الرئيسية / تقاريـــر / بيعة الغدير .. فريضة وحقيقة لا يمكن إنكارها أو كتمانها – جميل ظاهري

بيعة الغدير .. فريضة وحقيقة لا يمكن إنكارها أو كتمانها – جميل ظاهري

أجمع المفكرون والعلماء والمؤرخون الباحثون في علوم التاريخ والفقه والحديث، على أن التأريخ الاسلامي كتب باداة أموية وعباسية سعياً لقلب الحقائق التي مرت بها مسيرة الدولة الاسلامية منذ تأسيسها على عهد الرسول الأعظم (ص) في المدينة المنورة، والتضليل والتغطية على إنحرافات كبار القوم وقادتهم عما قاله وأوصى به نبي الرحة محمد (ص) رغم وقوفهم بانه كما جاء في القرآن الكريم.. ”

 

وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى” [النجم 3و4]؛ فكانت عملية التضليل على واقعة الغدير والعمل على إيجاد لغط وشكوك في حقيقتها ومصداقيتها بأعتبارها أمر ألهي هي أكبر تلك الانحرافات وأكثرها قساوة لقوم الارهاب التكفيري ضد الاسلام المحمدي الأصيل، منذ لحظة إعلان البيعة في 18 ذي الحجة من عام 10 للهجرة.

 

مما لا شكّ فيه أن مسألة الغدير، بكل إيحاءاتها وإشاراتها، تركت آثارها العميقة في الكيان الاسلامي العام، حيث استطاعت ـ في كل تفاعلاتها وكل المواقف السلبية والايجابية منها ـ أن تختصر التاريخ الاسلامي في حركة التنوع والاختلاف والصراع بين الحق والباطل، العلم والجهل، وعبودية الله سبحانه وتعالى والجاهلية القبلية الوثنية القائمة حتى يومنا هذا؛ و من أهم خصوصياته انه لا مجال للعذر مرة أخرى بعد ان تم إكمال الدين على يد الصادق الأمين (صلى الله عليه واله وسلم) بولاية امير المؤمنين وأهل بيته( عليهم السلام) من بعده دون فصل.

 

خلال عودة الرسول محمد (ص) من حجّة الوداع، أنزل الله سبحانه وتعالى الوحي عليه ليأمره القيام بأمر مهم وضروري لابقاء الاسلام ديناً خالداً على مدى العصور القادمة حتى قيام القيامة بصورة صحيحة، فجاءه الخطاب الرباني:”يا أيها الرسول بلِّغ ما أُنزِلَ إليكَ من ربِّك وإنْ لم تفعل فما بلّغت رسالتَه واللَّهُ يَعْصمُك من الناس…} [المائدة:67].

 

هنا بلغ النبي الأكرم (ص) رسالته الربانية وبالصورة التي ذكرها ونقلها كبار علماء ورواة العامة

من أبن عساكر في تاريخ أبن عساكر ج2،

وأبن المغازلي: المناقب ص31،

وأبن كثير: تفسير القرآن ج2 ص15

وفي البداية والنهاية ج5 ص209،

والآلوسي: روح المعاني ج4 ص282،

والسيوطي: تاريخ الخلفاء ص169،

والطبري: ذخائر العقبى ص67،

والذهبي: التلخيص ج3 ص109،

واليعقوبي: تاريخ اليعقوبي ج1 ص422،

والنيسابوري: ثمار القلوب ج2 ص906،

والسمهودي: جواهر العقدين ص236،

والنسائي: فضائل الصحابة ص15،

والخوارزمي: المناقب ص156،

وابن طلحة الشافعي: مطالب السؤول ص4،

والشهرستاني: الملل والنحل ج1 ص163،

وابن خلدون: المقدمة ص246 وعشرات أخرين منهم، لا يسع المقال لذكرهم جميعاً .

 

فأمر رسول الله (ص) الناس لصنع منبر له ومن ثم اعتلاه وخطب فيهم خطبة قيمة وغراء، رافعاً يد الامام علي (ع) حتى بان بياض إبطيهما للناس وهو يخطب فيهم قائلاً:”ألا مَنْ كنت مولاه فعلي (ع) مولاه.

 

اللهم والِ مِنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه… وأدِرْ الحق معه حيثما دار”.. فهرع المنافق قبل المؤمن ليعلن بيعته أمام الحشود ثم ينكثها ويكتمها وينكرها فيما بعد ويغتصب مسند السلطة ظلماً وزوراً وإرهاباً، ويؤسس للتكفير والتحريف والتزوير وشق عصى المسلمين ووحدتهم والسعي لعودتهم نحو الجاهلية والعصبية القبلية والقومية والعرقية كما تعاني منه الأمة اليوم بلباس الدين المزيف وفتاوى الدم برائحة البترول الخليجي، فتساق نساء المسلمين سبايا وتدمر بلادهم وتهتك مقدساتهم وتخرب مساجدهم وتحرق كتبهم حتى القرآن الكريم وتسيل أنهار الدماء من أجساد الأبرياء من العراق حتى اليمن ومن البحرين حتى الشام .

