الرئيسية / من / الشعر والادب / أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام

الشيخ جعفر النقدي

المتوفى ١٣٧٠

قال يندب حجة آل محمد الامام المهدي عليه‌السلام :

طالت بغيبتك الاعوام والحجج

فداك نفسي متى يأتي لنا الفرج

ماذا اعتذارك للدين الحنيف اذا

وافاك يشكو الرزايا وهو منزعج

الدهر جرد فينا من مصائبه

عضبا غدت فيه منا تسفك المهج

وقام يشمت منا كل ذي حنق

جمر العداوة في أحشاه معتلج

حتى متى الصبر والدنيا قد امتلأت

جورا وقد زاد في آفاقها الهرج

نهضا فركن الهدى من بعد رفعته

قد هدمته رعاع الناس والهمج

هذي امية ظلما دك بينهم

من طود مجدكم في كربلا ثبج

غداة طبقت الدنيا بمارقة

في ظلمة الغي بعد الرشد قد ولجوا

وقال في هلال شهر المحرم :

حسدت أمية هاشما بنبيها

خير البرية سيد الامجاد

ويزيدها قد رام يمحو ذكره

ويبدل التوحيد بالالحاد

وبنهضة السبط الشهيد وقتله

قام الهدى واسم النبي الهادي

فعلى جميع بني الهدى أن يلبسوا

في يوم مصرعه ثياب حداد

٧

الشيخ جعفر ابن الحاج محمد بن عبد الله بن محمد تقي بن الحسن بن الحسين بن علي التقي الربعي المعروف بالنقدي عالم خبير متبحر وأديب واسع الاطلاع ومؤلفاته تشهد بذلك لقد طالعت كتابه ( منن الرحمن في شرح قصيدة الفوز والامان ) بجزئيه فوجدته مشحونا بالادب والعلم وفيه ما لذ وطاب ولو لم يكن له الا هذا المؤلف لكان أقوى شاهد على سعة اطلاعه. ولد في مدينة العمارة ـ ميسان ـ ليلة ١٤ رجب ١٣٠٣ ه‍ نشأ على أبيه الذي كان من المثرين وذوي اليسار فعني بتربيته واحس منه الرغبة الكاملة بالعلم فبعثه الى النجف الأشرف للتحصيل العلمي فنال الحظوة الكافية ودرس دراسة جدية وحضر في الاصول على الشيخ محمد كاظم الخراساني وفي الفقه على السيد محمد كاظم اليزدي ولمع نجمه واشتهر بين أقرانه فوفد اهالي بلدته يطلبونه للاقامة عندهم وذلك عام وفاة أبيه سنة ١٣٣٢ وألزمه العلماء بذلك فأجاب طلبهم وسار إلى هناك مرشداً مصلحا وكانت حكومة الاحتلال تكلفه بملاحظة الدعاوى الشرعية التي كانت ترد عليها فكان الواجب يقضي عليه بالنظر فيها وفي خلال ذلك آثار حسنة منها بناء جامع لم يزل يعرف باسمه ورشحته حكومة الاحتلال للقضاء الشرعي فامتنع لكن الزام العلماء ووجهاء البلد اذ قرروا عدم قبول غيره فقبل وذلك سنة ١٣٣٧.
واستمر في القضاء الى سنة ١٣٤٣ ه‍ ونقل الى بغداد ثم الى عضوية التمييز الشرعي الجعفري وكان لا يفتر عن الكتابة والتأليف والتوفيق يحالفه بكل ما يكتب فمنها :
١ ـ مواهب الواهب في ايمان ابي طالب طبع في النجف.
٢ ـ الانوار العلوية والاسرار المرتضوية طبع في النجف.
٣ ـ وسيلة النجاة في شرح الباقيات الصالحات للعمري ، طبع في ميسان.
٤ ـ الحجاب والسفور طبع أكثر من مرة ببغداد.
٨
٥ ـ الاسلام والمرأة طبع مرات ببغداد.
٦ ـ الدروس الاخلاقية طبع ببغداد.
٧ ـ خزائن الدرر شبه الكشكول في ثلاث مجلدات.
٨ ـ ذخائر العقبى.
٩ ـ تاريخ الكاظمين.
١٠ ـ اباة الضيم في الاسلام.
١١ ـ الروض النضير في شعراء وعلماء القرن المتأخر والاخير.
١٢ ـ ذخائر القيامة في النبوة والامامة.
١٣ ـ الحسام المصقول في نصرة ابن عم الرسول.
١٤ ـ غرة الغرر في الائمة الاثني عشر.
أما شعره فهو من الطبقة الممتازة وأكثره في مدح أهل البيت عليهم‌السلام ، وكتب في الصحف كثيرا ونشر في مجلات وجرائد العراق ومصر ولبنان وسوريا ففي مجلة ( العرفان ) والمرشد والهدى والاعتدال والاستقلال والنجف وغيرها. ترجم له الشيخ محمد السماوي في الطليعة فقال : فاضل مشارك في جملة من العلوم واديب حسن المنثور والمنظوم فمن قوله متغرلا :

