كُنّا قد سمعنا أنّ المسؤولين رفيعي المستوى لا يتناولون شيئًا من الطعام أو الماء قبل رجال “المرافقة والحماية ليتأكّدوا من عدم وجود مشكلة. ثم يتناول المسؤول ما قدّم له. لكن ما حصل اليوم هو العكس؟ تناول الحاج الشاي أوّلًا وتبعتموه أنتم”. أمسكت يده وابتسمت فأجابني بابتسامة.
وبما أنّ ألبرت كان ميكانيكيًّا بارعًا، يستذكر سماحة القائد ذكريات الجبهة بما يتعلّق بحضور طائفة الأرمن الفنّيين، ويروي تضحياتهم في تلك الظروف القاسية. يقول والد الشهيد: “إن شاء الله لا تعود تلك الأيام مجدّدًا”.
301
255
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
– نعم، نعم، كلّ ما في الحياة يمضي ويزول. حتّى السعادة لا تدوم، فلو دامت لأصبحت أمراً عادياً للبشر وفقدت لذّتها. هكذا هي الحياة. من استطاع أن يستفيد من هذه الدنيا العابرة ويُرضي ربّه ويخدم عباده هو الفائز الحقيقي.
يقول الصهر: كان ذاك واجبًا علينا جميعًا تجاه بلدنا.
فيلقى كلامه تأييد القائد الّذي يؤكّد بعدها على بصيرة الشهداء والمجاهدين.
– نعم! طبعًا هناك من وعى هذا الواجب وعمل به، وهناك من لم يعمل. لا يفرق هذا الواجب بين مسلم ومسيحيّ. هناك الكثير من المسلمين في منطقتكم لم يُفكّروا بتاتًا بالجهاد ولم يذهبوا إلى الجبهات، وفي المقابل بعض المسيحيّين شاركوا وفي كلّ الميادين.
بينما يسأل سماحته عائلة الشهيد عن زيارتهم للكنيسة، يذكر والد الشهيد أمورًا لم أكن أعرفها من قبل.
– يا حاج! نحن نُقيم في كلّ ليلة من ليالي شهر رمضان برامج في الكنيسة.
يهزّ القائد رأسه علامة التعجّب، وعندما يرى والد الشهيد ذلك يُكمل: ذهبت أكثر من مرّة لزيارة السيّدة المعصومة في قم، وذهبت مرارًا إلى الري لزيارة شاه عبد العظيم. أُحبّ أن أذهب إلى مشهد لكنّي لم أُوفّق حتى الآن.
يتوقّف سماحته قليلاً عن شرب الشاي، ويقول:
302
256
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
– هذا جيّد! ففيه معنويّة للإنسان! حبّذا لو تذهبون لزيارة كربلاء.
تعجّبت كثيرًا. طوال السنوات التي رافقت فيها القائد لم أسمعه يقول هذه الجملة لعائلة أرمنية. كنتُ سمعته يتحدّث عن عشق هذه الطائفة للإمام الحسين عليه السلام لكنّي لم أسمعه يومًا
يُشجّعهم للذهاب إلى كربلاء.
– طبعًا طبعًا! لو فتحت طريق كربلاء سنذهب بالتأكيد يا حاج!
وبينما يُكمل سماحته شرب الشاي يقول الزوج لزوجته شيئاً باللّغة الأرمنيّة، ولم يفهم أحد منّا ما قاله. فيلتفت إلينا القائد ويقول ممازحًا: “حتى الآن لم نتعلّم الأرمنيّة!”.
فجأة يضحك الجميع. حتّى والدا الشهيد يضحكان لمزاح القائد. لكن الوالد يُجيب بجدّية على المزاح ويتحدّث عن سهولة اللّغة الأرمنيّة لينتقل الحديث معه عن اللّغة.
لا أحد يُعطي إشارة بالمغادرة إلى الآن. جرت العادة على أن نقوم أنا وبعض الإخوان بمجرّد أن يهمّ القائد بالمغادرة لنصل قبل موكب سماحته إلى منزل عائلة الشهيد التالي ونُهيّئ الظروف لقدومه. عندما نكون في بيوت عوائل الشهداء المسلمين نُغادر البيت عندما ينشغل القائد بكتابة جمل للتذكار على الصفحة الأولى للمصحف. لكنّنا لا نهدي القرآن للعوائل المسيحيّة. لذلك نُدرك من خلال الأجواء التي تطغى على الجلسة متى يجب المغادرة، فنذهب إلى البيت التالي.
