أخبرنا السيد أبو الصمصام ذو الفقار بن أحمد بن معبد ( 1 ) الحسيني ، حدثنا الشيخ أبو
جعفر الطوسي ، حدثنا الشيخ المفيد أبو عبد الله ، حدثنا الشيخ أبو جعفر بن بابويه ، حدثنا
أبي ، حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن
إبراهيم بن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال :
كان نبوة إدريس عليه السلام
انه كان في زمنه ملك جبار وانه ركب ذات يوم في بعض نزهه ، فمر بأرض خضرة نضرة
لعبد مؤمن فأعجبته
فسال وزراءه لمن هذه ؟ فقالوا لفلان ، فدعا به ، فقال له ، أمتعني ( 2 )
بأرضك هذه ، فقال : عيالي أحوج إليها منك ، فغضب الملك وانصرف إلى أهله .
وكانت له امرأة من الأزارقة يشاورها في الامر إذا نزل به ، فخرجت إليه فرات في وجهه
الغضب
، فقالت : أيها الملك انما يغتم ويأسف من لا يقدر على التغيير ، فان كنت تكره ان
تقتله بغير حجه ، فانا أكفيك امره وأصير ارضه بيدك بحجه لك فيها العذر عند أهل
مملكتك ، فقال : ما هي ؟
قالت : ابعث أقواما من أصحابي الأزارقة حتى يأتوك به ، فيشهدون لك عليه عندك انه
قد برئ من دينكم ، فيجوز لك قتله واخذ ارضه ، قال : فافعلي وكان أهلها يرون قتل
المؤمنين ، فأمرتهم بذلك ، فشهدوا عليه انه برئ من دين ( 3 ) الملك ، فقتله واستخلص
ارضه .
فغضب الله تعالى للمؤمن فأوحى إلى إدريس عليه السلام ان ائت عبدي الجبار فقل له : اما
رضيت ان قتلت عبدي المؤمن ظلما حتى استخلصت أرضه ، فأحوجت ( 1 ) عياله من بعده
وأجعتهم ( 2 ) ، أما وعزتي لأنتقمن له منك في الاجل ، ولأسلبنك ملكك في العاجل ، ولا
طعمن الكلاب من لحمك ، فقد غرك حلمي ، فاتاه إدريس عليه السلام برسالة ربه ، وهو في مجلسه و
حوله أصحابه .
فقال الجبار : اخرج عنى يا إدريس ، ثم أخبر امرأته بما جاء به إدريس صلوات الله
عليه ، فقالت : لا تهولنك رسالة إدريس انا ارسل إليه من يقتله وأكفيك امره ، وكان
لإدريس صلوات الله عليه أصحاب مؤمنون يأنسون به ويأنس بهم ، فأخبرهم بوحي الله
ورسالته ( 3 ) إلى الجبار ، فخافوا على إدريس منه .
ثم بعثت امرأة الجبار أربعين رجلا من الأزارقة ليقتلوا إدريس ، فأتوه فلم يجدوه في
مجلسه ، فانصرفوا ورآهم أصحاب إدريس ، فأحسوا بأنهم يريدون ( 4 ) قتل إدريس عليه السلام ،
فتفرقوا في طلبه وقالوا له : خذ حذرك يا إدريس ، فتنحى عن القرية ( 5 ) من يومه ذلك و
معه نفر من أصحابه ، فلما كان في السحر ناجى ربه ، فأوحى الله إليه ان تنح عنه وخلني و
إياه
قال إدريس صلوات الله عليه : أسألك ان لا تمطر السماء على أهل هذه القرية ، وان
خربت وجهدوا وجاعوا . قال الله تعالى : إني قد أعطيتك ما سألته ، فأخبر إدريس أصحابه
بما سال الله من حبس المطر عليهم وعنهم ، وقال : اخرجوا من هذه القرية إلى غيرها من
القرى ، فتفرقوا وشاع الخبر بما سال إدريس عليه السلام ربه .
