25) الأمثال العربية – محمد رضا المظفة
يقول الخطابي في هذا المجال(ثم أمده بجوامع الكلم التي جعلها ردءاً لنبوته وعلما لرسالته لينتظم في القليل منها علم الكثير فيسهل على السامعين حفظه ولا يؤودهم حمله) .
وهنا إشارة واضحة،أن بلاغة النبي محمد صلى الله عليه واله،متجسدة في جوامع الكلم فيقدم علماً كثيرا في ألفاظ يسيرة.
ومن تتبع هذه الجوامع من كلامه لم يعدم بيانها،وقد وصفت ضروبا وكتبت لك من امثلتها حروفا تدل على ما ورائها من نظارئها واخواتها .
ومن فصاحته وحسن بيانه أنه قد تكلم بألفاظ إقتضبها لم تسمع من العرب قبله،ولم توجد في متقدم كلامها كقوله (مات حتف أنفه)وقوله(حمى الوطيس) ،فلا جرم كان صلى الله عليه وآله على حد الكفاية في قدرته على الوضع والتشقيق في الألفاظ وإنتزاع المذاهب البيانية حتى إقتضب ألفاظاً كثيرة لم تسمع من العرب قبله،ولم توجد في متقدم كلامها .
ومن الامثال الاخرى التي ضربها النبي صلى الله عليه واله،ما يلي:
1 – (مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قومًا يعملون له عملا يومًا إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا إلى نصف النهار فقالوا: لا حاجة لنا في أجرك الذي شرطت لنا، وما عملنا باطل. فقال لهم: لا تفعلوا، أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملا فأبوا وتَرَكُوا، واستأجر آخرين بعدهم فقال: أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم من الأجر، فعملوا حتى إذا كان حين صلوا العصر قالوا: ما عملنا باطل، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه. فقال أكملوا بقية عملكم؛ فإن ما بقي من النهار شيء يسير. فأبوا، فاستأجر قومًا أن يعملوا له بقية يومهم، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس، فاستكملوا أجر الفريقين كليهما) .
فالذين آمنوا برسالة موسى عليه السلام،عملوا بالتوراة،ولما جائتهم رسالة عيسى عليه السلام لم يؤمنوا بها وظلوا على يهوديتهم،وكذلك النصارى لم يؤمنوا برسالة النبي صلى الله عليه واله وظلوا على نصرانيتهم،فالإيمان بالله لا يتجزء،ثم أن جزاء العمل لا يكون الا بخواتمه.
2 – قال رسول الله (صلى الله عليه واله):(إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وأنها مثل المسلم حدثوني ما هي؟ قال فوقع الناس في شجر البوادي.قال عبد الله: فوقع في نفسي أنها النخلة ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله ؟قال هي والنخلة) .
فالمؤمن خير كلّه من كثرة طاعته ومكارم اخلاقه ومواظبته على صلاته وصيامه وذكره والصدقة وسائر الطاعات .
والحق ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد جمع صفات المؤمن بإسلوب موجز فقال: إن المسلم كالنخلة.
3- وعن الحارث بن سويد عن عبد الله،قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه واله وهو يوْعَك، فقلتُ: يارسول الله إنك توعك وعكاً شديداً.قال:أجل ،إني أوعك كما يوعك رجلان منكم.قلت:ذلك أن لك أجرين.قال: أجل ذلك كذلك.ما من مسلم يصيبه أذى- شوكها فما فوقها- إلا كفّر الله بها سيئاته كما تحطّ الشجرة ورقها .
فكل أذى يصيب المؤمن سواء كان مرض او هم او غم حتى العثرة هو كفارة له،أن الله يخفف من ذنوبه او يرفع درجته حتى يعيش على الارض وما عليه من ذنب،وعن الإمام الصادق عليه السلام،قال: ما تزال الهموم والغموم بإبن آدم حتى لا تدع له ذنباً،إذا صبر واحتسب ذلك عند الله.ومما لا شك ولا ريب فيه ان رسول الله صلى الله عليه وآله هو المعصوم الذي لا يخطئ بأي شكل من الأشكال،فمرضه صلى الله عليه وآله إنما لرفع درجته عند الله سبحانه وتعالى.
4- وعن أبي موسى الاشعري،عن النبي محمد صلى الله عليه واله،قال(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً،ثم شبك بين أصابعه) .