مضى نصف ساعة منذ قدومنا إلى هنا ولكن لا شيء يشير إلى وجود نيّة للمغادرة. يُكمل الصهر الحديث عن اللّغة الأرمنيّة ويُشير لقِدمها لأكثر من ألف وسبعمائة سنة بدليل وجود مخطوطات لها في هذه الفترة.
– صحيح! حروف لغتكم المكتوبة قديمة جدًّا! تُشبه الخطوط الفينيقيّة. أقصد كما خطوط “الكلدان” و”الآشوريّين” القديمة جدًّا.
لا يجد الصهر ما يقوله. يظهر أنّه ليس لديه معلومات عمّا ذكره سماحة القائد. فيتدخّل الوالد ليحكي عن إنجيل أهداه إيّاه جناب الأسقف باللّغة الأرمنيّة. لينتقل الحديث عن “الإنجيل”.
– هل تقرؤون الإنجيل؟ الكتاب المقدّس؟
– ليس باللّغة الأرمنيّة. نقرأه بالفارسيّة فهي أكثر سهولة، لأنّ الإنجيل بالأرمنية صعبٌ
303
257
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
علينا. إذا لم ندرس اللغة الأرمنية (لسنا أصحاب شهادات علميّة). فهم الإنجيل الفارسي أسهل لنا.
أحيانًا، نقيس الجمل الفارسيّة بالأرمنيّة ونستعين بها لفهم موضوعات الإنجيل الأرمني.
– الترجمات الفارسيّة للإنجيل قديمة جدًّا. أنا أمتلك ترجمة فارسيّة ترجع لسنوات طويلة. لا أعلم ما إذا ترجم الإنجيل إلى الفارسيّة حديثاً أم لا. لكنّي أملك الترجمة القديمة. ولدي ترجمة
التوراة أيضًا.
يتكلّم الوالد مع صهره بالأرمنيّة ويستدرك سريعًا وكأنّه لم ينتبه إلى ما فعل فيقول لسماحته مترجمًا ما قاله للصهر: “طلبت منه أن يجلب لكم الإنجيل لتروه. هل تسمحون؟”.
– نعم! لو سمحت.
بينما يذهب الصهر ليأتي بالإنجيل، يستغلّ الوالد الفرصة ليشكر للمرة الرابعة أو الخامسة قدوم سماحة القائد.
يأتي الصهر ويُقدّم كتابًا للقائد. يأخذه سماحته ويتصفّحه.
– هذا ليس إنجيلًا؟
– لا هذا كتاب آخر. يعني بالفارسية “نَفَس الله، حق الله”. هو عبارة عن مجلّدَيْن. يروي المجلد الأول قصة النبي آدم إلى ظهور السيّد المسيح، والثاني يروي ولادة المسيح إلى آخر حياته ويتضمّن سيرة حياته وأقواله.
يُقاطع القائد الصهر قائلًا: وما زال حيًّا. نحن نعتقد أنّ السيّد المسيح ما زال حيًّا.
يرتبك الصهر من هذا الكلام، لأنّه كان يؤيد ما يقوله القائد بقوله: “نعم! بالتأكيد”، لكنّه يتردّد فجأة ويتساءل: “تقصدون أنّه حيّ من الناحية ال.. ؟”.
– القرآن يقول بصراحة إنّه لم يُقتل بتاتًا. ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾1. اليهود الّذين هجموا ليعتقلوا المسيح أخطؤوا ولم ينالوا منه واعتقلوا شخصًا آخر. السيّد المسيح رفعه اللّه إلى عليّين. ﴿بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ﴾2.
1- سورة النساء، الآية 157.
2- سورة النساء، الآية 158.
304
258
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
يعتقد المسيحيّون أنّ المسيح قد صُلب وأنّه سيحيا مجدّدًا، لكن الرواية الإسلاميّة تقول إنّهم لم ينالوا منه ولم يقتلوه ولم يجدوه فارتفع المسيح إلى السماء. هذا هو الاختلاف بين الرواية
المسيحيّة والإسلاميّة.
واليهود يعتقدون أنّ المسيح لم يأت بعد بل سيأتي في آخر الزمان. ثم يقول القائد: “جيّد! كان من الجيّد أن جئنا لزيارتكم”. وبذلك يكون قد هيّأ الأجواء للمغادرة. حينها أخرج أنا ومن معي من البيت.
