لا شك أن التمدد الكبير لتنظيم داعش الإرهابي يُعتبر من الأمور التي يتم دراستها، لما لها من الدلالات الكبيرة، الى جانب ما تتضمنه من أسرارٍ حول أسباب واهداف نشوء هذا التنظيم. وهنا لا بد من الوقوف على بعض أسباب قوة وتمدد داعش في العراق وسوريا تحديداً وعلاقتها بالمصلحة الأمريكية. فإلى جانب العوامل السياسية التي تبدو جليةً كأسباب لهذا الإنتشار، يُعتبر العامل الإقتصادي أساساً في ذلك. بل إن العاملين في مجال التخطيط الإستراتيجي يدركون أن الإقتصاد هو محرك السياسة الأساسي. فالحروب بأسرها والصراعات، تقوم لأهدافٍ إقتصادية، وبلباسٍ سياسي. ولأن النفط كان وما يزال محور إهتمام أدمغة صناعة الإستراتيجيات العسكرية، لا سيما الأمريكية، يُعد أحد أهم أولويات واشنطن الإستراتيجية والخفية. وهنا ربطاً بما قيل، يأتي الحديث عن أهمية النفط بالنسبة لتنظيم داعش الإرهابي. وهو الأمر الذي يجب الإلتفات الى تقاطعه مع مصالح واشنطن. فما هي أهمية النفط بالنسبة لداعش؟ وكيف يتقاطع ذلك مع مصالح الغرب وأمريكا؟
السر الأول:الجغرافيا النفطية وأهميتها الإقتصادية والسياسية:
بقي السؤال المُحيِّر والذي يتردد في أذهنة أدمغة التخطيط، عن قدرة تنظيم كداعش التوسع والتمدد بهذا الشكل الكبير، وهو الذي أعلن دولته في ٢٠٠٦ وانفصل عن القاعدة في ٢٠١٤. أي أنه يعتبر تنظيماً جديداً من الناحية العملية. وهنا نقول التالي:
بناءاً للقراءة الدقيقة لمجريات الأحداث المتعلقة بالإرهاب وبالتحديد في العراق وسورية، فإن العديد من العوامل تلعب دوراً بارزاً في إبقاء الحياة لهذا التنظيم الإرهابي. فالعوامل السياسية المتمثلة بغياب الدولة في المناطق التي يسيطر عليها الى جانب غياب الإستراتيجيات الجادة لمحاربته دولياً، يعتبران عاملين مهمين وأساسيين في إبقاء التنظيم على قيد الحياة. لكن العامل الآخر والأكثر أهمية، هو العامل الإقتصادي، والذي يشكل السبب الرئيسي وراء بقاء التنظيم في حالة إستمرارية وتمدد. وهو الأمر المرتبط بطرق التمويل التقليدية، والتي عادة ما تموَّل بها التنظيمات أو الحركات المسلحة وبالتحديد تلك التي يتم إيجادها لهدف.
إلا أن تنظيم داعش ومن خلال مسيرته، عمل من أجل تأمين استمراريته عبر تحصيل إكتفائه الذاتي. الأمر الذي يسمح له بدفع رواتب المنتمين إليه، الى جانب قدرته على الترويج لحركته، مما يجعل منه حالةً مفروضة ليست فقط عسكرياً بل سياسياً وإقتصادياً.
وهو الأمر الذي يجب الإلتفات الى مسألةٍ خطيرةٍ ترتبط به وبشكلٍ مباشر. وهي أن تنظيم داعش الإرهابي، يتواجد في أهم منطقةٍ جغرافية، من الناحية السياسية والإقتصادية في المنطقة. لذلك لا يمكن القبول على الإطلاق، إلا بحقيقة أن أصل وجود التنظيم في هذه المنطقة، يتطابق مع المصلحة الأمريكية، التي أثبتت كافة التقارير تورطها في إنشاء التنظيم، والسماح يتمدده. وإلا فهل تُعتبر صدفةً أن يكون التنظيم في أهم منطقةٍ سياسيةٍ وإقتصادية في العراق وسوريا، وهي نفسها المناطق التي تقع تحت العين الأمريكية كهدف؟
لذلك فإن هذه الحقيقة تُعتبر أساساً يجب البناء عليه في أي تحليلٍ لأسباب وواقع سَعيِ داعش للإستيلاء على النفط والغاز في العراق وسورية. كما يجب ربطها مباشرةً بالمصلحة الأمريكية.
