دعا الزعيم الديني في البحرين سماحة اية الله الشيخ عيسى قاسم اليوم الجمعة الى احياء ذكرى عاشوراء الامام الحسين ، بالشكل الذي يتناسب مع عصمة الإمام عليه السلام وتلك التضحيات العظام، والهدف الذي لا هدف يوازيه، هدف توحيد الله التوحيد الخالص ، كما انتقد الديمقراطية التي يتبجح بها النظام الخليفي التي لا تعطي حق إبداء الرأي إلا للحكومة ، مؤكدا القول : لا قيمة لانتخابات لا تشارك فيها النخب والمؤسسات المعارضة .
و افادت وکالة تسنیم الدولیة للانباء ، بأن آیة الله قاسم ادلى بذلک فی خطبة صلاة الجمعة التی اقیمت الیوم فی جامع الإمام الصادق (علیه السلام) بمنطقة الدراز .
• الانتخابات النیابیة القادمة :
لا أرید أن أضیف جدیداً فی الکلام عن هذه المسألة، ولیس حولها من جدید ، وکلّما فیها یکاد یکونُ مشکوفاً، ویکاد الکلام أن یصل إلى حد الإشباع وقد یکون إلى حد الفضول فیها .
وکلّما أرید أن أقوله بهذا الشأن، هو أن الموالاة التی ترى لنفسها الإعلان بکل صراحة عن تأییدها لهذه الانتخابات، والحکومة التی تنادی وتدعو وتدفع بکل قوة للمشارکة فیها، ونرى أن الکل منهما لا یرى لأحدٍ من المعارضة أن یؤذی داخلاً فیها ترشحاً أو انتخاباً، ونحن نلتقی معهما فی عدم أذىً لمشارکٍ فیها. هذه الموالاة والحکومة علیهما معاً أن تعترفا للمعارضة بحقّ إبداء الرأی، بحق بیان الرأی فی الانتخابات محل الکلام علناً وبصراحة وأن لاّ تسمح أیٌ منهما لنفسها بأذىً لمن کان رأیه عدم المشارکة وخطأها.
أنا لا أدری ما هذه الدیمقراطیة التی لا تعطی حق إبداء الرأی إلا للحکومة، ومن أبدى رأیه فی الانتخابات من المعارضة کان حقه أن یُشتم ویعاقب، هذا أول السیل فستر الله من آخره، إذا کان أول الدیمقراطیة للمقبلین علیها، فما عواقبها؟! ولأی انتخابات نیابیة مع اختلاف الرؤیة أو المطلوب منها بین الحکومة والمعارضة تقییمان لا تقییم واحد .
– تقییم ینظر إلى واقع القیمة الذاتیة لها بلحاظ ما یمثله المجلس الناشئ عنها فی قدرته على التغییر النافع وإحداث نقلة فی الأوضاع من الجور إلى العدل، ومن التخلّف إلى التقدم، ومن الانحراف إلى الاستقامة، أو عجزه عن ذلك، أو أخذه باتجاه تثبیت وترکیز وتشدید الأوضاع الجائرة، هذا مقیاس التقییم.
الانتخابات ماذا ستنتج؟ ما یرّکز ظلماً؟ ما یخفف من الظلم؟ ما یرفع الظلم؟ هذا مقیاس دقیق وأصل لتقییم الانتخابات، وهو التقییم الأهم والذی ترکز علیه الشعوب والحکومات. والنتیجة لأی انتخابات تصب کل مقدماتها وتمهیداتها وأجوائها، ویصب التخصیص لها فی هذه النتیجة أو تلک لا تخفى على ناظر.
– أما التقییم الآخر فهو بلحاظ النجاح أو الإخفاق الإعلامی المستثمر لما یکون علیه وضع الانتخابات بغض النظر عن نتیجتها من التجاوب الشعبی وعدم التجاوب معه، وهذا التقییم یتبع أمرین معاً لا أمراً واحداً فقط.
مدى المشارکة الشعبیة ونسبة المشارکین إلى المقاطعین ومستوى المترشحین ونوعیتهم وهو أهم بکثیرٍ من عدد من یترشح، بکل کثرة العدد مع تدنی المستوى وعدم مشارکة النخب یعنی سلبیة لا ایجابیة بالنسبة لقیمة الانتخابات أی انتخاباتٍ فی أی بلد. لماذا یعزف عن الترشح فی هذه الانتخابات کل المستویات المتقدمة والمتمیزة فی وعیها، ولماذا یکثر من الجانب الآخر عدد المترشحین؟ هذه سلبیة فی الحقیقة ولیس ایجابیة.
