تحاصر التُّهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة دون أن تنال من “حرّيته”. الحاكم لا يزال حتى الساعة حرًا طليقًا رغم سجلّه القضائي “غير النظيف”. ورغم كل الشُبهات القضائية المحلية والخارجية لا يزال الرجل آمرًا ناهيًا في سدّة الحاكمية. ثمّة تجاهل مقصود وتعام عن تجاوزات سلامة الواضحة وضوح الشمس. ثمّة من يريد لهذا الرجل أن يبقى باب خراب للبنان. تتّفق الأغلبية على أنّ حاكم البنك المركزي لم يترك ملفًا معيشيًا إلا وفاقم أزمته. “تركة” الحاكم في هذا السياق كثيرة ومتنوّعة، لكن قلّة من ترفع الصوت في وجهه. قلّة من تتجرأ على المس به. في قاموس البعض، يعتبر استدعاء سلامة للتحقيق من الكبائر رغم كل ما قيل ويقال عن اختلاس وتبييض أموال وتركيب “طرابيش” كما يحلو له، وتوريط السياسة النقدية بما لا تقوى على حمله.
مرجع قضائي يستغرب كيف لا يزال سلامة مؤتمنًا حتى هذه اللحظة على السياسة النقدية. وفق قناعاته، لو أن سلامة في بلد آخر غير لبنان لكان منذ زمن يقبع في السجن ويبقى فيه حتى يوم القيامة، لكن ثمّة من لا يزال يؤمّن الحماية والغطاء لحاكم البنك المركزي وفي المقدّمة الولايات المتحدة الأميركية. على ذمّة مرجع قضائي يكشف لموقع “العهد” الإخباري أنه “عندما سُئل القادة الأمنيون عما اقترفوه من عدم تنفيذ أوامر القضاء وتحوير المحاضر والوقائع كانت الإجابة “صادمة”. المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا قال إن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اتصل به وطلب منه عدم تنفيذ إشارة إحضار سلامة الصادرة عن المدّعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون لأنّ السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا اتصلت به (ميقاتي) وطلبت منه عدم تنفيذ هذا الأمر”.
ويشدّد المرجع القضائي على أنّ ثمّة مؤامرة للقضاء على البلد، فلو قدّر للشعب الاطلاع عن كثب على ما اقترفه سلامة من “مجازر” بحق الاقتصاد والبلد والمال العام لما هدأ له بال قبل أن يراه بأم العين في السجن. ويلفت المرجع الى أنّ القاضية عون مصرة على استكمال تحقيقاتها مهما كلّف الأمر وقد تطال الادعاءات نواب حاكم المصرف المركزي الذين لم يحركوا ساكنًا أمام كل التجاوزات التي ارتكبها سلامة.
ووفق المرجع، ثمّة استجوابات جديدة ومعلومات جديدة ستستكمل بها عون الملف. وقد طلبت عون من فرنسا تقرير خبراء عن الشقة التي استأجرها سلامة والتي كان يدفع بدل ايجارها 60 ألف يورو شهريًا من أموال مصرف لبنان. وبحسب المصدر، ثمّة اعترافات من مسؤولين في المصرف بأن هذا المبلغ كان يُحوّل كل شهر الى فرنسا.
كما يلفت المرجع الى أنّ ثروة سلامة المقدّرة بملياري دولار لم تأت من ملعقة الذهب التي ورثها عن والديه. ثمّة تهم بالجملة بحق هذا الرجل بدءًا من التلاعب بقيود وميزانيات المصرف، وليس انتهاء بإخفاء الخسائر والتزوير الجنائي. وفق المرجع، بدل أن يكشف سلامة عن الواقع الحقيقي للمصرف المركزي كان يعمد الى إخفاء الخسائر ويمارس التزوير الجنائي. وهنا تشدّد المصادر على أنّ الملف الذي تملكه عون كبير ومُحكم ويحتوي على خبرة فنية وتقارير لصندوق النقد الدولي الذي حذّر سلامة منذ عام 2015 من أنّ ثمة خسارة بقيمة 5 مليارات دولار لكنّه لم يكترث وواصل تخبئته للخسائر، وفي عز الأزمة في أواخر عام 2019 حوّل للبنوك 8 مليارات “فريش دولار”.