وقد أكد النبي صلى الله عليه وآله من خلال هذا المثل،أن المؤمن عليه أن يعيش روح الجماعة، وأن يبتعد عن الأنانية التي تقتل روح الجماعة،فإذا فعل كل مؤمن ذلك تماسكت الجماعة وشعرت بالقوة والصلابة.وقد أكد هذا المعنى في الحديث الوارد عن النعمان بن بشير،حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله:
مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى .
ويشير رسول الله صلى الله عليه واله في هذا الحديث الى الحالة التي يجب أن تكون بين المؤمنين،هي حالة التراحم والمحبة ليشعر كل مؤمن بمعاناة الآخر ويواسيه بكل شيء حتى لا تشعر بالضعف والوهن،وان تحلى مثل هذا المجتمع بمثل هذه الصفات،فسيحيى بأمان وإطمئنان ورخاء.
فالتراحم والتواد والتعاطف من باب التفاعل،أي المشاركة من كل الأفراد،فالتراحم: أن يرحم بعضهم بعضا بأخوة الايمان،والتواد هو التواصل الجالب للمحمبة كالتزاور والتهادي والتعاطف يعني إعانة بعضهم بعضاً كما يعطف الثوب عليه ليقويه.
5- وعن عبد الله بن كعب عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وآله،قال(مثل المؤمن كالخامة من الزرع:تفيؤها الريح مرة وتعدلها.ومثل المنافق كالأرزة لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة) .
فالمؤمن في الدنيا تصيبه الهموم والغموم والأمراض سواء في نفسه او اهله او ماله،فإن صبر واحتسب ذلك عند الله ووجهها بيقين ثابت لا يتزعع،كان ذلك مدخر له يوم القيامة،فالدنيا بالنسبة الى أيام،يوم له ويوم عليه،فإذا كان له شكر الله كتب من الشاكرين الصابرين،فهذا هو حاله في الدنيا.أما المنافق فهو قليل الابتلاء،وإن أصابه شيء لم يكن كفارة لذنوبه،لأن أساس إعتقاده فاسد.
6- وقد ورد عن ابي موسى الاشعري عن النبي صلى الله عليه واله،أنه قال: مثل جليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكيد،فحامل المسك،إما أن يحذيك ،وإما ان تبتاع منه،وإما أن تجد منه ريحا طيبةً،ونافخ الكير إما ان يحرق ثيابك وإما ان تجد ريحا منه ريحا خبيثة .
ومن الطبيعي أن يتأثر الانسان بشكل عام بالمجتمع الذي يعيش فيه،ولكنه يتأثر بشكل خاص بمن يجالسه.فكما أنك تستفيد من حامل المسك جراء قربك منه،فكذلك الجليس الصالح الذي ترتاح له النفوس،وتطمئن له القلوب،وعلى الخصوص صاحب الخلق الطيب والعلم النافع.فالجلوس مع هذا الصنف حتما سيؤدي الى خير الدنيا والآخرة،ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه واله(النظر الى وجه العالم عبادة)لأنه يذكرنا بالآخرة وقد أكدت الاحاديث على وجوب مجالسة من يذكر بالآخرة وتقوى الله،بعكس جليس السوء،الذي لا خير يرتجى منه،فلا يصدر الردئ إلا من الردئ،وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله (المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل)فهذا المثل يحثنا على مجالسة الصالحين من اهل العلم والحكمة الذين يقربونا من الله بالعمل الصالح.
7- وورد عن ابي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه واله،يقول(أرأيتم لو أنه نهراً بباب احدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً ما تقول ذلك يبغى من درنه؟قالوا : لا يبقى من درنه شيئاً،قال:فذلك الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا) .
للصلاة آثار كثيرة على المؤمن،منها تقواه مع الله وهي المنجية له من المعاصي والآثام والفواحش،ومنها تكفيرها للذنوب مع عدم الاصرار عليها من قبل العبد،ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه واله (أن لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الإستغفار) ،بمعنى عدم اليأس من رحمة الله شريطة التوبة النصوح،هذا من جهة،ومن جهة أخرى لا يكون الامل بغفران الله تعالى شأنه،باعثاً على طول الامل والوقوع في المعاصي على امل الغفران والتسويف،فلذلك يكون هذا الحديث عاملا على الموازنة بين الاثنين كي لا يتمادى الانسان في غيّه،وهنا يأتي دور الصلاة لتكون العامل الاساس على حسن السلوك والتوجيه للطاعة وفيها تكمن التوبة النصوح ان اداها العبد بشرطها وشروطها وفيها تطمئن القلوب المتوجهة الى الله تعالى بحق وصدق.