وکلما ارتفع المستوى الثقافی والاجتماعی للمترشحین والجهات المؤسسیة المعارضة والذین یمثلونها ویمثلون قطاعات واسعة من خلالها من أبناء الشعب ومعارضته وقناعة هذه القطاعات بالانتخابات وجدواها کلما مثّل ذلك رصیداً ضخماً من الناحیة الإعلامیة فی صالح الانتخابات الدافعة لهذه المشارکة.. هذه انتخابات راقیة، هذه انتخابات ذات جدوى فی نظر الشعب، لذلك تشارك المؤسسات المعارضة لأن فی هذه الانتخابات أملاً لذا تشارك، أما اذا لم تشارك أی مؤسسة معارضة فمعناه أنها انتخابات فی نظر هذه المعارضة وفی نظر من تمثله فاقدة للقیمة، هذا من ناحیة علمیة بحتة، وکلما کان العکس بالنسبة لوضع المترشحین کلما فقدت الناحیة الإعلامیة التی ترید أن تستدل بالانتخابات على رضا الشعب وتفاعله وقناعته بها ما یمکن أن تستند إلیه فی الوصول لهدفها وعانت من فشلٍ ذریع مکشوف فی هذه المحاولة.
وعن رأیك أو رأی أخیك فی الانتخابات وهی تهم الجمیع علیك وعلیه الاعتراف بحق الآخر فی ذلک کما یرى کلٌ منکما لنفسه ذلک ویطالب بأن یُعترف له به، کما أطالب بأن یُعترف لی بحق ابداء الرأی وبحق أن أقاطع أو أشارک علیّ أن أعطی الآخر حق أن یقاطع أو یشارک وأن یبدی رأیه فی ذلک ولا غضاضة، ونحن لیس من قِبلنا أی مانع، والمعارض لهذا هو من جانب السلطة أو من یتبعها.
أما الإرهاب من هذا الطرف أو ذلك الطرف والتعدّی على المقابل، -والإرهاب والتعدی أنواع- فرأینا فیه حاسمٌ جازمٌ متکررٌ مراراً، وعبّرنا عن ذلك بالإنکار والشجب والتندید وبیان المفسدة والمضرّة، وأی تفجیرٍ أو حرقٍ لسیارةٍ أو غیرها لأی من الناس من معارضٍ للانتخابات أو کان ذلك من أحدٍ محسوبٍ على السلطة لتشویه المعارضة فهو أثمٌ فاحش وزعزعةٌ لأمن البلد،
وکما یمکن لذاك یمکن لهذا، کما یمکن فی الواقع أن یکون ما یحدث هو هذا، یمکن فی الواقع أن یکون ما یحدث من ذاك، أو مرة یکون من هذا ومرة یکون من ذاك، وأی مرتکبٍ لهذا من أیٍ من الطرفین فهو متحملٌ أثمه أمام الله سبحانه وتعالى. وما من فاعلٍ ضرراً من غیر حق وتعصباً للرأی إلا وتحمّل أثم ما یفعل وهو ملاقٍ عدل الله سبحانه فی محکمة القیامة والله هو العدل الحق الذی لا یفوت عدله ظلم ظالم لمظلوم من خلقه.
• عاشوراء الحسین علیه السلام :
لیکن إحیاؤنا لموسم عاشوراء إحیاء المؤمنین الواعین المتقین، وإحیاءً عن فهمٍ صحیح لثورة الإمام الحسین (ع)، ومراعاة لأهداف الدین وهی أهداف ثورته صلوات الله وسلامه علیه.. ومراعاة لأهداف الدین وأحکام الشریعة المقدسة، وعن استیعابٍ کافٍ لما کان من أجله أن ضحى الإمام الحسین علیه السلام بحیاته التی یحتاجها الإسلام والأمة الإسلامیة والإنسانیة کلّها، وتحتاجها الحیاة الرشیدة الآمنة المطمئنة، حیاةُ النور والعدل والمساواة والتقدم والإخاء للإنسانیة کلّها، وکان من أجله من ضحى مع الإمام الحسین علیه السلام رجاله الصالحون من أهل البیت والأنصار شیوخاً وشباباً، ویافعین، ومن أجله شهدت الفاطمیات یوم عاشوراء الدامی من مذابح الأحبة الکرام، وقاسین من أهوال الطف ما تشیب له الرؤوس.
نریده إحیاءً یتناسب مع عصمة الإمام الحسین علیه السلام وتلك التضحیات العظام، والهدف الذی لا هدف یوازیه، هدف توحید الله التوحید الخالص.