لحاظك أم سيوف مرهفات

وقدك في الغلالة أم قناة

أتنكر فتك طرفك بي وهذي

خدودك من دماي مضرجات

جفونك قد رمت قلبي نبالا

فيا لله ما فعل الرماة

فديتك هل تصدق لي الاماني

وان قيل الاماني كاذبات

تسلسل في هواك حديث دمعي

فاسنده عن البحر الرواة

٩

اشبب في ربي نجد وقصدي

ربوعك لا الطلول الدارسات

اسكان الحمى رفقا بصب

تغنت في صبابته الحداة

فلا برق سوى نيران شوقي

وليس سوى جفوني معصرات

ومن عجب تخاف الاسد بأسي

وتسفك مهجتي الريم المهاة

وقوله :

أشمس الرصافة لا حجبت

غيوم الحيا من محياك نورا

مدحت الحجاب الى أن رأت

خدودك عيني مدحت السفورا

ومن نظمه وعنوانه ـ الحياة.

واني لاختار الحياة التي بها

فوائد منها يستفيد بنو جنسي

فان لم تبلغني الحياة ماربي

تخيرت موتا فيه يسترني رمسي

ولي همة شماء لم ترض منزلا

لها في العلى الا على هامة الشمس

يقلب بالآمال قلبي وتنثني

تنافسني في كل مكرمة نفسي

وقال أيضا :

مونسي العلم والكتاب الجليس

لم يرقني من الانام انيس

يا نفوس الورى دعيني ونفسي

انما آفة النفوس النفوس

حبذا وحدة بها لي تجلى

من زماني المعقول والمحسوس

علمتني ان الحياة كتاب

خطه الكون والليالي دروس

نلت فيها ما لم ينله رئيس

حل في دسته ولا مرؤوس

* * *

يا رئيسا ذلت لديه نفوس

رغبة وانحنت اليه رؤوس

كل نفس ما قدستها المزايا

لم يفدها من غيرها التقديس

يا عقولا بالجهل يعبث فيها

من بني الدهر سائس ومسوس

فيك قد أشرقت أشعة قدس

وأضاءت كما تضيء الشموس

ومن عرفانياته قوله وقد نشرتها مجلة الاعتدال النجفية :

١٠

يا من سكن القلب وما فيه سواه

رفقا بمحب بك قد طال عناه

شوقا لمحياك الى البدر صبوت

وجدا ودجى الليل بذكراك لهوت

في اثر محبيك للقياك عدوت

في بادية العشق وقد تهت وتاهوا

في مدرسة الحب تلقيت دروسا

أحييت من الدارس فيهن نفوسا

كم أبصرت العين بدورا وشموسا

لم تحك محياك ولا لمع سناه

ما أسرف في نعتك من قال وغالى

بل قصر اذ مثلك قد عز جمالا

من مظهر معناك تصورت خيالا

فاعتل به القلب وما الطرف رآه

اشتاق الى قربك والقرب منائي

لا صبر على البعد وقد عز عزائي

ما انظر في الكون أمامي وورائي

من يعقل الا وأرى أنت مناه

في المسجد والدير وفي البيعة أمسى

عشاقك يلقون على العالم درسا

من نافذة الكون بهم تهتف همسا

أوصافك كفوا فلقد جل علاه

ومن نوادره قوله :

شوقي اليك عظيم

لا شيء أعظم منه

ان كان عندك شك

فاسأل فؤادك عنه

وقال :

يا منية القلب رفقا

كفاك هذا التجني

هواك أضرم نارا

بين الجوانح مني

ان كان عندك شك

فاسأل فؤادك عني

وقال :

