الرئيسية / بحوث اسلامية / البعد الروحي للاحرام – السيد عبد الستار الجابري

البعد الروحي للاحرام – السيد عبد الستار الجابري

البعد الروحي للاحرام – التتمة

عبد الستار الجابري

– الحلقة 14

فنوح (عليه السلام) تعرض لانواع الكرب والابتلاءات على مر تسعمائة وخمسين عاما امضاها في الدعوة الى الله، ولما لم يجد طريقا لهداية الناس وانهم غلبت عليهم الشقوة ولم يعد فيهم امل دعا عليهم واستنصر ربه:﴿كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر* فدعا ربه اني مغلوب فانتصر﴾
فالنص القراني يشير الى ان قوم نوح (عليه السلام) نهوه عن الدعوة الى الله تعالى واتهموه بالجنون ايغالا في المنع من اتباعه وشن حرب نفسية ضده، بل الآية صريحة في حجم الايذاء الذي كان يتعرض له نوح (عليه السلام) حتى قال ﴿اني مغلوب﴾ فالمسالة لم تقف عند رميه بالجنون بل ان كلمة (ازدجر) تدل على استعمالهم اساليب جائرة لإسكاته ومنعه عن القيام بواجبه الالهي، وبعد حياة مليئة بالصراع امتدت لمئات السنين بلغ فيها الكرب والبلاء اقصى درجاته دعا (عليه السلام) ربه ان ينتصر له وان يفت في عضد الكافرين، فكشف الله عن عبده الصالح الكرب وطهر الارض من دنس المشركين فأقام نوح (عليه السلام) دولة التوحيد في الارض بعد انتهاء الطوفان.
ومثال قرآني آخر سطرته الآيات التي تحدثت عن يونس (عليه السلام) وعن القرية التي بعثه الله اليها، حيث انه لما احس انهم معذبون غادرهم ليلاقوا مصيرهم المحتوم، الا انهم ادركوا شدة الخطر الذي اصبح يتهددهم بعد ان تركهم يونس (عليه السلام)، مما يكشف انهم كانوا يعلمون ان يونس (عليه السلام) كان يريد لهم الخير الا ان خبث سرائرهم كان يمنعهم من الاستجابة له، فلما تركهم يونس (عليه السلام) بعد ان اخبرهم ان هلاكهم بعد ايام قلائل وهم يعلمون صدقه بادروا الى التوبة الصادقة فنجاهم الله تعالى من العذاب، وشاء الله تعالى ان يبتلي يونس (عليه السلام) ليريه ويري العالم الانساني قدرته وعظمته فما ان استقل السفينة حتى تعرض اليها حوت وهدد الخطر حياة كل من فيها فأجريت قرعة لغرض القاء احد الركاب في البحر ليكون طعاما لذلك الحوت كي ينجو بقية الركاب، فخرجت القرعة على يونس (عليه السلام) فالقوه في الماء والتقمه الحوت على اعين الناظرين، ومما لا شك فيه ان قوم يونس (عليه السلام) اخذوا يبحثون عنه وسمعوا انه اصبح طعاما للحوت، الا ان يد التقدير الالهي كانت تدير الامر بنحو مختلف اذ لم يكن يونس (عليه السلام) طعاما لذلك الحوت فسلمه الله تعالى بقدرة اعجازية في وقت لم يغفل يونس (عليه السلام) عن ذكر ربه فكان يردد ﴿لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين﴾ فجاءت الاستجابة من الله تعالى ﴿فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين﴾ فالكرب العظيم الذي احاط بيونس (عليه السلام) واهل نينوى ما كان بمقدور احد ان يكشفه الا الله تبارك وتعالى.

شاهد أيضاً

المرجعية والقيادة

السؤال: ١ ما هي الوظيفة الشرعية للمسلمين وما يجب فعله عند تعارض فتوى ولي أمر ...