8 – عن أبي موسى الاشعري،عن النبي محمد صلى الله عليه واله،أنه قال : (مثل الذي يقرأ القرآن كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب)
القرآن الكريم هو : كلام الله العظيم وصراطه المستقيم، وهو أساس رسالة التوحيد،وحجة الرسول الدامغة وآيته الكبرى، وهو المصدر القويم للتشريع،ومنهل الحكمة والهداية، وهو الرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة،والمحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك. … . وهو كتاب الله فيه خبر ماقبلنا ونبأ ما بعدنا وحكم ما بيننا، هو الفصل ليس بالهزل ، هوالذي لاتزيغ به الأهواء ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة رد ،ولا تنقضي عجائبه ، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ،هو الذي من عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.وللقرآن الكريم فوائد دنيوية وأخروية،فأما الاخروية فهي معروفة مضمونة،واما الدنيوية فقد قال الامام الصادق عليه السلام (من قرأ القران في المصحف مُتع ببصره وخفف عن والديه وإن كانا كافرين) ،هذه واحدة من تلك الفوائد لقراءة القرآن الكريم،إضافة الى تصفية القلوب من الحسد والحقد والغل وكثير من الآثار والصفات الذميمة.
9- عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله،قال:
(من تصدّق بعدل تمرة من كسب طيب- ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يريبها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل) .
ففي هذا الحديث إشارة واضحة أن الله يقبل من العبد الصدقة حتى وان كانت يسيرة،شريطة الكسب الحلال الطيب،وقد جاء في الدعاء المأثور(يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير ….الخ) فالمتصدق يرجو تجارة لن تبور،فلها اثرها في الدنيا والآخرة،فمن آثارها الدنيوية دفع البلاء ولو كان مبرماً وأن الصدقة تسقط في يد الله قبل يد الفقير وصدقة السر تطفئ غضب الرب والعلانية لها أثرها في اتباع السلوك الحسن من قبل الآخرين،وكل ذلك لا بد ان يكون في سبيل مرضاة الله تعالى من دون مَنّ أو أذىً يلحق بها،وكذلك هي المستنزلة للرزق،كل هذه معاني أشارت اليها الاحاديث الشريفة لفوائد الصدقات والقربات الى الله تعالى شأنه،وفوق هذا وذلك فهي تبعث على الطمأنينة وإرتياح القلوب.
10 – عن أبي موسى الاشعري عن النبي محمد صلى الله عليه واله،أنه قال:
(مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت)
الذكر هو حياة القلوب وقوتها وقوتها،فإن خلت القلوب من الذكر مات الجسد والروح معا.ومن وراءه معيشة ضنكا،فذكر الله جل وعز هو السلاح والدرع الذي يدافع به المؤمن عن نفسه وما عنده،وهو جلاء القلوب ودواؤها،وهو الباب الذي فتحه الله لعباده المخلصين،وهو الحائل دون الغفلة والزلل،وهو المنزل للرحمة الإلهية.وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله:
(ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم،الا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) . فإذا خلا لسان المؤمن وقلبه من الذكر اصبح مرتعاً للشيطان يصول ويجول فيه،فتجتمع عليه الهموم والغموم من كل جانب وابتلي بالذنوب سواء بالغبية او النميمة والفحش وما شابهها من الذنوب والموبقات.
11- عن ابي هريرة عن النبي محمد صلى الله عليه وآله،أنه قال:
(والذي نفسي بيده لأذودن رجالاً عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض) .
الواضح والجلي في هذا الحديث ان النبي محمد صلى الله عليه واله سيدفع رجالا عن حوضه يوم القيامة في الاوقات العصيبة يوم لا ظل الا ظله وعند العطش الاكبر والحسرة الكبرى،وهنا اشارة واضحة ان كل من احدث وخالف النبي صلى الله عليه واله فيما بعده،سيكون هو الخاسر الاكبر فالذود عن الحوض والدفع يعني خسران شفاعة رسول الله صلى الله عليه واله وهي الخسارة الكبرى التي لا عوض عنها وهو يشمل الجميع بلا استثناء من السابقين واللاحقين.