وتنحى إدريس إلى كهف في جبل
شاهق ، ووكل الله تعالى ملكا يأتيه بالطعام عند كل مساء ، وكان يصوم النهار ، وظهر في
المدينة جبار آخر ، فسلب ملكه – أعني : الأول – ( 1 ) وقتله واطعم الكلاب لحمه ولحم
امرأته ، فمكثوا بعد إدريس عشرين سنه لم تمطر ، السماء عليهم مطره فلما جهدوا ومشى
بعضهم إلى بعض .
فقالوا إن الذي نزل بنا مما ترون بسؤال إدريس عليه السلام ربه ، وقد تنحى عنا ولا علم لنا
بموضعه ، والله ارحم بنا منه ، فاجمعوا أمرهم على أن يتوبوا إلى الله تعالى فقاموا على الرماد ،
ولبسوا المسوح ، وحثوا على رؤوسهم التراب ، وعجوا إلى الله بالتوبة والاستغفار والبكاء و
التضرع إليه .
فأوحى الله تعالى إلى الملك الذي يأتي إدريس عليه السلام بطعامه : ان احبس طعامه عنه ،
فجاع إدريس عليه السلام ليله ، فلما كان في ليله اليوم الثاني لم يؤت بطعامه قل صبره وكذلك ( 2 )
الليلة الثالثة ، فنادى يا رب حبست عنى رزقي من قبل ان تقبض روحي .
فأوحى الله إليه : اهبط من موضعك ، واطلب المعاش لنفسك ، فهبط إلى قرية فلما دخلها
نظر إلى دخان بعض منازلها ، فاقبل نحوه فهجم على عجوز كبيره وهي ترفق قرصين لها
على مقلاة ، فقال : بيعي منى ( 3 ) هذا الطعام ، فحلفت انها ما تملك شيئا غيرهما ( 4 ) واحد لي و
واحد لابني ، فقال : ان ابنك صغير يكفيه نصف قرصه فيحيى به ويجزيني النصف الاخر ،
فأكلت المرأة قرصها ، وكسرت القرص الاخر بين إدريس وبين ابنها ، فلما رأى ابنها
إدريس يأكل من قرصته اضطرب حتى مات ، فقالت يا عبد الله قتلت ابني جزعا على
قوته ، فقال لها إدريس عليه السلام : أحييه بإذن الله ولا تجزعي .
ثم اخذ إدريس بعضد الصبي وقال : أيتها الروح الخارجة عن هذا الغلام ارجعي إليه و
إلى بدنه بإذن الله تعالى ، انا إدريس النبي ، فرجعت روح الغلام إليه ، فقالت اشهد انك
إدريس النبي ، وخرجت ونادت في القرية بأعلى صوتها : أبشروا بالفرج قد دخل
إدريس عليه السلام قريتكم .
ومضى إدريس حتى جلس على موضع مدينه الجبار الأول وهي تل ، فاجتمع إليه
الناس من أهل قريته ( 1 ) ، فقالوا مسنا الجوع والجهد في هذه العشرين سنه
، فادع الله تعالى
لنا ان يمطر علينا ، قال إدريس عليه السلام : لا ادعو حتى يأتيني ( 2 ) جباركم وجميع أهل قريتكم
مشاة حفاة ، فبلغ الجبار قوله ، فبعث إليه أربعين رجلا يأتوه بإدريس ، فأتوه وعنفوا به ،
فدعا عليهم فماتوا ، فبلغ الجبار الخبر ، فبعث إليه خمسمائة رجل ،
فقالوا له : يا إدريس ان
الملك بعثنا إليك لنذهب بك إليه ، فقال لهم إدريس عليه السلام : انظروا إلى مصارع أصحابكم قالوا :
متنا بالجوع ( 3 ) فارحم وادع الله ان يمطر علينا فقال : حتى يأتي الجبار .
ثم انهم سألوا الجبار ان يمضى معهم ، فأتوه ووقفوا بين يديه خاضعين ، فقال
إدريس عليه السلام ، الان فنعم فسال الله ان يمطر عليهم فأظلتهم سحابة من السماء ، فأرعدت و
أبرقت وهطلت عليهم