الموقف الشيعي الرسمي من طوفان الاقصى
الحلقة العشرون –
العراق والقضية الفلسطينية
قبل الحديث عن موقف العراق من القضية الفلسطينية وموقفه من قضية طوفان الاقصى نشير الى نبذة من تاريخ العراق، ما يعرف بالعراق اليوم كان يسمى ببلاد ما بين النهرين وبلاد الرافدين لوجود نهري دجلة والفرات فيه والسهل الرسوبي الذي نشأ من ترسبات دجلة والفرات وما رافقه من خصوبة التربة كان سبباً لوجود اوائل الحضارات البشرية فيه، ويظهر من بعض النصوص المنقولة عن مجتمعات ما قبل التاريخ ان العراق كان الموطن الاول للبشرية يقول ول ديورانت في كتابه قصة الحضارة ( وتقول اسطورة اخرى ان الالهة خلقت الانسان منعما سعيداً لكنه اذنب وارتكب الخطايا بارادته الحرة فارسل عليه طوفان عظيم عقاباً له على فعله فاهلك الناس كافة ولم ينج منه الا رجل واحد هو تجتوج الحائك وان تجتوج هذا خسر الحياة الخالدة والباقية لانه اكل فاكهة شجرة محرمة) وهذه الاسطورة تجمع بين قصتي ادم ونوح (عليهما السلام) التي وردت بها النصوص الدينية في التوراة والقران الكريم، واذا لحظنا ان العلاقات الاجتماعية ونقل الثقافات في الازمنة الغابرة لا يتحقق الا في ظل احتلال دولة لاخرى ونشر ثقافتها فيها، فإن هذا يدل على ان هذه الحادثة قد وقعت في بلاد ما بين النهرين، وان المجتمع البشري الذي تعرض للهلاك بالطوفان هو المجتمع الذي كان يعيش في هذه الارض ولعل الزيارة المروية لامير المؤمنين (عليه السلام) والتي ورد فيها (السلام على ضجيعيك ادم ونوح) تؤيد ذلك، مضافا الى الرواية التي تدل على ان ادم (عليه السلام) حج ماشياً مرات كثيرة فلو كان يسكن مكة كما دلت عليه روايات نزول ادم (عليه السلام) على جبل ابي قبيس لما كان القول بحجه (عليه السلام) ماشياً له اثر كالذي يفهم من سكنه في بلاد ما بين النهرين وسيره الى الحج ماشياً.
ويصرح ول ديورانت ان اول ظهور للحضارة البشرية والدولة بمفهومها البدائي والقوانين كانت في بلاد ما بين النهرين وان التطور في سن القوانين وتدوينها كان في مرحلة مبكرة، كانت الجذور التي بني على اساسها قانون بابل في عهد الملك حمورابي . هذا على صعيد الفكر اللاديني الذي يعتبر ان الحركة الاجتماعية هي التي انتجت الحضارة البشرية وتطورها، اما على اساس الثقافة الدينية فإن القوانين الالهية رافقت حياة البشر منذ نزول ادم (عليه السلام) الى الارض، وان المجتمعات البشرية الاولى كانت تدار من قبل الانبياء قبل ظهور مجتمع القرية الذي تشير النصوص اليه بوضوح في عصر ادريس (عليه السلام) ، وبعد الطوفان كان لنوح (عليه السلام) دور هرم السلطة الاجتماعية وهذا يكشف عن ان المجتمع الي ظهر بعد الطوفان كان مجتمعاً موحداً ثم اخذ بالانحراف تدريجياً عبر القرون حتى ظهرت عبادة الاصنام ثم تطور الحال الى عبادة البشر حيث عبد البابليون النمرود وعبد المصريون الفراعنة، مضافاً للاوثان التي كانوا يعبدونها، هذا فضلاً عن عبادة الشمس والقمر والكواكب، بحيث لما بعث الله ابراهيم (عليه السلام) كان الموحد الوحيد على الارض حتى وصفه الله تعالى بانه كان امة .
وفي عهد ابراهيم (عليه السلام) وبعد حادثة الاحراق التي اثبتت عجز النمرود، كانت ارض بلاد الرافدين المنطلق لدعوة التوحيد ببركة وجود ابراهيم (عليه السلام) ثم بعد ذلك انتقاله الاجباري الى مفترق الطرق بين العراق والشام ثم حركته الدائبة في اقطار الارض والتي توجها باسكان ولده اسحق في بلاد الشام وولده اسماعيل في بلاد الحجاز لتنطلق بعد ذلك دعوتا التوحيد في مصر ثم الشام لتقام هناك دولة بني اسرائيل كأول دولة موحدة في التاريخ بعد ان كان الموحدون عبارة جماعات ومجتمعات ولم يكن لهم دولة ودستور حاكم، ثم تلتهم بعد ذلك الدولة النبوية الاسلامية على يد النبي محمد (صلى الله عليه واله) .