الوقت- بعد أن شهدنا في الآونة الأخيرة طفرة تطبيعية من قبل بعض الحكومات العربية، أثبت الرياضة من جديد أنّها بوابة المقاومة، لا التطبيع كما يريدها البعض.
بعض المشاهد التي لمسناها من الوفود العربية في اولمبياد ريو دي جانيرو “Rio2016″، كانت بطولية بإمتياز وأعادتنا إلى بطولات عسكرية مماثلة شاهدناها في تموز 2006 وعزة 2008 و2012 و2014 ، ومنها إلى مؤتمر القمّة العربية في الخرطوم عام 1967 الذي خرج بلاءاته الثلاث: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه.
فمنذ اللحظات الأولى لأولمبياد ريو2016 ظهرت معالم المقاومة ورفض التطبيع من المدرجات التي صرخ محقّرة الوفد الإسرائيلي مقابل الهتاف والتصفيق للمنتخب الفلسطيني، وقد كتبت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية “إن الوفد الإسرائيلي لاقى إستقبالا مهينا في افتتاح اولمبياد ريو دي جانيرو “Rio2016″، فعندما تم الاعلان عن إسم الوفد الإسرائيلي، إنطلق من المدرجات تصفيق وصرخات تحقير أيضا، بينما عندما دخل الوفد الفلسطيني كان أحد اكثر الوفود شعبية في هذه الأمسية، وحظي بالهتافات والتصفيق الكبيرين خلال دخوله”.
لم تقتصر المقاومة الرياضيّة على الإفتتاحيّة والجمهور، بل سجّل الوفد اللبناني موقفاً مقاوماً آخرعبر تصدّيه لأعضاء البعثة الإسرائيلية الذين حاولوا الصعود معهم الى الباص نفسه، وذلك بعد أن وقف رئيس البعثة اللبنانية على باب الحافلة ومنع الإسرائيليين من الركوب. وسائل الإعلام الإسرائيلية رأت في الأمر حادثاً خطيراً، لا للحادث نفسه فقد أحضرت اللجنة المنظمة باصا بديلاً، بل لأن هذه الحوادث تزيد من عزلة الكيان الإسرائيلي رغم كافّة المحاولات السياسية والرياضية لكسر جليدها، وتؤكد في الوقت عينه إلتزام الشعوب العربية، وفي مقدّمتهم الرياضيين، باللاءات الثلاث: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض.
للسعودة أيضاً في أولمبياد “رفض التطبيع” 2016 حصّة من المقاومة، فقد إنسحبت بطلة الجودو السعودية جودي فهمي من الدور الثاني للأولمبياد ، بعد أن وضعتها القرعة بمواجهة اللاعبة الإسرائيلية “جيلي كاهن”. ورغم أن الحساب الرسمي للجنة الأولمبية السعودية قال إن اللجنة الطبية أوصت بعدم مشاركة فهمي بسبب الاصابة، لكن البعثة الإسرائيلية لم تصدق ذلك، وإعتبرت أنها إنسحبت لعدم رغبتها بمواجهة منافستها الإسرائيلية. الإنسحاب لم يحصل إلا بعد القرعة التي أوقعتها مع منافسة إسرائيلية، وذريعة اللجنة الأولمبية السعودية ربّما هدفت لتفادي أي عقوبات من اللجنة الأولمبية المنظّمة من قبيل إتهامها بمعاداة الساميّة.
شواهد عدّة على التطبيع عبر بوابة الرياض، إلا أن إلتزام أي حكومة بالتطبيع لا يعني أبداً الأمر نفسه بالنسبة للشعب بشكل عام والرياضي على وجه الخصوص، ومن جملة هذه الشواهد مشاركة فريق “إسرائيلي” في دورة دوليّة لكرة الطائرة الشاطئيّة أُقيمت خلال شهر نيسان الماضي في العاصمة القطرية ـ الدوحة، أو الإعلان الذي تقدّم به أمير دولة قطر عن سماحه بمواكبة الجماهير “الإسرائيلية” لمباريات “المونديال”، المتوقّع استضافته في الدوحة في العام 2022 أو حتى قبول اللاعب المصري اسلام الشهابي بمواجهة اللاعب الإسرائيلي، في منافسات الجودو في هذا الأولمبياد، عقب إعلان قرعة البطولة الأولمبية، ليتذرّع وزير الشباب والرياضة المصري بالقول “بما أننا قبلنا باللعب تحت الراية الأولمبية، فعلينا القبول بالمنافسة مع الجميع، بصرف النظر عن أي شيء “، حسب تعبيره.
يبدو واضحاً أن شواهد التطبيع هذه تقتصر على بعض الحكومات العربية، مقابل مد رياضي شعبي وحكومي يقف إلى صفّ القضية الفلسطينية قلباً وقالباً، أبرزها ما شاهدناه، رياضياً، في الجزائر حيث شجّع الشعب المنتخب الفلسطيني على حساب بلاده، وجميعنا شاهدنا كيف اهتزت مدرجات الملعب وكيف راح الشباب الجزائري يصفق وبقوة وبحماس منقطع النظير للهدف الفلسطيني ضد منتخب بلده الجزائر.
أثببت الرياضة من جديد انها ليست بوابة للتطبيع كما يريدها البعض، سواءً من جهتنا أو من الجهة الإسرائيلية التي تحاول تنتهز أي فرصة، وفي مقدّمتها الرياضة، لأهداف سياسية أولها التطبيع مع الدول العربية، وبالتالي كسر جليد العزلة التي يعيشها هذا الكيان بكلّه وكلكله.
لن تكون هذه المواقف التي نزلت نراً وشنّاراً على الكيان الإسرائيلي أقل وطأةً من ضربات الصواريخ والطلقات والسكاكين، لأنها تضرب مشروع التطبيع الذي اشرأب عنقه مؤخراً في الصميم، فما تبنيه السياسة تهدّمه الرياضة، فالرياضة بوابة المقاومة.