الرئيسية / من / طرائف الحكم / الثورة الحسينية: خصائص ومرتكزات‏

الثورة الحسينية: خصائص ومرتكزات‏

أهمية التقوى‏

إن المرء لا يقف على حقيقة مثل هذه التطورات الاجتماعية إلاَّ بعد مرور وقت طويل. وهذا ما يوجب علينا الانتباه والحذر والمراقبة؛ وهو معنى التقوى.. فالتقوى معناها أن يتحرّز على نفسه من ليس له سلطان إلاَّ على نفسه، وأن يتحرَّز على نفسه وعلى غيره من له سلطان على غيره أيضاً.

أما الذين يقفون على رأس السلطة فيجب عليهم التحرُّز على أنفسهم وعلى المجتمع كلّه لكي لا ينزلق نحو التهافت على الدنيا والتعلُّق بزخارفها، ولا يسقط في هاوية حب الذات.

وهذا لا يعني طبعاً الانصراف عن بناء المجتمع، بل يجب بناء المجتمع والاستكثار من الثروة، ولكن لا لأنفسهم، فهذا مستقبح.

يجب ولهذا الحذر من الوقوع في مثل هذه المنزلقات، وإذا انعدم الحذر ينحدر المجتمع تدريجياً نحو التخلي عن القِيم ويبلغ مرحلة لا تبقى له فيها سوى القشرة الخارجية، وقد يأتيه على حين غرّة ويفاجئهُ ابتلاء شديد  كالابتلاء الذي تعرَّض له ذلك المجتمع حين اندلاع ثورة أبي عبد اللَّه  فلا يخرج منه ظافراً وهذا ما حدث مع عمر بن سعد حين عُرضت عليه ولاية الري.

وكانت الري في ذلك الوقت ولاية شاسعة وغنية. ولم يكن منصب الإمارة )على عهد بني أمية( كمنصب المحافظ في الوقت الحاضر؛ فالمحافظون اليوم موظفون حكوميون يتقاضون مرتبات ويبذلون جهوداً شاقة. ولم يكن الأمر حينذاك على هذا النحو. الشخص الذي ينصب والياً كان مطلق اليد في التصرف بجميع الثروات الموجودة في تلك المدينة يتصرف فيها كيف يشاء بعد أن يرسل مقداراً منها إلى عاصمة الخلافة. ولهذا كان لمنصب الوالي أهمية عظمى. ثم شرطوا توليه الري بمحاربة الحسين عليه السلام.

ومن الطبيعي أن الإنسان النبيل وصاحب القِيم لا يتردد لحظة في رفض مثل هذا العرض، ما قيمة الري وغير الري؛ لو وضعت الدنيا بين يديه فلا يعبس بوجه الحسين.. لا يكفهر بوجه الحسين؛ فما بالك بالنهوض لمحاربة عزيز الزهراء وقتله هو وأطفاله. هكذا يقف الإنسان الذي يحمل قيماً. ولكن حينما يكون المجتمع خاوياً ومجرداً من القيم، وحينما تضعف هذه المبادى‏ء الأساسية بين أفراد المجتمع، ترتعد الفرائص عند ذاك، وأكثر ما يستطيع المرء عمله في مثل هذا الموقف هو أنه يستمهلهم ليلة واحدة للتفكير في الأمر. وحتى لو أنه فكَّر سنة كاملة لوصل إلى نفس النتيجة ولاتَّخذ نفس القرار؛ إذ لا قيمة لمثل هذا النمط من التفكير، إلاَّ أن الرجل فكَّر في الأمر ليلة وأعلن في اليوم التالي عن موافقته على ذلك العرض. إلاَّ أن اللَّه تعالى لم يمكِّنه من بلوغ تلك الغاية. وكانت نتيجة ذلك أن وقعت فاجعة كربلاء.

شاهد أيضاً

السياسة المحورية ونهضة المشروع القرآني لتقويض المصالح الغربية العدائية

فتحي الذاري مأخذ دهاليز سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والمصالح الاستراتيجية في الشرق الأوسط تتضمن الأهداف ...