 

بعد أن نصب المصطفى محمد(ص) الامام علي(ع) وبآمر من الخالق المتعال أميراً على المسلمين نزلت آية الكريمة”الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ” [المائدة 3]،

 

تأكيداً من الباري تعالى على أن علياً (ع) يمثل الحق على نحوٍ لا يبقى هناك للباطل أي دور في حياته، وإنه إذا انطلق، فسينطلق الحق معه، وإذا وقف فسيقف الحق معه، وإذا حارب فسيحارب الحق معه، وإذا عارض فسيعارض الحق معه، لأنه لن ينفصل عن الحق، والحق لن ينفصل عنه في أي مجال حتى يردا الحوض على النبي الأكرم (ص) يوم القيامه – رواه مستدرك الحاكم – كتاب معرفة الصحابة – حديث رقم ( 4686 )، والهيثمي – مجمع الزوائد – كتاب الفتن أعاذنا الله منها – باب فيما كان في الجمل وصفين وغيرهما – الجزء: 7- رقم الصفحة 12027، وايضاً للكاتب في كتاب المناقب – باب مناقب علي بن أبي طالب – باب الحق مع علي – الجزء 9 – رقم الصفحة 135، والطبراني- المعجم الكبير – باب الفاء حديث رقم 15048و18410 و18573 و18703، وإبن حجر- فتح الباري شرح صحيح البخاري – كتاب الفتن – باب الفتنة التي تموج كموج البحر – رقم الصفحة 59 والكثثير غيرهم .

 

الشاهد الأقوى على حقيقة بيعة الغدير للامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام هي تهنئة الخليفة الاول والثاني وفي مقدمة جمع غفير من أصحاب الرسول (ص)، حيث بادرا لتهنئته (ع) مخاطبيه: “هنيئاً لك يا علي بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة”.

 

وجاء في رواية اخرى: “فلقيه الخليفة الثاني بعد ذلك، فقال له: هنيئاً يا ابن أبي طالب؛ أصبحتَ وأمسيتَ مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة” والتي روته آيضاٌ كتب الصحاح جميعها.. ولكن سرعان ما نكر وكتم القوم بيعتهم حباً للدنيا وشهواتها ومساند سلطتها ليكفروا ويقتلوا المعارضين والمخالفين أو يبعدوا عن ديارهم أو يقبعون في غياهب السجون والمعتقلات، والتاريخ يعيد نفسه على أمتداده حتى بلغ ما نحن عليه اليوم والأحرار والمؤمنين والصادقين والداعين الى النور والحق، بين معتقل وقتيل ومشرد ومكفر ومستباح دمه وعرضه وماله وبلاده .

 

لابد من التأكيد أن واقعة الغدير تنطوي بعنوانها كميثاق للأمة المحمدية ودستورها القرآني الأصيل، على خصوصيتين مهمتين: * الأولى: ظرفيتها، حيث تزامنت مع آخر لحظات الرسالة الخاتمة وتجلت من خلالها أرقى حقيقة وجودية ألاّ وهي ” الولاية “؛ وكان لسان الحال فيها يؤكد أن “لا دين بلا ولاية “؛ لأنّ الدين المفرَّغ من الولاية ماهيته مغايرة للحق والقانون الإلهي، ويسير بالأمة نحو الإنحراف والنفاق والمكر والتكفير والخديعة التي أبتلي به المسلمون على طول تاريخهم حتى عصرنا الراهن .

 

* الثانية: مصداقها، وهو “ولي الله ” المتصدي للدفاع عن حريم هذه الحقيقة الدينية والمتجلي في شخص من فدى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه، وبات على فراشه، وقاد جيشه في المعارك والحروب، وقتل صناديد العرب الكفرة والفسقة الفجرة، رافعاً لولاء الاسلام المحمدي الأصيل وصبر على أذى كبار القوم وجهلائهم ومنافقيهم حتى أريق دمه الطاهر (ع) على يد الفرقة التكفيرية الضالة الشقية وهو قائم يصلي في المحراب .

 

مفهوم القيادة الذي جسدته واقعة الغدير يمكّن الأمة الإسلامية من صياغة وجود جديد يقيها الضياع ، ويشدّ على يدها مؤمناً لها المسير على صراط مستقيم، يضمن لها أطرا سليمة وقوانين إسلامية كانت قد هجرتها ردحًا من الزمن ، رغم تحذيرات نبيها فعن أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله ) قال في خطبة حجة الوداع: “…

 

لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض …؛

 

لكنهم سرعان ما أنكروا وجحدوا حق الوصي الامام علي عليه السلام وغصبوا الخلافة منه، وأقعدوه الدار لعقدين ونيف، فأعوجت الأمة ومرقت المارقة وأزفت الآزفة ونعق الناعقون في النفاق والفرقة والجهالة والتحريف ضالين مضلين مكفرين لهذه الفرقة وتلك، كبلاء عظيم أبتليت به الأمة يحرقون ويقتلون ويدمرون ويسلبون وينهبون ويتوارثون الحكم جاهلية بقبضة حديدة وفرعنة وطغيان وديكتاتورية .

 

طالما وصل الدين إلى كماله في واقعة الغدير، فتبعاً يكون الغدير محوراً كماليا للأمة جمعاء وضربة قاضية للمشركين والكفار والمنافقين والتكفيريين ومن سار على ديدنهم. وفي الوقت نفسه إغلاقا لباب الاعتذار أمام من سوّلت وتسوّل له نفسه تزييف الحقائق.. قالت سيدتنا فاطمة الزهراء عليها: “…

 

وهل ترك أبي يوم الغدير لأحدٍ عذرا …”؟!

 

؛ فأن كانت الأمة جمعاء متمسكة ببيعة الغدير لما كانت تشهد ما تشهده اليوم من دمار وقتل وويلات ونحيب وتمزيق ونهب للثروات وقطع للرقاب وتفخيخ وتفجير للابرياء والسجون مكتظة بالاحرار والعلماء والناشطين والدعاة المؤمنين و….

 

248

شاهد أيضاً

اليوم النوعي للمقاومة الإسلامية.. إما يذعن العدو الآن أو الآتي اعظم

عبد الحسين شبيب حتى تاريخه؛ يمكن القول إن الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 ...