* * *
نقصد منزل الشهيد التّالي، الشهيد “باغداساريان”. في الطريق، أستذكر السنوات الأولى الّتي كُنتُ أُرافق فيها القائد لنتفقّد العوائل الأرمن. كان ذلك في بدايات الثمانينيات. كان القائد رئيسًا للجمهورية حينها، ولم يكن لدينا لائحة عن أسماء العوائل الأرمن. فكُنّا نذهب إلى أحياء “نارمك” و”مجيدية” و”وحيدية” وغيرها لنبحث عنهم. ندخل إلى محال أصحابها من الأرمن ونضيف كلمة “يان” لآخر أي اسم ونخترع اسم عائلة أرمنية ونسأل مثلًا: “عذرًا! كُنّا نبحث عن بيت الشهيد إبراهيميان!”
وهم يقولون: “ماذا؟ شهيد إبراهيميان؟ لا يوجد أحد بهذا الاسم. عندنا الشهيد آوانسيان والشهيد آزوريان والشهيد باغداساريان.
باغداساريان! لا أدري! أشعر أنّي أعرف هذه العائلة من قبل.
ندخل إلى منزل الشهيد. أمّ وأبو وأخو الشهيد في البيت. بعد السلام والترحيب أطلب الحديث مع الأخ على انفراد، وأشرح له حقيقة قدوم سماحة القائد. لا يتعجّب أبدًا. وكأنّه يعلم مسبقًا.
لكن عندما يعلم أبويه بذلك يفرحان بشدّة. يأتي إليّ الأب ويُقبّلني من شدّة فرحته. يقول: “أصحيح أنّ الأب الفاضل سيُشرّفنا؟”.
أتعجّب بما أسماه به والد الشهيد. هذه أوّل مرّة أسمع أحدًا يُخاطب السيّد القائد بالأب الفاضل. ربّما السبب أنّهم ينادون رجال الدين عندهم بالأب المقدّس. عندما أكّدت له قدوم سماحته قبّلني مجدّدًا وبدأ الحديث عن ذكريات ابنه الشهيد.
– كان اسمه “فاهيك”، كان جسيمًا وشهماً. كلّما كان يرى امرأة أو رجلًا عجوزًا إلى جانب الطريق يوقف سيارته ليُركبهم إلى بيوتهم. كان حسن المعشر والتعامل. عندما كان
305
259
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
يأتي في مأذونية من الجبهة تتغيّر أجواء البيت. مرّة، وصل في الثانية والنصف بعد منتصف الليل. فاستيقظنا جميعًا على صوت روبرت أخي فاهيك الأكبر. وجدنا “فاهيك” قد رجع وأيقظ أخاه بالضرب وهو يقول له: “قم! وهل الآن وقت النوم. هيّا انهض لنأكل الرمّان”. كان قد جلب معه في طريقه إلى البيت صندوقًا من الرمّان من منطقة “ساوة”. (هذه المدينة تشتهر برمّانها ويُصنّف رمّانها بالدرجة الأولى في إيران) فجلسنا جميعًا ليلتها نأكل الرمّان حتى الصباح بينما نستمع إلى أحاديثه وأخباره المضحكة عن الجبهة. هكذا كان يمزح ويُداعب الجميع.
بينما كان يُحدّثني الأب فإذا به تخنقه العبرة فجأة.
– آخر مرّة عندما كان يعود إلى الجبهة، ودّعني أنا وأمّه وذهب وعندما وصل إلى منتصف الزقاق رجع. ظننته نسي شيئًا. لكنّه رجع ليُقبّل يدَيْنا مرّة أخرى. وكأنّه كان يعرف أنّها آخر مرّة يرانا فيها. بعد عدّة أسابيع انفجر لغم مضاد للدروع بالجيب الذي كان يركبه.
شددت على كتفه ودعوته للتصبّر. لكن ما لا يُفارق ذهني هو كيف أنّ أخا الشهيد لم يتعجّب من حضور سماحة القائد وتلقّى الخبر بحالة عادية. مع أنّ البسمة لا تُفارق شفتَيْه لكنّه مرتاح وغير مرتبك. أُفكّر للحظة ما لو كنّا قد جئنا إلى هنا سابقًا، لكنّ البيت غريب عنّي. أنا متأكّد أنّنا لم نأتِ إلى هذا الحيّ وهذا البيت سابقًا.
بينما انشغلت بتفقّد الأمور الأمنيّة أتفاجأ بوجود صورة للإمام الخميني، والتي يهديها مكتب العلاقات العامّة لسماحة القائد لعوائل الشهداء. أمسكت بالصورة وذهبت إلى أخي الشهيد: ألم
يزركم سماحة القائد سابقًا؟
– بلى! زارنا سنة 1984م في بيتنا القديم.