السر الثاني: كيف سمحت أمريكا لداعش بتأمين استمراريتها؟
إن الإستيلاء على حقول النفط في كلٍّ من العراق وسوريا يعتبر من أهم وأكبر مصادر تمويل تنظيم داعش الإرهابي. ولعل هذا التمويل يجعلها قادرةً على الإستغناء عن مصادر أخرى، كدعم الدول وتحديداً السعودية أو تمويل الأطراف وبالتحديد الخليجية. وبحسب موقع العربية نت وبتاريخ ٢٧ آب ٢٠١٤ فإن عوائد داعش من النفط تصل الى حوالي ٤ ملايين دولار يومياً وإلى حوالي مليار دولار كإجمالي. فكيف نجحت داعش في تأمين ذلك؟
لم تكن داعش لتنجح لولا تواجد عددٍ من الأسباب التي يجب الوقوف عندها. والتي يمكن سردها بالتالي:
إن من يراقب طريقة عمل التنظيم وبالتحديد في العراق، يجد أنه نجح في استغلال حالة الهشاشة التي تمر بها الأوضاع الأمنیة والسیاسیة في العراق، وقام بتوسيع نفوذه عبر فرض قوته على المناطق التي لا تخضع لسيطرة هذه الحكومة. وهنا كان للمال دورٌ أساسيٌ في تدعيم التنظيم لأسس وجوده على الأرض. لكن وربطاً لما قدمناه فيما مضى، فإن العارف بخفايا السياسة الأمريكية، يؤمن بأن واشنطن هدفت وعملت ليلاً ونهاراً، من أجل ضرب الحكومة المركزية في العراق، وبالتالي فليس صدفةً إستغلال التنظيم الإرهابي لذلك. بل إن أمريكا وفي حال لم نُرد القول أنها أدارت هذا التأسيس الإرهابي للتنظيم، يمكننا الجزم بأنها السبب في تأمين الأرضية لذلك.
ولم يعد من الضروري التفكير ملياً بالأسباب الكامنة وراء إختيار التحالف سياسةً إنتقائية بالتعامل مع ضرب الأهداف الإرهابية في العراق وسوريا. فقد أصبح الجواب واضحاً. إذا تتعلق أحد أهداف ذلك بالحؤول دون ضرب الجغرافيا التي قد تمنع تنظيم داعش من التأسيس. وإلا فإن الطائرات الأمريكية كانت قادرة ومن خلال سياسةٍ عسكرية دقيقة وبالإتفاق مع العراق تحديداً، منع تمدد داعش واستيلائه على مناطق إستراتيجية، تقع أصلاً تحت العين الأمريكية.
السر الثالث: من الإستيلاء على النفط الى شـبـكـات تـهـريـب إقليميـة :
لم يكن المطلوب فقط الإستيلاء على حقول النفط، بل لا بد من إيجاد شبكةٍ للتهريب، إقليمية ودولية، تساعدها على بيع وتصدير النفط. ولكن كيف ولمن؟
بحسب تقريرٍ نشره موقع العراق نت وبتاريخ ٧ ايلول ٢٠١٤ تحت عنوان: “تقارير أمريكية تتحدث عن شراء الأردن للنفط العراقي من داعش”، يشير التقرير الى أن المخرج الوحيد لتهريب النفط من سوريا والعراق هو عبر الجيران أي بالتحديد الأردن وتركيا.
وبحسب تقرير آخر نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” في لندن في ٢٩ تموز ٢٠١٤ تحت عنوان “تجار يروون كيفية تهريب نفط داعش”، فإن النفطَ الذي يتم استخراجه من العراق يتم تهريبه بصورة علنية وتحت أعين التحالف الدولي إلى السليمانية فأربيل في إقليم كردستان. ثم تحول التهريب فيما بعد عبر شبكة من المهربين ومالكي صهاريج نقل البترول، عبر مناطق إقليم كردستان، ثم عن طريق تكريت وناحية رشاد التابعة لمحافظة كركوك، ومنها إلى الموصل ثم إلى سوريا وصولاً إلى تركيا!!
السر الرابع: أهمية إستيلاء داعش على النفط بالنسبة لواشنطن :
إن المخطط الأمريكي سعى لأن يتحكم التنظيم بأكبر عدد ممكن من حقول البترول في العراق الذي يُعتبر من أكبر دول العالم تصديرًا للنفط. وهنا يجب الإلتفات الى أن الأمريكي سعى الى ذلك كله، من منطلق إعتقاده أنه سيبقى قادراً على إدراة حركة التنظيم الإرهابي، وهو موضوعٌ آخر. لكن إستيلاء التنظيم يعكس عدداً من النتائج التي تقع في مصلحة واشنطن وهي:
التأثير على سوق تصدير النفط العالمي المُعتمد بالأساس على دول مجلس التعاون ومنطقتهم، لما قد تمثله داعش من تهديد على مناطق استخراج النفط، وعلى طرق نقله وتصديره عبر موانىء الدول الخليجية القريبة جداً من العراق. وهو الأمر الذي تستفيد منه واشنطن كورقة بيدها في وجه إيران بالتحديد.
تدمير البنية التحتية لصناعة النفط في سورية والعراق، الى جانب استنزاف الإحتياطات النفطية أو الإضرار بالأسعار العالمية، وهو ما يدخل ضمن إستراتيجية واشنطن لإخضاع الدول.
بناءاً لما تقدم، لا شك أن واشنطن كانت شريكةً في الخراب والفوضى التي حلت بملف النفط عراقياً وسورياً. وفي حال أن الأمور خرجت عن سيطرتها اليوم، فإن ذلك لا يعني عدم تحميلها المسؤولية. وعلى كلِّ حال، فهناك الكثير من الأسرار التي تتعلق بأمورٍ أخرى غير النفط، تقع بين أمريكا وداعش، سنعرضها قريباً.