12- عن النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وآله،أنه قال:
(الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس،فمن أتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه،ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه،ألا وان لكل ملك حمى،ألا ان حمى الله في أرضه محارمه) .
لقد مثّل النبي صلى الله عليه واله محارم الله بالحمى الذي يحميه الملك،ويمنع الناس من الدخول فيه،فالذي لا يقترب منه ،كان في مأمن من غضب الملك،ومن رعى بقرب الحمى،فقد عرض نفسه لسخط الملك وعقوبته،لأنه ربما يحدث نفسه في الدخول للحمى،فعلى المؤمن أن يترك الشبهات وهو الامر الذي يتردد حكمه بين الحلال والحرام،وأن لا يخطو خطوة واحدة في أي امر حتى يصل الى اليقين.ومن الامور التي تبعدنا من الوقوع في الشبهة هو الإبتعاد عن المكروهات،فالمكروه وان لم يستوجب العصيان،لكن فوائد تركه لها اثر وضعي مباشر في حياة الانسان.وبشكل عام فإن العمل بالمكروهات ربما حثت الانسان على ارتكاب المعاصي،فالمكروهات ان صح التعبير فهي الحمى الاول للمعاصي،فان اخترقت ربما ساعدت على ارتكابها بسهولة،والامتناع عنها يزرع في النفس التقوى والورع عن المحارم والشبهات،فإن وصلنا الى هذا المستوى من الوعي سنكون حينها في طمأنينة وسلام.
13 – عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله،أنه قال:
(كل مولود يولد على الفطرة،فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجّسانه،كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء) .
والمراد هنا تمكن الناس من الهدى في أصل الجبّلة والتهيؤ لقبول الدين،فلو ترك المرء عليها لأستقر على لزومها ولم يفارقها الى غيرها،لان حسن هذا الدين ثابت في النفوس،وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية كالتقليد .
والفطرة هنا هي بمعنى القائد والدليل الى معرفة الحق،فإن ترك الانسان ونفسه لابد ان يهتدي الى معرفة الخالق لا محالة،حيث ان الاصل في العقيدة هو التوحيد وما دونه انحراف عن الفطرة السليمة،إما بسبب الوالدين أو الاصدقاء أو معاشر السوء وما دون ذلك من الامور التي تؤدي الى الانحراف ولا ننسى من ذلك البيئة التي يعشيها الانسان،ولذلك ضرب النبي محمد صلى الله عليه واله ذلك المثل ليؤكد على الانسان للعمل على تقصي الحقائق من خلال البحث الدقيق،والباحث عن الحقيقة لابد ان يصل الى مبتغاه ولو بعد حين إن أراد ذلك.
14- عن حكيم بن حزام قال :
” سألت رسول الله فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال : يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذة بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى. قال حكيم : يا رسول الله ! والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا” .ومعنى (فمن اخذه بسخاوة نفس بورك له فيه)أي بغير شره ولا إلحاح لأن السخاوة في الأصل السعة والسهولة. ومعنى (ومن اخذه باشراف نفس)فالإشراف على الشيء يعني الإطلاع على الشيء والتعرض له وأصله من الشرف: وهو كل نشز من الارض أشرف على ما حوله.
وفي هذا المثل يحثنا رسول الله صلى الله عليه واله على نبذ الدنيا وعدم التعلق فيها وبمغرياتها، فهي الزائلة والانسان فيها مسافر لا يحط رحاله إلا في الآخرة أما الى الجنة واما الى النار والعياذ بالله،فيجب ان نستشعر الغربة في الحياة الدنيا لانها ليست دار قرار،وهذا الشعور يقوي في نفوسنا التقوى والورع عن محارم الله.وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله : كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل.
وورد عن رسول الله صلى الله عليه واله أيضا،انه قال:(والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذا- واشار الراوي بالسبابة- في اليم،فلينظر بم يرجع) .
وهذه الاحاديث وغيرها مما ورد عن النبي صلى الله عليه واله واهل بيته عليهم السلام إنما هي لحثنا لترك الدنيا والركون الى الآخرة التي هي ملجأ وملاذ المؤمنين.