– ولمَ لم تقل ذلك في البداية؟
– لأنّكم لم تسألوا.
– كان يجب أن تُعلمنا حتى لو لم نسأل!
– كن منصفاً لو كُنتَ مكاننا هل كنت ستفعل؟
أرى أنّه على حقّ. لو أبلغوني أنّ القائد آتٍ إلى بيتنا لكنتُ أخفيت الأمر. اتصلت باللاسلكي مع الفريق المرافق للقائد وأبلغتهم بالموضوع.
306
260
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
يصل سماحته بعد بضع دقائق. أسمع صوت سماحته قبل أن أراه يقول: “هل تأذنون؟” يسرع والد الشهيد إلى ممرّ البيت ويقترب من سماحته ويقول: “أيّها الأب الفاضل! البيت بيتكم. لا حاجة للاستئذان. تفضّلوا تفضّلوا..”.
يدخل القائد مع والد الشهيد إلى البيت، وبعد السلام والترحاب ما إن يجلس على الأريكة حتى يقول: “هذه المرّة الثانية التي نتشرّف فيها بخدمتكم”. والد الشهيد سعيد لدرجة لا يُمكنه تمالك نفسه ولا يهدأ في مكانه.
– المرّة السابقة كنتُ في القرية عندما شرّفتمونا. حزنت كثيرًا فقد فاتني لقاؤكم. أشكر الله أنّكم شرّفتمونا هذه المرّة أيضًا.
ثمّ يشرح لسماحته أنّه التقى به من مسافة قريبة عندما تسلّم منه هدية بصفته والد شهيد في الكلّية العسكرية. يظهر أنّ ذلك كان أيام تولّي سماحته لرئاسة الجمهورية.
– أهلًا وسهلًا. فليحفظكم الله دومًا لأنّكم تهتمّون بنا.
أمّ الشهيد غارقة بالنظر إلى القائد. يبدو أنّها لا تُجيد الفارسية كثيرًا وتُجيبه بلهجة خاصة عندما يسأل عن حالها.
يسأل سماحته الأب: كم كان عمره حين استشهد؟
– اثنَيْن وعشرين عامًا. فلتهنأ أرواح كلّ الشهداء ببقاء دولتكم.
307
261
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
– كان متزوّجًا؟
– لا لم يكن.
يحكي الوالد عن ابنه “فاهيك” أنّه كان بارعًا في صنع البطّاريات. كان متخصّصًا في كهرباء السيارات وأوضاعه المادّية جيّدة فقد اشترى سيارة. لكن في آخر مأذونيّة، عندما أتى إلى البيت سجّل السيارة باسم أخيه، وكأنّه يقول فلتكن هذه لك ربما لن أستطيع أن أقودها بعد الآن. كان ماهرًا في عمله لدرجة أنّهم أعطوه عدّة الميكانيك بدلًا من السلاح في الجبهة.
بينما كان “فاهيك” يشتغل بتصليح السيارات كان لا يتوانى عن استغلال أيّ فرصة ليذهب إلى الخطوط الأمامية للقتال. ذات يوم، أعلنوا عبر مذياع الثکنة أنّ الخطوط الأمامية تتعرّض
لإطلاق نار شديد من قِبَل العدو، وأنّهم بحاجة إلى قوّات مساندة. ما إن سمع فاهيك بهذا الخبر حتى حمل سلاحه وأدار إحدى السيارات الموجودة للتصليح من دون الاستعانة بمفتاحها وذهب إلى الخطّ الأمامي من دون استئذان مسؤوله. ونجح بإنقاذ ثمانية أشخاص هناك بمفرده وعاد بهم إلى الخطوط الخلفية. فحصل من مسؤوله على مأذونية لعشرين يومًا بسبب شجاعته ورباطة جأشه. لكنّ “فاهيك” لم يقبل وقال له: “يجب أن يبقى الجنود في مقرّاتهم نظرًا للأوضاع الحالية. فلنؤجّل المأذونيّات إلى ما بعد انتهاء الحرب. الآن هو وقت الحرب فقط”.
