الصهيونية المسيحية البريطانية
إلا أن بوادر تفسير الكتب المقدسة تفسيراً حرفياً وربطها بالسياسة، ولا سيما بتصور دولة يهودية تتميماً – حسب زعم الألفيين – لنبوءة الكتاب المقدس، فقد بدأت بشكل بارز في بريطانيا في القرن السابع عشر.
وقد تسارع هذا التطور إبّان العصر الطهري (البيوريتاني)، بعد أن كانت تلك المعتقدات الألفية قد تراجعت في العهد “الإلزابيتي” فمن هذا الاتجاه نذكر: إستعمال العبرية لغة للصلاة في الكنائس، ونقل يوم ذكرى قيامة السيد المسيح من يوم الأحد إلى يوم السبت اليهودي، ومطالبة بعض
البيوريتانيين الحكومة بأن تعلن التوراة أي العهد القديم دستوراً لبريطانيا.
ونجد منذ العام 1585 رجلاً بريطانياً من رجال الدين، واسمه (توماس بريتمان/1562-1607) يدعو إلى إعادة اليهود إلى الأراضي المقدسة تتميماً لنبوءة الكتاب المقدس.
وفي العام 1615، دعا عضو البرلمان البريطاني (السير هنري فينش) الحكومة إلى دعم عودة اليهود إلى فلسطين حيث كتب: “ليس اليهود قلةً مبعثرة، بل إنهم أمة ستعود أمة اليهود إلى وطنها، وستعمر كل زوايا الأرض… وسيعيش اليهود بسلام في وطنهم إلى الأبد”.
إلا أن الركيزة الدينية / السياسية / الإيديوليوجية الأولى للصهيونية المسيحية في بريطانيا قامت على يد (أوليفر كرومويل)، فقد كان هذا الأخير على مدى عشر سنوات (1649-1659)، رئيساً للمحفل البيوريتاني، وهو الذي دعا إلى عقد مؤتمر (1655) للتشريع لعودة اليهود إلى بريطانيا، أي إلغاء قانون النفي الذي اتخذه الملك (ادوارد)، ففي هذا المؤتمر تمّ ربط الصهيونية المسيحية بالمصالح الاستراتيجية لبريطانيا، ومن خلال عملية الربط تلك تحمّس (كرومويل) لمشروع التوطين اليهودي في فلسطين منذ ذلك الوقت المبكّر.
بعد العام 1800، برز (القس لويس واي) الذي صار مدير الجمعية اللندنية لترويج المسيحية بين اليهود في العام 1809, وقد تحولت الجمعية بجهوده قوة كبرى في التعبير عن عقائد الصهيونية المسيحية بما فيها عودة اليهود إلى فلسطين.
شخصية أخرى ساهمت في تطوير هذا الاتجاه في بريطانيا هو (الشريف هنري دراموند) عضو مجلس العموم البريطاني، فقد تخلى (دراموند) عن عمله السياسي بعد زيارة الأرض المقدسة ونذر حياته لتعليم الأصولية المسيحية والكتابة عنها وعن صلتها بعودة اليهود إلى فلسطين.
أما (اللورد شافتسبوري/1801-1885) وهو من أكابر المصلحين الاجتماعيين الانجيليين البريطانيين، وقد عمل لتخليص بريطانيا من العبودية، ومن ممارسات تشغيل الأحداث الظالمة، فقد كان من الألفيين
المتحمسين والمناضلين من أجل عودة اليهود إلى فلسطين، وكانت نظرته تتسم إلى حدّ بالعداء لليهود، إذ كان يفضّل رؤيتهم يقيمون بالأراضي المقدسة بدلاً من إنكلترا.
وأشدّ الصهيونيين المسيحيين البريطانيين ضلوعاً في السياسة فهو (القس ويليام هـ . هشلر/1845-1931). فقد عمل في السفارة البريطانية ﺑﭭيينا، ونظّم عملية تهجير اليهود الروس إلى فلسطين. وفي العام 1894 نشر كتاباً عنوانه: “عودة اليهود إلى فلسطين”، وطرح هذه العودة على قاعدة تطبيق النبوءات الدينية الواردة في العهد القديم، والأهم من كل ذلك أنه كان من المؤمنين المتحمسين لأبي الصهيونية (تيودور هرتزل)، وقد أتاح (هشلر) الدعم السياسي والاتصالات لهرتزل خلال المرحلة الحاسمة، وبذل مساعيه في اللوبي من أجل القضية الصهيوينة لمدة تناهز الثلاثين سنة.
وأخيراً، لا بد من ذكر اسم (اللورد آرثر بلفور)، مهندس وعد بلفور الذي صدر في العام 1917. لقد كان (بلفور) من الألفيين ومن الصهيونيين المسيحيين، وقد أدت لقاءاته بكل من (تيودور هرتزل) و (حاييم وايتزمان) إلى ما يقارب الانسجام، رغم أنه كان معروفاً عنه بمواقفه المعادية لليهود .