الحسین علیه السلام وکل الأئمة علیهم السلام، وما من نبیٍ ولا رسول، -وکلّهم عظام، وکلهم عمالقة-.. إلا وهو فداء رخیص فی سبیل دین الله تعالى، وما کانت حرکة من حرکاتهم إلا من أجل قضیة التوحید.
وتلك التضحیات العظام، وهدف توحید الله الخالص الذی فیه خلاص الناس کل الناس من کل مأزقٍ ومهلک وانحطاط.
وهناك إحیاءٌ آخر، إحیاءٌ کذب، إحیاءٌ زور، إحیاءٌ معادٍ للإمام الحسین علیه السلام وثورته الإیمانیة المبارکة العملاقة، قد یدعیه مدّعٍ وفیه مسٌّ لقدسیة یوم الإمام الحسین علیه السلام.
وأی إحیاءٍ لیوم الإمام الحسین علیه السلام فیه مسٌّ بقدسیته ومنافاةٌ لهدف التوحید الذی کان من أجله -أرّکز على هدف التوحید- أو یخالف أخلاقیته، أو فیه أی تعدٍّ على الحکم الشرعی، أو تلوثٌ بالباطل، أو تسلّل لمظهر من مظاهر الفسق والخلاعة والمجون لهو إحیاءٌ کذبٌ وزورٌ وباطل، وهو حربٌ على الإمام الحسین علیه السلام ومناهضةٌ لثورته.
وکل المناسبات الدینیة کما یمکن أن تُحیى بالإحیاء الصادق القویم الذی یعطیها شیئاً من حقها الکبیر وفاعلیتها العظیمة المُنقذة یُمکن أن یُدّعى احیاءها کذباً وافتراءاً بما یسیء إلیها وینافی صدقها وصفائها، وهذا النوع من الاحیاء قد یجری على عددٍ من حکومات الأرض غیر المتدینة، فمن کان من المؤمنین إحیاؤه هذا الإحیاء فهو عدوٌ للإمام الحسین علیه السلام.
وأذّکر الأخوة المؤمنین والمؤمنات بهذه الآیة القرآنیة الکریمة، التی تتحدث عن طائفة من المشرکین کانوا یصلّون عند البیت الحرام، کانوا یدّعون الصلاة عند البیت الحرام، شیءٌ یمارسونه یسموّنه صلاة هو من نوع اللهو البعید عن مقتضى الإیمان والعبادة القویمة المربیة، إذ تقول الآیة الکریمة: (ومَا کَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَیْتِ إِلَّا مُکَاءً وَتَصْدِیَةً ۚ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا کُنتُمْ تَکْفُرُونَ) صلاة تجلب العذاب، تجلب عقوبة الله، ومثلها إحیاءٌ کذبٌ زورٌ یغتال ثورة الإمام الحسین علیه السلام ویقضی على هدفها وأخلاقیتها، فإن عاقبته عذاب الله، وهو کفر، (..َذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا کُنتُمْ تَکْفُرُونَ) والکفر درجات، فکانت صلاتهم صلاة کفر لا إیمان، وصلاة استهانة لا صلة لها بعبادة الطاعة والخشوع لله العظیم، صلاة صفیرٍ وتصفیق، لا رکوعٍ وسجودٍ وذکرٍ خاشعٍ وخضوع.
وکما أن الصلاة قد تکون زیفاً وتعدیاً على حرمة الدین ومخالفةً لهدفه، خارجة عن وقاره وأدبه، بعیدةً عن ذل العبودیة لله سبحانه، مفارقةً لمقتضاه، فکذلك یمکن أن یکون ما قد یُدعى بأنه إحیاءٌ لذکرى کربلاء وثورة الإمام الحسین علیه السلام أو لأی مناسبة من المناسبات الکریمة للدین الطاهر العظیم.
یأتی محرم وباسم الإحیاء لذکرى ثورة الإمام الحسین علیه السلام قد نهدم من الدین أکثر مما نبنی.
لیکن إحیاؤنا لأیام عاشوراء محاولةً جادة مخلصة لإظهار الإسلام ما استطعنا لما هو علیه من حقیقة بیضاء کبرى نیرة نتربى وتتربى أجیالنا فی ضوئها ونقدم لمن یجهل الإسلام على حقیقته لیتحدث الدین نفسه لعقل ذللك الإنسان وقلبه بنفسه مما یجعله مشدوداً إلى هذا الدین ومتمسکاً به.