15 – عن أبى هريرة،أنه قال رسول الله(ص ):
(لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)
يضرب هذا المثل للتحذير من الوقوع في الخطأ مرة أخرى بعد ان وقع فيه في المرة السابقة.ففيه حث للمؤمن على الفطنة والتنبه واليقظة عند التعامل مع الآخرين الذين ظهر منهم خطأ سابق،ويؤيد سبب ورود الحديث كما في كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وآله،وقد قاله عندما ظفر بالشاعر أبي عزة القرشي بعد معركة أحد،وقد تعهد من قبل بعدم التعرض للمسلمين بعد ان ظفر به المسلمين في معركة بدر ووعد الرسول الكريم صلى الله عليه واله بعدم التحريض على قتال المسلمين بالشعر،وعندما ظفر به أمر النبي صلى الله عليه واله بقتله،فقال:
(لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين)،وبناء على ذلك فينبغي على المؤمن أن يحذر غاية الحذر أي شيء يغضب الرب ولا يتعرض له مرة اخرى،بل هو في الحقيقة امر عقلي،الا وهو الاستفادة من الدروس السابقة والتجربة الماضية وخصوصا ان كان لها طعم مر،فكيف لملدوغ الحية ان يضع يده مرة اخرى في جحرها وهو يعلم المصير الذي سيلاقيه جراء الامر؟ولذلك قال صلوات الله عليه واله ان المؤمن فطن كيّس وعليه الاتعاظ والاعتبار من التجارب السابقة.
16- في جامع الترمذي عن أنس بن مالك عن رسول الله (ص) أنه قال : (مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة) .
لانجني من الشجرة الطبية الا الثمار الطيبة،لذلك علينا ان نفكر كثيراً عندما نتحدث مع الآخرين، ولابد لنا من التدقيق في اختيار الكلمات،ولابد لنا من اختيار الكلمة المناسبة في الوقت المناسب والمكان المناسب،كي لا نجرح الآخرين ونسبب لهم الضرر النفسي،فقد نترك بصمة مؤلمة في نفوس الآخرين،فالكلمة الطيبة كالشجرة المثمرة التي طابت تربتها فطاب ثمرها،ورسخت اصولها في الارض بإجتماع الكلمة والمحبة،حتى تمتد اغصانها في الهواء بالنصح والإرشاد.وكما يجب علينا التنبه الى الأثر الطيب الذي تتركه الكلمة الطيبة في قلوب ونفوس الآخرين لإنها تضفي على الانسان السكينة والهدوء في خضم العالم المادي في عصرنا الحاضر.فإن تكدرت القلوب ووصلت الى طريق مسدود،تأتي الكلمة الطيبة لتكون البلسم للجراح ورفع الضغائن والاحقاد بين بني البشر،ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه واله في موضع آخر،ان (الكلمة الطبية صدقة) .
17 – وورد في شواهد التنزيل عن رسول الله (ص) انه قال :
(الا ان مثل اهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) .
الأمر الذي وجهه الينا النبي صلى الله عليه واله لا يقبل الجدل ولا التأويل وهو وجوب إتّباع أهل البيت عليهم السلام،لأنهم بمنزلة سفينة نوح التي كانت وسيلة النجاة الوحيدة للأمان من الغرق في ذلك الطوفان الهائل،ومثلهم عليهم السلام كمثل تلك السفينة والوسيلة الامنة للنجاة من الغرق والطوفان الهائل المكتسح،مما يعني توفر طريق واحد للنجاة من الانحرافات والزيغ،الا وهو طريق أهل البيت عليهم السلام،وجزافاً ادعى البعض ضعف سند هذا الحديث فهو كالذي يريد ان يطفئ نور الله بالغربال والله متم نوره بالرغم من كل شيء.فطريق اهل البيت ليس بالامر الذي يمكن تجنبه او تجاهله وهو الطريق الجادة او كما قال الإمام علي عليه السلام :(نحن نحن النمرقة الوسطى بها يلحق التالي وإليها يرجع الغالي. – نحن أمناء الله على عباده ومقيموا الحق في بلاده بنا ينجو الموالي وبنا يهلك المعادي.
– نحن شجرة النبوة ومحط الرسالة و مختلف الملائكة وينابيع الحكمة و معادن العلم، ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة. – نحن الشعار والاصحاب والسدنة و الخزنة والابواب ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها ومن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا لا تعدوه العقوبة. – نسئل الله منازل الشهداء ومعايشة السعداء ومرافقة الانبياء [ والأبرار ]. – نحن الخزان لدين الله ونحن مصابيح العلم إذا مضى منا علم نبا علم) .
