كلمة أستاذ الحوزة العلمية سماحة السيد العلامة عصام العماد ألقاها في مدينة قم المقدسة بمناسبة اليوم الثالث لشهادة الرئيس الإيراني
توفرّت لي فرص اللقاء بآية الله السيد إبراهيم رئيسي وكنت أقول من أنا حتى ألتقي به.
واليوم وفي هذه الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة أرى أن أنصفه بكلمة مختصرة .
والحق أنه بعد أن تشرّف بلقاء الله – جلّ جلاله – لم يعد لي مصلحة في الحديث عنه.
وقد لامني بعض الناس في هذه المدينة المقدسة كيف تركت اللقاء معه وأنت شديد المحبة له، فوجدت الإعراض عن الجواب أولى ، ولكن معاذ الله أن اكره اللقاء مع رجل من أولياء الله .
سبق لي قبل هذه الكلمة أن كتبت عنه مقالة في يوم شهادته ، لأنّي أحببته في الله ، لأنه ذاب في حبّ الله ، وكان دائم الذكر لله في أقواله وأفعاله ، وكانت علاقته بالله تتجدّد وتتضاعف .
وكانت لديه معرفة فريدة بالله ، وكانت جميع أفعاله وأقواله صادقة وفي سبيل الله .
لمست عن معرفة به ووتبع لآثاره أنه آمن بعظمة الله وجلاله فانعكس ذلك في أقواله وأفعاله .
ومن هنا لا غرابة أن غرس الله مودته في قلوب العباد وأن أعطاه الله تلك العزة والعظمة ، لأن قلوب العباد بيد الله .
وأنا أعلن أن هذا الرجل قد عقد صفقة مع الله وعاش مع ربّه .
فغايته كانت الحياة في ظلال أسماء الله و في رحاب صفاته ، وهدفه التخلّق بأخلاق الله ، ولهذا أراد الله له أن يكون عزيزاً إلى الأبد .
لم يكن رئيسًا لدولة فحسب، بل كان شخصية عالمية ربّانية.
وشرفه الكبير أنه كان عارفاً بالله ، وكان رجلاً تقياً ، وزاهداً ، ومؤمناً ، ما ترك قيام الليل قط .
والحق أنه تعرّض لحملة تشويه خطيرة ، لكن ولايته لله جعلته صبورًا ، وكيف لا يكون صبورًا عندما يتعرض للإهانة والظلم والتشويه من قبل الآخرين وهو يعلم أن الله خير الصابرين .
وأقسم بالله أنني سعدت جداً عندما سمعت بفوزه في الانتخابات الرئاسية ، لأني أعلم أنه من أحباب ومن أولياء الله .
وأنا على معرفة كاملة به لأنني منذ ما يقارب الأربعين عاما أدرس وأدرّس في هذه المدينة المقدسة كما أعلم بأنه منذ بداية الثورة الإسلامية في جمهورية إيران اهتمّ به الإمام الخميني (قدّس الله سرّه) ، ولهذا اختاره لوظيفة هامة ، لأن الإمام الخميني (قدّس الله سرّه) وأصدقاء الإمام الخميني (قدّس الله سرّه) كانوا على علم بإيمانه وتقواه وصدقه مع الله .
وبقي إلى أن لقي الله محباً للإمام الخميني (قدّس الله سرّه) ويؤمن بطريقته ونهجه .
إنني أجزم بأنه كان لا ينام إلا قليلاً لأنه قضى كل وقته في خدمة عباد الله ، لم تكن تلك صفته منذ عهد رئاستة، بل كانت تلك خصلتة منذ بداية الثورة الإسلامية.
وأعرف بأن من سماته المميزة أنه منذ بداية الثورة وحتى يوم اللقاء مع الله كان مناهضًا للفاسدين العابثين في أموال عباد الله.
عندما نعود ونتدبّر في حياته نراه اشتغل في معظم حياته بالحرب مع أولئك الذين يأخذون أموال عباد الله بطرق غير شرعية وغير قانونية.
ومن هنا حاول جميع الفاسدين والمجرمين المتلاعبين في أموال إيران التشويه في شخصيته ونسبوا إليه شتّى التهم الباطلة ، لكنه كان لايخاف إلا من الله .
وشاء الله أن يصبح وزيراً للعدل والقضاء قبل أن يكون رئيسًا ونفع الله به وزيراً كما نفع به رئيسًا ، فالمؤمن بالله أينما وقع نفع ، والعارف بالله يبحث دائماً عن الابتكار والإبداع لأجل خدمة عباد الله ومحاربة المتلاعبين في مال الدولة ، ويدرك معنى كلام رسول الله (ص) رحم الله من عمل عملاً فاتقنه .