ما بال نشوان بماء الدلال

الا صبا قلبي اليه ومال

مهفهف القد له وجنة

تشرق كالبدر بأوج الكمال

ديباجة الحسن لعشاقه

قد أوضحت عنوان شرح الجمال

نقطة مسك فوق كافورة

يخالها الجاهل في الخد خال

قد خفقت اقراطه مثلما

يخفق قلبي ان مشى باختيال

تسبي لحاظ الظبي الحاظه

وجيده يفضح جيد الغزال

والشعر داج كليالي الجفا

والوجه زاه كصباح الوصال

١١

عهدي بفيه وهو ياقوتة

فمن به نظم هذي اللئال

من ذاق من ريقته شهدة

بشراه قد ذاق الرحيق الزلال

جالت وشاحاه على خصره

وكلما جالت بها القلب جال

لك العنايا واصفا خصره

اكفف فقد رمت بلوغ المحال

ومن روائعه في الاخلاق :

اذا رزق الانسان في الجسم صحة

وكان قنوعا بالذي حل في اليد

وعاشره في بيته من يحبه

فذاك الغنى لا كنز تبر وعسجد

وله شعر كثير لو جمع لكان ديوانا يجمع القصائد المطولة وبعضها في مدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والتشوق إلى النجف ـ موطن دراسته ـ ومن قوله في الإمام المهدي عليه‌السلام :

أما وعينيك ان القلب مكمود

من ساءني رزؤكم ما سرني عيد

ما العيد الا بيوم فيه انت ترى

تلقى اليك من الدنيا مقاليد

وتملأ الأرض قسطا بعدما ملئت

جورا وقد حل في أعداك تنكيد

يا صاحب العصران العصر قد نقصت

أخياره وبن والأشرار قد زيدوا

وصارم الغدر في اعناق شيعتكم

قد جردته الاعادي وهو مغمود

الله أكبر يا ابن العسكري متى

تبدو فيفرح ايمان وتوحيد

فديت صبرك كم تغضي وأنت ترى

شمل الزمان به قد حل تبديد

وذي نواظرنا تجري مدامعها

وملؤهن من الارزاء تسهيد

تالله ما انعقدت يوما محافلنا

الا بها مأتم للسبط معقود

وروى له الشيخ السماوي في ( الطليعة ) قصيدة في الامام الحسين عليه‌السلام وأولها :

سرى يخبط البيدا بهم ذلك الركب

وسار من المشتاق في اثرهم قلب

ومنها :

هوى للثرى من سرجه فتزلزلت

له السبعة الافلاك وارتجت الحجب

١٢

قضى نحبه ظامي الحشا بعدما ارتوى

بفيض دماء القوم صارمه العضب

وما انكشفت من قبله الحرب عن فتى

بمصرعه منه العدى نابها الرعب

كنت مشغولا بالكتابة عن المترجم له في يوم ١٧ ـ ١٠ ـ ١٩٧٧ وهو يوم “تعداد العام لسكان العراق فدخل الشاب المحامي محسن الشيخ جواد الشيخ محمد حسن سميسم ليقوم بتسجيل افراد العائلة ولما رأى الترجمة قال : ان المترجم له أرخ ولادتي بقوله :

بشرى الجواد بمولد

فقدومه بالخير معلن

ولد بتاج العز وال‍

‍علياء توجه المهيمن

آل السميسم داركم

ارختها ضاءت بمحسن

وفي مخطوطاتي قصيدة من نظم المترجم له يرثي بها السيدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين علي وشريكة الحسين في النهضة وأولها :

ما جف دمع المستهام المغرم

بعد الوقوف ضحى بتلك الارسم

وفي أواخرها :

أشقيقة السبطين دونك مدحة

قس الفصاحة مثلها لم ينظم

تمتاز بالحق الصريح لو أنها

قيست بشعر البحتري ومسلم

بيمين اخلاصي اليك رفعتها

ارجو خلاصي من عذاب جهنم

وعليك صلى الله ما رفعت له

أيدي محل بالدعاء ومحرم

وهي ٥٣ بيتا ما زلت احتفظ بها وبخطه والتوقيع : نظم عبد ذوي الولاء جعفر نقدي :

توفي رحمه الله فجأة في اليوم التاسع من محرم الحرام ١٣٧٠هـ في حسينية آل الياسين بالكاظمية في المأتم الحسيني فارتجت الكاظمية لفقده وحمل الى النجف فدفن يوم تاسوعا في الصحن العلوي الشريف ، وكان قد سبقه البحاثة الشيخ محمد السماوي الى دار البقاء بخمسة ايام كما ذكر الشيخ الطهراني في النقباء.

شاهد أيضاً

مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم 14

الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسى بن جعفر، ثم الرضا علي بن موسى، ثم التقي محمد بن ...