يُصغي سماحة القائد للحديث عن الشهيد ويُشيد بشخصيّته، ثمّ يسأل الأب؟
– ما هي مهنتكم؟
– كُنتُ مزارعًا في خمين بداية، لكنّي اضطررت للانتقال إلى طهران بسبب تردّي أوضاع الزراعة ومشاكل متعلّقة بقضية إصلاح الأراضي. بعد أن انتقلت إلى طهران امتهنت تجارة
اللّحوم، والآن لدي بطاقة تُصنّفني كلحّام درجة أولى.
– عجبًا!
– لكنّي تقاعدت الآن.
– لكن اللحّام لا يتقاعد! يُمكنك أن تستمّر في مهنتك إلى متى تشاء. هذه المهنة لها زبائنها دومًا.
308
262
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
– لا! لم يكن لديّ محل. صنّفت أفضل لحّام في معمل إنتاج المرتديلا. ويحكي حينها للقائد قصّة كيف أصبح أفضل لحّام.
– كان هناك شخص باسم الحاج غلام حسين، يقول يجب أن تستخرجوا الغدد من داخل اللحم وهي سليمة، لأنّها غدد سرطانية فلا يجب أن تنفجر ويسيل ما بداخلها على اللحم. عندما كان يأتي هذا الحاج للمراقبة كان يقول إنّ عمل السيّد باغداساريان أفضل من الجميع. لذلك يُصنّف كلحّام درجة أولى. وهكذا تطوّرت في عملي وزاد راتبي.
– جيّد جدًّا، جيّد جدًّا.
309
263
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
ثم يُحدّث سماحته أخا الشهيد:
– وأنت ماذا تعمل يا عزيزي؟
– كل ما كان ينتجه أبي سابقًا أبيعه أنا اليوم. أبيع المرتديلا وأمثالها. لكن سابقًا كُنت أعمل في صيانة المولّدات وتركيب وتشغيل المصانع وغيرها، لكنّ الزمان أتى بنا إلى هنا.
يُقدّم الأخ شرحًا عن عمله، ثمّ يدعو له القائد بالتوفيق. وبعدها يوصيه بوالدَيْه وينصحه بأن يُقدّرهما ويُجلّهما. يضع الوالد يده على صدره شاكرًا سماحته لما قاله عنه.
– أنا راضٍ عن كلّ أبنائي وبناتي وأزواجهم وزوجاتهم وكذا عن أحفادي. لدي سبعة عشر حفيدًا. كلّ واحد أفضل من غيره. جميعهم نوابغ. أنا إنسان لم ينسه ربّه للحظة حتى الآن، ولقد
شرفتموني بزيارتكم مع أنّي إنسان بسيط، وهي إشارة من الله. أنتم مرسلون من عند الله يا حاج. أنتم المرسل الذي يثبت كم أنّ حظّي سعيد وأنّ الله يتذكّرني دائمًا.
– هذا واجبنا.
يدعو الوالد لسماحة القائد ولنا ويقول: فليسعدكم الله ويسعد أبناءكم وكلّ السادة الموجودين هنا.
بما أنّ هذا اللقاء هو الزيارة الأخيرة نستطيع نحن “فريق الحماية” البقاء حتى اللحظة الأخيرة. يتحدّث أخو الشهيد عن علاقة الشيعة الجيّدة بالأرمن وعن العزّة والاحترام اللّذَيْن يتمتّع
بهما أتباع هذا المذهب في الجمهورية الإسلاميّة، وكيف أنّه رأى مرارًا أنّ أمورهم تتيسّر بسرعة.
– الحمد لله على أنّكم راضون.
– نعم نعم، نحن راضون جدًّا.
يُنادي سماحة القائد أحد الإخوان ليأخذ الهدايا منه ويُقدّمها للعائلة. يُعطي هدية للأب وأخرى للأم.
– هذه ذكرى للسيّدة. ذكرى لهذه الليلة. وهذه لجنابكم.
كلاهما يُقبّلان الهدية بنيّة التبرّك ويشكران سماحته.
310
264
الرواية السّادسة عشرة: السّفير
عند المغادرة يقول القائد: أتأذنون لنا بالانصراف؟.
يقول والد الشهيد بابتسامة: ماذا أقول؟ في الحقيقة لست راضيًا على ذهابكم. يسأل سماحته الوالدة أيضًا نفس السؤال: أتأذنون لنا بالانصراف يا سيّدة؟، فتومئ برأسها وتبتسم وتشكره بالأرمنية.
ينهض سماحة القائد ليُغادر منزل الشهيد فاهيك باغداساريان للمرّة الثانية وهو يقول: “فليحفظكم الله، إن شاء الله”.
والد وأخو الشهيد باغداساريان 12-2014م.