ملف شركة “FORRY ASSOCIATES LTD” كاف لزج سلامة في السجن
وتشدّد المصادر على أنّ لبنان تلقى أكثر من طلب معونة قضائية من الخارج بملف سلامة الذي بات محاصرًا قضائيًا في الداخل والخارج اذ ثمّة أدلة ووثائق لا تحتمل الشك عن تورط هذا الرجل. وهنا يستحضر المرجع ملف شركة “FORRY ASSOCIATES LTD”. هذا الملف وحده كفيل بملاحقة سلامة وإيقافه وزجّه في السجن. لكن للأسف، فإنّ طلب التعاون القضائي الذي أرسلته السلطات السويسرية لا يزال في أدراج القضاء اللبناني منذ عام 2020 حيث مرّ أمام أعين المعنيين وكأن شيئًا لم يكن. هذا الطلب وحده وما ينطوي عليه من اتهامات كفيل بفصل سلامة من وظيفته وتعيين بديل له وتوقيفه وصولًا الى العدالة المنشودة، يقول المرجع الذي يتحدّث بانفعال جراء كل هذا الصمت الغريب العجيب الذي ليس له تفسير سوى خشية من فضيحة ما تتدحرج معها التهم كقطع الدومينو لتطال العديد من الشخصيات.
يتوسّع المرجع القضائي في الحديث عن ملف “FORRY ASSOCIATES LTD” والذي وجّهت فيه النيابة العامة الاتحادية في سويسرا تهمًا بتورط سلامة وأخيه رجا بغسل الأموال المشدّد، وأوضحت النيابة في طلب المعونة القضائية أنّها “تشتبه في أن هذين الشخصين قاما في سويسرا بغسل أموال مصدرها عمليات اختلاس محتملة على نحو يضر بمصرف لبنان اعتبارًا من عام 2002 على أقل تقدير”.
ويُدرج طلب المعونة القضائية عدّة وقائع استندت الى وثائق مقدّمة من العديد من المؤسسات المالية في سويسرا. وفق النيابة العامة، يبدو أن سلامة قام منذ نيسان 2002 على الأقل بمساعدة أخيه رجا بتنظيم عمليات اختلاس لأموال قدّرت بأكثر من 300 مليون دولار أميركي على نحو يضر بمصرف لبنان وذلك من خلال توقيعهما على عقد مؤرخ في 6 نيسان 2002 بين مصرف لبنان وشركة “FORRY ASSOCIATES LTD” في جزر فيرجن البريطانية. وبحسب الطلب السويسري فإنّ عمليات الاختلاس عادت بالفائدة على الأخوين رياض ورجا سلامة وكذلك على أفراد من أسرتهما أو محيطهما ومنهم ماريان الحويك.
وبحسب تقديرات المطالعة السويسرية، فإنّ المبالغ المختلسة قد حوّلت كليًا أو جزئيًا الى حسابات في سويسرا قبل غسلها بسبل شتى منها تحويلات من حساب الى آخر مع تغيير صاحب الحق الاقتصادي أو الاستثمارات في العقارات في سويسرا وخارجها لا سيما في المملكة المتحدة أو الاستثمارات في السندات المالية في سويسرا والخارج.
ويفيد طلب المعونة الذي يقع في 12 صفحة أنّ شركة “FORRY ASSOCIATES LTD” ومقرها “تورتولا” تملك حسابًا مصرفيًا في “HSBC Private Bank” سويسرا من 2001 وحتى 2016 وأن صاحب الحق الاقتصادي بهذا الحساب هو رجا سلامة، فيما يملك هذا المصرف نسخة من العقد المؤرخ كما يبدو في 6 نيسان 2002 بين مصرف لبنان وشركة “FORRY ASSOCIATES LTD”، ويتضمن العقد توقيعين أحدهما لمصرف لبنان والثاني للشركة المذكورة، فيما يبدو جليًا أن توقيع مصرف لبنان هو توقيع رياض سلامة وتوقيع الشركة هو توقيع أخيه رجا.
ووفق مصرف HSBC “فإنّ الحساب باسم الشركة قد تلقى أكثر من 326 مليون دولار أميركي في 310 معاملة مصرفية بين نيسان 2002 وتشرين الأول 2014 مصدرها مصرف لبنان لا سيما من حساب رقمه(LB02099900000001001260632009) ويضاف اليها على أقل تقدير تحويل بقيمة 3663294 دولار أميركي بسعر يوم 4 تشرين الأول 2014، وتحويل بقيمة 3554255 مليون دولار أميركي بسعر 9 آذار 2015 من الحساب المذكور لمصرف لبنان.
كما يتحدّث طلب المعونة عن حسابات أخرى في مصارف شتى يدرجها بالأسماء والأرقام وعن معاملات مشبوهة، ويطلب من الدولة اللبنانية التعاون لما فيه مصلحة لبنان.
لا شك أنّ عناد سلامة وتمنعه عن المثول أمام القضاء يُفسّر حجم المخاوف التي يُكنها حاكم البنك المركزي مما اقترفته يداه من عبث في السياسة النقدية والمالية العامة.