18- وورد في اعراب القران للأصبهاني ان رسول الله (ص) قال :
(أذا لم تستح فاصنع ما شئت) .
أن ما يمنع الإنسان المؤمن من إرتكاب المحرمات بشكل عام والإساءة للآخرين بشكل خاص هو الحياء،والحياء شعبة من الإيمان بالله فهو من صفات النفس المحمودة ومن مكارم الاخلاق كما قال رسول الله صلى الله عليه واله(إن لكل دين خُلقا وخلق الاسلام الحياء) ،فالحياء دليل الخير وهو دليل على قوة إيمان الفرد بالله،وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله(الحياء والايمان قرناء جميعا،فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)والحياء خلق يمنع صاحبه من الفحش في القول والعمل،ولابد من التفريق بين الحياء والخجل فالخجل عكس الحياء،حيث ان الخجل هو الشعور بالنقص داخل الإنسان،ومصدره ضعف الثقة بالنفس،لكن الحياء شعور نابع من الاحساس برفعة وعظمة النفس الانسانية،وهو لايمنع الانسان من قول كلمة الحق وعدم السكوت عن الباطل،ولذلك فان فقدان الحياء بمعنى الفقدان والخسران للقيم الإنسانية كلها وهو يستتبع الفحش والجرأة على الآخرين
وبالتالي سيادة الفوضى وتشتت الطاقات في المجتمع الانساني.
19- وفي حديث ورد في البخاري عن رسول الله (ص) انه قال:
( مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قوماً، فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه، فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذبته طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم) .
أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بما دهمهم وأكثر ما يفعل هذا ربيئة قومه وهو طليعتهم ورقيبهم .
وقد كانت غارات القبائل على بعضها البعض ولا تنقطع ولا تهدأ وكانوا يرسلون رقباء وطلائع منهم لمعرفة تحركات اعدائهم لينقلوا اليهم تحركاتهم،وليستعدوا للدفاع عن انفسهم من اولئك الاعداء.وكان الطليعة والرقيب إذا وجد جيش العدو قريبا من قومه،بحيث لو رجع الى قومه بشكل مباشر هجم عليهم الجيش قبل استعدادهم لمواجهته،او هربهم منه،صعد على مكان مرتفع ونزع ثوبه واشار اليهم به،ليعرفوا ان الخطر قريب منهم جدا ولم يكونوا يشكون في كذب من فعل ذلك،فرسول الله صلى الله عليه واله ضرب هذا المثل لقومه لإقامة الحجة عليهم واقناعهم بان ما انذرهم به وكان غيبا لكنه حقيقة ويقين لا شك فيه.فرسول الله صلى الله عليه واله وهو الصادق الامين قبل وبعدها،وصدقه مسجل لديهم،كما ان النذير العريان صادق لا يشكون فيه ولا يتأخرون عن العمل بنصيحته،وان من صدق هذا النذير العريان وعمل بنصيحته سينجو من هجوم جيش العدو وسيكون محمود العاقبة.ومن لا يصدقه ولا يعمل بنصيحته،فيسكون سيء العاقبة.
20 – وورد في كتاب المناقب عن رسول الله (ص) انه قال:
(مثلي ومثل الانبياء كرجل بنى داراً فأكملها واحسنها الا موضع لبنة،فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون ويقولون لولا موضع اللبنة).
ويراد بهذا المثل،ان من رحمة الله بالعباد ارسال النبي محمد صلى الله عليه واله إليهم،وهو خاتم الانبياء والمرسلين،وقد اخبر الله تعالى شأنه في كتابه العزيزكما اخبر النبي صلى الله عليه واله انه لا نبي بعده،ليعلم ان كل من ادعى هذا المقام فهو كذاب،فالرسول صلى الله عليه واله وصف نفسه بحجر الزاوية الذي يتم به بهاء وجمال هذا الصرح الذي هو زينة الارض وبه تصلح عمارتها،وهذه اللبنة هي بعثة النبي صلى الله عليه واله بالنبوة فبعد بعثته تم هذا البناء وكمل لانه هو اللبنة التي جعلت وحسنت هذا البناء،فالرسول صلى الله عليه واله هو خاتم الانبياء وزينة الدنيا والآخرة.