تأتي الزيارة التي يقوم بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لطهران على رأس وفد سياسي واقتصادي رفيع المستوى ، في ظروف امنية وسياسية بالغة الخطورة ، تتطلب من جميع بلدان المنطقة، وخاصة تلك المستهدفة من قبل الارهاب التكفيري ، مضاعفة جهودها وتظافر مساعيها ، من اجل تجاوز هذه الظروف التي لا يجب ان تطول كثيرا.
اختيار السيد العبادي ايران كأول بلد يقوم بزيارته بعد انتخابه رئيسا للوزراء ، لم يكن من باب الصدفة ، فهذه الزيارة تحمل اكثر من رسالة وجهتها الحكومة العراقية الى من يهمه الامر من قوى اقليمية ودولية ، والى التنظيمات التكفيرية التي تهدد امن واستقرار العراق والمنطقة بشكل عام.
زيارة السيد العبادي لطهران ، جاءت لتؤكد ان العراق ينظر نظرة خاصة الى ايران بوصفها جار شقيق وصديق للعراق ، وقف الى جانب الشعب العراقي في السراء والضراء ، وكان السبّاق في دعم العملية السياسية التي انبثقت في العراق بعد عام 2003 ، ولم يألوا جهدا في الدعوة الى وحدت الصف بين مكونات الشعب العراقي ، الدينية والمذهبية والقومية ، واشفع ذلك بالفعل المخلص والصادق.
حملت هذه الزيارة رسائل عديدة من بينها ، ان ايران هي البلد الوحيد في المنطقة الذي وقف الى جانب الشعب العراقي عندما نُكب ب”داعش” ، دون ان تكون لوقفته تلك اهداف سياسية او مصالح مادية او انها جاءت مشروطة ، بل انطلقت ايران في موقفها من مبادىء اسلامية اصيلة وقيم انسانية واخلاقية ، تمليها عليها حق الجيرة والرابطة الاسلامية والانسانية ، وهو ما اعترف به صراحة رئيس اقليم كوردستان العراق السيد مسعود البارزاني ، الذي اعلن ان ايران كانت اول بلد في العالم قدم المساعدة لكوردستان العراق ، عندما هددت “داعش” اربيل ، دون ان تطلب في مقابل ذلك شيئا او تفرض شروطا على الكورد ، وهو ذات الموقف الذي وقفته ازاء مأساة مدينة آمرلي عندما حاصرتها “داعش” لمدة ثلاثة اشهر ، وذلك عندما نجحت في مساعدة العراقيين في كسر هذا الحصار وهزيمة “داعش” .
موقف ايران هذا تكرر في اكثر من منطقة من مناطق العراق ، دون ان تأخذ ايران في اعتبارها وهي تقدم المساعدة للشعب العراقي ، الخلفيات القومية او الدينية او المذهبية للعراقيين ، بل ان ايران اكدت موقفها هذا حتى في سوريا عندما وقفت الى جانب الحكومة السورية ، كما وقفت الى جانب الكورد والمسيحيين وباقي المكونات الدينية والمذهبية والقومية للشعب السوري ، فالجميع يتذكر موقف ايران من قضية كوباني التي هزت الضمير العالمي ،
عندما اعلنت طهران استعدادها لتقديم العون للمحاصرين الكورد في كوباني من قبل “داعش” دون الاخذ بنظر الاعتبار الخلفية القومية او السياسية للمقاتلين داخل المدينة ، وهو موقف يتناقض كليا مع ما فعلته وتفعله تركيا الان وبانتهازية مقيتة اثارة حفيظة العالم اجمع.
من رسائل زيارة السيد العبادي الاخرى، ان ايران بلد اقليمي كبير لا يمكن تجاهله في التعامل مع القضايا السياسية والامنية التي تخص الاقليم ، وخاصة مع قضية التصدي ل”داعش” ، فايران كانت ومازالت البلد الوحيد في المنطقة الذي وقف موقفا ثابتا من التنظيمات التكفيرية واكد ضرورة التصدي لها ، بينما باقي الدول الاخرى في المنطقة كانت ومازالت من اكبر داعمي الجماعات التكفيرية وفي مقدمتها “داعش” و “النصرة” بشهادة الغربيين والامريكيين ، الامر الذي يلقي الكثير من ظلال الشك على طبيعة واهداف التحالف الذي تقوده امريكا ضد “داعش” ، والذي اثبتت الوقائع على الارض عدم نجاعته وفشله ، في العراق وفي سوريا.
الشكوك التي تحوم حول التحالف الدولي ضد الارهاب والنتائج التي افرزتها عملية التصدي ل”داعش” على الارض ، اكدت صوابية الموقف الايراني من التحالف برمته ومن طريق التصدي ل”داعش” ، هذه الشكوك هي التي دفعت الحكومة العراقية الى التشاور مع ايران حول ضرورة التصدي ل”داعش” والكيفية التي يجب ان تكون عليه عملية التصدي ، وكذلك الامكانيات التي يمكن ان تضعها ايران بين يدي الحكومة العراقية لتعزيز دور الجيش العراقي والحشد الشعبي العراقي ، اللذين تقع عليهما المسؤولية الكبرى في التصدي ل”داعش” والزمر الارهابية الاخرى.
ان تجربة الاعوام القليلة الماضية وكذلك تجربة العراقيين مع “داعش” بعد احتلالها الموصل وتهديدها لكوردستان ومناطق مهمة في شرق و وسط العراق ، وتجربة العراقيين مع التحالف الدولي ، اثبتت ان العراق محكوم بالتعاون مع ايران ، البلد الشقيق والصديق الذي تربطة بالعراق الاواصر التاريخية والثقافية والاجتماعية والدينية والمذهبية والجغرافية ، فالبلدان يتهددهما خطر واحد هو الخطر التكفيري الارهابي ، وهو ما يفرض على البلدين ان تكون لهما استراتيجية مشتركة في التصدي للخطر التكفيري الارهابي المدعوم وللاسف الشديد من قوى اقليمية ودولية تدعي كذبا مكافحته.
ان مسؤولية التصدي للمجموعات التكفيرية الارهابية هي مسؤولية بلدان المنطقة وفي مقدمتها ايران والعراق وسوريا ولبنان ، فهذه الدول هي التي يستهدفها هذا الارهاب التكفيري بالدرجة الاولى ، وهي التي تتصدى وبحزم لظاهرة الارهاب المشؤومة ، اما الدول الاخرى التي تدعي مكافحة الارهاب ومحاربته ، فهي متورطة بشكل او باخر بدعم وانتشار هذه الظاهرة في العراق وسوريا ولبنان والمنطقة ، بل ان بعض هذه الدول تقف علانية ضد اي جهد يمكن ان يهدد وجود التنظيمات التكفيرية ،
كما هو موقف تركيا ، التي تستخدم التكفيريين لتحقيق اهداف خاصة في سوريا والمنطقة ، وهناك دول تقف بالضد ازاء كل اجراء جاد يمكن ان يُضعف هذه التنظيمات التكفيرية ، كما هو موقف بعض الدول العربية الخليجية ، ويمكن تلمس هذا الموقف من ردة فعل الاعلام الخليجي وخاصة السعودي والقطري من الزيارة التي يقوم بها رئيس الوزراء العراقي السيد حيدر العبادي لايران.