ومن هنا اخترع وابدع أساليب جديدة في الشؤون القضائية ، فمثلاً عندما يرى بأن مديراً لمصنع يتلاعب بأموال عباد الله ويسرف في أموال الدولة ، كان يقول إذا سجنا ذلك المجرم ، سوف ينقطع معاش المئات من عباد الله .
ومن هنا كان يرسل لجنة من وزارة العدل والقضاء لإدارة شؤون عمّال المصنع تتولي تسليم رواتبهم وحفظ حقوقهم ، وبعد ذلك يعتقل ويسجن مدير المصنع
الفاسد .
نعم تلك هي أساليب وابتكارات من يحمل محبة الله في قلبه ، ومن يعيش مع الله دائمًا ، ومن يرى عظمة الله ، ومن يدرك نعمة الله ورحمته.
إنه في كلّ يوم يجدّد ويتفنّن في أساليب خدمة عباد الله ، وإنه يعمل بإخلاص في كل أموره .
لقد عيّنه الإمام الخميني (قدّس الله سرّه) في عام ١٩٨٦ مسؤولاً عن متابعة شؤون الفاسدين والمجرمين المتلاعبين في أموال الدولة ، كما أصبح بعد ذلك رئيساً للقضاء بأمر من الإمام الخامنئي – دام ظله – .
وذات يوم قالوا له إن حياتك في خطر ، لأنك المسؤول عن ملاحقة ومعاقبة الفاسدين والمجرمين العابثين في أموال عبادالله وفي خزينة الدولة ، لكن الرجل كان لا يخاف من الفاسدين والمجرمين من الذين يأكلون أموال المستضعفين ، وكان طيلة حياته المباركة العدو الأول للمفسدين والمجرمين من المتلاعبين في بيت مال الدولة .
ومن دون شك بأن العداوة للمفسدين والمجرمين العابثين في مال الدولة مسألة خطيرة! بل استشهد الإمام علي(عليه السلام)بسبب عداوته للمفسدين والمجرمين العابثين في مال الدولة ، وكذلك استشهد الامام الحسين(عليه السلام)لعدائه للفاسدين والمجرمين العابثين في مال الدولة ، بل كل الحروب ضد الامام علي عليه السلام لأنه كان عدواً للمفسدين والمجرمين العابثين في مال الدولة .
إن العداوة مع الفاسدين والمجرمين العابثين في مال الدولة تساوي الموت… لقد استشهد أئمة أهل البيت عليهم السلام ، لأنهم كانوا معارضين لاهل القصور الذين بنوا هذه القصور من اموال المظلومين ومن أموال خزينة الدولة.
ومن هنا يعرف بأنه الشهيد المظلوم ، لأن المفسدين في مال الدولة في إيران بذلوا كل جهدهم في تشويه سمعته .
ولم يضيّع دقيقة واحدة من حياته الربانيّة ، بل دخل كل قرية ومدينة فيها مظلوم أو مستضعف ، وقد شاهد الجميع مكان استشهاده في قرية يصعب جدًا الوصول إليها .
وقام بتفقد منازل المحتاجين وزار بيوت الأيتام والشهداء واهتم بمشاكلهم وسمع منهم بنفسه ، ويكفي أن نعلم أن الناس لم يعرفوا بأن له أخوه إلا بعد شهادته وأن جيران منزل والدته لم يعرفه الناس إلا بعد شهادته وعاشت والدته وما تزال إلى اليوم في بيت لا يسكنه إلا الفقراء ، لأن مساحته ليست إلا سبعين مترا ، ولم يمتلك طوال حياته إلا بيتا مساحته مائة وأربعين مترا مع أنه تولي أهم المناصب منذ بداية حياته إلى أن لقي الله ، وكان يقول لأمه تحملي تعب الحياة فلا أريد أن انجس حياتي بمال حرمه الله علي ، وكان إذا سافر لزيارة أمه يرفض أن يأخذ من مال الدولة ويقول أنه لايجوز لي صرف أموال الدولة في أموري الشخصية .
وكم كان عجبي من علاقته مع الله وتخلقه بأخلاق الله لمّا رأيت مناظراته مع منافسيه في الانتخابات الرئاسية على شاشة التلفزيون الإيراني .
والحق أقول بانه قدوة لكل السائرين في طريق أخلاق المناظرة الإلهية التي تتخلق بأخلاق الله.
وأرى أن مثل ذلك الرجل العظيم مثل الصندوق الأسود في الطائرة ، فهو يعرف كل أسرار المفسدين والمجرمين في إيران ، لكنه لم يذكر اسم مفسداً أبدا ، لأن الله ستار العیوب فكيف لايكون آية الله السيد إبراهيم رئيسي ستاراً للعیوب ، فمن لم يتخلّق بأخلاق الله لن يكون ربانياً .
الرئيسية / اخبار العلماء / كلمة العلامة السيد عصام العماد في رحيل اية السيد رئيسي قدس الله نفسه الزكية
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...